المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
Untitled Document
أبحث في الأخبار


الشعور برضا اللَّه‏ يملئ سكان الجنان


  

2273       03:01 مساءاً       التاريخ: 3-12-2015              المصدر: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
ليس هناك شعور يخامر الإنسان أكثر من شعوره برضا محبوبه وعزيز قلبه، فهذا الشعور يثير لديه بهجة وارتياحاً لا يوصفان.
نعم، إنّ نيل رضا المحبوب من أكبر اللذات المعنوية، وهي لذّة ممزوجة بالشعور بالشخصية وقيمة الوجود، لأنّه إن لم يكن يتحلّى‏ بالقيمة والشخصية، لما كان موضع قبول محبوبه الأكبر.
لقد أشار القرآن الكريم مراراً إلى‏ هذه القضية المهمّة وجعل منها ركيزة يستند عليها، فبعد الإشارة إلى‏ الجنان اليانعة والأزواج المطّهرة، ورد في قوله تعالى : {وَرِضوانٌ مِنَ اللَّهِ} (آل عمران/ 15)
فهذه النعمة التي تُعتبر أفضل من جميع النعم قد لُخّصت في جملة قصيرة وبليغة.
وفي الآية 72 من سورة التوبة ازيح الستار أكثر عن هذا الموضوع، فبعد الإشارة إلى‏ مجموعة من النعم المادية المتوفّرة في الجنّة ومنها الحدائق التي تجري من تحتها الأنهار والمساكن الطّيبة، يقول تعالى‏ : {وَرِضوَانٌ مِّنَ اللَّهِ اكبَرُ} ثم تُختتم الآية بالجملة  : {ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ}.
فاستخدام تعابير من أمثال‏ «أكبر» و «ذلك هو الفوز العظيم» يُظهر بوضوح عدم وجود نعمة تضاهي هذه النعمة وبالشكل الذي يتضمن مفهوم الحصر وكأنّ الجملة تريد أن تقول :
(ذلك هو الفوز العظيم لا غير).
لقد ذكرنا عدّة مَرّات عدم إمكانية تصوّر أيٍّ من النعم المادّية للعالم الآخر في نطاق هذا السجن الدنيوي المحدود، فكيف يجوز ذلك بشأن نعمة روحية ومعنوية كبرى‏ ألا وهي «رضوان اللَّه».
ويمكننا أن نفهم بشكل إجمالي الفارق بين النعم المادّية والمعنوية واللّذات المنبثقة عن أيٍّ منهما، فنحن نعرف مثلًا أنّ اللذة الناتجة عن لقاء الحبيب الغالي بعد سنوات من الفراق، أو الشعور باللذة من جرّاء اكتشاف قضّية علمية معقدة كُنّا نبحث عنها لسنوات طويلة، والأكثر من كل ذلك النفحات الروحية والانشراح النفسي الذي يغمرنا حين العبادة الخالصة والمناجاة المقرونة بحضور القلب والمحبّة الدافئة، نعرف أنّه لا يمكن مقارنة كل هذا بلذّة الطعام والشراب وسائر اللذات المادّية الاخرى‏.
روى‏ أبو سعيد الخدري حديثاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال فيه  :
«إنّ اللَّه يقول لأهل الجنّة  : يا أهل الجنّة؛ فيقولون لبيك ربّنا وسعديك والخير في يديك، فيقول  : هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى‏ يا ربِّ وقد اعطيتنا ما لم تُعْطِ أحداً من خلقكَ  :
فيقول  : ألا اعطيكم أفضلَ من ذلك، فيقولون يا ربّ وأيُّ شي‏ءِ أفضل من ذلك فيقول  : احلُّ عليكم رضواني فلا أَسخطُ عليكم بعده أبداً» «1».
وورد نفس هذا المعنى عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام ولكن بتعبير آخر، جاء في آخرهِ  : «فيقول تبارك وتعالى‏  : رضاي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه» «2».
«رضوان»  : يعني الرضا والارتياح بالمعنى‏ المصدري، ومجيئُها هنا على‏ هيئة النكرة يدل على العظمة، أي إنّ رضوان اللَّه الأكبر أهم من كل شي‏ء.
و قيل أيضاً  : إن تنكيرها هنا فيه دلالة على‏ القِلّة، أي إنّ أقلَّ رضاً من اللَّه يُعتبر أكبر من جميع النعم المادية المتاحة في الجنّة.
وعلى أيّة حال، فليس في ميسور أحد وصف تلك النفحات الروحية واللذات المعنوية التي ينالها الإنسان بسبب الشعور برضا اللَّه، نعم إنّ أي جانب من هذه اللذة الروحية يفوق جميع النعم والمسرّات الموجودة في الجنّة.
وممّا يسترعي الانتباه أَنَّ الآية (119) من سورة المائدة، وبعد سردها للنعم المادية في‏ الجنّة، أشارت إلى‏ الرضوان وصورته وكأنّه أمر متبادل بين الخلق والخالق قائلة  : {رَضِىَ اللَّهُ عَنهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الفَوزُ العَظِيمُ}. وما أجمل أن يكون الرضا من الجانبين، فهو يغرقهم بالنعم حتّى‏ يرضون، ويغمرهم بالمحبّة بحيث يعلن لهم عن رضاه، وخلاصة القول أنّه لا فوز أكبر من أن يشعر الإنسان بأنّ مولاه ومحبوبه ومعبوده راضٍ عنه. ودلالة ذلك الرضا أنّه يفيض عليه بكل ما يتصور وما لا يتصور من النعم.
وعبارة «راضية مرضية» من الآية 28 من سورة الفجر هي أيضاً إشارة إلى‏ نفس هذا المعنى‏، إذ تصوّر النفس المطمئنة لعباد اللَّه المخلصين الذين يصلون إلى‏ جوار قرب المحبوب قائلة  : إنّ صاحب النفس المطمئنة يرجع إلى‏ ربّه وهو راضٍ عنه ورّبه راضٍ عنه أيضاً، وهنا يصدر الأمر الإلهي  : {فَادْخُلِي فِى عِبَادِي} كتاج للكرامة يزّين به الرأس، فياله من فخر كبير عندما يخاطب تعالى‏ الإنسان في قوله  : «عبادي»!
نعم هذه هي عقبى‏ من اجتاز مرحلة النفس‏ الأمّارة والنفس‏ اللوامة ووضع قدمه على‏ أعتاب النفس‏ المطمئنّة. فكبح جماح الأهواء، وأَلجم الشيطان وامتطى‏ مركب التقوى‏.
ولا تقتصر الآيات المتعلقة برضا اللَّه في يوم القيامة باعتباره نعمة إلهيّة، على‏ ما ذكرناه، فهذا المعنى‏ يلوح للعيان في آيات اخرى‏ أيضاً ويعكس الأهميّة الاستثنائية لهذا الموضوع‏ «3».
_____________________
(1). تفسير روح الجنان، ج 6، ص 70؛ تفسير روح المعاني، ج 10، ص 122.
(2). تفسير العيّاشي، آخر الآية مورد البحث وفقاً لما جاء في تفسير الميزان.
(3). راجع سور، القارعة، 7؛ والتوبة، 21؛ والحديد، 20؛ والبيّنة، 8.
 
 
 


Untitled Document
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية لها علاقة بعيد (ح 3)
حسن الهاشمي
لا يغرنّك طول الأمل فالموت لك بالمرصاد
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية لها علاقة بعيد (ح 2)
علي جبار الماجدي
غارة الوهابيين على مدينة كربلاء المقدسة في عيد الغدير...
د. فاضل حسن شريف
من دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة (ح 4) (بيده الخير)
زيد علي كريم الكفلي
التقوى ميزان التفاضل
حسن السعدي
البرق: قوة طبيعية مذهلة
د. فاضل حسن شريف
من دعاء العشر الأوائل من ذي الحجة (ح 3) (أحدا صمدا)
عبد العباس الجياشي
الحارث بن النعمان الفهري ( يستعجل العذاب في الدنيا قبل...
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية من كتاب الحج ضيافة الله للسيد المدرسي (ح 3)
إسلام سعدون النصراوي
بِدَايَةُ مَرْحَلَةِ التَّغْيِيْرِ الشَّامِلَةِ...
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية من كتاب الحج ضيافة الله للسيد المدرسي (ح 2)
أنور غني الموسوي
الفرق بين التبيين والتفصيل والتصريف في القرآن الكريم...
د. فاضل حسن شريف
آيات قرآنية من كتاب مسلم بن عقيل للشيخ البغدادي (ح 5)