أكّد المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسية المقدّسة سماحة السيد أحمد الصافي (دام عزّه) على: "حقيقة لابُدّ أن تكون ماثلةً أمامنا وهي أنّ هذا البلد لا يُبنى إلّا بسواعد أبنائه، فبالأمس القريب جداً برز فتيةٌ من الذين آمنوا للدفاع عن العلم والعلماء، فتيةٌ لبسوا القلوب على الدروع وتمكّنوا بعزيمة راسخة وقوّة من الحديد لا تلين أن يحقّقوا هذا الهدف".
جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها في الحفل المركزيّ السنويّ السادس لتكريم الطلبة الأوائل من خرّيجي الجامعات العراقيّة للعام الدراسي السابق (2016 – 2017) وذلك ضمن مشروع فتية الكفيل الوطنيّ.
وأضاف: "نحيّيكم ونقدّم لكم أجمل آيات العرفان والمودّة والمحبّة للطبقة العلمية التي تحرص على أن تنير الضياء في أرضنا الحبيبة العراق بالجهود العلمية والمثابرة الدائمة، من أجل أن يرتقي أبناؤنا الأعزاء دائماً مرتبة الأوائل، والشكر موصول الى الطلبة الأعزّاء الذين تحدّوا الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد وحاولوا أن يسابقوا الوقت والساعات والدقائق من أجل أن يثبتوا أنّهم أهلٌ لتحمّل المسؤولية فنالوا بذلك مرتبة الأوائل، سائلين الله تبارك وتعالى أن يجعلكم دائماً قدوة خير لهذا البلد وأن تكونوا بمستوى تحمّل المسؤولية".
مبيّناً: "تعوّدنا أن نقف أمامكم حتى نتفاءل وحتى نستذكر فتوّة الشباب وقدرة الأعزّاء على النهوض بمسيرة هذا البلد نحو الأمام، وأيضاً تعوّدنا أن نقف أمامكم حتى نتحدّث معكم وتحدّثونا، لا نريد أن نكرّر ما ذكرناه في السنوات الماضية بل نريد أن نؤكّد على حقيقة لابدّ أن تكون ماثلةً أمامنا وهي أنّ هذا البلد لا يُبنى إلّا بسواعد أبنائه، بالأمس القريب جداً برز فتيةٌ من الذين آمنوا للدفاع عن العلم والعلماء، فتية لبسوا القلوب على الدروع وتمكّنوا بعزيمةٍ راسخة وقوّة من الحديد لا تلين أن يحقّقوا هذا الهدف، نحن في العام الماضي عندما وقفنا هنا كانت بعض أراضي العراق تقبع في الظلام، لكن هؤلاء الإخوة والفتية الذين شمّروا عن سواعد الجهاد والدفاع والعلم والقوّة والبسالة أعادوا للعراق هذه البسمة وهذه الروح، لكنّ الثمن كان غالياً حيث أُريق دمٌ على هذه الأرض وهذا الوطن وأُريقت دماء عزيزة علينا وعليكم، وهذا الثمن نأمل أن لا يضيع فالمسؤولية الآن الملقاة على عواتق أبنائنا وبناتنا تضاعفت".
وأكّد السيد الصافي: "الهوية لابُدّ أن نحافظ عليها، وقضيّتنا قضيّة مشخّصة ومعلومة وبارزة نحتاج أن نتمسّك بها فهي هوية رائعة جدّاً، وصدّقوا إخوتي الأعزاء -كلامي للطلبة والطالبات- أنّكم في مشوار حياةٍ ستشعرون بلذّتها عندما تعلمون أنّ أيّ موقع من مواقع المسؤولية الذي ينتظركم غداً قد دُفع من أجل بقائه هذا الثمن الكبير، فأنتم الآن تجاوزتم عقبة كبيرة وعبرتم الى مرحلة ستفتح لكم الأبواب باعتباركم قد فزتم بمرتبة الأوائل، لكن هذا هو بداية الطريق وليس نهاية المشوار، بالعكس تحمّل المسؤولية سيكون عليكم أكبر".
مشيراً الى: "إنّ الأوائل هم أوائل الدماء الذين سبقونا، وهؤلاء كانوا أوائل في العطاء والجود وفي محبّتهم لهذه الأرض، فكان فيهم الثمانيني وفيهم الذي لم يبلغ الحلم، فكانوا أوائل، والعراق كثيراً ما ينتج أوائل فالعراق ليس بخيلاً بالأوائل، هو دائماً ينتج الأوائل وأنتم بحمد الله بدأتم هذا المشوار العلميّ أن تكونوا أوائل، لكن لا يأخذكم الغرور ولا يأخذكم العُجْب ولا يأخذكم التكبّر فالأوّل لابُدّ أن يبقى أوّلاً الى نهاية المطاف، كم من أوّلٍ عثر وسقط وكم من أوّلٍ أخطأ الطريق فصار في آخر الطريق، الأمل أن تكونوا أوائل دائماً، حافظوا على هويّة هذا البلد فهذه مسؤوليّتكم".
وتابع السيد الصافي: "كرّرنا الكلام أنّ هذا التكريم هو دَيْنٌ في أعناقكم ووفاؤه ليس لنا بل وفاؤه الى العراق، بعض الذين لم يكرّموا أوفوا لهذا البلد بدماء عزيزة وهم غائبون عنّا رحلوا من هذه الدنيا، وهذه الرحلة كانت محفوظةً في ذاكرتنا وهي لا تُنسى، تذكرةٌ ليس إلّا لعلّ أكثر من عشرة آلاف شهيد في زهرة شبابهم وأكثر من 22 ألف جريح لا زالوا بين ظهرانينا، هذه مسؤوليّة مَنْ؟ وافتخار مَنْ؟ افتخارنا نحن نفخر بأنّنا بلد شهداء نفخر بأنّنا بلد علماء، هذا ما نفخر به".
وخاطب السيد الصافي الطلبة قائلاً: "أنتم الآن في بداية الطريق وسرعان ما تكونوا كباراً، المأمول من حضراتكم جميعاً أن يكون هذا الهدف عندكم واضحاً جداً وأنتم قادرون بجدٍّ ونشاط واجتهاد وفهم واستقامة أن تحافظوا على هويّتكم وتحافظوا على رصانة ما عندكم من علم وتحافظوا على أخلاقيّات ما تعلّمتموه".
مضيفاً: "الشكر موصول الى الأسر الكريمة التي سهرت وأتعبت نفسها في سبيل أن يحصل أبناؤهم على ما حصلوا عليه، أمّا مَنْ كان فيكم مَنْ كان والده شهيداً أو كان أخوه شهيداً فأنتم أقررتم أعين الشهداء، لأنّ هذه الثمار ثمار قد أينعت، فأنتم بين فضيلة العلم وفضيلة الدفاع عن البلد، وأنتم نتاج أثرٍ طيّب وهو أثر دماء الشهداء، ولعلّ هذه السنة هي السنة الأولى بعد أن تعافى البلد بفضل تلك الدماء الطاهرة النقيّة التي روت هذا البلد، فرجائي منكم أن لا تنسوا هؤلاء مدى حياتكم، فلولاهم لكان وضعنا لا نُحمد عليه، وعندما أقول تذكّروا ذلك عمليّاً أن هذه الحالة التي أنتم عليها ما أحلاها وما أحلى الوفاء لتلك الدماء الطيّبة، والطريق أمامكم طريق مستقبلٍ زاهر وموفّق بإذن الله تعالى، نعم هو غير مفروش بالورود لكن يُمكن أن يكون كذلك بعزمكم وإرادتكم وقوّتكم".
وتوجّه السيد الصافي للملاكات التدريسيّة قائلاً: "شكراً لأساتذتكم الكرام الذين بذلوا جهداً حقيقياً رغم الظروف في أن يكافحوا ويناضلوا ويجاهدوا من أجل أن يعطوا المعلومة الصحيحة، وأن يتعبوا أنفسهم في أن يوصلوها بكلّ الوسائل المتاحة، شكر الله سعيكم ووفّقكم إن شاء الله تعالى بالخير دائماً، وكما يقول هذا الشعار نحن مستمرّون إن شاء الله تعالى معكم ما دمتم في هذا البلد وتحبّونه وتجعلون الهمّة بخدمته، فأنتم الأوائل وستبقون كذلك في كلّ شيء".
واختتم السيد الصافي: "الدعاء موصولٌ لكم جميعاً والثناء لاستجابتكم لهذه الدعوة والأساتذة الأفاضل الذين تجشّموا أيضاً عناء السفر، ولكلّ الإخوة الذين ساعدونا في إحداث هذا الجوّ الودّي العلميّ الذي نطمح أن يتكرّر دائماً، طبعاً كلّ الإخوة الأعزاء الذين لم يحضوا بدرجاتٍ عالية أيضاً نحن نكنّ لهم الاحترام والتقدير فهم أوائل أيضاً لأنّهم حافظوا على وضعهم العلميّ رغم الظروف ويطمحون أن يخدموا البلد".