بعد أن ساد الجهل والتخلف في شبه الجزيرة العربية ،وبعما كانت الرذيلة تعد في المجتمع فضيلة والانحطاط خلقاً،فقد كان الاباء يئدون البنات ، لأنها تمثل عاراً عليهم وفق مقاييسهم ،وكانوا يعبدون ماينحتون  مما لاينفع ولا يضر، وإذا ما أردنا وصف تلك الحقبة الزمنية فأتصور أن خطبة الزهراء (عليها السلام) تُمثل وصف دقيقاً لحياة العرب قبل الاسلام حيث قالت ))لقد كنتم تشربون وتقتاتون القدّ أذلة خاسئين تخافون أن يتخطفكم الشيطان من حولكم ،فأنقذكم الله تعالى بابي محمد (صلى الله عليه واله ) (1)
فالرسول (صلى الله عليه واله) هو المنقذ لهذه الامة ،ولكن بماذا انقذهم ؟ أنقذهم بالقرأن ذلك الكتاب الذي وصف نفسه بنفسه كما في الاية المباركة {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ...}:وقال تعالى فيه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ...} ،ووصفه الرسول الاكرم بأنه الثقل الاكبر عندما قال :
إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي .(2)
ووصفه أيضاً بقوله :
كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل ، وهو الفصل ليس بالهزل ،وله ظهر ُ وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق له نجوم وعلى نجومه نجوم لاتحصى عجائبه ولاتُبلى غرائبه،فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة ، ودليل على المعرفة . (3)
كل هذه الامتيازات يحملها كتاب الله تعالى ،فكان بحق موضع أهتمام المسلمين منذ أول يوم نزل الوحي المبارك على صدر النبي الاكرم (صلى الله عليه واله وسلم) ولهذا يقول ابن مسعود :
كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يتجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن. (4)
فأهتم المسلمون بهذا الكتاب الكريم فكانوا يرجعون إلى آياته فيفهمون مايستطيعون فهمه ،والذي يستعصي عليهم يعودون به إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم ) ، الذي جعله الحق تبارك وتعالى مرجعاً في فهم وتفسير القرآن عندما قال :
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}.( النحل ،44.)
_____________
1- الأحتجاج:1 ،135.
2- عيون أخبار الرضا : 1 ،68.
3- الكافي: 2 ،599.
4- البرهان في علوم القرآن،2 ،157.