المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

الغارقون في الذنوب‏ خالدون في جهنم.
17-12-2015
جرجوري ، جايمس
3-11-2015
اصحاب الربع من الورثة
15-12-2019
استراتيجيات النجاح2 ــ قوة الانضباط والالتزام
1-12-2016
Multiplicative Character
13-8-2020
تعريف القانون الدولي لحقوق الإنسان
6-4-2016


أبو الطيِّب المتنبي  
  
11308   01:47 مساءً   التاريخ: 26-12-2015
المؤلف : عمر فرّوخ
الكتاب أو المصدر : تأريخ الأدب العربي
الجزء والصفحة : ج2، ص457-483
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-09-2015 7428
التاريخ: 10-04-2015 2432
التاريخ: 10-04-2015 2371
التاريخ: 14-08-2015 2571

هو أبو الطيّب أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفيّ من بني جعفى (1) بن سعد العشيرة بن مذحج من اليمن عرب الجنوب.

ولد أبو الطيّب أحمد بن الحسين سنة 303 ه‍(915-916 م) في حي بني كندة في الكوفة و لذلك يقال له الكندي و الكوفي أيضا. و لا نعلم من نسبه شيئا آخر إلاّ أنه كان يفتخر، فيما بعد، بشرف قومه و شجاعتهم و بأسهم و بقوم جدّته لأمّه خاصّة. و كان أبوه الحسين دقيق الأطراف، فيما يبدو، فقد جاء في القاموس (2): «و عيدان السقاء بالكسر (بكسر السين) لقب والد أحمد بن الحسين المتنبئ» .

نشأ أبو الطيب في الكوفة و تلقّى فيها جانبا من العلوم ثم غادرها، مع أبيه في الأغلب، سنة 325 ه‍(937 م) ، أو قبيل ذلك في الأصحّ. و يذكر بعضهم أنّ أبا الطيّب و أباه غادرا الكوفة لمّا انكشفت لهما صلة بالقرامطة (3). و مع أن حال القرامطة كانت في ذلك الحين شديدة الاضطراب، فإنّنا لا نستطيع أن نجزم بشيء لم يذكره التاريخ و لا أشار إليه أبو الطيّب نفسه من قريب و لا من بعيد. على أن في ديوان المتنبّي أن أبا الطيّب تطوّف مدّة في الشام يتلقّى شيئا من العلم في بعلبكّ و طرابلس و اللاذقيّة-و قد كانت هذه المدن في ذلك الحين مراكز للعلم و للتعليم.

و يغلب على ظنّنا أن أبا الطيّب لم يكن فقيرا، و لكنّ أباه توفّي وشيكا في الشام ثم احتاج أبو الطيّب إلى المال و لم يستطع التكسّب بشعره في ذلك الطور الباكر من حياته، فطمح إلى شيء من النفوذ لنيل ولاية و تحصيل عيش رغد فأثار في نواحي حمص فتنة بين الأعراب و دعاهم إلى الامتناع عن دفع الضرائب-و ليس أحبّ إلى البدو من مثل هذه الدعوة-: فأخذه لؤلؤ والي حمص من قبل الإخشديّين و اتّهمه بالتنبّؤ ثم سجنه مدّة؛ فلزمه منذ ذلك الحين لقب المتنبّي. و كان أبو الطيّب يكره هذا اللقب (و قيل في أصل هذا اللقب قولان آخران) . على أن لاتّهام أبي الطيّب بالتنبّؤ سندا ظاهرا، هو أنّ أبا الطيّب لمّا أراد استمالة البدو في بادية حمص كان يزجر لهم المطر (4) أو يتنسّم لهم الأخبار ثم يخبرهم بها قبل انتشارها.

و في السجن نظم المتنبّي قصيدة يمدح فيها الوالي و يعتذر اليه بأنّ ما فعله كان ذنبا دعا اليه طيش الصبا، ثم بالغ فقال عن نفسه إنّه صغير السنّ لم يجب عليه السجود (5) بعد، فلا يجوز أن يعاقب بالحبس. و أراد الوالي التخلّص منه فأخرجه من السجن على أن يبتعد عن منطقة حمص ما أمكن. فذهب المتنبّي إلى جنوب الشام (فلسطين) و جعل يتطوّف في البلاد و يمدح نفرا من الأمراء و الولاة و الأعيان.

في هذا الدور الأوّل نظم المتنبي شعره الموسوم بشعر الصبا، في أغراض مختلفة؛ و كان بعضه قصائد مطوّلة في المديح و الفخر و ذم الزمان، و في الحكم التي يحمل عليها الشباب من التهوّر و المغالاة في الاعتزاز بالنفس و من الطموح:

فؤاد ما تسلّيه المدام... و عيش مثلما تهب اللئام

و ما أنا منهم بالعيش فيهم... و لكن معدن الذهب الرغام (6)

أرانب، غير أنهم ملوك... مفتّحة عيونهم نيام

- أطاعن خيلا من فوارسها الدهر...وحيدا؛ و ما قولي كذا و معي الصبر

و أشجع مني كلّ يوم سلامتي... و ما ثبتت إلاّ و في نفسها أمر

تمرّست بالآفات حتى تركتها... تقول: أمات الموت أم ذعر الذعر

و أقدمت إقدام الأتيّ كأنّ لي... سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر (7)

ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها... فمفترق جاران دارهما العمر

و لا تحسبنّ المجد زقّا و قينة... فما المجد إلا السيف و الفتكة البكر (8)

و تضريب أعناق الملوك، و أن ترى... لك الهبوات السود و العسكر المجر (9)

و تركك في الدنيا دويّا كأنما... تداول سمع المرء أنمله العشر (10)

و من خصائص المتنبّي في هذا الدور الغموض في المعاني و التعقيد في التراكيب و تكلّف الاستعارات و الكنايات و التصنيع:

إتصاله بسيف الدولة (الدور الثاني من حياته):

و اتفق أن كان المتنبي في أنطاكية سنة،337 ه‍(948 م) ، يمدح واليها أبا العشائر الحمداني، لما قدم إليها سيف الدولة. «فعرّف أبو العشائر سيف الدولة مقام المتنبّي و شاعريته و فروسيته» . و كان سيف الدولة أديبا محبّا للأدب قد جمع في بلاطه من الأدباء و الشعراء و العلماء ما لم يجتمع مثله إلا في بلاط هارون الرشيد. فعرض سيف الدولة على المتنبّي أن يصحبه إلى حلب؛ فاشترط المتنبّي على سيف الدولة ألاّ ينشده إلاّ جالسا و ألا يقبّل الأرض بين يديه و أن يضمن له سيف الدولة ثلاثة آلاف دينار في العام على ثلاث قصائد سوى ما يعنّ له.

و عظم مقام المتنبّي في بلاط سيف الدولة، في الشعر و الحرب، كما عظم ميل سيف الدولة إليه. و لعلّ سيف الدولة أدرك الطموح في نفس المتنبّي إلى السلطان و الحكم فأقطعه قرية قرب حلب اسمها سبعين (القاموس 3:36؛ تاج 5:373) . و لكنّ قرية سبعين لم تطفئ غلّة المتنبّي إلى الإمارة-إلاّ أنّ تلك الغلّة لم تكن بعد قد اشتدّت، فانّ المتنبي كان لا يزال يشعر بشيء من الاطمئنان الروحيّ و الرضا النفسي من الناحية العملية على الأقلّ إذ كان يذهب في الغزوات مع سيف الدولة مقدّما على الجنود و القوّاد.

غير أن ذلك كلّه كان يؤجّج حسد رفاق المتنبّي في بلاط سيف الدولة: لقد كان المتنبّي-بالإضافة إلى الحظوة العظيمة لدى سيف الدولة- ينال من سيف الدولة على القصيدة الواحدة ألف دينار، بينما كان في البلاط مائة شاعر لا ينالهم كلّهم مثل هذا المبلغ. فما زال هؤلاء يوقعون بين المتنبّي و بين سيف الدولة. و ضاق صدر سيف الدولة بمن معه: إذ كانوا يتنازعون في الألفاظ و الإعراب و الأشعار و يطلبون العطاء لينفقه معظمهم على الغزل و الخمر، بينما الروم يهاجمون البلاد و هو عاجز عن قتالهم إلا قليلا. و في سنة 345 ه‍ دخل الروم ميّافارقين (بلد سيف الدولة) فهدموها و أحرقوها و قتلوا من قتلوا من أهلها و سبوا من سبوا ثم عادوا عنها بعد أن نهبوا الأموال.

ثمّ وقعت الحرب بين معزّ الدولة بن بويه (أمير الأمراء في بغداد و المتسلّط على الخلافة) و بين ناصر الدولة صاحب الموصل (و هو أخو سيف الدولة) ، منذ سنة 345 ه‍(956 م) . و ظلّت الحرب بينهما سجالا حينا ثم انهزم ناصر الدولة و لجأ إلى أخيه سيف الدولة في حلب. و عزم معزّ الدولة على المسير إلى حلب، و لكنّ سيف الدولة راسل معزّ الدولة في طلب الصلح، فأبى معزّ الدولة تضمين ناصر الدولة ولاية الموصل من جديد، لأن ناصر الدولة كان كثير الإخلاف بما يعد. فضمن سيف الدولة لمعزّ الدولة عن أخيه ناصر الدولة 2,900,000 درهم (نحو مائة و عشرين ألف ليرة ذهبا بعملتنا الحاضرة) في العام، و أن يطلق سراح الأسرى من رجال معزّ الدولة؛ و كان ذلك في المحرّم من سنة 348 ه‍(ربيع عام 959 م) . و الذي حمل معزّ الدولة على قبول عرض سيف الدولة، مع أنه كان متمكّنا من البلاد قادرا على أن ينال ما يريد بالحرب، أن الأموال قلّت في يديه، إذ «تقاعد الناس في حمل الخراج (دفع الضرائب) و احتجّوا بأنهم لا يصلون إلى غلاّتهم و طلبوا حمايتهم من العرب (الأعراب، البدو) من أصحاب ناصر الدولة» . فلمّا وردته رسالة سيف الدولة في طلب الصلح و دفع ثلاثة ملايين درهم، عدّ ذلك ظفرا كبيرا إذ كفاه مؤونة حرب جديدة فعاد إلى بغداد (راجع تاريخ الكامل 8:185 و ما بعدها) .

في مثل هذه الحال كان سيف الدولة يضطرّ إلى أن يستمع إلى الشعراء في بلاطه يتناقشون في شعر للمتنبّي: يزعمون مرّة أن المتنبّي سرق معناه من شاعر سبقه؛ و يقولون للمتنبي مرة أخرى: أسأت التشبيه الفلانيّ أو أتيت بوجه ضعيف من الإعراب. فيقال إنّ سيف الدولة حذف المتنبّي، و المتنبّي ينشد شعره و يردّ على المنتقدين، بدواة كانت بين يديه فأصابه بجرح في وجهه.

و قيل بل إنّ ابن خالويه (و كان من قبل معلّما لسيف الدولة و لنفر آخرين من بني حمدان) حذف المتنبّي بمفتاح كان يحمله. فغضب المتنبّي و غادر حلب، سنة 346 ه‍(957 م) .

هذا الدور عند المتنبّي هو دور العظمة، فيه تتجلّى عظمة نفسه و بعد همّته و اندفاعه في تصوير عظمة العرب و عظمة الإسلام. و قد برع المتنبّي في وصف المعارك لأنه كان فارسا شجاعا عالما بأمور الجيوش عارفا بأساليب القتال، و لأنه خاض المعارك فعلا و أبلى فيها بلاء حسنا. و في هذا الدور هجر المتنبّي التكلّف و جرى في شعره على السليقة، فأخذ شعره يتدفّق حماسة و فخرا.

ذهابه إلى كافور (الدور الثالث من حياته):

ذهب المتنبّي إلى مصر ليمدح كافورا الإخشيديّ المستبد يومذاك بحكم مصر، و هو يرجو أن ينال من كافور إمارة أو ولاية يغيظ بها الذين كادوا له في حلب و أخرجوه منها-ظنّا منه أن كافورا المغتصب للسلطان يهون عليه أن يتنازل عن قطعة أرض بأيسر مما يتنازل عنها أمير أصيل استولى عليها بسيفه كسيف الدولة.

و لم يخدع كافور عن قطعة من ملكه فانقلب عليه المتنبّي. و أدرك كافور ذلك فضرب حول المتنبّي نطاقا من الرّقابة حتى لا يهرب و يعلن أهاجيه، بعد أن كان المتنبي قد بدأ يعرّض بكافور جهرا أو يهجوه سرا. و أعدّ المتنبّي عدّته للهرب، ثم انتهز فرصة اشتغال الناس ليلة عيد الأضحى من سنة 350 ه‍(كانون الثاني 962 م) فانسل من مصر آئبا إلى المشرق.

في هذا الدور بلغ شعر المتنبّي غاية نضجه و كثرت فيه الحكم و الأمثال المضروبة، كما خلا من التعقيد و التكلّف. ثم ارعوى المتنبّي فترك التهوّر و اعتدل في طموحه و أخذ ينظر إلى الأمور بعين العقل بعد أن صدمته الحياة في حلب و في مصر صدمات متوالية. فليس من المستغرب، إذن، أن تظهر الشكوى في شعره و أن يعرّض هو بسيف الدولة من غير أن تسمح له نفسه بهجائه. و لكن لما عظمت نقمته على كافور و هجاه قال في آخر قصيدته:

أولى الأنام كويفيرٌ بمعذرةٍ... في كل أمر، و بعض العذر تفنيد (11)

و ذاك أن الفحول البيض عاجزةٌ...عن الجميل؛ فكيف الخصية السود(12)

ذهابه إلى المشرق (الدور الرابع من حياته) و موته:

توجّه المتنبّي إلى الكوفة مسقط رأسه. و بعد مدّة صعد إلى بغداد، سنة 351 ه‍، فلم يجد الأمور على ما يشتهي، و لا رأى أن يمدح فيها أحدا: لا الخليفة المطيع، و لا أمير الأمراء معزّ الدولة بن بويه، و لا الوزير المهلّبيّ. فأغرى المهلبيّ به الشعراء فأخذوا بهجائه و شتمه.

و اتفق أنّ الأديب المشهور ابن العميد، وزير ركن الدولة بن بويه، كتب إلى المتنبّي من أرّجان يستزيره، فذهب اليه المتنبّي في عام 354، (965 م) و مدحه. ثم كتب اليه عضد الدولة بن بويه من شيراز يستزيره أيضا فسار اليه المتنبي (354 ه‍) و مدحه.

و في ذلك العام نفسه استأذن المتنبي عضد الدولة لزيارة الكوفة، و كان في الحقيقة يريد أن يذهب إليها ليقيم فيها، بما كان معه من المال الذي جمعه من ممدوحيه، إمارة في مسقط رأسه. و في أثناء الطريق عرض له فاتك الأسديّ، أحد رؤساء الأعراب، و قاتله طمعا بما كان معه من المال و قتله (28 رمضان 354 ه‍-أواخر تشرين الثاني 1965 م) ، قيل في موضع يقال له الصافية، قرب النعمانية عند دير العاقول على نحو ميلين من الضواحي الغربية لبغداد.

إن شعر المتنبّي في هذا الدور أدنى من شعره في حلب و مصر، فقد خلا من الحكمة و مظاهر العظمة و من وصف المعارك ثم ضعف بناؤه. و تفسير ذلك سهل، هو أن المتنبّي ترك مصر مكسور النفس بعد أن كان قد غادر حلب مجروحا في كبريائه فلم يكن شعره يعبّر عن ذلك العنفوان و ذلك الطموح اللذين كانا له في حلب. غير أن شعره اكتسب في هذا الدور رقّة و برز فيه الوصف. قال المتنبّي يمدح عضد الدولة و يصف شعب

بوّان (13):

مغاني الشعب طيبا في المغاني... بمنزلة الربيع من الزمان (14)

و لكنّ الفتى العربيّ فيها...غريب الوجه و اليد و اللسان (15)

ملاعب جنّة لو سار فيها... سليمان لسار بترجمان (16)

طبت فرساننا و الخيل حتى... خشيت و ان كرُمن من الحران (17)

غدونا تنفض الأغصان فيها... على أعرافها مثل الجمان (18)

فسرت و قد حجبن الحرّ عني... و جئن من الضياء بما كفاني (19)

و ألقى الشرق منها في ثيابي... دنانيرا تفرّ من البنان (20)

لها ثمر تشير إليك منه... بأشربةٍ وقفن بلا أوان (21)

و أمواه تصلّ بها حصاها...صليل الحلي في أيدي الغواني (22)

عناصر شخصيته - خصائصه و فنونه:

كان المتنبي بعيد الطموح شديد العصبية معتدّا بنفسه يتعاظم على الناس. و لقد غفر الدارسون له ذلك عند الكلام على صفاته لأنه كان فارسا شجاعا، بعيد التفكير واسع المعرفة، وفيّا لمن عرفهم عفيفا النفس و اليد.

امتاز المتنبّي بالإكثار من المعاني و بضرب الأمثال و المبالغة في كل شيء.

و كان أسلوبه فخما متينا جدّا و غنيا بالتشابيه البارعة و الاستعارات الأنيقة و بعض الصناعة اللفظية، فلقد كان المتنبّي من أتباع المذهب الشاميّ القائم على التأنّق في التعبير.

و لم يعر أسلوب المتنبّي نفسه إلاّ للفخر و المديح، و كان الفخر و المديح يغلبان على كل فنّ آخر من فنون المتنبّي. أما الحكمة فنثرها المتنبي في جميع قصائده. و له شيء من الوصف و من الشعر الوجداني الخالص.

أما مقامه في الشعر فقد أفاض فيه النقاد و أجمعوا على أنه في المقام الأول بين جميع الشعراء و فوقهم. و أشهر الأقوال في ذلك، عند الموازنة بين الشعراء كلهم، قول ابن رشيق القيروانيّ (23): «و ليس في المولّدين أشهر اسما من الحسن أبي نواس، ثم حبيب (24) و البحتريّ، و يقال إنهما أخملا في زمانهما خمسمائة شاعر كلّهم مجيد. ثم يتبعهما في الاشتهار ابن الرومي و ابن المعتز، فطار اسم ابن المعتز حتى صار كالحسن في المولّدين و امرئ القيس في القدماء. فإنّ هؤلاء الثلاثة (أبا نواس و أبا تمّام و البحتريّ) لا يكاد يجهلهم أحد من الناس. ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا و شغل الناس» .

و في سنة 1354 ه‍(1935 م) احتفل العالم العربي بمرور ألف سنة قمرية (354-1354 ه‍) على وفاة المتنبّي، و قد أقام عدد من الدول الأجنبية اجتماعات لمناسبة هذه الذكرى.

أ-فخره:

كان المتنبّي متعاظما شديد الذهاب بنفسه لا يرى أحدا فوقه و لا أحدا مثله. و قد ملأ قصائده بالفخر، حتى تلك التي كان يلقيها بين يدي الممدوحين. و ربما رفع نفسه فوقهم. و كان المتنبّي يفتخر بأسلافه و بأهله و بنفسه: يفتخر بعفّته و وفائه و عزمه و بنفوذ بصره في الأمور، كما كان يفتخر بشعره و يجعل معاني الشعراء المعاصرين له تبعا لمعانيه هو: أخذوها منه ثم نسبوها إلى أنفسهم و مدحوا بها ممدوحيهم. فمن فخره المشهور قوله (في دوره الاوّل) :

أين فضلي إذا قنعت من الدهـ...ـ‍ر بعيش معجّل التنكيد

عش عزيزا أو مت و أنت كريم...بين طعن القنا و خفق البنود

لا كما قد حييت غير حميد...و إذا متّ متّ غير فقيد

فاطلب العزّ في لظى ودع الذلّ... و لو كان في جنان الخلود (25)

ما بقومي شرفت، بل شرفوا بي... و بنفسي فخرت لا بجدودي

و بهم فخر كلّ من نطق الضا... د و عوذ الجاني و غوث الطريد

إن أكن معجبا فعجب عجيب... لم يجد فوق نفسه من مزيد

أنا ترب النّدى و ربّ القوافي... و سمام العدى و كيد الحسود (26)

أنا من أمّة، تداركها الل‍ه...غريب كصالح في ثمود (27)

- و رثى المتنبّي جدّته بقصيدة ملأها بالفخر بنفسه، فمما قاله في هذه القصيدة:

ألا لا أري الأحداث مدحا و لا ذمّا... فما بطشها جهلا و لا كفّها حلما

عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا... فلما دهتني لم تزدني بها علما

أتاها كتابي بعد يأس و ترحةٍ... فماتت سرورا بي فمتّ بها غمّا

و كنت قبيل الموت أستعظم النوى... فقد صارت الصغرى التي كانت العظمى (28)

هبيني أخذت الثأر فيك من العدى... فكيف بأخذ الثأر فيك من الحمّى

و لو لم تكوني بنت أكرم والد... لكان أباك الضخم كونك لي أمّا (29)

تغرّب لا مستعظما غير نفسه... و لا قابلا إلا لخالقه حكما

يقولون لي: ما أنت في كل بلدة... و ما تبتغي؟ ما أبتغي جلّ أن يسمى

و اني لمن قوم كأن نفوسهم... بها أنف أن تسكن اللحم و العظما

- و للمتنبّي فخر كثير فيه مبالغة و تعاظم و احتقار لبني دهره، قال يمدح سيف الدولة و يعاتبه:

و احرّ قلباه ممن قلبه شبمُ... و من بجسمي و حالي عنده سقم (30)

ما لي أكتّم حبّا قد برى جسدي... و تدّعي حبّ سيف الدولة الأمم

ان كان يجمعنا حبّ لغرّته... فليت أنّا بقدر الحبّ نقتسم

يا أعدل الناس إلاّ في معاملتي... فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم

أعيذها نظرات منك صادقة... أن تحسب الشحم في من شحمه ورم

و ما انتفاع أخي الدنيا بناظره... إذا استوت عنده الأنوار و الظلم

سيعلم الجمع ممّن ضمّ مجلسنا... بأنني خير من تسعى به قدم

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي...و أسمعت كلماتي من به صمم

أنام ملء جفوني عن شواردها... و يسهر الخلق جرّاها و يختصم (31)

و جاهل مدّه في جهله ضحكي... حتى أتته يدٌ فرّاسةٌ و فم (32)

إذا رأيت نيوب الليث بارزة... فلا تظنّنّ أنّ الليث يبتسم

الخيل و الليل و البيداء تعرفني...و السيف و الرمح و القرطاس و القلم

يا من يعزّ علينا أن نفارقهم... وجداننا كلّ شيء بعدكم عدم

إن كان سرّكم ما قال حاسدنا... فما لجرح إذا أرضاكم ألم

كم تطلبون لنا عيبا فيعجزكم... و يكره اللّه ما تأتون و الكرم

ما أبعد العيب و النقصان من شرفي... أنا الثريّا و ذان الشيب و الهرم (33)

ليت الغمام الذي عندي صواعقه... يزيلهنّ إلى من عنده الديم (34)

إذا ترحّلت عن قوم و قد قدروا... ألاّ تفارقهم فالراحلون هم

شرّ البلاد مكان لا صديق به... و شرّ ما يكسب الإنسان ما يصم (35)

بأيّ لفظ تقول الشعر زعنفة... تجوز عندك لا عرب و لا عجم (36)

- و في ذي الحجّة من السنة 348 ه‍(نيسان-أبريل 960 م) أصيب المتنبّي، و هو في مصر، بحمّى الربع (الحمى الراجعة، لأنها تعود في كل أربعة أيام مرة-الملاريا) فقال يشكو المرض و الألم، و كنّى عن الحمّى بكلمة زائرة. و ليس في هذه القصيدة غير شكواه من المرض و من إقامته في أرض مصر لا يحارب و لا يقوم بعمل عظيم:

و لما صار ودّ الناس خبّا... جزيت على ابتسام بابتسام (37)

و لست بقانعٍ من كلّ فضل... بأن أعزى إلى جدّ همام

و لم أر في عيوب الناس عيبا... كنقص القادرين على التمام

أقمت بأرض مصر، فلا ورائي... تخبّ بي الركاب و لا أمامي

قليل عائدي، سقم فؤادي... كثير حاسدي، صعب مرامي

و زائرتي كأنّ بها حياء... فليس تزور إلاّ في الظلام

بذلت لها المطارف و الحشايا... فعافتها و باتت في عظامي (38)

يضيق الجلد عن نفسي و عنها... فتوسعه بأنواع السقام

كأن الصبح يطردها فتجري... مدامعها بأربعة سجام (39)

أراقب وقتها من غير شوقٍ... مراقبة المشوق المستهام

و يصدق وعدها، و الصدق شرٌّ...إذا ألقاك في الكرب العظام

يقول لي الطبيب: أكلت شيئا... وداؤك في شرابك و الطعام

و ما في طبّه أني جواد (40) ... أضرّ بجسمه طول الجمام

تعوّد أن يغبّر في السرايا... و يدخل من قتام في قتام (41)

فأمسك لا يطال له فيرعى... و لا هو في العليق و لا اللجام (42)

فان أمرض فما مرض اصطباري...و ان أحمم فما حمّ اعتزامي

و ان أسلم فما أبقى، و لكن... سلمت من الحِمام إلى الحِمام

ب- مديحه:

المتنبّي شاعر مدّاح متكسّب، و قصائد المديح تؤلف القسم الأعظم من ديوانه. و هو يبالغ في وصف الممدوح بالشجاعة و الكرم و المروءة و أصالة النسب و بالذكاء. و مدائح المتنبّي في سيف الدولة أحسن مدائحه كلّها، لأنه كان يحبّ سيف الدولة فوق احترامه له و إعجابه به. و المتنبّي يرفع ممدوحه أحيانا فوق مرتبة البشر، قال يمدح سيف الدولة:

لكلّ امرئ من دهره ما تعوّدا... و عادة سيف الدولة الطعن في العدا

هو البحر غص فيه-إذا كان ساكنا-...على الدّرّ، و احذره إذا كان مزبدا

و ربّ مريدٍ ضرّه ضرّ نفسه... و هادٍ إليه الجيش أهدى و ما هدى (43)

و مستكبر لم يعرف اللّه ساعةً... رأى سيفه في كفّه فتشهّدا

تظلّ ملوك الأرض خاضعة له... تفارقه هلكى و تلقاه سجّدا

و أحسن مديح المتنبي يأتي مع وصف المعارك، ذلك لأن المتنبي فارس شهد المعارك مع سيف الدولة. و أحسن شاهد على ذلك وصف قلعة الحدث الحمراء و مديح سيف الدولة في خلال ذلك:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم... و تأتي على قدر الكرام المكارم

و تعظم في عين الصغير صغارها... و تصغر في عين العظيم العظائم

يكلّف سيف الدولة الجيش همّه... وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم (44)

و يطلب عند الناس ما عند نفسه... و ذلك ما لا تدّعيه الضراغم (45)

هل الحدث الحمراء تعرف لونها... و تعلم أيّ الساقيين الغمائم

سقتها الغمام الغرّ قبل نزوله... فلما دنا منها سقتها الجماجم (46)

بناها فأعلى و القنا يقرع القنا... و موج المنايا حولها متلاطم.

و كان بها مثل الجنون فأصبحت... و من جثث القتلى عليها تمائم (47)

طريدة دهر ساقها فرددتها...على الدين بالخطّيّ و الدهر راغم (48)

و كيف ترجّي الروم و الروس هدمها...و ذا الطعن آساس لها و دعائم

و قد حاكموها، و المنايا حواكم...فما مات مظلوم و لا عاش ظالم

أتوك يجرّون الحديد كأنما... سروا بجياد ما لهنّ قوائم

إذا برقوا لم تعرف البيض منهم... ثيابهم من مثلها و العمائم (49)

خميس بشرق الارض و الغرب زحفه...و في أذن الجوزاء منه زمازم (50)

تجمّع فيه كلّ لسن و أمّة... فما يفهم الحدّاث إلا التراجم (51)

وقفت و ما في الموت شك لواقف... كأنك في جفن الردى و هو نائم

تمرّ بك الابطال كلمى هزيمة... و وجهك وضّاح و ثغرك باسم

تجاوزت مقدار الشجاعة و النهى...إلى قول قوم: أنت بالغيب عالم

ضممت جناحيهم على القلب ضمّة...تموت الخوافي تحتها و القوادم (52)

بضرب أتى الهامات و النصر غائب...و صار إلى اللبّات و النصر قادم (53)

حقرت الردينيّات حتى طرحتها...و حتى كأن السيف للرمح شاتم (54)

و من طلب الفتح الجليل فإنّما...مفاتيحه البيض الخفاف الصوارم (55)

يختلف مديح المتنبي في كافور من مديحه في سيف الدولة. كان المتنبي يحب سيف الدولة و يجلّه و يكبر أعماله إكبارا صحيحا. و لكن المتنبي لم يجد في كافور، منذ نزوله في مصر، سببا للحب أو الإكبار. من أجل ذلك امتلأت القصائد التي قالها المتنبي في كافور بالتعريض و الغمز؛ و كان التعريض في القصائد المتأخرة خاصة بارزا جدا لا يكاد يخفى على أحد لكثرة ما ذكر فيها من ألفاظ الغدر و الكذب و التمويه. قال المتنبّي يمدح كافورا في آخر رمضان من سنة 346 ه‍(25-1-958 م) . :

من الجآذر في زيّ الأعاريب...حمر الحلى و المطايا و الجلابيب (56)

ما أوجه الحضر المستحسنات به...كأوجه البدويّات الرعابيب (57)

حسن الحضارة مجلوب بتطرية (58)... و في البداوة حسن غير مجلوب

أفدي ظباء فلاة ما عرفن بها... مضغ الكلام و لا صبغ الحواجيب (59)

و من هوى كلّ من ليست مموّهة... تركت لون مشيبي غير مخضوب

و من هوى الصدق في قولي و عادته... رغبت عن شعر في الرأس مكذوب

ليت الحوادث باعتني الذي أخذت... مني بعلمي الذي أعطت و تجريبي

فما الحداثة من حلم بمانعة... قد يوجد الحلم في الشبّان و الشيب

ترعرع الملك الأستاذ مكتهلا... قبل اكتهال أديبا قبل تأديب

يدبّر الملك من مصر إلى عدن...إلى العراق فأرض الروم فالنوب (60)

قالوا: هجرت إليه الغيث! قلت لهم... إلى غيوث يديه و الشآبيب

إلى الذي تهب الدولات راحته... و لا يمنّ على آثار موهوب

و لا يروع بمغدور به أحدا...و لا يفزّع موفورا بمنكوب (61)

وجدت أنفع مال كنت أذخره... ما في السوابق من جري و تقريب (62)

لما رأين صروف الدهر تغدر بي... وفين لي، و وفت صمّ الأنابيب

و كيف أكفر، يا كافور، نعمتها... و قد بلغنك بي، يا كلّ مطلوبي

أنت الحبيب، و لكنّي أعوذ به... من أن أكون محبّا غير محبوب

ج‍ - رثاؤه:

رثاء المتنبي باب من أبواب مديحه، ليس فيه شيء من عاطفة الخنساء أو جرير أو ابن الرومي. و ليس فيه تفجّع أو جزع. و المتنبي إذا رثى ذكر حسنات الميت في الحياة و مدح أهله. و ربما افتخر المتنبّي في رثائه بنفسه إذا كان الميت قريبا له. ثم انه، في الحالين، يتأمل الحياة واقعيا و فلسفيا و يستجمع الحكم و يضرب الأمثال؛ توفيت أمّ سيف الدولة سنة 337 ه‍(948 م) فقال المتنبي يرثيها:

نعدّ المشرفيّة و العوالي... و تقتلنا المنون بلا قتال (63)

و من لم يعشق الدنيا قديما... و لكن لا سبيل إلى الوصال

رماني الدهر بالأرزاء حتى... فؤادي في غشاء من نبال

فصرت إذا أصابتني سهامٌ...تكسّرت النصال على النصال

أطاب النفس أنك متّ موتا...تمنّته البواقي و الخوالي (64)

و زلت و لم تَرَي يوما كريها...تسرّ النفس فيه بالزوال

رواق العزّ فوقك مسبطرّ... و ملك عليٍّ ابنك في كمال (65)

يعلّلها نطاسيّ الشكايا...و واحدها نطاسيّ المعالي (66)

إذا وصفوا له داء بثغرٍ... سقاه أسنّة الأسل الطوال (67)

و ليست كالإناث و لا اللواتي... تعدّ لها القبور من الحجال (68)

مشى الأمراء حوليها حفاة... كأن المرو من زفّ الرئال (69)

و ما التأنيث لاسم الشمس عيب...و لا التذكير فخر للهلال

و لو كان النساء كمن فقدنا...لفضّلت النساء على الرجال

يدفّن بعضنا بعضا، و يمشي...أواخرنا على هام الأوالي (70)

أسيف الدولة، استنجد بصبر... و كيف بمثل صبرك للجبال

و في سنة 350 ه‍(961 م) توفّي أبو شجاع فاتك، و كان قائدا زميلا و صديقا لكافور، فلما استبدّ كافور بحكم مصر وقعت الوحشة بينهما فاعتزل فاتك إلى ضيعة له بالفيّوم. و نمت الصداقة بين المتنبّي وفاتك لكرههما كافورا. و المتنبّي يرثي فاتكا بالشجاعة و الكرم و سموّ الهمّة و يستطرد إلى الوعظ و الحكمة:

الحزن يقلق و التجمّل يردع...و الدمع بينهما عصيّ طيّع

أني لأجبن عن فراق أحبّتي...و تحسّ نفسي بالحمام فأشجع

تصفو الحياة لجاهل أو غافل...عمّا مضى فيها و ما يتوقّع

و لمن يغالط في الحقائق نفسه... و يسومها طلب المحال فتطمع

أين الذي الهرمان من بنيانه... ما قومه؟ ما يومه؟ ما المصرع

تتخلّف الآثار عن أصحابها... حينا، و يدركها الفناء فتتبع

يا من يبدّل كلّ يوم حلّة... أنّى رضيت بحلّة لا تنزع

ما زلت تدفع كلّ أمر فادح... حتى أتى الأمر الذي لا يدفع

قبحا لوجهك، يا زمان، فانه...وجه له من كلّ لؤم برقع:

أ يموت مثل أبي شجاع فاتك... و يعيش حاسده الخصيّ الأوكع (71)

أبقيت أكذب كاذب أبقيته... و أخذت أصدق من يقول و يسمع

من كان فيه لكلّ قوم ملجأ... و لسيفه في كلّ قوم مرتع

و توفّيت خولة، أخت سيف الدولة الكبرى، سنة 352 ه‍(963 م) ، و بلغ الخبر إلى المتنبي-و كان قد ترك مصر و جاء إلى الكوفة-فنظم في رثائها قصيدة بارعة بعث بها إلى سيف الدولة يعزّيه. هذه المرثية فوق مراثي المتنبّي كلّها جودة و اتّقاد عاطفة. إنها رثاء صحيح. و قد وقف نفر من النقّاد و مؤرخي الأدب من المتنبّي، من أجل هذه القصيدة، موقفا قاسيا: قالوا إنّ المتنبّي كان يحبّ خولة، و لو لا ذاك لما جرى رثاؤها على لسانه بمثل هذه العاطفة و الجودة. قد يكون ذلك صحيحا، و لكنّ هنالك ملاحظة واحدة: ان هذه القصيدة من الدور الرابع في حياة المتنبّي، و شعر المتنبّي كان قد رقّ في هذا الدور فجرت قصيدته في خولة هذا المجرى:

يا أخت خير أخ، يا بنت خير أب... كناية بهما عن أشرف النسبِ

أجلّ قدرك أن تسمي مؤبّنة... و من يصفك فقد سمّاك للعرب

طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ...فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

حتى إذا لم يدع لي صدقه كذبا... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

أرى العراق طويل الليل مذ نعيت... فكيف ليل فتى الفتيان في حلب

يظنّ أنّ فؤادي غير ملتهب... و أن دمع جفوني غير منسكب

بلى! و حرمة من كانت مراعيةً... لحرمة المجد و القصّاد و الأدب

و إن تكن خلقت أنثى لقد خلقت... كريمة غير أنثى العقل و الحسب

و ان تكن تغلب الغلباء عنصرها... فإنّ في الخمر معنى ليس في العنب

فليت طالعة الشمسين غائبة... و ليت غائبة الشمسين لم تغب (72)

و ليت عين التي آب النهار بها... فداء عين التي غابت و لم تؤب (73)

و ما ذكرت جميلا من صنائعها... إلا بكيت؛ و لا ودّ بلا سبب

 

د-هجاؤه:

كانت طبيعة المتنبي و خصائص شعره بعيدة عن الهجاء: كان مترفّعا لا يريد أن يضع نفسه في مثل منزلة خصومه؛ و كان شعره فخما رصينا لا يعير نفسه للهجاء بسهولة. و مع ذلك فإن له شيئا مستجادا في الهجاء، قال في الدور الأول يتهكم برجلين قتلا جرذا ثم أبرزاه يعجّبان الناس من كبره:

كلا الرجلين اتّلى قتله... فأيّكما غلّ حرّ السلب (74)

و أيّكما كان من خلفه... فإنّ به عضّة في الذنب

و كثر تعريض المتنبّي بخصومه في بلاط سيف الدولة على ما ترى في كثير من قصائد الدور الثاني. أما الهجاء الحقيقي عند المتنبّي فنجده، في الدور الثالث، في كافور الإخشيديّ تلميحا و تصريحا. و أشهر هجاء المتنبّي و أجوده داليّته التي أنشدها في كافور بعد أن هرب من مصر:

عيد، بأية حال عدت، يا عيد... بما مضى أم لأمر فيك تجديد

اني نزلت بكذّابين ضيفهمُ... عن القرى و عن الترحال محدود (75)

جود الرجال من الأيدي، وجودهم... من اللسان. فلا كانوا و لا الجود

ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم... إلاّ و في كفّه، من نتنها، عودُ (76)

أ كلّما اغتال عبد السوء سيّده...أو غاله، فله في مصر تمهيد

صار الخصيّ إمام الآبقين بها... فالحرّ مستعبد و العبد معبود (77)

نامت نواطير مصر عن ثعالبها...و قد بشمن، و ما تفنى العناقيد

لا تشتر العبد إلاّ و العصا معه... ان العبيد لأنجاس مناكيد

الأدب و الحكمة و المثل المضروب

الحكم في شعر المتنبّي كثيرة، و هي منثورة في جميع قصائده.

و تدور حكم المتنبّي في الأكثر حول كرهه للناس و سوء الظن بهم و قلّة المبالاة بالدهر؛ و هو معجب بالقوة أشدّ الإعجاب. و له في الحياة و الموت و أحداث الدهر أقوال كثيرة صائبة. على أنّ المهمّ في حكم المتنبّي أنه أخرج بعضها مخرج المثل المضروب فسارت على ألسن الناس و استشهد بها الكتّاب في كتاباتهم و مناقشاتهم. من ذلك كله قوله:

- إنّ السلاح جميع الناس تحمله... و ليس كلّ ذوات المخلب السّبع

- بذا قضت الأيام ما بين أهلها... مصائب قوم عند قوم فوائد

- إذا رأيت نيوب الليث بارزة... فلا تظنّنّ أنّ الليث يبتسم

- إذا أنت أكرمت الكريم ملكته... و إن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا

- ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه... تجري الرياح بما لا تشتهي السّفن

- و من يك ذا فم مرّ مريض... يجد مرّا به الماء الزلالا.

- و احتمال الأذى و رؤية جانب‍ه... غذاء تضوى به الأجسام (78)

ذلّ من يغبط الذليل بعيشٍ... ربّ عيش أخف منه الحمام

كلّ حلم أتى بغير اقتدارٍ... حجّة لاجئ إليها اللئام

من يهن يسهل الهوان عليه... ما لجرحٍ (79) بميّت إيلام

- فلا مجد في الدنيا لمن قلّ ماله... و لا مال في الدّنيا لمن قلّ مجده

و من الحكم المتوالية في قصائده قوله:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله... و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى... حتى يراق على جوانبه الدم

و الظلم من شيم النفوس، فان تجد... ذا عفّة فلعلّة لا يظلم

و من البليّة عذل من لا يرعوي... عن جهله و خطاب من لا يفهم

و الذلّ يظهر في الذليل مودّةً... و أودّ منه لمن يودّ الأرقم (80)

- للمتنبّي مقطوعة في الحكمة تامّة نظمها في مصر. و يبدو أنه كان يريد أن ينشدها كافورا ثم لم يفعل:

صحب الناس قبلنا ذا الزمانا... و عناهم من أمره ما عنانا (81)

و تولّوا بغصّة كلّهم من‍ه... و إن سرّ بعضهم أحيانا

ربما تحسن الصنيع ليالي‍ه... و لكن تكدّر الإحسانا

و كأنّا لم يرض فينا بريب الـ...ـ‍دهر حتى أعانه من أعانا (82)

كلّما أنبت الزمان قناةً... ركّب المرء في القناة سنانا (83)

و مراد النفوس أصغر من أن... تتعادى فيه و أن تتفانى (84)

غير أنّ الفتى يلاقي المنايا... كالحات و لا يلاقي الهوانا

و لو انّ الحياة تبقى لحيٍّ...لعددنا أضلّنا الشجعانا (85)

و إذا لم يكن من الموت بدٌّ... فمن العجز أن تكون جبانا

كلّ ما لم يكن من الصعب في الانـ...ـ‍فس سهل فيها إذا هو كانا (86)

مصادر الحكمة في شعره:

لما ورد المتنبّي بغداد تعاظم على أدبائها. و اتّفق أن زاره أبو عليّ الحاتميّ فلم يحسن المتنبّي لقاءه، فوضع الحاتميّ رسالة يعزو فيها نحو مائة من معاني المتنبّي في الحكمة إلى أرسطو (87)؛ ذكر مثلا أن أرسطو قال: «من أفنى مدته في جمع المال خوف العدم فقد أدّى بنفسه إلى الفقر» ، ثم زعم أن المتنبّي سرق هذا المعنى فقال:

و من ينفق الساعات في جمع ماله... مخافة فقر فالذي فعل الفقر

ثم زعم أيضا أن أرسطو قال: «خوف وقوع المكروه قبل تناهي المدة خور في الطبع» ، فسرقه المتنبّي فقال:

و إذا لم يكن من الموت بدٌّ... فمن العجز أن تكون جبانا

لقد كان ذلك تحاملا من الحاتمي على المتنبّي و تمحّلا بعيدا في تطلّب الشبه بين ما قال أرسطو، ان صح ذلك، و بين ما قال المتنبي. غير أنّ هذا لا يعني أن المتنبي لم يقتبس بعض معانيه في الحكمة و غير الحكمة من أحد، فإنّ كتب البلاغة و النقد و الأدب مملوءة بمآخذ الشعراء و سرقات بعضهم من بعض.

لحكمة المتنبّي مصادر أشهرها و أهمها أسفاره و تجاربه و احتكاكه بالناس. ثم إنه اطّلع على بعض الآراء في الكتب فأعجب بها و أخذها. و لعل المتنبّي قرأ في كتاب الحيوان للجاحظ «أن الجعل (88) متى دفنته في الورد سكنت حركته في رأي العين» فقال عن قصائده:

بذي الغباوة من إنشادها ضرر... كما تضرّ رياح الورد بالجعل

و يبدو أيضا أنّ المتنبّي قرأ في كتاب كليلة و دمنة «إذا لقي الرجل عدوّه في المواطن التي يعلم فيها أنه هالك سواء أقاتل أم لم يقاتل، كان حقيقا أن يقاتل عن نفسه حفاظا و كرما» ، فقال و أحسن في الإيجاز و في التعبير:

و إذا لم يكن من الموت بدٌّ... فمن العجز أن تكون جبانا

و كذلك ورد في كتاب كليلة و دمنة: «ان الحيلة تجزئ (89) ما لا تجزئ القوة» ، ثم رأينا في ديوان المتنبّي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان ... هو أوّل و هي المحلّ الثاني

_____________________

1) كان اسم جعفى مالكا.

2) القاموس المحيط للفيروز آبادي 1:320، السطر الأول؛ راجع تاج العروس 2:440.

3) القرامطة جماعة قاموا بدعوة علوية متطرفة في البحرين (شرقي شبه جزيرة العرب) و قاوموا الخلافة العباسية و أعملوا القتل في أهل السنة.

4) زجر المطر: التعرف إلى ظواهر علوية (بضم العين) في أحوال الجو تدل على اقتراب سقوط المطر كاحمرار الأفق الغربي في المساء و الإحساس بزيادة الرطوبة في الهواء (و ذلك محتاج بالطبع إلى شيء من الحس المرهف و من الاختبار) .

5) يؤمر الأطفال في الإسلام بالصلاة إذا بلغوا سبع سنوات و يضربون على ترك الصلاة إذا بلغوا عشرا.

6) الرغام: التراب. معدن: أصل.

7) الآتي: السيل. وتر (بفتح الواو او كسرها) : ثأر.

8) الزق: وعاء الخمر. القينة: الجارية المغنية. البكر: العظيمة، التي لم يسبق مثلها.

9) الهبوة: العدد الكثير. السود الكثيرة السلاح. المجر: الكثير.

10) دويا: صوتا، ضجة، شهرة. تداول سمع المرء أنمله (بتثليث الميم و الهمزة-و هكذا تصح قراءتها على عشرة وجوه) العشر: ازداد سماع الناس بشهرته حتى لكأنهم يسمعون بعشر أصابع مكان سماعهم بأذنين.

11) التفنيد: اللوم و التقريع. -عذرك لشخص ما دليل على انه مذنب، فإذا أنت عذرته فكأنك تلومه.

12) الفحول البيض: أمثال سيف الدولة. الخصية السود: أمثال كافور لأنه كان خصيا أسود مملوكا.

13) شعب بوان في أرض فارس، بين أرجان و النوبندجان، و هو أحد متنزهات الدنيا (ياقوت 1:750) .

14) نسبة شعب بوان للأماكن المسكونة في العالم كنسبة الربيع إلى سائر الفصول.

15) كانت اللغة الفارسية، في أيام المتنبي، قد أخذت تستعيد مقامها في ايران.

16) الجنة: الجن. -ان سليمان الذي كان يعرف لغات الناس و الطير يحتاج في فارس إلى ترجمان.

17) طبت: دعت، طابت، أفادت.

18) جاء الليل فجمد الماء في الاغصان، فلما مررنا في الصباح أخذ الماء المتجمد في الاغصان يذوب و يسقط على أعناق الخيل كأنه اللؤلؤ.

19) الأغصان الكثيفة كانت تحجب حر الشمس عني و تسمح بالمقدار الضروري من النور بالوصول إلى طريقي.

20) و كان الضياء يخترق الفروج بين أوراق الشجر و يظهر على ثيابي كأنه دنانير.

21) و كان لتلك الاشجار ثمر ناضج جدا حتى لكأنه بلا قشر (قشره شفاف جدا) .

22) و المياه الجارية تحدث عند مرورها على الحصا في مجاريها صوتا ناعما عذبا كصوت الحلى في معاصم النساء الحسان.

23) العمدة 1:82.

24) حبيب: أبو تمام (حبيب بن أوس) .

25) لظى اسم علم مؤنث (لا يحلى بلام التعريف و لا ينون) على جهنم.

26) الترب هو الشخص المولود مع شخص آخر في عام واحد (أنا و الندى-الكرم-تربان، لي من المقام ما للكرم عند العرب) . سمام: السموم، الريح الحارة التي تقتل.

27) صالح: نبي أرسل إلى قوم ثمود فلم يصدقوه، و قد أمرهم مرة ألا يذبحوا ناقة فما أطاعوه.

28) كنت أرى البعد عن جدتي أمرا شديدا علي، فلما ماتت أدركت أن البعاد أمر عادي تافه، بالنسبة إلى الموت.

29) الأم: الوالدة و كل جدة في عمود النسب.

30) شبم: بارد، مطمئن.

31) أنظم الشعر بسهولة و الناس يسهرون الليالي في محاولة فهمه و المجادلة في معانيه.

32) فراسة: مفترسة، شديدة الافتراس.

33) أنا لا آتي ما يعيب الإنسان أو يحط من قدره طبعا و خليقة، كما أن الثريا لا تشيب و لا تهرم.

34) سيف الدولة يهددني و يحسن إلى غيري. فليته يهدد الذين يحسن اليهم.

35) يصم: يعيب. شر مكاسب الإنسان ما كانت مصادرها غير شريفة.

36) زعنفة (بالكسر أو الفتح) : جماعة لا وزن لها و لا قيمة. تجوز عندك: تقبل قولها.

37) الخب: المكر.

38) المطرف (بالكسر) : الثوب الثمين. الحشية: الفراش. -نمت على فراش و لبست ثيابا، و مع ذلك لم يفارقني البرد.

39) مع اقتراب الصبح ينضح جسم المصاب بالبرداء عرقا و تذهب عنه الحمى و يفارقه البرد. في البيت أيضا تورية: كأن العرق دموع للحمى (حزنا على فراقه) .

40) الجواد: الحصان الأصيل. الجمام: الراحة و اللهو.

41) تعود أن يحارب دائما. السرية: الغزوة. القتام: غبار الحرب.

42) «و لا هو في العليق و لا اللجام» مثل ضربه المتنبي لنفسه: لا يعمل عملا.

43) هدى: دل، قاد. أهدى: قدم، أعطى. -قد يقود ملك جيشا لقتال سيف الدولة فيكون هذا الجيش هدية (غنيمة) لسيف الدولة.

44) الخضرم (بالكسر) : الكثير. -يريد سيف الدولة من جميع الناس أن يفعلوا فعله، و ذلك امر تعجز عنه الجيوش الكثيرة.

45) الضرغام: الاسد. -يظن سيف الدولة أن جميع الناس مثله (أسود) .

46) غسلها ماء المطر ثم لونتها الدماء.

47) كثرت الجثث حول القلعة حتى أصبح من المستحيل الوصول اليها. التميمة: الحرز، الحجاب (لرد الاذى عن حامله) .

48) رددت القلعة إلى حكم المسلمين بالخطي (بالرماح، أي بالقوة) .

49) جميع ملابسهم (الخوذات و الدروع و الاحذية) و سلاحهم من حديد، فاذا طلعت الشمس عليهم و انعكست أشعتها عنهم لم يدر الناظر إذا كانت الشمس تنعكس عن ثيابهم أو خوذهم.

50) الخميس: الجيش. الجوزاء: برج من أبراج السماء. زمازم أصوات. -الاصوات المنبعثة من هذا الجيش مرتفعة جدا (لأن عدده كبير) تصل إلى نواحي السماء.

51) هذا الجيش مؤلف من أمم مختلفة تتكلم لغات مختلفة، فما يستطيعون التفاهم إلا بواسطة التراجمة.

52) الجناحان: جانبا الجيش. القلب: وسط الجيش. القوادم: الريش الطوال في جناح الطائر. الخوافي: الريش الصغار و الزغب في باطن جناح الطائر. -طوقت هذا الجيش و قضيت على جميع أفراده.

53) الهامة: الرأس. اللبة: أعلى الصدر. انتصرت عليهم بسرعة (بمقدار ما يصل السيف من أعلى الرأس إلى أعلى الصدر) .

54) الرديني: الرمح. تركت الحرب بالرماح و قاتلت بالسيوف (قاتلتهم بالسلاح الأبيض) .

55) الجليل: العظيم. البيض الصوارم: السيوف الحادة.

56) الجآذر: الظباء الصغار، يقصد النساء الشابات. في زي الأعاريب: يلبسن ثيابا بدوية. المطايا: (هنا) النوق.

57) الرعبوبة: الفتاة الممتلئة الجسم.

58) التصنيع في الوجه (بالمطريات و الاصباغ) .

59) فلاة: بادية. مضغ الكلام: التكلف فيه.

60) النوبة: مقاطعة جنوب مصر.

61) لا يغدر بأحد حتى يخيف بعمله خصومه. و لا ينكب أحدا (يصادر أمواله) ليهدد الأغنياء حتى ينزلوا له عن شيء من أموالهم.

62) أنفع شيء كنت أدخرته السوابق (الخيل) و ما لها من الجري (السرعة) و التقريب (القفز ببطء) .

63) المشرفية: السيوف. العوالي: الرماح.

64) من لم يرد الخلود في الدنيا؟

65) مسبطر: وارف، ممتد. علي: سيف الدولة.

66) يعللها: يداويها. نطاسي الشكايا: الطبيب. النطاسي: العالم (الطبيب البارع القدير) . واحدها ابنها الوحيد (لم يكن لها ابن غيره) .

67) إذا ثارت فتنة في ثغر (تخم من تخوم بلاده) داواه بالرماح الطويلة (بالحرب) .

68) الحجال جمع حجلة (بفتح ففتح) : ستر المرأة.

69) المرو: الحصا. زف الرئال: ريش النعام.

70) يدفن المتقدمون تحت الأرض ثم يسير المتأخرون (الاحياء) فوق الأرض، كأنهم يسيرون فوق هام (رؤوس) الذين سبقوهم في الحياة.

71) الأوكع: اللئيم، يقصد كافورا.

72 و 73) ليت طالعة الشمسين (شمس النهار) هي التي غربت إلى الأبد؛ و ليت غائبة الشمسين (خولة) لم تغب (لم تمت) . و ليت شمس النهار التي طلعت مرة جديدة كانت فداء لخولة التي غابت (بالموت) و لم ترجع.

74) كل واحد منهما أقسم انه هو الذي قتله.

75) لا يحسنون ضيافته و لا يدعونه يذهب في سبيله.

76) يمكن أن يفهم هذا البيت على وجهين: إذا أراد عزرائيل قبض أرواحهم وضع في كفه عودا (طيبا) حتى تغلب راحة الطيب على نتنهم. و المعنى الثاني: إذا أراد عزرائيل قبض أرواحهم أخذ بيده عودا (قضيبا) حتى لا يباشر قبض أرواحهم بيده.

77) الخصي يقصد به كافورا. الآبق: العبد الهارب من سيده.

78) إذا كان المجرم يسرح أمامك و يمرح و أنت عاجز عن الاقتصاص منه (أو إذا رأيته يقوم بجنايته و أنت عاجز عن منعه) فذلك الذي يجعل الأجسام هزيلة بالتأسف و التحرق.

79) الرواية بضم الجيم. و لعل فتح الجيم ابلغ.

80) الذليل (المغلوب على أمره) يظهر الحب لك، و لكنه يبطن لك عداوة أشد من شداوة الحية.

81) عناهم: أهمهم، شغلهم.

82) من الناس من لا يرى مصائب الدهر كافية، فيكيد هو أيضا لإخوانه.

83) كلما نبتت قصبة وضع الناس في رأسها حديدة (جعلوها سلاحا للقتل) .

84) مطالب الناس في الحياة أحقر من أن يعادي بعضهم بعضا من أجلها و أن يفني بعضهم بعضا في سبيل الوصول إليها.

85) لو كانت الحياة تدوم لأحد لعددنا الشجعان (الذين يخوضون المعارك و يتعرضون للقتل) أضل الناس، أسوأهم رأيا.

86) الإنسان يستصعب الأمور قبل أن تحدث، فإذا حدثت وجدها سهلة يسيرة.

87) راجع ترجمة الحاتمي (ت 388 ه‍) . و أرسطو أو أرسطوطاليس فيلسوف يوناني (ت 322 ق. م.) .

88) الجعل: دويبة صغيرة سوداء كريهة المنظر و الرائحة (خنفساء) .

89) تغني، تسد، تقوم بما لا تقوم به القوة.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.