.د. صباح خيري العرادوي
يقول على الشهرستاني: (أن المصدر التشريعي الثاني أعني سنّة رسول الله قد مُنيّ بالوضع والتحريف من لدن عهده (ص)، وقد نبّه (ص) على ذلك فقال: (منْ كَذَبَ عليَّ متعمداً فليتبوّا مقعده من النار) ولاجلهِ نراهم يقولون عن السنّة النبويّة :انها ظنيّة)( علي الشهرستاني: منع التدوين، اسباب ونتائج: ص7-8.)
في هذا النص ممكن ان تقرأ التاريخ الذي جاءت فيه هذه الظنّيّة التي اشار اليها الشهرستاني، من خلال :
- ابتلاء السنة بالكذب في زمن النبي(ص).
- ادى هذا الابتلاء باختلاف الروايات وتفسيرها وتأويلها بحسب الفهم الخاص لدى المتلقي والمروي.
- هذا الاختلاف خلف فضاء من التصارع بالافضلية والاقربية الى فهم القران فنشأة المذاهب وتصارعت فيما بينها على تصحيح المرويات وتوثيق رجالها، بالجرح والتعديل.
هذا الانغماس خلف بوادر للارهاصات الفوضوية من خلال امرين:
1. حلقة العقل الناقد للمرويات ونزاعة الاصولي بعدم تصحيح كل ما ورد عن النبي(ص).
2. والتداعي الاخر النص الذي بنى كل تأسيس على مقولة الفرقة الناجية، اي لابد للامة من العثور على السنة الصحيحة والموصلة الى النبي(ص).
ولور اردنا تبين النزعة الاصولية والاجتهادية بما يتضمنها التصحيح الروائي عن المنقول التي جاءت باليات رجالية وقواعد متنية تشدد اصحابها في الاخذ بتلك المرويات.
اما بخصوص النزعة النصيّة التي توقفت على مقولة الفرقة الناجية اخذت منحى عقائدي اكثر ماهو حديثي لانها عدةّ كل الفرق الباقية في النار وهذا مفهوم مغالط ومجانب للحقيقة لان تَرَتَب عليها اثار الكفر.( )
ومن خلال آليات التي اتبعها بعض الأصوليين ايضا في اخذهم للرواية وتضارباتهم بسبب المعايير العلمية لتوثيق الروائي، بعدها تكونت عتْمةٌ اخرى للانغماس بصراع العقل والنص، هي الصراع السياسي المذهبي: (وبعد هذا فلا يقف الباحث الا على ركام هائل وضباب كثيف من الموازين والمقاييس يقلب عليها الحس المذهبي السياسي فكم من راوٍ وثقوه وعدلوه فلم يكن كما قالوا فيه، طبقاً لما دلت عليه نصوص اخرى).( ينظر: اسعد عبد الرزاق : فقه التكفير دراسة في المعايير الدينية. 261.)
فالمتأمل من هذا النص نجد ان الشهرستاني كان من دواعي تأليفه للكتاب الذي دار عنوانه حول(منع تدوين الحديث اسباب ونتائج) ودعوته الى تمحيص ودراسة السنة النبوية بشكل أكثر جديّة منطلقاً من الاصول الثانية في الشريعة والتاريخ والعقل والفطرة، مع ملحوظة الاجواء التي صدرت بها تلك الروايات ومناسباتها، فهذه الدعوة توصف حجم الفضاء التي كانت فيه الرواية وتداعيات الفوضويات العلمية وغير العلمية.
فلو اخذنا على سبيل المثال لهذه الارهاصات التي كانت في التاريخ منها رواية عائشة عن ابيها: قالت: (جمع ابي الحديث عن رسول الله (ص)وكانت خمسمائة حديث... وقال خشيت ان اموت وهي عندي فيكون فيها احاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت] به[، ولم يكن كما حدثني فاكون نقلتُ ذلك)( ينظر: تذكرة الحفاظ: 1/5، حجية السنة: ص394)
في دلالة هذا النص جنبتين الاولى منها هي موضوع منع التدوين منقبل الخليفة الاول، وهذا لا يعنينا موضوعنا والنقاش فيه موكول الى المصادر لكلا الفريقين، والجنبة الاخرى: هي من قوله: (ولم يكن كما حدثني فاكون نقلتُ ذلك) وهو محل البحث فهل كان لديه علم بانه ذلك المنقول على غير الحقيقة، او كان الذي نقله وحرف حرقهُ كان بيد الناس ومتداول ومنقول على غير ما هو حقيقة؟
وهنا نجد التعارض بين منع التدوين من قبل الخليفة ام من قبل النبي(ص) في الرواية المشهورة عن ابي سعيد الخدري عنه (ص): ( ومن كتب عنّي غير القران فليمحهُ).( ينظر: شرح صحيح مسلم: للنووي 17- 18، مسند احمد 3، 12، 21، 39، تقيد العلم: 29.)
ولا سبيل للتبرير التاريخي للتوافق بالمنع لانه لوكان المنع من النبي(ص) لماذا احتفظ بهذه الروايات، ثم فيما بعد حرقها وعددها لا يقل عن خمسمائة رواية؟ ويمكن مراجعة كتاب الشهرستاني في مقولة المنع عند الصحابة.
وقد وانتهج المؤلف – علي الشهرستاني- منهجاً تشكيكياً في تدوين الحديث بهذه الطريقة لانه جُعل من نقل الحديث منصاعاً الى قداسة تلك الروايات لانها صادر عن مشروع وهو النبي(ص) فوجب طاعته والامتثال لأوامره، ومنها الذين كانوا يتعاملون مع النبي(ص) هم بشر غير كامل يصيب ويخطئ.
ولو لاحظنا التدرج في هذا الفضاء لرأينا ظاهرة الاولى في تأسيس نزعة الفضاء الفوضوي المنعقد بسبب خلاف التدوين والصراع حوله هي ظاهرة تخطئة الصحابة وتضعيف مركزية مكانتهم الاجتماعية عند السلمين، فكانت امام المحدثين القيام بتلافي ظاهرة التخطئة والتصحيح مايرد عنهم اذا ما قورنت بقول وفعل النبي(ص) وتقريره، وهنا نجد ان ارهاصات النزعة الفوضوية كانت تستند على جذور تاريخي مبني على اصل عقائدي فيكون المنهج التخطئة والتصحيح ثم ياتي بعدها منهج النص وقداسة النص ثم ياتي العقل ونزعته المتمردة على تلك الموريات التي يتناولها قاد الحديث.







وائل الوائلي
منذ 22 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN