أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-5-2016
21952
التاريخ: 15-1-2019
2303
التاريخ: 16-5-2016
4859
التاريخ: 14-3-2017
3533
|
لقد كانت هناك محاولات عديدة من جانب الفقه لارساء تعريف محدد للمرحلة السابقة على التعاقد، فقد ذهب الفقه الفرنسي الى تعريفها بانها تلك المرحلة التمهيدية التي تتم فيها دراسة ومناقشة شروط العقد، وفي هذه المرحلة لايكون العقد قد تم، بل ان هناك عروض وعروض مضادة(1). كما عرّفها بانها تلك المرحلة التي تضم مجموعة من العمليات التمهيدية التي تتمثل في المباحثات، والمساعي، والمشورات، وتبادل وجهات النظر، بهدف التوصل الى اتفاق(2). واخيراً، فقد تم تعريفها "بانها تلك المرحلة التي يتم فيها تبادل الاقتراحات والمساومات والمكاتبات والتقارير والدراسات الفنية بل والاستشارات القانونية التي يتبادلها اطراف المرحلة السابقة على التعاقد ليكون كل منهما على بينة من افضل الاشكال القانونية التي تحقق مصلحة الاطراف، وللتعرف على ما يسفر عنه الاتفاق من حقوق والتزامات لطرفيه"(3) وتعد هذه المرحلة التي تسبق التعاقد مرحلة تضم عدداً هائلاً من العمليات، مثل القيام باعمال تحضيرية أو فحوص فنية او دراسات اقتصادية، واعداد خطط المشروع محل العقد وتوفير وسائل التمويل او التأمين، وهذه كلها نتاج إرادة واعية متبصرة ومدركة، مما يقتضي البحث عن توفير قدر من الحماية للمتعاقدين او بالاحرى للمتعاقد الضعيف في مرحلة ما قبل التعاقد(4) فهي اذن مرحلة استكشافية يتلمس فيها كل طرف طريقة الى العقد في جو من التردد والحذر، مما يستدعي في الغالب استعدادات ضخمة خصوصاً بعد التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده العالم الذي جعل مع مرور الوقت هذه المرحلة ليست مجرد مرحلة تحكمها اجتهادات شخصية، وانما علم له قواعد واصول افردت لشرحها كتابات متخصصة ، وبات من الواضح ان اللجوء الى هذه المرحلة التي تسبق ابرام العقد يرجع اما الى اسباب اقتصادية او نفسية اجتماعية او قانونية، فالاسباب الاقتصادية تتمثل في عظم قيمة العملية او العقد المراد ابرامه ، والاسباب النفسية الاجتماعية تحكمها ظروف كل مجتمع على حدة اما الاسباب القانونية فانها ترجع الى صعوبة وتعقد العقود بما لا يكفى معه الركون الى وجود القواعد المكملة التي تطبّق عند عدم وجود اتفاق على ما يخالفها(5)وتظهر الحاجة الماسة الى المرور بهذه المرحلة السابقة الى ابرام العقد في الكثير من العقود ولاسيما ذات الاهمية المالية العظيمة مثل عقود التنقيب عن المعادن، وعقود الانشاءات الهندسية الميكانيكية والكهربائية، وان معظم هذه العقود تتولى تنفيذها شركات عملاقة متعددة الجنسيات او القوميات تسعى في خوض المنافسة التامة الى حصد ثمار نجاحها(6). وقد يتم تحرير اوراق في هذه المرحلة لا تدخل تحت حصر يطلق على اغلبها اوراق سكرتارية موقعة من طرف واحد او اكثر من الاطراف التي يتم التحاور والتناقش فيما بينها في هذه المرحلة وقد بلغت هذه الاوراق من كثرتها وتنوعها الى اختلاف مسمياتها ومن هذه المسميات، مذكرة التفاهم وخطاب التفاهم والاتفاقات الاساسية وعهد الشرف وخطاب النوايا(7) وقد عرفت هذه المرحلة ايضاً "بانها تلك المرحلة التي يتم فيها اتصال مباشر او غير مباشر بين شخصين او اكثر بمقتضى اتفاق بينهم يتم خلاله تبادل العروض والمقترحات وبذل المساعي المشتركة بهدف التوصل الى اتفاق بشأن عقد معين تمهيداً لابرامه في المستقبل"(8). اذ اصبح لابد من ان العقد يمر بمرحلة طويلة للاعداد والتحضير والتداول والنقاش بالشكل الذي يتناسب مع هذه العقود الحديثة اقتصادياً وتنكولوجياً لازالة مابها من غموض وتعقيد بحيث يتم بعد ذلك ابرام العقد على اساس سليم وواضح مما يحقق له الاستقرار ولذلك قيل ان هذه المرحلة تقوم على التحاور والمناقشة وتبادل الافكار والاراء والمساومة بالتفاعل بين الاطراف من اجل الوصول الى اتفاق معين حول مصلحة او حل لمشكلة ما، اقتصادية او قانونية او تجارية، او سياسية(9)....الخ.
ووفقاً لبعض الانظمة القانونية فان هذه المرحلة يجب ان تدور في اطار كامل من الحرية فهذا ما يقتضيه الاعمال الفعّالة لحرية المنافسة التي هي احدى المبادئ الاساسية في الفكر الاقتصادي الحر، ولذا لا يؤيد انصار هذا الفكر تدخل القانون في هذه المرحلة ويرون استمرار حرية التعاقد منذ اللحظة الاولى للتفاهم حول العقد المراد ابرامه، أي من اللحظة التي تسبق ابرام العقد وحتى مراحله النهائية اذ تجب المحافظة في نظرهم على استمرارية التحاور والنقاش، بل وحتى قطع هذه المرحلة اياً كانت اهميتها ودرجة تقدمها، الا ان هذا الاتجاه ما كان ليسد بهذا التشدد(10)، اذ خالفته بعض الانظمة الاخرى، حيث رأت ان اطلاق عنان هذه المرحلة ليس امراً حسناً فلكل حرية حدود، فاذا كانت المنافسة ذاتها تقف عندما تبدأ المنافسة غير المشروعة، ومن ثم تحكمها قواعد وتفرض عليها قيود، وكذا الامر بالنسبة لهذه المرحلة التي يجب ان تكون بحدود، يؤكد انصار هذا الاتجاه في مبدأ حسن النية وشرف التعامل ذلك المبدأ القائم على فكرة وفلسفة معنوية هي الالتزام بمبادئ الشرف، ولذلك فان انصار هذا الاتجاه يجعلون حسن النية وشرف التعامل جوهراً للمرحلة السابقة على التعاقد وليس هناك اوضح دليلاً من ان التقنيات الحديثة لم تتضمن نصوصاً خاصة بهذه المرحلة وحتى التقنيات التي اشارت اليها بشكل جزئي لا يتضمن سوى مرحلة واحدة منها وهي مرحلة المفاوضات(11)، ولكن مع ذلك فان جميع التشريعات تقريباً كانت تتضمن نصاً عاماً يقر مبدأ حسن النية في المعاملات لمبدأ قانوني عام، يمكن الاستناد اليه وتطبيقه على العلاقات قبل التعاقدية بغية تحقيق الحماية الفعالة المنشودة، ولكي نضمن قيام هذه المرحلة بوظيفتها القانونية الاقتصادية باعتبارها وسيلة وقائية تعتمدها الاطراف التي تروم التعاقد، وقد عرفت على هذا الاساس بانها مرحلة وقائية هامة تسبق ابرام عقد ارتضاه اطرافه، وينفذ كل منهم التزاماته بطريقة سليمة وهادئة وسيجنبهم مغبة الدخول في منازعات وولوج ساحات القضاء في الدولة او قضاء التحكيم(12). واخيراً فقد عرفت المرحلة السابقة على التعاقد بانها "مرحلة تقوم على المناقشة للوصول الى اتفاق مشترك بين طرفين للحصول على حل متفق عليه للحفاظ على مصالح الاطراف التي تروم التعاقد وحل ما بينها من مشكلات او تقريب وجهات نظرها بأسلوب حضاري"(13).
___________________
1- J. GARBONNIER, Droit civil, 4-Les obligations, 20ed puf 1996, n0 28-b, P.72
2- G. CORNU, Vocabulaire Juridique Ass. H. Capitant, Puf, 1996, P.535.
نقلاً عن د. رجب كريم عبد اللاة، التفاوض على العقد، دراسة مقارنة، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون-جامعة القاهرة، 2000، ص63 وما بعدها.
3- ينظر:د.حسام كامل الاهوائي،المفاوضات في الفترة قبل التعاقدية ومراحل اعداد العقد الدولي،تقرير مقدم الى ندوة الانظمة التعاقدية للقانون المدني ومقتضيات التجارة الدولية،معهد قانون الاعمال الدولي،القاهرة،1993، ص2.
4- ينظر د. محمد عبد الظاهر حسين، الجوانب القانونية للمرحلة السابقة على التعاقد، القاهرة، 2001/2002، ، ص6.
- ولذلك توصف المرحلة السابقة على التعاقد باعتبارها من اهم مراحل العقد واعقدها على الاطلاق بانها مرحلة تتضمن محاوره ومراوغة وكر وفر، واقبال وادبار، واصرار ومثابرة، فيعرض كل طرف فيها مهاراته في هذا كله فيأخذ ويعطي بفرض "تحسس المصلحة" "وجس النبض" وتكوين فكرة عن التعاقد قاصداً الوصول الى تحقيق غايته بما يضمن له عدم الالتزام بالعقد الا في اللحظة التي يريدها مع ضمان الطرف الاخر باكبر قدر من الالتزامات ليضيق عليه الخناق. ينظر: د.عبد المعطى الخيال، النظرية العامة للالتزام ، طبعة 1993، اعداد الدكتور محمود السيد عبد المعطي الخيال، ص122.
5- ينظر: د. محمد حسام محمود لطفي، المسؤولية المدنية في مرحلة التفاوض ، دراسة في القانونين المصري والفرنسي، القاهرة، بلا اسم مطبعة، 1995، ص3.
6- ينظر د.محمد نصر الدين منصور، المفاوضات الجماعية، بحث منشور في كتاب بعنوان النظام القانوني للعاملين في مصر، مركز البحوث والدراسات القانونية والتدريب المهني، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1993، ص99ومابعدها. وينظر في مجالات النشاط الاقتصادي د.احمد محرز، الحق في المنافسة في مجالات النشاط الاقتصادي والصناعة والتجارة والخدمات ، القاهرة، 1994، ص24 ومابعدها.
7- ينظر د.نبيل ابراهيم سعد، الضمانات غير المسماة في القانون الخاص في نطاق قانون الالتزامات وفي نطاق قانون الاموال، دراسة مقارنة، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1991، ص147.
- د.احمد شرف الدين،اصول الصياغة القانونية للعقود،(تصميم العقد)،القاهرة،بلا اسم مطبعة،1993،ص68.
8- ينظر: د. . رجب كريم عبد اللاة، التفاوض على العقد، دراسة مقارنة، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون-جامعة القاهرة، 2000، ص64.
9- د.سميحة القليوبي، تقييم شروط التعاقد والالتزام بالضمان في عقود نقل التكنولوجيا، مجلة مصر المعاصرة، تصدرها الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع، القاهرة، السنة 77، العدد 406، عام 1986، ص108.
10- د.محمد محمد ابو زيد، المفاوضات في الاطار التعاقدي (صورها وأحكامها)، القاهرة، دار النهضة العربية، 1995، ص3 ومابعدها؛ د.حسام كامل الاهواني، المقال السابق، ص10.
11- وانصار هذا الاتجاه يرون ان هذه المرحلة تتطلب في بعض الاحيان كثيراً من الوقت، والجهد، والمال، فكان بحثهم عن وسيلة تؤمن هذه المرحلة من مخاطر افشالها دون جزاء رادع وفي سبيل ذلك حاول هذا الاتجاه اضفاء الطابع التعاقدي عليها بحيث يمارس الاطراف فيهانشاطهم على اساس تعاقدي.
ينظر: د.احمد شرف الدين، مصدر سابق، ص64؛ د.عبد الحي حجازي، النظرية العامة للالتزام وفقاً للقانون الكويتي (دراسة مقارنة)، الجزء الاول، مصادر الالتزام باعتناء د. محمد الالفي، 1983، مطبوعات جامعة الكويت، 1983، ص595؛ د. السيد البدوي، حول نظرية عامة لمبدأ حسن النية في المعاملات المدنية، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1989، ص361 ومابعدها.
12- ينظر د. محمد حسين عبد العال، التنظيم الاتفاقي للمفاوضات العقدية، القاهرة، دار النهضة العربية، 1998، ، مصدر سابق، ص123؛ عبد الحكيم عبد اللطيف القوي، مبدأ حسن النية واثره في التصرفات في الفقه الاسلامي والقانون المدني المصري والفرنسي، دراسة مقارنة، القاهرة، 1997، ص12؛ د.احمد عبد الكريم سلامة، النظام القانوني لمفاوضات العقود الدولية، مقال منشورفي مجلة الافراد والقانون التي تصدرها اكاديمية شرطة دبي، السنة الحادية عشر، العدد الاول، 2003، ص27و28.
13- ينظر: د.حسن الحسن، التفاوض والعلاقات العامة، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1993، ص11.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|