المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



حجة الوداع  
  
1002   04:48 مساءً   التاريخ: 2024-11-13
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص591-615
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / شهادة النبي وآخر الأيام /

1 - أجواء حجة الوداع

أ . أمر الله تعالى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بالحج ونزل عليه قوله تعالي : وَأَذِّنْ فِى النَّاسِ بِالحَجِّ يأْتُوك رِجَالاً وَعَلَى كلِّ ضَامِرٍ يأْتِينَ مِنْ كلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم : بأن رسول الله يحج في عامه هذا ، فعلم به من حضر المدينة وأهل العوالي والأعراب ، واجتمعوا لحج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فكتب إلى من بلغه كتابه ممن دخل في الإسلام : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يريد الحج ، يؤذنهم بذلك ليحج من أطاق الحج » . الكافي : 4 / 244 .

وأرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) رسُلَهُ يدعون الناس إلى الحج ، وبلغت دعوته أقاصي بلاد الإسلام ، فتجهز الناس للخروج معه ، وحضر إلى المدينة خلق كثير ، ووافاه في الطريق خلائق ، وكانوا مد البصر ، كلهم يريد أن يأتم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويعمل مثل عمله . البحار : 21 / 384 والصحيح من السيرة : 30 / 288 .

ب . في الحج أخبرهم أنه يوشك أن يدعى فيجيب ، وأنهم قد لا يرونه بعد عامهم هذا ، فسماها الناس حجة الوداع ، وأقرَّ هذا الاسم أهل البيت « عليهم السلام » .

ففي الكافي : 7 / 373 قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقف بمنى حين قضى مناسكها في حجة الوداع فقال : أيها الناس إسمعوا ما أقول لكم واعقلوه عني ، فإني لا أدرى لعلى لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا ، ثم قال : أي يوم أعظم حرمة ؟ قالوا : هذا اليوم قال : فأي شهر أعظم حرمة ؟ قالوا : هذا الشهر ، قال : فأي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : هذا البلد ، قال : فإن دماء كم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ، فيسألكم عن أعمالكم . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم قال : اللهم اشهد . . » .

ج - - هدف النبي ( صلى الله عليه وآله ) من حجة الوداع : إتمام تبليغ الإسلام ، ومنه تبليغ مناسك الحج ، حيث قال لهم : خذوا عنى مناسك حجكم . حجوا كما رأيتموني أحج .

لكن الهدف الأهم عنده ( صلى الله عليه وآله ) التأكيد على خلافة على والأئمة من عترته « عليهم السلام » ، وتحذير الأمة من مخالفته فيهم بأن من يخالفه فيهم لا يوافيه على الحوض .

ولا ننس أن حجة الوداع كانت بعد شهرين من محاولة اغتياله ( صلى الله عليه وآله ) في رجوعه من تبوك . لقد استبطأت قريش موته لتأخذ دولته كما قال على ( عليه السلام ) ، فأعلن قرب وفاته ليطمئنهم بأنه مغادر عن قريب فليكفُّوا عن محاولة اغتياله ، أو إعلان الردة وإعادة العرب إلى وثنيتهم ، بحجة أن محمداً يريد بناء ملك لعترته « عليهم السلام » !

لكن قريشاً لم تقنع بتطمينه ( صلى الله عليه وآله ) ، فحاولت اغتياله في عودته من حجة الوداع !

د . خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من المدينة يوم الخميس السادس والعشرين من ذي القعدة « لأربع بقين منه » وبات في ذي الحليفة « مسجد الشجرة » . وفى اليوم التالي أحرم وتحرك بالمسلمين نحو مكة ، فوصلها لأربع مضين من ذي الحجة .

أما رجوعه إلى المدينة فكان في العشر الأخير من ذي الحجة ، ولم أجد من حدده .

وأما عدد الذين حضروا حجة الوداع فتفاوتت الرواية في عددهم بين سبعين ألفاً ، ومئة وأربع وعشرين ألفاً .

ه - . روى المسلمون عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أحاديث عديدة من حجة الوداع ، وأجزاءً من الخطب الست التي خطبها : عندما وصل إلى مكة ، ثم في عرفات ، ثم في منى عند جمرة العقبة يوم العيد وثاني العيد ، ثم في اليوم الثالث في مسجد الخيف ، ثم في عودته في غدير خم عند الجحفة .

وتضمنت توجيهاته ووصاياه لأمته ، وقد أخفى رواة الحكومة منها أكثر ما يتعلق بأهل البيت « عليهم السلام » وهو بضع عشرة مادة ، وسيأتي ذكر مضامينها .

و . عن جابر قال : « طاف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبالصفا والمروة ، ليراه الناس وليشرف عليهم ليسألوه ، فإن الناس غَشَوْهُ » .

أي أحاطوا به وزاحموه . تذكرة الفقهاء : 8 / 111 .

2 - صفة حج النبي « صلى الله عليه وآله » عند أهل البيت « عليهم السلام »

في الكافي : 4 / 244 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « لم يحج النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد قدومه المدينة إلا واحدة ، وقد حج بمكة مع قومه حجات مستسراً في كلها . . . فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أربع بقين من ذي القعدة ، فلما انتهى إلى ذي الحليفة زالت الشمس فاغتسل ، ثم خرج حتى أتى المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر وعزم بالحج مفرداً » سألته : أليلاً أحرم رسول الله أم نهاراً ؟ فقال : نهاراً . قلت : أية ساعة ؟ قال : صلاة الظهر « وخرج حتى انتهى إلى البيداء عند الميل الأول ، فصُفَّ له سماطان فلبى بالحج مفرداً ، وساق الهدى ستاً وستين ، حتى انتهى إلى مكة في سلخ أربع من ذي الحجة ، فطاف بالبيت سبعة أشواط ، ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم ( عليه السلام ) ، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه ، وقد كان استلمه في أول طوافه .

ثم قال : إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ الله . فأبدأ بما بدأ الله تعالى به . وإن المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا والمروة شئ صنعه المشركون ، فأنزل الله عز وجل : إِنَّ الصَّفَا وَالمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيهِ أَنْ يطَّوَّفَ بِهِمَا . ثم أتى الصفا فصعد عليه ، واستقبل الركن اليماني فحمد الله وأثنى عليه ودعا مقدار ما يقرأ سورة البقرة مترسلاً ، ثم انحدر إلى المروة فوقف عليها كما وقف على الصفا ، ثم انحدر وعاد إلى الصفا فوقف عليها ، ثم انحدر إلى المروة حتى فرغ من سعيه . فلما فرغ من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هذا جبرئيل وأومأ بيده إلى خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحل ، ولو استقبلت من أمرى ما استدبرت لصنعت مثل ما أمرتكم ، ولكني سقت الهدي ، ولا ينبغي لسائق الهدى أن يحل حتى يبلغ الهدى محله .

قال : فقال له رجل من القوم « عمر » : لنخرجن حجاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر ! فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أما إنك لن تؤمن بهذا أبداً ! فقال له سراقة بن مالك بن جعشم الكناني : يا رسول الله علمنا ديننا كأنا خلقنا اليوم ، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أم لما يستقبل ؟ فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : بل هو للأبد إلى يوم القيامة ثم شبك أصابعه وقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة .

قال : وقدم على ( عليه السلام ) من اليمن على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو بمكة ، فدخل على فاطمة سلام الله عليها وهى قد أحلت ، فوجد ريحاً طيبة ووجد عليها ثياباً مصبوغة فقال : ما هذا يا فاطمة ؟ فقالت أمرنا بهذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .

فخرج على ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مستفتياً فقال : يا رسول الله إني رأيت فاطمة قد أحلت وعليها ثياب مصبوغة ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أنا أمرت الناس بذلك فأنت يا علي بمَ أهللت ؟ قال : يا رسول الله إهلالاً كإهلال النبي ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قُرَّ على إحرامك مثلي ، وأنت شريكي في هديي .

قال : ونزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكة بالبطحاء هو وأصحابه ، ولم ينزل الدور ، فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلوا بالحج ، وهو قول الله عز وجل الذي أنزل على نبيه ( صلى الله عليه وآله ) : فاتَّبِعُوا مِلَّةَ إبْرَاهيم .

فخرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه مُهِلِّين بالحج حتى أتى منى فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والفجر ، ثم غدا والناس معه ، وكانت قريش تفيض من المزدلفة وهى جُمع ويمنعون الناس أن يفيضوا منها ، فأقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقريش ترجو أن تكون إفاضته من حيث كانوا يفيضون ، فأنزل الله تعالى عليه : ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ ، يعنى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق في إفاضتهم منها ومن كان بعدهم ، فما رأت قريش أن قبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد مضت كأنه دخل في أنفسهم شئ للذي كانوا يرجون من الإفاضة من مكانهم ، حتى انتهى إلى نمرة ، وهى بطن عرنة بحيال الأراك ، فضربت قبته ، وضرب الناس أخبيتهم عندها .

فلما زالت الشمس خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه قريش ، وقد اغتسل وقطع التلبية ، حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ، ثم صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثم مضى إلى الموقف فوقف به ، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته يقفون إلى جانبها فنحاها ، ففعلوا مثل ذلك فقال : أيها الناس ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كله وأومأ بيده إلى الموقف ، فتفرق الناس . وفعل مثل ذلك بالمزدلفة ، فوقف الناس حتى وقع القرص قرص الشمس ، ثم أفاض وأمر الناس بالدعة حتى انتهى إلى المزدلفة ، وهو المشعر الحرام فصلى المغرب والعشاء الآخرة بأذان واحد وإقامتين ، ثم أقام حتى صلى فيها الفجر ، وعجل ضعفاء بني هاشم بليل وأمرهم أن لا يرموا الجمرة جمرة العقبة حتى تطلع الشمس ، فلما أضاء له النهار أفاض ، حتى انتهى إلى منى فرمى جمرة العقبة .

وكان الهدى الذي جاء به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستاً وستين وجاء على بأربع وثلاثين فنحر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ستة وستين ونحر على ( عليه السلام ) أربعة وثلاثين بدنة ، وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم ، ثم تطرح في برمة ثم تطبخ ، فأكل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلى وحَسَيا من مرقها ، ولم يعطيا الجزارين جلودها ولا جلالها ولا قلائدها وتصدق به ، وحلق ، وزار البيت ورجع إلى مني ، وأقام بها حتى كان اليوم الثالث من آخر أيام التشريق .

ثم رمى الجمار ونفر ، حتى انتهى إلى الأبطح ، فقالت له عايشة : يا رسول الله ترجع نساؤك بحجة وعمرة معاً وأرجع بحجة ؟ فأقام بالأبطح وبعث معها عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم ، فأهلت بعمرة ثم جاءت وطافت بالبيت وصلت ركعتين عند مقام إبراهيم ( عليه السلام ) وسعت بين الصفا والمروة ، ثم أتت النبي ( صلى الله عليه وآله ) فارتحل من يومه ، ولم يدخل المسجد الحرام ولم يطف بالبيت . ودخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين ، وخرج من أسفل مكة من ذي طوي .

وذكر أنه حيث لبى قال : لبيك اللهم لبيك لبيك ، لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك . وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكثر من ذي المعارج ، وكان يلبى كلما لقى راكباً ، أو علا أكمةً ، أو هبط وادياً ، ومن آخر الليل ، وفى إدبار الصلوات . فلما دخل مكة دخل من أعلاها من العقبة وخرج حين خرج من ذي طوي ، فلما انتهى إلى باب المسجد استقبل الكعبة ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على أبيه إبراهيم ، ثم أتى الحجر فاستلمه ، فلما طاف بالبيت صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم ودخل زمزم فشرب منها ، ثم قال : اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً وشفاءً من كل داء وسقم . فجعل يقول ذلك وهو مستقبل الكعبة ثم قال لأصحابه : ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر ، فاستلمه ، ثم خرج إلى الصفا .

الذي كان على بُدْن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ناجية بن جندب الخزاعي الأسلمي . والذي حلق رأس النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حجته معمر بن عبد الله بن حارثة . قال : ولما كان في حجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو يحلقه قالت قريش : أي معمر ، أذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في يدك وفى يدك الموسي ! فقال معمر : والله إني لأعده من الله فضلاً عظيماً عَلَي ، قال : وكان معمر هو الذي يرحل لرسول الله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا معمر إن الرحل الليلة لمسترخٍ فقال معمر : بأبى أنت وأمي لقد شددته كما كنت أشده ، ولكن بعض من حسدنى مكاني منك يا رسول الله أراد أن تستبدل بي ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما كنت لأفعل » .

وفى الكافي : 4 / 257 ، عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قال : « لما وقف ( صلى الله عليه وآله ) بعرفة وهمَّت الشمس أن تغيب ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا بلال قل للناس فلينصتوا ، فلما نصتوا قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن ربكم تطوَّل عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم وشفع محسنكم في مسيئكم ، فأفيضوا مغفوراً لكم ، قال : وزاد غير الثمالي أنه قال : إلا أهل التبعات ، فإن الله عدل يأخذ للضعيف من القوي .

فلما كانت ليلة جمع لم يزل يناجى ربه ويسأله لأهل التبعات ، فلما وقف بجمع قال لبلال : قل للناس فلينصتوا ، فلما نصتوا قال : إن ربكم تطول عليكم في هذا اليوم فغفر لمحسنكم وشفع محسنكم في مسيئكم ، فأفيضوا مغفوراً لكم ، وضمن لأهل التبعات من عنده الرضا » .

أقول : معناه أن الله تعالى ضمن لمن شملته المغفرة في عرفات أن يرْضِى عنه من له عليه حق ، فيعطيه حتى يسقط حقه عنه . ولا يمكن أن يكون هذا الحكم لكل من حج ، لأنه يحج أناسٌ مشهود لهم من النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنهم مجرمون من أهل النار .

3 - خطب النبي « صلى الله عليه وآله » في حجة الوداع

مع أن المسلمين اهتموا بحجة الوداع ورووا منها أحاديث كثيرةً ، لكن رواة السلطة القرشية نَتَّفُوا الأحاديث وجَزَّؤوها ، وخلطوا بين مضامينها !

وسبب ذلك أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ركز فيها على مكانة عترته « عليهم السلام » ، وخصهم بكلام بليغ كثير ، فتعمدوا إهمال ذلك لأنه إدانة لنظام الخلافة القرشي الذي قام أساساً على إقصاء العترة « عليهم السلام » . فذنب أحاديث حجة الوداع أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنها تأمر بطاعة أهل بيته « عليهم السلام » ، وتحذر قريشاً والصحابة من معصيتهم !

وقد راجعتُ نصوص هذه الخطب في أكثر من مائة مصدر من مصادرهم فوجدت أنها تشكل منظومة كاملة في حقوق الإنسان واحترام حريته ودمه وملكيته وكرامته ، وفى مكانة القرآن والعترة !

واليك فهرساً بها ، وقد أفردنا بشارته ( صلى الله عليه وآله ) بالأئمة الإثنى عشر « عليهم السلام » :

1 - خطبة النبي « صلى الله عليه وآله » في عرفات

حسب رواية ابن شعبة الحراني « رحمه الله » في تحف العقول / 30 : « الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على العمل بطاعته ، وأستفتح الله بالذي هو خير .

أما بعد : أيها الناس ! إسمعوا منى ما أبين لكم ، فإني لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا .

أيها الناس : إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام ، إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد .

فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها . وإن ربا الجاهلية موضوع ، وإن أول ربا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلب . وإن دماء الجاهلية موضوعة ، وإن أول دم أبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .

وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ، والعمد قَوَدٌ ، وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير ، فمن ازداد فهو من الجاهلية .

أيها الناس : إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه قد رضى بأن يطاع فيما سوى ذلك ، فيما تحتقرون من أعمالكم .

أيها الناس : إنما النسئ زيادة في الكفر ، يضل به الذين كفروا ، يحلونه عاماً ويحرمونه عاما ، ليواطؤوا عدة ما حرم الله . وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض ، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية ، وواحد فرد : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب بين جمادى وشعبان . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد .

أيها الناس : إن لنسائكم عليكم حقاً ، ولكم عليهن حقاً ، حقكم عليهن أن لا يوطئن أحداً فرشكم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، وألا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإذا انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكتاب الله ، فاتقوا الله في النساء ، واستوصوا بهن خيراً .

أيها الناس : إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد ، فلا ترجعن كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي . ألا هل بلغت ؟ اللهم اشهد .

أيها الناس : إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم وآدم من تراب ،

إِنَّ أَكرَمَكمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكمْ . وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوي . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : فليبلغ الشاهد الغائب .

أيها الناس : إن الله قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ، ولا تجوز لوارث وصية في أكثر من الثلث ، والولد للفراش وللعاهر الحجر .

من ادُّعى إلى غير أبيه ، ومن تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً . والسلام عليكم ورحمة الله » .

2 - من خطب النبي « صلى الله عليه وآله » في مني :

في تفسير علي بن إبراهيم : 1 / 171 : « وحج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حجة الوداع لتمام عشر حجج من مقدمه المدينة ، فكان من قوله بمنى أن حمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أيها الناس : إسمعوا قولي واعقلوه عني ، فإني لا أدرى ألقاكم بعد عامي هذا .

ثم قال : هل تعلمون أي يوم أعظم حرمة ؟ قال الناس : هذا اليوم . قال : فأي شهر ؟ قال الناس : هذا . قال : وأي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا : بلدنا هذا . قال : فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، إلى يوم تلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم . ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد . ثم قال : ألا وكل مأثرة أو بدعة كانت في الجاهلية ، أو دم أو مال فهو تحت قدمي هاتين ، ليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوي . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد .

ثم قال : ألا وكل رباً كان في الجاهلية فهو موضوع ، وأول موضوع منه ربا العباس بن عبد المطلب . ألا وكل دم كان في الجاهلية فهو موضوع ، وأول موضوع دم ربيعة . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد .

ثم قال : ألا وإن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم هذه ، ولكنه راض بما تحتقرون من أعمالكم ، ألا وإنه إذا أطيع فقد عبد !

ألا أيها الناس : إن المسلم أخو المسلم حقاً ، لا يحل لامرئ مسلم دم امرئ مسلم وماله ، إلا ما أعطاه بطيبة نفس منه . وإني أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها فقد عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله . ألا هل بلغت أيها الناس ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد .

ثم قال : أيها الناس : إحفظوا قولي تنتفعوا به بعدى وافهموه تنعشوا ، ألا لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا ، فإن فعلتم ذلك ولتفعلن ! لتجدوني في كتيبة بين جبرئيل وميكائيل أضرب وجوهكم بالسيف ! ثم التفت عن يمينه فسكت ساعة ثم قال : إن شاء الله ، أو علي بن أبي طالب .

ثم قال : ألا وإني قد تركت فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ، ومن خالفهما فقد هلك . ألا هل بلغت ؟ قالوا : نعم . قال : اللهم اشهد .

ثم قال : ألا وإنه سيرد عَلَى الحوض منكم رجال فيدفعون عني ، فأقول : رب أصحابي ؟ فيقول : يا محمد إنهم أحدثوا بعدك وغيروا سنتك ! أقول : سحقاً سحقاً .

فلما كان آخر يوم من أيام التشريق أنزل الله : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : نُعِيتْ إلى نفسي . ثم نادى الصلاة جامعة في مسجد الخَيف ، فاجتمع الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

نَضَّرَ اللهُ امرأً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم يسمعها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لأئمة المسلمين ولزم جماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم . المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم يسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم .

أيها الناس : إني تارك فيكم الثقلين . قالوا : يا رسول الله وما الثقلان ؟ قال : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عَلَى الحوض كإصبعى هاتين وجمع بين سبابتيه ، ولا أقول كهاتين وجمع سبابته والوسطى فتَفْضُلُ هذه على هذه ! فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته ! فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً : إن مات محمد أو قتل أن لايردُّوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً ! فأنزل الله على نبيه في ذلك : أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ . أَمْ يحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيهِمْ يكتُبُونَ . الزخرف : 79 - 80 .

وفى بصائر الدرجات / 433 : « عن جابر قال قال أبو جعفر ( عليه السلام ) دعا رسول الله أصحابه بمنى وقال : يا أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ، أمَا إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عَلَى الحوض .

ثم قال : أيها الناس ، إني تارك فيكم حرمات الله : كتاب الله ، وعترتي ، والكعبة البيت الحرام . ثم قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : أما كتاب الله فحرفوا ، وأما الكعبة فهدموا ، وأما العترة فقتلوا ، وكل ودايع الله فقد تَبَّروا » !

وفى الخصال / 486 ، بسنده عن عبد الله بن عمر قال : « نزلت هذه السورة : إذا جاء نصر الله والفتح ، على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أوسط أيام التشريق ، فعرف أنه الوداع ، فركب راحلته العضباء فحمد الله وأثنى عليه . . إلى آخر رواية القمي » .

وفى الكافي : 1 / 403 : « قال سفيان الثوري « لصاحبه » : إذهب بنا إلى جعفر بن محمد ، قال فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابته ، فقال له سفيان : يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مسجد الخيف . قال : دعني حتى أذهب في حاجتي فإني قد ركبت فإذا جئت حدثتك . فقال : أسألك بقرابتك من رسول الله لما حدثتني . قال : فنزل فقال له سفيان : مر لي بدواة وقرطاس حتى أثبته ، فدعا به ثم قال أكتب : بسم الله الرحمن الرحيم . خطبة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مسجد الخيف : نضَّرَ الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وبلغها من لم تبلغه . يا أيها الناس : ليبلغ الشاهد الغائب ، فرب حامل فقه ليس بفقيه ، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه : ثلاثٌ لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، والنصيحة لأئمة المسلمين ، واللزوم لجماعتهم ، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم . المؤمنون إخوةٌ تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ، يسعى بذمتهم أدناهم . . .

فكتبه سفيان ثم عرضه عليه ، وركب أبو عبد الله وجئت أنا وسفيان ، فلما كنا في بعض الطريق قال لي : كما أنت ، حتى أنظر في هذا الحديث . قلت له : قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً ، لا يذهب من رقبتك أبداً ! فقال : وأي شئ ذلك ؟ فقلت له : ثلاث لايغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، قد عرفناه . والنصيحة لأئمة المسلمين ، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم ؟ معاوية بن أبي سفيان ، ويزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وكل من لا تجوز الصلاة خلفهم ؟ وقوله : واللزوم لجماعتهم ، فأي الجماعة ؟ مُرْجِئٌ يقول : من لم يصلِّ ولم يصُم ولم يغتسل من جنابة ، وهادم الكعبة وناكح أمه ، فهو على إيمان جبرئيل وميكائيل ؟ ! أو قدرى يقول لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس ؟ أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب ويشهد عليه بالكفر ؟ أو جهمي يقول إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شئ غيرها ؟ !

قال : ويحك وأي شئ يقولون ؟ ! فقلت : يقولون : إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي وجب علينا نصيحته . ولزوم جماعتهم : أهل بيته !

قال : فأخذ الكتاب فخرقه ، ثم قال : لاتخبر بها أحداً » ! . انتهي .

وفى الكافي : 2 / 74 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « خطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجة الوداع فقال : يا أيها الناس والله ما من شئ يقربكم من الجنة ويباعدكم من النار ، إلا وقد أمرتكم به ، وما من شئ يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه . ألا وإن الروح الأمين نفث في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحمل أحدكم استبطاء شئ من الرزق أن يطلبه بغير حله ، فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته » . راجع في تفسير القمي : 2 / 303 ، خطبته ( صلى الله عليه وآله ) في مكة ، وقد أخذ بحلقة الكعبة . وفي : 2 / 447 ، خطبته ( صلى الله عليه وآله ) في مسجد الخيف .

3 - ومن مصادر السنيين

في سنن الدارمي : 2 / 47 : « حتى إذا زاغت يعنى الشمس « يوم عرفة » أمر بالقصواء فرُحِّلَتْ له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس ، وقال : إن دماءكم وأموالكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ألا إن كل شئ من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع ، ودماء الجاهلية موضوعة . . . فاتقوا الله في النساء ، فإنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله . .

أنتم مسؤولون عنى فما أنتم قائلون ؟ قالوا : نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت . فقال بإصبعه السبابة فرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس : اللهم اشهد ، اللهم اشهد ، اللهم اشهد » .

وفى صحيح بخاري : 5 / 126 : عن أبي بكرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض ، السنة اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان . أي شهر هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال : أليس ذا الحجة ؟ قلنا : بلي . قال : فأي بلد هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس البلدة ؟ قلنا : بلي . قال : فأي يوم هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ! قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلي . قال : فإن دماءكم وأموالكم - قال محمد وأحسبه قال وأعراضكم - عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ، وستلقون ربكم فسيسألكم عن أعمالكم . ألا فلا ترجعوا بعدى ضلالاً يضرب بعضكم رقاب بعض . ألا ليبلغ الشاهد الغائب ، فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه » . وروته المصادر : « كفاراً » ورواها بخارى وقليل غيره « ضلالاً » ! أيضاً في صحيحه : 1 / 24 .

وفى صحيح مسلم : 4 / 41 : « حتى أتى عرفة . . فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرُحِّلت له ، فأتى بطن الوادي فخطب الناس . . . وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به : كتاب الله » . فحذف وصية النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعترته !

وفى ابن ماجة : 2 / 1024 والحاكم : 1 / 77 : « خطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا أيها الناس : إني فرط لكم على الحوض ، وإن سعته ما بين الكوفة إلى الحجر الأسود ، وآنيته كعدد النجوم ، وإني رأيت أناساً من أمتي « أصلها أصحابي » لما دنوا منى خرج عليهم رجل فمال بهم عني ، ثم أقبلت زمرة أخرى ففعل بهم كذلك فلم يفلت إلا كمثل همل النعم ! فقال أبو بكر : لعلى منهم يا نبي الله ؟ ! قال : لا » !

وواضحٌ أن الراوي تعمد ذكرأبى بكر ليخرجه من الصحابة المطرودين !

وفى ابن ماجة : 2 / 1016 ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على ناقته المخضرمة بعرفات . . « ألا وإني مستنقذ أناساً ، ومستنقَذٌ منى أناس ، فأقول : يا رب أصيحابي ! فيقول : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك » !

وفى سنن ابن ماجة : 2 / 1300 : « عن ابن عمر أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ويحكم أو ويلكم ! لا ترجعوا بعدى كفاراً . . » .

وفى سنن الترمذي : 2 / 62 ، عن أبي أمامة : « سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخطب في حجة الوداع فقال : اتقوا الله ربكم ، وصلُّوا خَمْسَكم ، وصوموا شهركم ، وأدوا زكاة أموالكم ، وأطيعوا ذا أمركم ، تدخلوا جنة ربكم . قال : قلت لأبى أمامة : منذ كم سمعت هذا الحديث ؟ قال : سمعت وأنا ابن ثلاثين سنة » .

وفى مسند أحمد : 5 / 412 : « فقال . . . ألا وإني فرطكم على الحوض أنظركم وإني مكاثرٌ بكم الأمم ، فلا تسوِّدُوا وجهي ! ألا وقد رأيتموني وسمعتم منى وستسألون عنى فمن كذب على فليتبوأ مقعده من النار . ألا وإني مستنقذٌ رجالاً أو أناساً ، ومستنقَذٌ منى آخرون فأقول : يا رب أصحابي . . الخ . » !

وفى مجمع الزوائد : 3 / 265 ، عن الرقاشي قال : « كنت آخذاً بزمام ناقة رسول الله في وسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال . . » . وفيه : « ألا لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض . . . أيها الناس : إن النساء عندكم عوان ، أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله . . . لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه . أيها الناس : إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله فاعملوا به » . ولم يذكر الراوي أهل بيته « عليهم السلام » !

4 - بشارة النبي « صلى الله عليه وآله » في حجة الوداع بالأئمة الإثنى عشر بعده

كان من الواضح للمسلمين أن ولاية الأمر بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) لعترته « عليهم السلام » فقد أمره الله تعالى أن يبلغ الأمة ولايتهم ، على سنته تعالى في أنبيائه السابقين الذين ورَّث عترتهم الكتاب والحكم ، ذُرِّيةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . « آل عمران : 34 » .

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَينَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيرَاتِ بِإِذْنِ الله ذَلِك هُوَ الْفَضْلُ الْكبِيرُ . فاطر : 32 .

والذين اصطفاهم الله على وأبناؤه من فاطمة « عليهم السلام » ، والسابقون بالخيرات الأئمة المعصومون « عليهم السلام » منهم . والمقتصد : هو المؤمن بهم . والظالم لنفسه : من حسدهم وأنكرهم ! ولا يستقيم معنى الآية بتفسير آخر .

وقد بَلَّغَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) طوال نبوته ولاية عترته بالتدريج والحكمة ، بالتلويح والتصريح ، لعلمه بحسد قريش لهم ، وقد روت مصادرهم أنه ( صلى الله عليه وآله ) بشر بالأئمة الإثنى عشر في خطب حجة الوداع ، لكنهم أبهموا وحذفوا منها ! ففي صحيح بخاري : 8 / 127 ، عن : « جابر بن سمرة قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش » !

وفى مسلم : 6 / 3 : « لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثنى عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي : ما قال ؟ فقال : كلهم من قريش » !

ثم روى ثانية فيها : « ثم تكلم بشئ لم أفهمه » .

وثالثة فيها : « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى إثنى عشر خليفة ، فقال كلمة صَمَّنِيها الناس ! فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش » .

ولم يقل بخارى إن هذا الحديث من خطب حجة الوداع ! لكن عدداً من المصادر قالته ، كمسند أحمد : 5 / 93 و 96 و 99 : « عن جابر بن سمرة قال : خطبنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بعرفات » . وفي / 87 : « يقول في حجة الوداع » . وفي / 99 : « سمعت رسول الله يخطب بمني » . وهذا يعنى أنه ( صلى الله عليه وآله ) كرره في عرفات ومني ، ثم أعلنه صريحاً في غدير خم !

وأصل الحديث : اثنا عشر إماماً كلهم من أهل بيتي ، « ففي مسند أحمد : 5 / 100 و 107 » ، لكن السلطة لا تريد العترة فقال الراوي : « ثم قال كلمة لم أفهمها ، قلت لأبي : ما قال ؟ قال : قال كلهم من قريش » . وفى الحاكم : 3 / 617 : « وقال كلمة خفيت علي ، وكان أبى أدنى إليه مجلساً منى فقلت : ما قال ؟ فقال كلهم من قريش » .

وفى أحمد : 5 / 90 و 98 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخفاها وخفض بها صوته وهمس بها همساً !

وفى الحاكم : 3 / 618 : « ثم قال كلمة وخفض بها صوته ، فقلت لعمى وكان أمامي : ما قال يا عم ؟ قال : قال يا بني : كلهم من قريش » .

وفى الطبراني الكبير : 2 / 213 و 214 : « قال ( صلى الله عليه وآله ) : يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً لا يضرهم من خذلهم ، ثم همس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكلمة لم أسمعها ، فقلت لأبي : ما الكلمة التي همس بها النبي ؟ قال أبي : كلهم من قريش » .

وقالت روايات أخرى إن الذي ضيع الكلمة هم الناس ، وليس الراوي ولا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فالناس المحرمون لربهم ، المنتظرون لكل كلمة تصدر من نبيهم ، صاروا عند الكلمة الحساسة مشاغبين ! يلغطون ، ويضجون ، ويكبرون ، ويتكلمون ويقومون ويقعدون !

ففي سنن أبي داود : 2 / 309 : « قال : فكبر الناس وضجوا ، ثم قال كلمة خفية ، قلت لأبي : يا أبة ما قال ؟ قال : كلهم من قريش » .

ومثله أحمد : 5 / 98 . وفيه : « ثم قال كلمة أصَمَّنِيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش » . وفى رواية مسلم المتقدمة : « صَمَّنيها الناس » .

وفى رواية أحمد : 5 / 93 : « وضج الناس . . ثم لغط القوم وتكلموا فلم أفهم قوله بعد كلهم » . وفى نفس الصفحة : « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً ، ينصرون على من ناواهم عليه إلى اثنى عشر خليفة . قال فجعل الناس يقومون ويقعدون . . . » !

فهل سمعت بأمة يودعها نبيها ، ويبشرها بأن الله عز وجل حلَّ مشكلة القيادة فيها وعين اثنى عشر إماماً ربانياً ، ثم لم يحدد لها هؤلاء الأئمة ، لا بأسمائهم ولا بأسرتهم ! بل جعلهم ضائعين في عشرين قبيلة ! ولم يسأله أحد من أمته من هم ؟ !

إنها فضيحة وراءها قريش بكيدها وخططها ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعترته !

إن زعمهم أن الأئمة الربانيين ضاعوا في قريش ، هو نفس كلامهم في السقيفة حيث قالوا إن قريشاً تأبى أن تجمع لبنى هاشم بين النبوة والخلافة ، فيجب أن تدور الخلافة بين بطون قريش العشرين ! وهم بتهمتهم للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه ضيع هوية الأئمة من بعده ، يتهمون ربهم سبحانه وتعالى وينسبون اليه أنه جعل في هذه الأمة اثنى عشر إماماً مجهولين في عشرين قبيلة ! وأشعل الصراع بين هذه القبائل على الخلافة ورئاسة الدولة ، خاصة وهم يتحاربون سنين على فرس وبعير !

فالصحيح أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حددهم بعترته « عليهم السلام » وسماهم : علياً والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين « عليهم السلام » ، لكنهم تعمدوا تضييعهم !

وقد قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم !

بنا يستعطى الهدي ، ويستجلى العمي . إن الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم « نهج البلاغة : 1 / 82 و 2 / 27 » . وقال ( عليه السلام ) أيضاً : « والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم في حيزنا ، فكانوا كما قال الأول :

أدَمْتَ لعَمرى شُرْبَك المحضَ صابحاً * وأكلَك بالزُّبد المَقَشَّرة البُجْرَا

ونحن وهبناك العلاءَ ولم تكنْ * علياً وحُطْنَا حولك الجُرْدَ والسُّمْر .

هذا ، وقد تحير الشراح السنيون في الأئمة الإثنى عشر ، وحاولوا تطبيقهم على خلفائهم فلم يستطيعوا ! واعترف ابن العربي المالكي المتوفى سنة 543 في عارضة الأحوذي ، بأن تطبيق الحديث على خلفائهم لا يصح !

كما أخفوا أحاديث أن الأئمة من أهل البيت ( صلى الله عليه وآله ) ، وأحرقوها ، أو أنكروها .

قال ابن مسعود : « سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : الأئمة بعدى اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديهم » . كفاية الأثر / 33 .

وقد كتبنا رسالة خاصة في : « بشارة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأئمة الإثنى عشر « عليهم السلام » » .

5 - تحذير النبي « صلى الله عليه وآله » لقريش والصحابة أن يطغوا بعده

سبب التحذير النبوي أن قريشاً لها موقع القيادة في العرب ، فقبائل العرب تَبَعٌ لها ، والخطر الذي يخشاه على أهل بيته إنما هو من قريش وحدها ، والتحريف الذي يخشاه على الإسلام ، والظلم على المسلمين ، إنما هو من قريش وحدها !

لذا قال لهم ( صلى الله عليه وآله ) : « يا معشر قريش لاتجيؤوا بالدنيا تحملونها على رقابكم ، وتجئ الناس بالآخرة ، فإني لا أغنى عنكم من الله شيئاً » .

وهذا نفس تحذيره ( صلى الله عليه وآله ) للصحابة من الصراع على السلطة كقوله : « ويحكم أو ويلكم لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » . « ابن ماجة : 2 / 1300 » . وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : « لا ترجعوا بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيف على الدنيا فإن فعلتم ذلك وَلَتَفْعَلُنَّ » . تفسير القمي : 1 / 1717 .

فأخبرهم أنهم سيفعلون ! واستعمل بلاغته ( صلى الله عليه وآله ) وكل موجبات الخوف والحذر ليقيم عليهم الحجة فلايقولون يوم القيامة : لماذا لم تحذرنا ؟ ! فالذين حذرهم صحابته فقط ! لا اليهود ، ولا الروم ، ولا القبائل العربية ، ولا حتى زعماء قريش بدون شركائهم

من الصحابة !

ذلك أن الخوف من الاقتتال بعده ليس من القبائل التي خضعت للإسلام طوعاً أو كرهاً ، فهي مهما كانت كبيرة وموحدة مثل هوازن وغطفان . . لاتطمح إلى قيادة هذه الدولة ، وإن طمحت فلا حظَّ لها في النجاح إلا بواسطة الصحابة !

واليهود انكسروا وأجلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) قسماً منهم من الجزيرة ، ولم تبق لهم قوة عسكرية تذكر ، ومكائدهم لاحظَّ لها في النجاح إلا بواسطة الصحابة ، الذين تعاهدوا معهم سراً ! سَنُطِيعُكمْ فِى بَعْضِ الأمر وَاللهُ يعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ . محمّد : 26 .

وزعماء قريش في مكة ، مع أنهم يملكون نحو ثلاثة آلاف مقاتل ، لكنهم لا طريق لهم إلى قيادة الدولة إلا بالصحابة القرشيين ! فلايستطيعون أن يدَّعوا حقاً في قيادة دولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) التي كانوا أعداؤها ! لهذا كان تحذيره ( صلى الله عليه وآله ) من الصراع على السلطة بعده ، محصوراً بهؤلاء الصحابة المهاجرين ، ثم بالأنصار فقط !

لكنك تقرأ في مصادر السلطة عشرات الأحاديث في مدح قريش ، وأن القيادة لهم دون غيرهم ! ولا ترى من أحاديث تحذيره لهم إلا ما أفلت من الرقابة ، فقد حرفوها أو جعلوها تحذيراً لبنى هاشم بأن لا يطمعوا في الدنيا ، لأنه لايغنى عنهم من الله شيئاً ! صحيح بخاري : 6 / 17 .

أو جعلوها تحذيراً لفاطمة « عليها السلام » بأنها لو سرقت لقطع يدها ! « صحيح بخاري : 4 / 151 و 5 / 97 و 8 / 16 » . وتحذيراً لبنى عبد المطلب ، بنحو هذا !

ومما أفلت وكان حجة دامغة وما زال ، تحذير النبي ( صلى الله عليه وآله ) لصحابته في حجة الوداع رسمه ببلاغته النبوية لوحةً خالدة لاتنقصها إلا الأسماء ، أظهرت المصير الجهنمي الذي يمشى إليه هؤلاء الصحابة ! ورسم مجيئهم إلى حوض الكوثر يوم المحشر ، فيأتي النداء الإلهى بمنعه من الشفاعة لهم ومنعهم من ورود الحوض ، ثم يؤمر بهم إلى جهنم !

إنها صورة رهيبة نزل بها جبرئيل ( عليه السلام ) ليبلغها النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى الأمة في حجة الوداع ! تجسد الكارثة على صحابته ، جزاءً لهم على الكارثة التي سينزلونها في أمته بعده ! ولا ينجو من هؤلاء المجرمين إلا مثل « هَمَل النَّعم » كما في رواية بخاري ، أي الغنم المنفردة عن القطيع ! ومعناه أن قطيع الصحابة في النار ، ولا يفلت منهم إلا قلة مخالفون لرأى جمهورهم !

وهى حقيقةٌ مذهلةٌ ، صعبة التصديق على المسلم السنى المسكين ، الذي رباه أبواه على حب كل الصحابة ، وخير القرون ، والجيل الفريد ، والصحابة العدول ، وأصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم . . وزرعوا في ذهنه من صغره الصور المثالية لزيد وعمرو ، فإذا به يفاجأ بصورة مرعبة عنهم !

ولو كان المتكلم غير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما تردد السنى في الحكم عليه بأنه عدو الإسلام ، يريد أن يكيد له بالطعن في صحابة رسول الإسلام ( صلى الله عليه وآله ) !

ولو كان الراوي غير البخاري ، لما ترددوا في تضعيف حديثه واتهامه !

لكن المتكلم هو الرسول ( صلى الله عليه وآله ) يخبر عن وحى ربه عز وجل ، وعن حدث سوف يحدث لا محالة !

والراوي للكارثة البخاري الذي أعطوا كتابه درجة العصمة من الجلد إلى الجلد !

إنها جرعةٌ مُرَّةٌ مذهلة للسني المسكين ، الذي تعلَّم أن الحقيقة دائماً حلوة ، وأن الحق دائماً مفصلٌ على قامة الصحابة !

ولم يكتف النبي ( صلى الله عليه وآله ) بذلك ، حتى أوقف المسلمين في الجحفة وأخذ بيد على وأعلنه إماماً بعده ، وجعل له الولاية على أمته ، ونصب له خيمة وأمرهم أن يسلموا عليه بإمرة المؤمنين ، ويباركوا له ولايته عليهم ، فهنؤوه وباركوا له وبخبخوا له ، وأمر نساءه أن يهنئنه فجئن إلى باب خيمته وهنأنه وباركن له !

ثم أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبيل وفاته ، أن يبعد هؤلاء الصحابة بعيداً عن المدينة ، فأرسلهم جميعاً في جيش أسامة إلى مؤتة قرب القدس ، وكان الجيش ثلاثة آلاف فيهم سبع مئة من قريش الطلقاء والمهاجرين . لكنهم اعترضوا على قيادة أسامة بن السبع عشرة سنة ، وسوفوا وتعللوا لمدة أسبوعين حتى توفى النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

ثم أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في مرض وفاته ، أن يؤكد عليهم الحجة بوثيقة مكتوبة ، فطلب منهم أن يأتوه بدواة وقرطاس ، ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً .

ولكنهم رفضوا ذلك بشدة ، ورفعوا في وجهه القرآن فقالوا له : حسبنا كتاب الله ! ومعناه : أيها الرسول لا نريد أن تكتب لنا أطيعوا بعدى علياً ، ثم أولاد ابنتي فاطمة حسناً ثم حسيناً ، ثم تسعة من ذرية الحسين !

وغضبوا ولغطوا وصاحوا بالحاضرين : لا تقربوا له دواة ولا قرطاساً !

فغضب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وطردهم ، وقال لهم : قوموا عنى فما أنا فيه من اعترافكم بنبوتي خير مما تدعونني اليه لأن أصرَّ عليكم ، فتعلنوا الردة !

فاعجب لأمة تنقلب على نبيها في حياته !

6 - عقوبة المخالفين لوصية النبي « صلى الله عليه وآله » في عترته « عليهم السلام »

من الأساليب النبوية المبتكرة في خطب حجة الوداع ، أنه ( صلى الله عليه وآله ) بعد حديثه عن

أهل بيته « عليهم السلام » ، أعلن مبدأ : « لعن من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه » !

ففي مسند أحمد : 4 / 186 : « خطبنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على ناقته فقال : ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، وأخذ وبرة من كاهل ناقته فقال : ولا ما يساوى هذه ، أو ما يزن هذه . لعن الله من ادُعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه » ! وسيأتي في فصل جيش أسامة تفسير النبي ( صلى الله عليه وآله ) لهذه اللعنة بأنها على من ترك ولاية أهل بيته .

7 - قريش تكتب معاهدة لأخذ خلافة النبي « صلى الله عليه وآله » من بني هاشم

كانت قريش في حجة الوداع مستنفرة خوفاً من فرض النبي ( صلى الله عليه وآله ) خلافة عترته ! وكان المتآمرون لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في طريق تبوك موجودين معه في حجة الوداع ! وقد فرحوا لأنه ( صلى الله عليه وآله ) لم يستطع أن يكشف أسماءهم ، ولا أن يعاقبهم على مؤامرة تبوك ! واعتبروا ذلك انتصاراً بالحد الأدنى عليه ( صلى الله عليه وآله ) ! وكانوا يرون أنه ماضٍ في تركيز خلافة علي ، فقد أشاد به في طريق تبوك ، وفى المدينة بعد عودته ، وسحب سورة براءة من أبى بكر وبعثه بها ، لأن جبرئيل ( عليه السلام ) أمره بأنه لا يبلغ عنه إلا هو أو رجل منه ! ثم أشركه في أضاحيه لأنهما من ولد عبد المطلب ، وجعلها مئة ناقة على عدد نذر عبد المطلب عن أبيه عبد الله « عليهم السلام » .

ثم خص ابنته فاطمة « عليها السلام » بأضحية وقال لها قومي فاشهدى أضحيتك ، « المغني : 1 / 156 » بينما ذبح عن كل نسائه بقرة المغني : 3 / 501 .

وتواصلت أحاديثه في مدح على وفاطمة والحسن والحسين « عليهم السلام » ، فقال إن فاطمة سيدة نساء العالمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وإنهما إمامان قاما أو قعدا ، وإن علياً أسد الله وأسد رسوله ، وولى المؤمنين بعده .

ثم أكد على ميزانية « الخمس » التي شرعت من أول الهجرة لبنى هاشم خاصة لينزههم عن الزكوات التي هي أوساخ الناس ، وهذا أقصى الرفعة لهم !

ثم لم يرض بذلك حتى قرن عترته بالقرآن وأوصى بهما الأمة ، ثم بشر باثني عشر إماماً ربانيين من عترته ، أي أن إمامتهم من الله ! فماذا بقي لقبائل قريش ؟ !

ثم تراه يتعمد الحديث عن ظلم قريش ومحاصرتهم له ولبنى هاشم سنين في شعب أبى طالب ، فقد أعلن يوم التروية : « منزلنا غداً إن شاء الله تعالى بخيف بنى كنانة حيث تقاسموا على الكفر » . « صحيح بخاري : 2 / 158 » ثم كرره بعد عرفات ، « بخاري : 4 / 247 » . وكان أكد عليه يوم فتح مكة !

فلا حل عند قريش في مواجهة هذا الإصرار النبوي إلا مواصلة العمل لقتل محمد ! فإن لم يمكن فبالحيلولة بينه وبين إعلان على خليفة ، بالتشويش على كلامه وبالقول للناس إنه لم يقل ، وبالتهديد بإعلان الردة عندما يلزم ذلك !

وهو الأمر الذي يخاف منه النبي ( صلى الله عليه وآله ) كثيراً !

إن قراءة نصوص خطب النبي ( صلى الله عليه وآله ) في عرفات حتى برواية السلطة ، يكفى لمعرفة الجو الذي أوجدته قريش حول النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكيف كانت تترقب كلماته لتشوش على ما لايناسبها وترفضه ، وتأخذ ما يناسبها وتضخمه !

فقد كان يوم عرفات أهدأ مكان وأنسبه لأن يوصل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما يريده إلى المحرمين الواقفين لربهم ، فركب ناقته ليشاهدوه ويسمعوه ، وكان صوته يصل إلى أكثرهم ، ودعا برجل جهوري الصوت فكان يلقى الجملة ويقول له : أُصرخ بها ، فيصرخ ويسمعها من لم يسمعها مباشرة .

لكن ما إن بشر أمته بالأئمة الإثنى عشر من عترته ، حتى ارتفعت الضجة واللغط « فضجوا وقاموا وقعدو وكبروا ولغطوا » وقال راوي قريش إن النبي قال : اثنا عشر إماماً ، ثم قال كلمة لم أفهمها فسألت عمر فقال : كلهم من قريش !

قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « إن العرب كرهت أمر محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحسدته على ما آتاه الله من فضله واستطالت أيامه ! حتى قذفت زوجته ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها وجسيم مننه عندها ! وأجمعت مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته » ! شرح النهج : 20 / 298 .

ولم تكتف قريش بأعمالها لعزل العترة ، فكتبت معاهدة بذلك في الكعبة !

ففي الكافي : 4 / 545 : عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال : في هذا الموضع تعاقد القوم إن مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو قتل ألايردوا هذا الأمر في أحد من أهل بيته أبداً ! قال قلت : ومن كان ؟ قال : كان الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح وسالم بن الحبيبة » !

ففي تفسير القمي : 1 / 173 « فاجتمع قوم من أصحابه وقالوا يريد محمد أن يجعل الإمامة في أهل بيته ! فخرج أربعة نفر منهم إلى مكة ودخلوا الكعبة وتعاهدوا وتعاقدوا وكتبوا فيما بينهم كتاباً : إن مات محمد أو قتل أن لايردُّوا هذا الأمر في أهل بيته أبداً . » .

وفى الاستغاثة : 2 / 66 : « وكتبوا بينهم صحيفة بذلك ، ثم جعلوا أبا عبيدة بينهم أميناً على تلك الصحيفة ، وهى الصحيفة التي روت العامة أن أمير المؤمنين دخل على عمر وهو مسجى فقال : ما أبالي أن ألقى الله بصحيفة هذا المسجي ، وكان عمر كاتب الصحيفة فلما أودعوه الصحيفة خرجوا من الكعبة الشريفة ودخلوا المسجد ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه جالساً فنظر إلى أبى عبيدة فقال : هذا أمين هذه الأمة على باطلها ! يعنى أمين النفر الذين كتبوا الصحيفة ! فروت العامة أن رسول الله قال : أبو عبيدة أمين هذه الأمة » !

والمعنى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قالها باستنكار ، وليس مدحاً لأبى عبيدة !

وعُرفت الصحيفة التي كتبوها في حجة الوداع بالصحيفة الملعونة الثانية ، والأولى صحيفة مقاطعة المشركين لبنى هاشم حتى يسلموهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) !

وفى مختصر بصائر الدرجات / 19 : « عن أبان بن تغلب عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال إنه بلغ رسول الله عن بطنين من قريش كلام تكلموا به فقالوا : يرى محمد أن لو قد قضى أن هذا الأمر يعود في أهل بيته من بعده ! فأعلم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذلك فباح في مجمع من قريش بما كان يكتمه فقال : كيف أنتم معاشر قريش وقد كفرتم بعدى ثم رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم ورقابكم بالسيف ؟ !

قال : فنزل جبرئيل فقال : يا محمد قل إن شاء الله أو يكون ذلك علي بن أبي طالب إن شاء الله . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أو يكون ذلك علي بن أبي طالب إن شاء الله . فقال جبرئيل : واحدة لك واثنتان لعلي بن أبي طالب ، وموعدكم السلم ! قال أبان : جعلت فداك وأين السلم ؟ فقال : يا أبان السلم من ظهر الكوفة » .

وفى تفسير العياشي : 1 / 334 : « عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) في قول الله : وَحَسِبُوا أَلا تَكونَ فِتْنَةٌ

قال : حيث كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بين أظهرهم . فَعَمُوا وَصَمُّوا : حيث قبض رسول الله ! ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيهِمْ : حيث قام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . قال : ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا . . إلى الساعة » !

وسيأتي أن أبي بن كعب « رحمه الله » كان يسميهم أصحاب العقدة !

8 - نتيجة حجة الوداع عند قريش وعند النبي « صلى الله عليه وآله »

كان زعماء قريش يتكلمون عن خلافة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وميله إلى ابن عمه وعترته وكأنهم لم يشموا رائحة الإسلام ! وكأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي يعطى الإمامة والخلافة من عنده ، فأعطاها لبنى هاشم تعصباً لهم وظلماً لقبائل قريش !

واعتبر القرشيون أن حجة الوداع مرَّت بسلام ، فقد تحدث النبي ( صلى الله عليه وآله ) كثيراً عن عترته ، والأئمة منهم إلى آخر الدهر . . الخ . لكن كانوا مرتاحين لأنه لم يطلب منهم أن يبايعوا علياً كبير أهل البيت بصفته الإمام الأول من أئمة العترة « عليهم السلام » .

أما النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاعتبر أنه بلَّغَ رسالة ربه في عترته بأقصى ما يمكنه ، وأن قريشاً لا تتحمل أكثر من ذلك ! ولو طلب منها بيعة على بعده ، لطعنت في نبوته وقالت إنه ينطق عن الهوي ، ويريد إقامة ملك لبنى هاشم كملك كسرى وقيصر ، وقادت حركة ردة في العرب بتخويفهم من ملك بني هاشم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لأنه ملك يبدأ بعلى وهو في الثلاثينات من عمره ، ثم يكون للحسن والحسين وهما دون العاشرة ، ثم لا يخرج من أبناء فاطمة إلى يوم القيامة ، وتكون بطون قريش محكومة لبنى هاشم ولا يكون لها شئ !

لذلك أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يؤخر بقية تفسيره للولاية وإعلانه علياً ( عليه السلام ) خليفته إلى المدينة ، لكن جاءه الأمر الإلهى بأن يبلغ ذلك في طريق عودته من حجة الوداع عند غدير خم ، ووعده بعصمته من الناس وحفظ نبوته ، فصدع بأمر ربه .

ففي الكافي : 1 / 289 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « أمر الله عز وجل رسوله بولاية على وأنزل عليه : إِنَّمَا وَلِيكمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيؤْتُونَ الزَّكاةَ وفرض ولاية أولي الأمر فلم يدروا ما هي ؟ فأمر الله محمداً ( صلى الله عليه وآله ) أن يفسر لهم الولاية كما فسر لهم الصلاة والزكاة والصوم والحج .

فلما أتاه ذلك من الله ضاق بذلك صدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وتخوف أن يرتدوا عن دينهم وأن يكذبوه ! فضاق صدره وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه : يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ . . فصدع بأمر الله تعالى ذكره ، فقام بولاية على ( عليه السلام ) يوم غدير خم ، فنادى الصلاة جامعة ، وأمر الناس أن يبلغ الشاهد الغائب .

وقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى وكانت الولاية آخر الفرائض ، فأنزل الله عز وجل : الْيوْمَ أَكمَلْتُ لَكمْ دِينَكمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيكمْ نِعْمَتِي . قال أبو جعفر ( عليه السلام ) : يقول الله عز وجل : لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض » .

وفى تفسير العياشي : 1 / 331 ، عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا : « أمر الله تعالى نبيه محمداً ( صلى الله عليه وآله ) أن ينصب علياً ( عليه السلام ) علماً للناس ويخبرهم بولايته ، فتخوف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ! فأوحى الله إليه : ياأَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يعْصِمُك مِنَ النَّاسِ . . فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بولايته يوم غدير خم » .

وفى إقبال الأعمال : 2 / 241 : « فخرجنا إلى مكة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حجة الوداع ، فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : أنصب علياً علماً للناس ! فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى اخضلت لحيته وقال : يا جبرئيل إن قومي حديثو عهد بالجاهلية ، ضربتهم على الدين طوعاً وكرهاً حتى انقادوا لي ، فكيف إذا حملت على رقابهم غيري ، قال : فصعد جبرئيل » .

أقول : نصَّ حديث الإمام الباقر ( عليه السلام ) على أن فريضة الولاية لأولى الأمر من أهل البيت « عليهم السلام » نزلت في المدينة قبل حجة الوداع ، فأمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بتفسيرها للمسلمين ، لأن آية : يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الأمر مِنْكمْ . .

في سورة النساء ، وقد نزلت قبل حجة الوداع . وكانت أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حق على والعترة « عليهم السلام » تفسيراً لها ، ومنها بشارته بالأئمة الإثنى عشر « عليهم السلام » في حجة الوداع .

ومعنى قوله ( عليه السلام ) : « وراجع ربه عز وجل فأوحى الله عز وجل إليه : يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ . . أنه قال لجبرئيل إن قومي حديثو عهد بالإسلام وأخشى أن يرتدوا ! فسكت جبرئيل ففهم منه الرخصة بأن يواصل خطته التدريجية في التفسير ، حتى نزل جبرئيل ( عليه السلام ) في غدير خم بآية التبليغ ، وفيها تشديد على التبليغ ووعد بعصمته من ارتداد الناس عن نبوته ! فأمر حينئذ بإيقاف المسلمين وبلغهم أمر ربه .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.