سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول
في قول يوسف عليه السلام: " رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه
": إن يوسف رجع إلى اختيار نفسه فاختار السجن فوكل
إلى اختياره، والتجئ نبي الله محمد صلى الله على واله إلى الخيار فتبرأ من الاختيار
ودعا دعاء الافتقار فقال على رؤية الاضطرار: " يا مقلب القلوب والابصار ثبت
قلبي على طاعتك " فعوفي من العلة وعصم، فاستجاب الله له وأحسن إجابته، وهو أن الله
عصمه ظاهرا وباطنا. وسمعته يقول في قول يعقوب: " هل آمنكم عليه إلا كما
أمنتكم على أخيه من قبل " إن هذا مثل قول
النبي صلى الله عليه واله: " لا يلسع المؤمن من حجر
مرتين " فهذا معناه وذلك أنه سلم يوسف إليهم فغشوه حين اعتمد على حفظهم له، وانقطع
في رعايته إليهم، فألقوه في غيابة الجب وباعوه، ولما انقطع إلى الله عزوجل في
الابن الثاني وسلمه واعتمد في حفظه عليه وقال: " فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين
" أقعده على سرير المملكة، ورد يوسف إليه وخرج القوم من المحنة، واستقامت أسبابهم.
وسمعته يقول في قول يعقوب: " يا أسفى على يوسف " إنه عرض في التأسف
بيوسف، وقد رأى في مفارقته فراقا آخر، وفي قطيعته
قطيعة اخرى، فتلهب عليها وتأسف من أجلها، كقول الصادق عليه السلام في
معنى قوله عزوجل: " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون
العذاب الاكبر ": إن هذا فراق الأحبة في دار الدنيا ليستدلوا به على فراق المولى،
فلذلك يعقوب تأسف على يوسف من خوف فراق غيره، فذكر يوسف لذلك.
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
المصدر : بحار الأنوار
الجزء والصفحة : جزء 12 / صفحة [277]