عن هشام بن سالم ، عن حبيب
السجستاني ، عن أبي جعفر عليه
السلام قال : لما قرب ابنا آدم القربان فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر ، قال : تقبل من هابيل ، ولم
يتقبل من قابيل ، دخله من ذلك حسد شديد ،
وبغى على هابيل ، ولم يزل يرصده ، ويتبع خلوته حتى ظفر به متنحيا عن آدم ، فوثب عليه فقتله ، فكان من
قصتهما ما قد أنبأ الله في كتابه مما كان بينهما
من المحاورة قبل أن يقتله ، قال : فلما علم آدم بقتل هابيل
جزع عليه جزعا شديدا ودخله
حزن شديد ، قال : فشكى إلى الله ذلك ، فأوحى الله إليه أني واهب لك ذكرا يكون خلفا لك من هابيل ، قال :
فولدت حوا غلاما زكيا مباركا ، فلما كان يوم
السابع سماه آدم شيث ، فأوحى الله إلى آدم إنما هذا الغلام هبة مني
لك ، فسمه هبة الله ، قال : فسماه هبة الله. قال : فلما دنا أجل آدم
أوحى الله إليه أن يا آدم إني متوفيك ورافع روحك
إلي يوم كذا وكذا ، فأوص إلى خير ولدك وهو هبتي الذي وهبته لك
، فأوص إليه ، وسلم إليه ما علمناك
من الاسماء والاسم الاعظم ، فاجعل ذلك في تابوت ، فاني
احب أن لا يخلو أرضي من عالم يعلم علمي ، ويقضي بحكمي ، أجعله
حجتي على خلقي. قال : فجمع آدم إليه جميع
ولده من الرجال والنساء ، فقال لهم : يا ولدي
إن الله أوحى إلي انه رافع إليه روحي ، وأمرني أن اوصي إلى
خير ولدي ، وإنه هبة الله
، وأن الله اختاره لي ولكم من بعدي ، اسمعوا له وأطيعوا أمره ، فانه وصيي وخليفتي عليكم ، فقالوا جميعا :
نسمع له ونطيع أمره ولا نخالفه ، قال : فأمر بالتابوت فعمل ثم جعل
فيه علمه والاسماء والوصية ، وثم دفعه إلى هبة
الله ، وتقدم إليه في ذلك ، وقال له : انظر يا هبة الله إذا
أنا مت فاغسلني وكفني وصلى علي
، وأدخلني في حفرتي ، فإذا مضى بعد وفاتي أربعون يوما فاخرج
عظامي كلها من حفرتي فاجمعها جميعا ثم اجعلها في التابوت
واحتفظ به ولا تأمنن عليه
أحدا غيرك ، فإذا حضرت وفاتك وأحسست بذلك من نفسك فالتمس خير
ولدك ، وألزمهم لك صحبة ، وأفضلهم عندك قبل ذلك فأوص إليه
بمثل ما أوصيت به إليك ، ولا تدعن الارض
بغير عالم منا أهل البيت. يا بني إن الله تباك وتعالى
أهبطني إلى الارض وجعلني خليفته فيها حجة
له على خلقه ، فقد أوصيت إليك بأمر الله ، وجعلتك حجة الله
على خلقه في أرضه بعدي فلا
تخرج من الدنيا حتى تدع لله حجة ووصيا وتسلم إليه التابوت وما فيه كما سلمته إليك ، وأعلمه أنه سيكون
من ذريتي رجل اسمه نوح يكون في نبوته
الطوفان والغرق ، فمن ركب في فلكه نجا ، ومن تخلف عن فلكه غرق ، وأوص وصيك أن يحفظ
بالتابوت وبما فيه ، فإذا حضرت وفاته أن يوصي إلى خير
ولده وألزمهم له ، وأفضلهم عنده ، وسلم إليه التابوت وما فيه
، وليضع كل وصي وصيته في التابوت وليوص
بذلك بعضهم إلى بعض ، فمن أدرك نبوة نوح
فليركب معه ، وليحمل التابوت وجميع ما فيه في فلكه ، ولا
يتخلف عنه أحد. واحذر يا
هبة الله وأنتم يا ولدي الملعون قابيل وولده ، فقد رأيتم ما فعل بأخيكم هابيل فاحذروه وولده ولا
تناكحوهم ولا تخالطوهم ، وكن أنت يا هبة الله وإخوتك وأخواتك في أعلى الجبل واعزله
وولده ، ودع الملعون قابيل وولده في أسفل الجبل.
قال : فلما كان اليوم الذي
أخبر الله أنه متوفيه فيه تهيأ آدم للموت و
أذعن به ، قال : وهبط عليه ملك الموت فقال آدم : دعني يا ملك
الموت حتى أتشهد واثني
على ربي بما صنع عندي من قبل أن تقبض روحي ، فقال آدم : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد
أني عبد الله وخليفته في أرضه ، ابتدأني
باحسانه وخلقني بيده ، لم يخلق خلقا
بيده سواي ، ونفخ في من روحه ، ثم أجمل صورتي
ولم يخلق على خلقي أحدا قبلي ، ثم أسجد لي ملائكته ، وعلمني
الاسماء كلها ولم يعلمها ملائكته ، ثم
أسكنني جنته ، ولم يكن جعلها دار قرار ، ولا منزل استيطان
وإنما خلقني ليسكنني الارض للذي أراد من التقدير والتدبير ،
وقدر ذلك كله قبل أن يخلقني ، فمضيت
في قدرته وقضائه ونافذ أمره ، ثم نهاني أن آكل
من الشجرة فعصيته وأكلت منها فأقالني عثرتي ، وصفح لي عن جرمي
، فله الحمد على جميع نعمه عندي حمدا
يكمل به رضاه عني. قال : فقبض ملك الموت روحه
صلوات الله عليه. فقال أبو جعفر عليه السلام
: إن جبرئيل نزل بكفن آدم وبحنوطه وبالمسحاة معه
قال : ونزل مع جبرئيل سبعون ألف ملك ليحضروا جنازة آدم ، قال
: فغسله هبة الله وجبرئيل وكفنه وحنطه ثم قال : يا هبة الله تقدم فصل على أبيك ، و كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة ، فوضع
سرير آدم ثم قدم هبة الله وقام جبرئيل عن
يمينه والملائكة خلفهما فصلى عليه وكبر عليه خمسا وعشرين
تكبيرة ، وانصرف جبرئيل
والملائكة فحفروا له بالمسحاة ثم أدخلوه في حفرته ، ثم قال جبرئيل : يا هبة
الله هكذا فافعلوا بموتاكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت. فقال أبو جعفر عليه السلام
: فقام هبة الله في ولد أبيه بطاعة الله وبما أوصاه أبوه
فاعتزل ولد الملعون قابيل ، فلما حضرت وفاة هبة الله أوصى إلى
ابنه قينان ، و سلم إليه
التابوت وما فيه وعظام آدم وقال له : إن أنت أدركت نبوة نوح
فاتبعه ، واحمل التابوت معك في فلكه ، ولا تخلفن عنه ، فإن في
نبوته يكون الطوفان والغرق ، فمن ركب
في فلكه نجا ومن تخلف عنه غرق. قال : فقام قينان بوصية هبة
الله في إخوته وولد أبيه بطاعة الله ، قال : فلما
حضرت قينان الوفاة أوصى إلى مهلائيل وسلم إليه التابوت وما
فيه والوصية فقام مهلائيل بوصية قينان وسار
بسيرته ، فلما حضرت مهلائيل الوفاة أوصى إلى
انبه برد فسلم إليه التابوت ، وجميع ما فيه والوصية ، فتقدم
إليه في نبوة نوح فلما
حضرت وفاة برد أوصى به إلى ابنه اخنوخ ، وهو إدريس ، فسلم إليه التابوت وجميع ما فيه والوصية ، فقام
اخنوخ بوصية برد فلما قرب أجله أوحى
الله إليه : اني رافعك إلى السماء ، وقابض روحك في السماء ، فأوص إلى إبنك حرقا سيل فقام حرقا سيل بوصية
اخنوخ ، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه
نوح وسلم إليه التابوت وجميع ما فيه والوصية ، قال : فلم يزل التابوت عند نوح حتى
حمله معه في فلكه ، فلما حضرت نوحا الوفاة أوصى إلى ابنه سام، وسلم إليه التابوت ،
وجميع ما فيه والوصية.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 23 / صفحة [ 59 ]
تاريخ النشر : 2024-10-14