أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-9-2016
1981
التاريخ: 28-9-2016
3086
التاريخ: 28-9-2016
2586
التاريخ: 1-8-2020
2042
|
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يا علي يلزم الوالدين من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما» (1).
قانون الحقوق:
الحقوق من أهم ما تمتاز به الشريعة الإسلامية لسعادة الحياة الشخصية والاجتماعية ومن هنا نجد أن نظام الحقوق يحكم على كل جوانب الحياة في الإسلام، فلله تعالى حق على المخلوق بأن يعبده وحده عرفاناً بالجميل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وفي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام): «فأمّا حقّ الله الأكبر عليك، فأن تعبده لا تشرك به شيئاً» (2).
كذلك إنّ لنفس الإنسان على الإنسان حقّاً فلا يضارها ولا يتلفها والإنسان يمتلك أعضاء وحواساً تساعده على أداء الأعمال والتمتع والحركة، ومن حقّ هذه الأعضاء أن يضع كلاًّ منها موضعه، ومنها طاعة الله تعالى ولا يستخدمها في غير محلّها.
«وحقّ نفسك عليك أن تستعملها بطاعة الله عزّ وجلّ فتؤدّي إلى لسانك حقّه وإلى سمعك حقّه، وإلى بصرك حقّه، وإلى يدك حقّها، وإلى رجلك حقّها، وإلى بطنك حقّه، وإلى فرجك حقّه، وتستعين بالله على ذلك» (3).
كذلك إنّ للصلاة التي تؤدّيها يوميّاً خمس مرّات حقّاً وللحج حقاًّ وللصوم حقّاً.
وهذه الأعمال العباديّة ذات طرفين وحقوقها متبادلة، هذا في الجوانب الشخصية وأمّا في حياة الإنسان الإجتماعية فكذلك هناك حقوق متبادلة، فللزوج حقوق على الزوجة وللزوجة أيضاً حقوق على الزوج قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
وقال الإمام (عليه السلام):
«.. وإن كان حقّك عليها أوجب فإنّ لها عليك أن ترحمها؛ لأنّها أسيرك، وتطعمها وتكسوها فإذا جهلت عفوت عنها» (4).
فكلّ شيء في هذا الوجود وضعت الشريعة الإسلامية له حقوقاً متبادلة قائمة على أساس الحق والإنصاف والمصلحة.
حق الآباء مسؤولية الأبناء:
ومن ضمن الحقوق المتبادلة حق الآباء على الأبناء وحق الأبناء على الآباء، وأمّا حقّ الآباء فمن قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24].
وقوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
ويصوّر لنا الإمام زين العابدين (عليه السلام) هذا الحق بقوله: «وأمّا حق أبيك فأن تعلم أنّه أصلك، وأنّه لواه لم تكن فمهما رأيت في نفسك ما يعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه، فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله» (5).
وحقّ الآباء ناشئ في الغالب ممّا يبذلانه من تعب وإرهاق لتربية الأبناء ويضحّيان بالغالي والنفيس لأجل نشوئهم ونموّهم وما يلاقيه الآباء من مصاعب ومشاكل لأجل أبنائهم ولولا الآباء لما وجد الأبناء، كلّ هذه العوامل فرضت على الأبناء تحمّل مسؤوليّاتهم تجاه الآباء من الإحسان إليهم ومعاشرتهم بالمعروف واحترامهم والتكلم معهم بالكلام الحسن واتباع أوامرهم إلّا فيما يغضب الخالق تعالى إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد تواترت الأحاديث الشريفة في حقوق الآباء وأفضليّة الأعمال برضا الوالدين، وأنّ الجنّة مرهونة برضاهما عكس عقوق الوالدين ففيه الخسارة الدنيويّة والأخرويّة.
والخلاصة ينبغي على الأبناء تجاه آبائهم أمور منها:
1 - الحب: وهو عاطفة فطرية أودعها الله تعالى في قلوب الأبناء منذ الصغر حتّى إذا بلغ الابن تحولت محبته لوالديه شفقة فيعمل لسعادتهم كما كانوا هم يعملون لسعادته.
2 - الشكر: وهو أقلّ الأثمان مقابل عطاء الوالدين من جسدهما وراحتهما لتربية أبنائهما وللشكر مظاهر منها العطف والصبر في إنجاز الأعمال وتحمل الأعباء الموكولة إلى الأولاد عند بلوغ الأبوين سن العجز
وتخفيف أعباء الحياة عنهما، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].
3 - الطاعة: وهي دليل الإخلاص والحبّ والطاعة للوالدين لها مظاهر منها الالتزام بنصائحهما ومنها تنفيذ رغبتهما والوقوف عند أوامرهما إذا لم تكن في معصية الله.
4 - الاحترام: والاحترام يظهر أيضاً من خلال رعاية الأدب اتجاههما وعدم معاملتهما معاملة الند وإنما معاملة الصغير للكبير.
5- النفقة: إذا كان الآباء مصداقاً لوجوب النفقة وذلك بتهيئة اللوازم المطلوبة لهما من ملبس أو مأكل أو مبيت وما شابه، وقد ذكر الفقهاء أنّ للآباء على الأبناء وجوب النفقة في شرائط خاصة.
العقوق خسارة مرّة:
في رواية أنّ شيخاً كبيراً جاء بابنه إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والشيخ يبكي ويقول: يا رسول الله ابني هذا غذوته صغيراً، وربّيته طفلاً عزيزاً، وأعنته بمالي كثيراً، حتّى إذا اشتدّ أزره وقوي ظهره وكثر ماله، وفنيت قوتي وذهب مالي عليه وصرت من الضعف إلى ما ترى، قعد بي فلا يواسيني بالقوت الممسك لرمقي.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للشاب ماذا تقول؟ قال: يا رسول الله لا فضل معي عن قوّتي وقوت عيالي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للوالد ما تقول؟ فقال يا رسول الله: إنّ له أنابير حنطة وشعير وتمر وزبيب، وبدر الدراهم والدنانير وهو غنيّ. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للابن ما تقول؟ قال الابن: يا رسول الله ما لي شيء ممّا قال. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اتّقِ اَلله يا فتى وأحسن إلى والدك المحسن إليك.
قال: لا شيء لي. قال رسول الله: فنحن نعطيه عنك فى هذا الشهر، فأعطه أنت فيما بعده، وقال لأسامة: أعطِ الشيخ مائة درهم نفقة لشهره لنفسه ولعياله، ففعل فلمّا كان رأس الشهر جاء الشيخ والغلام، وقال الغلام: لا شيء لي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لك مال كثير، ولكنّك اليوم تنسى وأنت فقير وتصير أفقر من أبيك هذا لا شيء لك.
فانصرف الشاب فإذا جيران أنابيره قد اجتمعوا عليه يقولون: حوّل هذه الأنابير عنّا، فجاء إلى أنابيره وإذا الحنطة والشعير والتمر والزبيب قد نتن جميعه وفسد وهلك، وأخذوه بتحويل ذلك عن جوارهم، واكترى أجراء بأموال كثيرة فحوّلوه وأخرجوه بعيداً عن المدينة، ثم ذهب يخرج إليهم كراء من أكياسه التي فيها دراهمه ودنانيره فإذا هي قد طمست ومسخت حجارة، وأخذ الحمّالون يطالبون بالأجرة، فباع ما كان له من كسوة وفرش ودار، وأعطاهم الكراء، وخرج من ذلك كلّه صفراً، ثم بقي فقيراً مقتراً لا يهتدي إلى قوت يومه، فسقم لذلك جسده وضني، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أيّها العاقون للآباء والأمّهات اعتبروا واعلموا أنّه كما طمس في الدنيا على أمواله، فكذلك جعل بدل ما كان أعدّ له في الجنّة من الدرجات معدّاً له في النار من الدركات (6).
وهذا هو ثمن عقوق الوالدين خسارة الدنيا بما فيها من ملذّات ونعم وخسارة الآخرة.
حقّ الأبناء على الآباء:
هذه كانت إشارة سريعة لحقوق الآباء وما يلزم من عقوق الولد لوالديه وكما أنّ للآباء حقوقاً على الأبناء فإنّ للأبناء حقوقاً على آبائهم فإذا لم يلتزموا بها يكونوا عاقّين أيضاً كما جاء في حديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): «يا علي يلزم الوالدين عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما» (7).
والعقوق أصلها العق وهو الشق والقطع فيقال عقّ الولد أباه يعقّه عقوقاً من باب قعد إذا آذاه وعصاه وترك الإحسان إليه وهو البرّ به (8).
لذا فإنّ العقوق هو القطع أو الشقّ سواء من الولد تجاه والديه أو من الوالدين تجاه الولد؛ لأنّ كلاً الطرفين عليهما واجبات كما لهما حقوق.
وقد ذكرنا واجب الولد تجاه والديه وسنذكر واجبات الآباء تجاه الأبناء فإذا قطع الولد هذه الواجبات الملقاة عليه تجاه والديه صار عاقّاً وإذا قطع الوالدان واجباتهما تجاه الولد صارا عاقّين أيضاً.
ونتيجة العقوق أيضاً ستكون خسارة الدنيا والآخرة؛ لأنّ الحقوق الإسلاميّة متبادلة وذات طرفين فإذا لم يفعل الأبناء ما يلزمهم به الإسلام عليهم من حقوق تجاه الآباء يكونوا (عاقين) كذلك إذا لم يفعل الآباء ما يلزمهم به الإسلام من حقوق تجاه الأبناء يكونوا (عاقين).
وفي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام) يصوّر لنا الإمام حق الأبناء على الوالدين هكذا: «وأمّا حق ولدك فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنّك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه» (9).
فالإحسان للأبناء فيه الثواب والإساءة إليهم فيه العقاب ويعتبر من العقوق. فالأولاد أمانة وضعها الله تعالى بيد الاباء وهم مسؤولون عنها بحسن التربية وهذه المسؤوليّة تتعدّى مسألة الاحترام والكد على العيال إلى مسؤوليّة أكبر وهي الحفاظ على المجتمع الإسلاميّ ككلّ وتماسكه وصلاحه بنشوء الأبناء في ظلّ تربية صالحة وحسنة تعطي ثمارها عاجلاً وآجلاً في بناء المجتمع وتطوره وأفضليّته وهذه المسؤوليّة من أكبر الواجبات الملقاة على عاتق الآباء والتي يفرضها الإسلام والنظام الاجتماعي.
اختيار الاسم الحسن:
1ـ من الحقوق المفروضة على الآباء تجاه الأبناء أن يحسن الأب اسم ولده،
وأحسن الأسماء ما يشعر بالعبوديّة مثل عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم وعبد العظيم وأسماء الأنبياء كإبراهيم وموسى و[عيسى] ومحمّد (صلّى الله عليه وآله وعليهم) وأسماء الأوصياء كعليّ والحسن والحسين والباقر والصادق (عليهم السلام) هذا بالنسبة للذكور أمّا بالنسبة للإناث فمثل فاطمة والراضية والمرضيّة والبتول والزهراء، وهذه الأسماء المنقولة سمّاها الله تعالى لفاطمة الزهراء (سلام الله عليها) لأسباب ومناسبات حقيقية تحمل في طيّاتها المناسبة بين الاسم والمسمّى والإيحاء الإيجابي لدى الناس، قال الإمام الصادق (عليه السلام): «لفاطمة تسعة أسماء عند الله عزّ وجلّ: فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء.." (10).
وتختلف أسماء البشر على مرّ الأجيال والعصور وعلى اختلاف لغاتها، فقد توجد هناك مناسبة بين الاسم والمسمّى وقد لا توجد، وقد يكون للاسم معنى في اللغة وقد يكون مخترعاً لا معنى لغوياً له، وقد يكون الاسم له تأثير على الشخص وقد لا يكون، أمّا أولياء الله تعالى فقد جمعوا في أسمائهم المعاني الحقيقيّة والصفات الحسنة فقد اختار الله تعالى لنبيّه يحيى (عليه السلام) هذا الاسم قبل أن تنعقد نطفته في رحم أمه {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا * يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم: 5 - 7].
ولذا فإنّ أسماء الأنبياء والأوصياء جاءت بإيحاء إيجابيّ وذات تأثير حسن على الإنسان ولذا فمن الجفاء لمن أعطاه الله تعالى عدة أولاد ألّا يسمّي أحدهم (محمد) وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن ولد له أربعة أولاد ولم يسمِّ أحدهم باسمي فقد جفاني» (11).
وهناك روايات عديدة في هذا المجال منها: عن سليمان الجعفريّ قال: سمعت أبا الحسن يقول: «لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء» (12).
وقال (عليه السلام): استحسنوا أسماءكم فإنّكم تُدعَون بها يوم القيامة، قم يا فلان بن فلان إلى نورك أو قم يا فلان بن فلان فلا نور لك.. (13).
وعن العيّاشي عن ربيع بن عبد الله قال: «قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك إنّا نسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم فينفعنا ذلك، فقال: إي والله وهل الدين إلا الحب والبغض قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31] (14).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «من حقّ الولد على والده ثلاثة: أن يحسن اسمه، ويعلّمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ» (15).
تأثير الاسم على المسمّى:
للاسم (تأثير إيحائيّ) لأنّه يرتبط بذات الشخص ويقيم معه علاقة دائميّة ويُعرَف به بين الناس، فإن كان حسناً كان تأثيره حسناً على الشخص لتداول معناه في ذهن الشخص يوميّاً فيحاول جاهداً أن يكون اسماً على مسمّى والعكس بالعكس.
وفي مدى تأثير الاسم على الشخص: ينقل أنّه كان هناك رجل كثير الكذب وفي ذات يوم التقى بعالم فاضل فسأل عن اسمه؟ فأجابه الرجل: صادق!! فقال له العالم: إذاً كن صادقاً ولا تكذب أبداً في حياتك، فأثّر كلام العالم في الرجل وصمّم وقتها على ألّا يكذب أبداً.
وهناك أناس استثمروا فرصة الخير والصلاح فكانوا من أولياء الله تعالى وخلّدهم التاريخ لموقفهم البطوليّ كما في قصّة الحرّ بن يزيد الرياحيّ وموقفه البطولي يوم عاشوراء على أرض كربلاء ووقوفه بجانب الإمام الحسين (عليه السلام) وجانب الحقّ وعندما وقع مضرّجاً بدمائه في أرض المعركة أتى إليه الإمام الحسين (عليه السلام) فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول: أنت الحرّ كما سمّتك أمّك حرّ في الدنيا والآخرة، وروي أنّه أتاه الحسين (عليه السلام) ودمه يشخب فقال: بخٍ بخٍ لك يا حرّ أنت حرّ كما سُمّيت في الدنيا والآخرة (16) فالعوامل المؤثّرة في سعادة الإنسان كثيرة: الوالدان، الأسرة، البيئة، التربية، ومنها التسمية.
الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما يبرز في يوم خيبر أمام مرحب الخيبريّ يقول في رجزه:
أنا الذي سمّتني أمي حيدرة *** ضرغام آجام وليث قسورة
كما أنّ العكس صحيح إذ إنّ هناك من الأشرار الذين يذكرهم التاريخ كانت أسماؤهم توحي أيضاً بالشر والظلم مثال: شدّاد، أبو لهب، يزيد، شبث بن ربعي.
تغيير الأسماء:
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من دأبه أن يغيّر الأسماء القبيحة إلى أسماء حسنة، وقد ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يغيّر الأسماء القبيحة من الرجال والبلدان"(17).
التربية الحسنة:
2ـ ومن حقوق الأبناء على الآباء حسن التربية وقد وضع الإمام الصادق (عليه السلام) منهجاً عمليّاً للتربية حيث جعل فترة نمو الأبناء في أحضان الآباء ثلاث مراحل، ولكل مرحلة أسلوبها الخاص حيث قال (عليه السلام): «دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدّب سبعاً، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن فلح وإلّا فلا خيرَ فيه» (18).
التربية الفطريّة:
وتتلخّص هذه المراحل على النحو التالي:
أولاً- التربية الفطريّة:
وتختصّ هذه الفترة بالسنين السبع الأولى إذ يعامل الاب ابنه برفق ورحمة وعطف وحنان ويملأ ذهن ابنه بحب أهله ومجتمعه ودينه، ويهيّئ له تغذية صالحة لينمو ويقوى جسمه وينشأ صحيحاً، ويحاول الأب أن يبرمج الطفل في هذه المرحلة على حبّ الآخرين وترك الأنانيّة وحبّ أهله ومجتمعه وأمّته كما يمرّنه على أداء بعض العبادات كالصلاة والصوم، وفي الحديث الشريف: «علّموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم» (19).
ومن هنا أفتى فقهاؤنا الأعاظم باستحباب تعليم الأولاد ذلك، كما يفضّل أيضاً استصحابهم عند زيارة مراقد أهل البيت (عليهم السلام) وربطهم روحيّاً بأصحاب هذه المراقد، وإبعادهم عن الأماكن المشبوهة والمحرمة لأنّ الطفل في هذه المرحلة يرسم صوراً في ذهنه حية عن الأماكن التي يرتادها والده ويكون معها علاقة عاطفية تظهر عليه إذا بلغ وفهم الحياة، ومن الأمور التي ينبغي مراعاتها في هذا الدور أيضاً أن تترك الطفل الصغير يمارس تجاربه الشخصية بنفسه ويتعامل مع الأشياء معتمداً على نفسه، لتبتني شخصيّته بناءً قويّاً محكماً وذلك لأنّ الطفل الصغير إذا نمى على ممارسة تجاربه بنفسه فإنّه سوف ينشأ:
ـ واثق النفس.
ـ ذكي الفهم.
ـ قوي الإرادة.
وتزداد معارفه يوماً فيوماً بالتجارب.
كما سوف يكتشف بعض الغوامض والقوانين ويتعرّف على الأسرار بنفسه ممّا يزيده اطمئناناً وقوّة في الشخصيّة لذا فالحديث الشريف يقول: (اتركه سبعاً) ليجرب الأمور بنفسه، ولكن ينبغي على الوالدين أن يشرفا على الولد لكيلا يرتكب أخطاءً فظيعةً تؤدّي به إلى المرض أو الخطر لقلة تجربته وضعف دركه.
فالإمام (عليه السلام) يقول: (اتركه سبعاً) لا يقصد منه اتركه مطلقاً بلا إشراف ومتابعة بل يريد (عليه السلام) أن تتركه يكتشف الأمور بنفسه مع متابعة وإشراف من الآباء، كلّ ذلك لتكبّر روحه وتقوى شخصيّته ممّا يكون له دور كبير على مستقبله، وقد اعترف علم النفس الإجتماعيّ أخيراً بدور التجارب الشخصيّة في الصغر على مستقبل الإنسان واعترف بهذه الحقيقة التي قالها الإمام (عليه السلام) قبل قرون طويلة.
التربية العلميّة:
ثانياً - التربية العلميّة:
وإذا انتهت المرحلة الفطرية التي يترك فيها الطفل مع تجاربه الخاصة تبتدئ المرحلة الثانية وهي التي توجب على الأب تعليم ابنه وتثقيفه وإلحاقه بمدرسة علميّة مع متابعته إضافة إلى تفهيمه جوانب الحياة وما يترتب عليه من واجبات وأعمال مرتبطة بحياته وفي هذه الفترة يكون بلوغ بعض الأولاد فيترتب عليه التكليف الذي سنته الشريعة الإسلامية من صلاة وصوم، فينبغي على الآباء إذن في هذه المرحلة تعليم الأبناء العبادات المفروضة عليهم بعد أن كانت في المرحلة السابقة تمرينيّة ومستحبة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين، ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم فإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقلّ فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتّى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا (20).
والظاهر أنّ أغلب الإناث يبلغن في سنّ التاسعة على المشهور فيجب عليهنّ إكمال الصيام إلى الليل وهكذا يدخلنَ في المرحلة الثانية بوجوب أداء العبادات.
ومن المظاهر المهمّة التي يجب تعليمها الأبناء في هذه المرحلة تلاوة القرآن الحكيم والتدبّر في آياته والأحاديث الشريفة المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) وفي الحديث: «علّموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به» (21).
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: "حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن" (22).
ولذا فإنّ الأب الذي يعلّم ابنه الحديث يؤدّبه على الإرتباط الوثيق بأهل البيت (عليهم السلام) وحبّ منابع هذا العلم والعروة الوثقى التي ينجو من يتمسّك بهم، ولا شكّ أنّ هذه المرحلة أشدّ خطورة على مستقبل الإنسان ومستقبل الأمة الإسلامية إذ تتضمّن وعي الفرد ونضجه فلو استطاع الآباء استغلال هذه المرحلة استغلالاً حسناً لهيّئوا أجيالاً صالحة تأخذ بزمام المجتمع إلى شاطئ الأمان والسعادة الدنيويّة والأخرويّة..
أمّا لو حصل العكس وأهمل الآباء واجباتهم تجاه الأبناء وتعليمهم فهم لا يكونون فقط عاقّين لأبنائهم وإنّما يكونون مقصّرين بحقّ الأمّة الإسلاميّة والدين وبحقّ أنفسهم.
وهناك مظاهر أخرى دعا الإسلام لها في مرحلة التعليم لتقوية أبناء المجتمع الإسلاميّ والحفاظ على المبادئ الإسلامية والوطن، ومنها السباحة والرماية. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «علّموا أولادكم السباحة والرماية» (23) فالسباحة تساعد على نمو العضلات وتربية الجسم تربية صحيّة، والرماية تستخدم للدفاع عن بلاد الإسلام عند تعرّضها لهجمات الأعداء كما أنّ في التعليم صيانة الأمة عن الهجمات الفكرية المعادية للإسلام. وما أحوجنا اليوم إليها وخصوصاً ما يتعلق بالعقائد والأخلاق ومبادىء الشريعة من الإيمان بالأخوة والحرية والشورى والاكتفاء الذاتي على صعيد الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية لأن هذه المبادئ هى التى تسوق الإنسان والمجتمع والأمة إلى الحياة الهادئة المطمئنة بالسلام.
التربية العمليّة
ثالثاً- التربية العمليّة:
فإذا قطع الأبناء هاتين المرحلتين استعدّوا للتطبيق العملي والخروج إلى عالم الإنتاج ومزج العلم بالعمل ومن هنا تبتدئ تحسب عليهم خطواتهم وتصرفاتهم بالمنظور الشرعي والاجتماعيّ، وعادة هذه المرحلة تعطي ثمارها حسب ما قبلها من المرحلتين فإذا كانت البذرة خيراً أعطت خيراً وإذا كانت سوء أعطت سوء ووبالا على المجتمع. فعلى الآباء الاهتمام بهذه المراحل جيداً لأن الولد يبرمج برمجة دقيقة على ضوء تربيته كما يبرمج العقل الآلي مثلاً وسيبقى رهين هذه التربية طيلة عمره، أما لو أهمل الآباء أبناءهم ولم يبرمجوهم ويربوهم تربية صالحة فسوف يكونون بذلك مثاراً للتعب والشقاق وفي الحديث الشريف: «جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره» (24).
ومن هنا تهتمّ الأمم بالشباب اهتماماً بالغاً لما لهم من الدور الكبير والخطر في البناء والهدم، فإذا نشأوا على البناء كانوا بناة في المستقبل وإذا تركوا ونشأوا نشأة هدّامة كانوا هدّامين في المستقبل، ولهذا ينبغي أن نعطي للشباب أدواراً جيّدة في الحياة مع الرعاية والإشراف لأنّهم بناة المستقبل قبل أن يحتويهم الأعداء فيوظّفوا طاقاتهم لخدمتهم ويحرموا الأمة منهم.
الشباب عند رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ولقد اهتمّ الإسلام اهتماماً كبيراً بالشباب وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يولّيهم رعاية خاصّة ويوصي الآباء برعايتهم ويشجّع الشباب على تعلّم السبق والرماية.
وقد عمد (صلى الله عليه وآله) إلى توليتهم المسؤولية كما قام بعد فتح مكة بتنصيب عتاب بن أسيد أميراً على مكة وكان شاباً حدث السن ابن ثماني عشرة سنة (25).
ثم إنّه (صلى الله عليه وآله) عقد الإمرة للشاب أسامة بن زيد على الجيش الذي بعثه إلى بلاد الروم قبل وفاته (صلى الله عليه وآله) وكان تحت إمرة أسامة قدامى المهاجرين والأنصار ومنهم أبو بكر وعمر بن الخطاب (26) كلّ ذلك جاء ثمرة لجهود الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) مع الشباب والنشّء الصغير لكي يتسلّموا مهامهم ومسؤولية نشر الإسلام والحفاظ عليه ولذا كان يوصي ص دائماً بالشباب بقوله: «وأوصيكم بالشباب خيراً» (27).
وفي رسالة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) قال: ".. وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء إلّا قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك" (28).
الزواج سنّة اجتماعيّة:
3ـ ومن الحقوق المهمّة أيضاً على الآباء أن يزوّجوا أبناءهم إذا بلغوا وهذه المرحلة تعتبر مكملة للأدوار السابقة؛ لأنّ الإنسان إنّما تكتمل شخصّيته بالزواج ذكراً كان أم أنثى، ومن هنا ورد في الأخبار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن تزوّج فقد أحرز نصف دينه، فليتّقِ الله في النصف الباقي» (29).
وقال )صلّى الله عليه وآله): «النكاح سنّتي فمَن رغب عن سنتي فليس منّي» (30).
وقال (صلّى الله عليه وآله): «خيار أمّتي المتأهّلون وشرار أمّتي العزّاب» (31)؛ وذلك لأنّ الزواج وتكوين الأسرة ضمانة أساسية للأبناء ضد الانحراف والفساد، وبالزواج استقرار لنزوة الشهوة عند الشباب ورادع للشيطان، بينما العزوبة تجعل الشباب عرضة لمزالق الشيطان والانجراف وراء مضلات الفتن، ومن هنا أكّد الإسلام على الزواج وجعله من المستحبات المؤكدة كما أفتى بذلك فقهاؤنا الأعاظم:
قال الشهيد الأوّل (قده) في اللمعة الدمشقية: «النكاح مستحبّ مؤكّد وفضله مشهور محقّق» (32).
وقال الشهيد الثاني (قده) في شرح اللمعة: «النكاح مستحبّ مؤكّد لمن يمكنه فعله ولا يخاف بتركه الوقوع في محرم وإلّا وجب قال الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] وأقلّ مراتب الأمر الاستحباب» (33).
في كتاب العروة الوثقى: "النكاح مستحب في حدّ نفسه بالإجماع والكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة.." (34).
وإذا خيف من ترك الزواج الوقوع في الحرام والفساد يجب عندها الزواج. في كتاب المسائل الإسلاميّة: "مَن خاف الوقوع في الحرام لتركه الزواج يجب عليه أن يتزوّج» (35).
بينما نجد أنّ بعض الأسر اليوم تتعلّل في عدم تزويج أبنائها بأعذار لا يعترف بها الإسلام مثل قلّة المال أو أزمة السكن أو إكمال الدراسة ونحو ذلك وكأنّهم يتصوّرون أنّ الزواج يعيق التقدّم والرفاه في الحياة بينما العكس هو الصحيح فالرزق تكفل به سبحانه وتعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 32] بل إنّ الزواج سبب للرزق وموجب لسعته ففي خبر إسحاق بن عمار قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الحديث الذي يرويه النّاس حقّ أنّ رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج حتّى أمره ثلاث مرات قال أبو عبد الله (عليه السلام): نعم هو حقّ ثم قال: الرزق مع النساء والعيال.. (36).
وكما أنّ الزواج لا يعيق الدراسة والتقدّم فقد أثبتت الدراسات النفسيّة أن السكن النفسيّ والاطمئنان الروحيّ من أكبر عوامل التقدم في كافة مجالات الحياة، ومن الواضح أنّ الزواج أفضل سكن نفسيّ للإنسان ذكراً أو أنثى لذا وصفه القرآن الحكيم بالسكن في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 21] وبذلك يكون من أفضل عوامل التقدّم مضافاً إلى أنّ التجارب العمليّة للمتزوّجين ونجاحهم في ميادين الحياة وتفوّقهم تدلّ على صحة ذلك.
الزواج المبكّر نداء الإسلام:
إنّ الإبكار في التزويج عمليّة صحيّة في المجتمع تساعد على تفرّغ الإنسان لعمله واستقراره النفسيّ وإزالة الظواهر السيّئة والمحرّمة كالزنا والفواحش وما شابه نتيجة الكبت وأهواء الشهوة وتغرير الشيطان ومن تزوّج في حداثة سنه تخلّص ثلثا دينه من الشيطان: «ما من شاب تزوّج في حداثة سنه إلّا عجّ شيطانه: يا ويله، يا ويله! عصم منّي ثلثي دينه، فليتّقِ الله العبد في الثلث الباقي» (37).
وإنّ امرأة سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقالت: أصلحك الله إنّي متبتّلة فقال لها: وما التبتّل عندك؟ قالت: لا أريد التزويج أبداً، قال: ولم؟ قالت: ألتمس في ذلك الفضل، فقال: انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة (عليها السلام) أحقّ به منك، إنّه ليس أحد يسبقها إلى الفضل (38).
فالفضل في التزويج والنكاح وعلى الآباء الإبكار في ذلك حتّى يتفرّغ الأبناء لمستقبلهم ومستقبل أمتهم.
هذه بعض الحقوق المفروضة على الآباء تجاه أبنائهم ذكرناها على سبيل الاختصار وإلّا فإنّ في هذه الحقوق معانٍ عميقة وتأثيرات جانبيّة أخرى لو أردنا ذكرها لطال بنا المقام كالإعداد البدنيّ والعقليّ والروحيّ للأبناء وهنا رأينا أن نذكر بعض الشواهد لتعليم الآباء أبناءهم ودور هذا التعليم في بناء مستقبل الأولاد.
الصاحب بن عباد:
وهو إسماعيل بن عباد صحب ابن العميد في وزارته وتولّاها بعده لفخر الدولة بن بويه ولقّب بالصاحب الكافي وصاحب الفواضل والمكارم والآداب وقد جمع بين الشعر والكتابة وقد فاق فيهما أقرانه.
وُلد سنة 326هـ في ذي القعدة باصطخر فارس وقيل بالطالقان، وتولّى وزارة مؤيّد الدولة بن ركن الدولة بن بويه الديلميّ بعد أبي الفتح علي ثم تولى وزارة فخر الدولة، وكان معظّماً عنده نافذ الأمر وتُوفّي سنة 385 ه في 24 صفر ليلة الجمعة بالريّ (39) ..ومن صفاته أنّه كان في صغر سنه إذا أراد المضيّ إلى المسجد ليقرأ تعطّيه والدته ديناراً لكلّ يوم ودرهماً وتقول له: تصدّق بهذا على أوّل فقير تلقاه فكان هذا دأبه في شبابه إلى أن كبر وقد استمرّ الصاحب بن عباد على هذه الصفة التي علّمتها إيّاه أمّه إلى كبره، ولم تثنه مكانته العلميّة والاجتماعيّة عن هذه العادة الحسنة، وقد حكي عنه (ره): إنّه بعث إليه بعض الملوك يسأله القدوم عليه، فقال له في الجواب: أحتاج إلى ستيّن جملاً أنقل عليها كتب اللغة التي عندي..
وكان من الشيعة الأجلّاء وقد اهتمّ كثيراً بترويج مذهب أهل البيت (عليهم السلام) خير ترويج ونقل الأحاديث الواردة عنهم (عليهم السلام) وكان من شعره:
لو شقّ عن قلبي ترى وسطه ***سطرين قد خُطّا بلا كاتب
العدل والتوحيد في جانب *** وحبّ أهل البيت في جانب
جاء رجل أمويّ وافدا إلى الصاحب بن عباد، وقد كتب له في رقعة أبياتاً هي:
أيا صاحب الدنيا ويا مالك الأرض *** أتاك كريم الناس في الطول والعرض
له نسب من آل حرب مؤثل *** مرائره لا تستميل إلى النقضِ
فزوّده بالجدوى ودثّره بالعطا *** لتقضي حقّ الدين والشرف المحض
فلما وصلت إليه تأملها الصاحب (ره) وكتب في جوابها على نفس القافية والوزن:
أنا رجل يرمونني الناس بالرفض *** فلا عاش حربي لدي على خفض
ذروني وآل المصطفى خيرة الورى *** فإنّ لهم حبّي كما لكم بغضي
ولو أنّ عضواً مال عن آل أحمد*** لشاهدت بعضي قد تبرّأ من بعضي (40).
التربية والقدوة الصالحة:
السيد الميرزا مهدي الشيرازي: من مشاهير الفقهاء المجتهدين ومراجع التقليد في زمانه مزج العلم الإلهي بالعمل الصالح فأعطى من نفسه صورة مشرفة كما يجب أن يكون عليه عالم الدين حقاً، وصار مبتغى من يطوي سبيل الرشاد والهداية ليكون القدوة الصالحة لغيره من الناس، تربّى وكبر في بيت علم وفضيلة قد تبوّأ أفراده المكانة المرموقة في علوم الدين والشريعة وكانوا رموزاً حقيقيّين للدين وحماة لشرعه المبين.
وُلد في مدينة كربلاء سنة 1304هـ، وقد فقد أباه في طفولته فعني بنشأته وتربيته دينيّاً وجعل الإسلام متجذّراً في عمق ذاته شقيقه المرحوم السيد عبد الله الحسينيّ الشيرازي الشهير بالتوسّلي (41) وكانت والدة السيد الميرزا
مهدي (ره) أيضاً من عائلة المجدد الشيرازي (قده) وقد أثرت هذه العوامل الأثر الواضح على نبوغ السيد وبلوغه هذه المرتبة الرفيعة من الأخلاق والعلم والعمل الصالح، وقد دأبت والدة الميرزا عندما كان صغيراً على إيقاظه آخر الليل لأداء صلاة الليل فكانت تعطيه شيئاً من الأكل حتّى يبقى يقظاً ومنتبهاً يشاهد والدته وهي تصلي نافلة الليل وقد تمكّن الميرزا على أثر هذه التربية الصالحة والمحيط الطاهر من الفلاح والنجاح.
إذ إنّ التربية الصالحة تعطي ثمارها في كلّ جيل وعلى مدى العصور ولهذا الأثر دخل كبير للآباء فيه، ومن هنا ألزم الإسلام الآباء فروضاً ومستحبّات تجاه الأبناء ذكرناها بشكل مختصر وجعل العقوق على الوالدين كما جعله على الأبناء ليساهم كلا الطرفين في التأثير الصالح على الأجيال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كلمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): ص 165.
(2) البحار: ج 71، ص 3، باب جوامع الحقوق، حديث 1، ط ـ بيروت.
(3) المصدر نفسه.
(4) البحار: ج 71، ص 5، باب جوامع الحقوق، حديث 1.
(5) البحار: ج 71، ص 6، باب جوامع الحقوق، حديث 1.
(6) البحار: ج 17، ص 269، ح6، باب 2.
(7) كلمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): ص 165.
(8) راجع مجمع البحرين: ج 5، ص 215، مادة "عقق".
(9) البحار: ج 71، ص 6، باب جوامع الحقوق، حديث 1.
(10) البحار: ج 43، ص 10، باب 2، حديث 1، ط ـ بيروت.
(11) وسائل الشيعة: ج15، ص 126، باب 24، حديث 2.
(12) وسائل الشيعة: ج 15، ص 129، باب 26، حديث 1.
(13) وسائل الشيعة: ص 123، باب 22، حديث 2.
(14) تفسير نور الثقلين: ج 1، ص 89، حديث 94.
(15) مكارم الأخلاق: ص 220، ط 6، بيروت.
(16) المجالس السنيّة: ج 1، ص 98، ط ـ إيران.
(17) وسائل الشيعة: ج15، ص 124، باب 22، حديث 6.
(18) مكارم الأخلاق: ص 222، ط ـ السادسة.
(19) تصنيف غرر الحكم: ص 175، ط ـ الأولى.
(20) فروع الكافي: ج3، ص403؛ ج4، ص124 - جمعنا ين الحديثين لأنّهما واحد.
(21) وسال الشيعة: ج15، ص 197، باب 84 حديث 5.
(22) كنز العمال: خطبة 45409.
(23) وسائل الشيعة: ج 12، ص 247، باب 105 حديث 13.
(24) تحف العقول: ص 63.
(25) راجع البحار: ج 21، ص 122، باب فتح مكة، ط ـ بيروت.
(26) راجع البحار: ج 22، ص 466، باب وصيّته (صلى الله عليه وآله) عند قرب وفاته ط ـ بيروت.
(27) كتاب قريش: ص1.
(28) نهج البلاغة: رسالة 31.
(29) البحار: ج100، ص219 وص 220 و 221، باب 58، حديث 14، و23، و 32.
(30) المصدر السابق.
(31) المصدر السابق.
(32) شرح اللمعة الدمشقية: كتاب النكاح الفصل الأول.
(33) المصدر السابق.
(34) العروة الوثقى: ج 2، ص 107، كتاب النكاح.
(35) المسائل الإسلاميّة: مسائل النكاح المتفرّقة، ص 596.
(36) العروة الوثقى: كتاب النكاح، ص 107.
(37) البحار: ج100، ص 22، وص 219، باب 57، حديث 34، و13.
(38) المصدر السابق.
(39) راجع دائرة المعارف: ج4، ص313؛ مجمع البحرين: ج2، ص 98، مادة "صحب".
(40) روضات الجنّات: ج 2، ص 27.
(41) أسرة المجدّد الشيرازيّ: ص 260.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|