مسلك الاطمئنان عند الرجاليين الإمامية قراءة معاصرة في الأسس والتطبيقات
ا. م. د. صباح خيري راضي العرداوي
sabah.alardawi@alkafeel.edu.iq
Sabah.r.kh@gmail.com
ممكن مراجة الموضوع في موقع رسيج كيت
https://www.researchgate.net/publication/390034031mslkalatmynanalrjalyndalamamytdrastmasrt
مقدمة
علم الرجال يُعد من العلوم الأساسية في التراث الإسلامي، لا سيما عند الإمامية الذين أولوا مسألة توثيق الرواة أهمية قصوى في سبيل بناء المنظومة الحديثية، والتي تُشكل بدورها الأساس لاستنباط الأحكام الشرعية. وبينما تبلورت طرق متعددة للتوثيق والتضعيف، برز في العصر الحديث ما يُعرف بـ"مسلك الاطمئنان" كأحد المسالك التي تحاول تجاوز الجمود المنهجي الذي رافق الكثير من الدراسات الرجالية التقليدية.
ماهية مسلك الاطمئنان
مسلك الاطمئنان هو طريقة في تقويم وثاقة الرواة تقوم على تجميع قرائن متعددة يمكن أن تُفضي، في مجموعها، إلى الاطمئنان النفسي أو النوعي بصحة صدور الرواية أو بوثاقة راويها، دون الحاجة إلى وجود نصّ صريح بالتوثيق في كتب الرجال.
الاطمئنان هنا لا يعني العلم القطعي، بل هو حالة وجدانية عقلائية مقبولة في مقام العمل، يُستند فيها إلى عناصر تتعدى مجرد النقل الرجالي، كتحليل سياق الرواية، ومدى اعتماد الأصحاب عليها، وتكرار الرواية في المصادر المعتبرة، وشهادة غير مباشرة من الثقات أو القدماء.
مرتكزات مسلك الاطمئنان
يقوم هذا المسلك على عدة ركائز أساسية، منها:
القرائن السياقية: مثل اعتماد القدماء على الرواية في كتبهم الفقهية أو الاستدلال بها في مقام الاحتجاج.
الشهرة العملية: كأن تُبنى على الرواية فتاوى متعددة، مما يعكس نوعًا من الوثوق الجمعي بمضمونها.
كثرة النقل: بمعنى أن يكون الراوي مكثرًا في النقل عنه من قبل الثقات، مما يُشعر بجوّ عام من الاعتماد عليه.
السيرة العقلائية: حيث تُعتَبر الرواية صالحة للعمل بها ما دامت توافرت قرائن تُشعر بثبوتها ولو بدرجة الاطمئنان.
الخلفية الفكرية لاعتماد المسلك
برز مسلك الاطمئنان في إطار النقد المعاصر للمناهج الرجالية التقليدية التي وُصفت أحيانًا بالجمود والتحجر، حيث اعتمدت بشكل صارم على وجود توثيق صريح من قِبل علماء الرجال. وقد أشار بعض الباحثين إلى أن هذا الأسلوب التقليدي قد يُسقط كثيرًا من الروايات ذات المضامين الرفيعة بسبب افتقارها لتوثيق حرفي، رغم وجود شواهد عملية على قبولها عند المتقدمين.
من هنا جاءت الحاجة إلى إعادة قراءة الموروث الرجالي من زاوية عقلانية أكثر مرونة، تعتمد على المعايير العقلائية التي يُقرّ بها العُقلاء في مجالاتهم المختلفة عند تقييم الأشخاص أو الأحداث.
مواقف العلماء من المسلك
لم يكن تبني هذا المسلك محل إجماع، فقد انقسمت الآراء حوله إلى اتجاهين رئيسيين:
اتجاه مؤيد: يرى فيه ضرورة منهجية تفرضها طبيعة الواقع الحديث، ويعتبر أن حجية الاطمئنان من المبادئ العقلائية التي يُعوّل عليها في كثير من العلوم الأخرى.
اتجاه متحفظ: يرى فيه نوعًا من التهاون في شروط التوثيق، ويخشى أن يؤدي إلى الانفلات المنهجي أو تسريب روايات ضعيفة إلى الساحة العلمية، مما يضرّ بالمبنى الفقهي العام.
أثر المسلك في العمل الحديثي والفقهي
أحدث مسلك الاطمئنان نقلة نوعية في الدراسات الحديثية، إذ وفّر بديلاً مقبولاً للتعامل مع الروايات التي لا تحظى بتوثيق صريح. وقد ساهم هذا في:
تقليص حجم الروايات المهملة أو المشكوك في أمرها.
توسيع قاعدة الروايات القابلة للاستدلال بها فقهيًا.
تقديم قراءة جديدة لبعض الشخصيات التي كانت موضع خلاف بين الرجاليين.
كما أن هذا المسلك يعكس تداخلاً بين علم الرجال وعلم الدراية والأصول والمنطق، ما يمنحه بُعدًا معرفيًا متكاملاً.
خاتمة
يُعد مسلك الاطمئنان من أبرز الإضافات المعاصرة في علم الرجال الإمامي، حيث يزاوج بين الحس العقلائي والضوابط العلمية. ورغم وجود بعض التحفظات عليه، إلا أنه يعكس نضجًا في الفكر الرجالي، ويُبرز الحاجة الدائمة إلى تجديد أدوات القراءة والتقويم في ضوء تطورات المعرفة وأساليب النقد العلمي. ويمكن القول بأن هذا المسلك يمثّل امتدادًا لمنهج عقلاني في فهم التراث، لا يقف عند ظاهر النصوص، بل يتأمل في سياقاتها وتفاعلاتها مع الواقع العلمي والفقهي.







وائل الوائلي
منذ 22 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN