التفسير بالمأثور/النبوة/الإمام الباقر (عليه السلام)
بالإسناد إلى الصدوق، عن أبيه، عن علي،
عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة،
عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
لما فقد يعقوب يوسف عليه السلام اشتد
حزنه، وتغير حاله، وكان يمتار القمح من مصر لعياله في السنة مرتين: في الشتاء والصيف،
فإنه بعث عدة من ولده ببضاعة يسيرة مع رفقة خرجت، فلما دخلوا على يوسف عليه السلام
عرفهم ولم يعرفوه، فقال: هلموا بضاعتكم حتى أبدأ بكم قبل الرفاق، وقال لفتيانه:
عجلوا لهؤلاء بالكيل، وأقروهم واجعلوا بضاعتهم في رحالهم إذا فرغتم، وقال
يوسف لهم: كان أخوان من أبيكم فما فعلا ؟ قالوا: أما الكبير منهما فإن الذئب أكله،
وأما الاصغر فخلفناه عند أبيه وهو به ضنين، وعليه شفيق، قال: إني أحب أن تأتوني
به معكم إذا جئتم لتمتاروا، ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم فيها: " قالوا يا
أبانا ما نبغي هذه بضاعتنا ردت إلينا ". فلما احتاجوا إلى الميرة بعد ستة أشهر
بعثهم وبعث معهم ابن يامين ببضاعة يسيرة، فأخذ عليهم موثقا من الله لتأتنني
به، فانطلقوا مع الرفاق حتى دخلوا على يوسف فهيأ لهم طعاما، وقال: ليجلس كل بني
ام على مائدة، فجلسوا وبقي ابن يامين قائما، فقال له يوسف: مالك لم تجلس ؟ فقال:
ليس لي فيهم ابن ام، فقال يوسف: فمالك ابن ام ؟ قال: بلى زعم هؤلاء أن الذئب أكله،
قال: فما بلغ من حزنك عليه ؟ قال: ولد لي أحد عشر ابنا لكلهم اشتق اسما من اسمه،
قال: أراك قد عانقت النساء فشممت الولد من بعده، فقال: إن لي أبا صالحا قال لي:
تزوج لعل الله أن يخرج منك ذرية يثقل الارض بالتسبيح، قال يوسف تعال
فاجلس معي على مائدتي، فقال إخوة يوسف: لقد فضل الله يوسف وأخاه حتى أن الملك قد
أجلسه معه على مائدته، وقال يوسف لابن يامين " إني أنا أخوك فلا تبتئس "
بما تراني أفعل، واكتم ما أخبرتك ولا تحزن
ولا تخف، ثم أخرجه إليهم وأمر فتيته أن يأخذوا
بضاعتهم ويعجلوا لهم الكيل، وإذا فرغوا فاجعلوا المكيال في رحل أخيه ابن يامين،
ففعلوا ذلك وارتحل القوم مع الرفقة فمضوا ولحقهم فتية يوسف فنادوا: أيتها العير
إنكم لسارقون، قالوا: ماذا تفقدون ؟ قالوا: نفقد صواع الملك، قالوا: ماكنا سارقين
قالوا: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين ؟ قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه، فبدأ
بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه، قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له
من قبل، ثم قالوا: يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه، قال: معاذ
الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده، قال كبيرهم: إني لست أبرح الارض حتى يأذن
لي أبي. فمضى إخوة يوسف حتى دخلوا على يعقوب صلوات الله عليهما فقال لهم: أين ابن
يامين ؟ فقالوا: سرق مكيال الملك فحبسه عنده، فاسأل أهل القرية والعير حتى يخبروك
بذلك، فاسترجع يعقوب واستعبر حتى تقوس ظهره، فقال يعقوب: يا بني اذهبوا فتحسسوا
من يوسف وأخيه فخرج منهم نفر وبعث معهم ببضاعة، وكتب معهم كتابا إلى عزيز مصر
يعطفه على نفسه وولده، فدخلوا على يوسف بكتاب أبيهم فأخذه وقبله وبكى، ثم أقبل
عليهم فقال هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه قالوا: ءأنت يوسف ؟ قال أنا يوسف وهذا
أخي وقال يوسف: لا تثريب عليكم اليوم ؟ بغفر الله لكم اذهبوا بقميصي هذا بلته دموعي
فألقوه على وجه أبي وأتوني بأهلكم أجمعين فأقبل ولد يعقوب يحثون السير بالقميص:
فلما دخلوا عليه قال لهم ; ما فعل ابن يامين ؟ قالوا: خلفناه عند أخيه صالحا،
فحمد الله عند ذلك يعقوب وسجد لربه سجدة الشكر واعتدل ظهره، وقال لولده: تحملوا
إلى يوسف من يومكم، فساروا في تسعة أيام إلى مصر، فلما دخلوا اعتنق يوسف أباه،
ورفع خالته، ثم دخل منزله وأدهن ولبس ثياب الملك، فلما رأوه سجدوا شكر الله، وما
تطيب يوسف في تلك المدة ولا مس النساء حتى جمع
الله ليعقوب شمله.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 12 / صفحة [287]
تاريخ النشر : 2024-05-20