أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/متفرقة
روى أحمد بن
أعثم الكوفي أنه لما قضت عائشة حجها وتوجهت إلى المدينة استقبلها عبيد بن سلمة
الليثي وكان يسمى ابن أم كلاب فسألته عائشة عن المدينة وأهلها ؟ فقال: قتل عثمان.
قالت: فما فعلوا ؟ قال: بايعوا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالت: ليت السماء
سقطت على الارض ولم أسمع ذلك منك والله لقد قتل عثمان مظلوما ولأطلبن بثأره ووالله
إن يوما من عمر عثمان أفضل من حياة علي ! ! ! فقال عبيد: أما كنت تثنين على علي
(عليه السلام) وتقولين: ما على وجه الارض أحد أكرم على الله من علي بن أبي طالب
(عليه السلام) فما بدا لك إذ لم ترضى بإمامته ؟ وأما كنت تحرضين الناس على قتل
[عثمان] وتقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر. فقالت عائشة: قد كنت قلته ولكني علمته
خيرا فرجعت عن قولي وقد استتابوه فتاب وغفر له ! ! ! فرجعت عائشة إلى مكة وكان من
أمرها ما ستر.
- وروى ابن
الاثير في الكامل أنه لما أخبرها عبيد بن سلمة بقتل عثمان واجتماع الناس على بيعة
أمير المؤمنين قالت: أيتم الامر لصاحبك ؟ ردوني ردوني. فانصرفت إلى مكة وهي تقول:
قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه ! ! فقال لها: لقد كانت تقولين: اقتلوا
نعثلا فقد كفر ! ! فقالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الاخير خير
من قولي الاول فقال لها ابن أم الكلاب: فمنك البداة ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك
المطر وأنت أمرت بقتل الامام * وقلت لنا: إنه قد كفر فهبنا أطعناك في قتله *
وقاتله عندنا من أمر ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر وقد بايع
الناس ذا بدرة * يزيل الشبا ويقيم الصغر وتلبس للحرب أثوابها * وما من وفا مثل من
قد غدر فانصرفت [عائشة] إلى مكة فقصدت الحجر فاجتمع الناس إليها فقالت: أيها الناس
إن الغوغاء من أهل الامصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل
المقتول ظلما بالأمس ونقموا عليه استعمال من حدث سنه - وقد استعمل أمثالهم من قبله
- ومواضع من الحمى حماها لهم فتابعهم ونزع لهم عنها، فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا
بادروا بالعدوان فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام والشهر الحرام وأخذوا
المال الحرام، والله لأصبع من عثمان خير من طباق الارض أمثالهم ! ! ووالله لو أن
الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه والثوب من ذرنه إذ
ماصوه كما يماص الثوب بالماء. فقال عبد الله بن عامر الحضرمي وكان عامل عثمان على
مكة: ها أنا أول طالب بدمه - فكان أول مجيب - وتبعه بنو أمية وكانوا هربوا من
المدينة بعد قتل عثمان إلى مكة فرفعوا رؤوسهم وكان أول ما تكلموا بالحجاز وتبعهم
سعيد بن العاص والوليد بن عتبة [و] سائر بني أمية. وقدم عليهم عبد الله بن عامر من
البصرة بمال كثير ويعلى بن منية من اليمن ومعه ست مائة بعير وستة آلاف دينار فأناخ
بالأبطح.
وقدم طلحة
والزبير من المدينة ولقيا عائشة فقالت: ما وراؤكما ؟ قالا: إنا تحملنا هرابا من
المدينة من غوغاء وأعراب وفارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا ولا
يمنعون أنفسهم. فقالت: انهضوا إلى هذه الغوغاء. فقالوا: نأتي الشام. فقال ابن
عامر: كفاكم الشام معاوية فأتوا البصرة. فاستقام الرأي على البصرة.
وكانت أزواج
النبي صلى الله عليه وآله وسلم معها على قصد المدينة فلما تغير رأيها إلى البصرة
تركن ذلك وأجابتهم حفصة إلى المسير معهم فمنعها أخوها عبد الله. وجهزهم يعلى بن
منية بستمائة بعير وستمائة ألف درهم وجهزهم ابن عامر بمال كثير ونادى مناديها إن
أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة فمن أراد إعزاز الاسلام وقتال
المستحلين والطلب بثأر عثمان وليس له مركب فليأت فحملوا على ستمائة بعير وساروا في
ألف. وقيل في تسعمائة من أهل المدينة ومكة ولحقهم الناس فكانوا في ثلاثة آلاف رجل.
فلما بلغوا ذات عرق بكوا على الاسلام فلم ير يوم كان أكثر باكيا من ذلك اليوم يسمى
يوم النحيب فمضوا ومعهم أبان والوليد إبنا عثمان. وأعطى يعلى بن منية عائشة جملا
اسمه عسكر اشتراه بمأتي دينار ويقال: اشتراه بثمانين دينارا فركبته وقيل كان جملها
لرجل من عرينة قال العرني: بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال: أتبيع
جملك ؟ قلت: نعم. قال: بكم قلت: بألف درهم. قال: أمجنون أنت ؟ قلت: ولم والله ما
طلبت عليه أحدا إلا أدركته ولا طلبني وأنا عليه أحد إلا فته قال: لو تعلم لمن
نريده ؟ إنما نريده لام المؤمنين عائشة. فقلت: خذه بغير ثمن قال: بل ارجع معنا إلى
الرحل فنعطيك ناقة ودراهم قال: فرجعت وأعطوني ناقة مهرية وأربعمائة درهم أو ستمائة
وقالوا لي: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق ؟ قلت: أنا من أدل الناس قالوا: فسر
معنا فسرت معهم فلا أمر علي واد إلا سألوني عنه حتى طرقنا الحوأب وهو ماء فنبحتها
كلابه فقالوا: أي ماء هذا ؟ فقلت: هذا ماء الحوأب فصرخت عائشة بأعلى صوتها فقالت:
إنا لله وإنا إليه راجعون إني لهيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول
وعنده نساؤه: ليت شعري أيتكن تنبحها كلاب الحوأب ؟ ثم ضربت عضد بعيرها وأناخته
وقالت: ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب فأناخوا حولها يوما وليلة. فقال عبد الله
بن الزبير: إنه كذب ولم يزل بها وهي تمتنع فقال لها: النجا النجا قد أدرككم علي بن
أبي طالب فارتحلوا نحو البصرة انتهى كلام ابن الاثير.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 32 / صفحة [ 142 ]
تاريخ النشر : 2025-08-25