أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/وصايا ومواعظ/النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
قال أبو ذر (رحمه الله) : ودخلت يوما على
رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في المسجد جالس وحده، فاغتنمت وحدته فقال: يا أبا
ذر، إن للمسجد تحية. قلت: وما تحيته، يا رسول الله؟ قال: ركعتان تركعهما.
ثم التفت إليه فقلت. يا رسول الله، أمرتني
بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: خير موضوع، فمن شاء أقل، ومن شاء أكثر.
قلت. يا رسول الله، أي الأعمال أحب إلى
الله (عز وجل) قال: الايمان بالله، ثم الجهاد في سبيله.
قلت: يا رسول الله، أي المؤمنين أكملهم
إيمانا؟ قال. أحسنهم خلقا.
قلت: فأي المؤمنين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون
من يده ولسانه.
قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السوء.
قلت: فأي الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر.
قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت.
قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد من مقل
إلى فقير في سر.
قلت: فما الصوم؟ قال: فرض مجز وعند الله
أضعاف ذلك.
قلت: فأي الزكاة أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا،
وأنفسها عند أهلها.
قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده،
وأهرق دمه.
قلت: وأي آية أنزلها الله عليك أعظم. قال:
آية الكرسي.
قال: قلت يا رسول الله، فما كانت صحف إبراهيم
(عليه السلام)؟ قال: كانت أمثالا كلها وكان فيها: أيها الملك المسلط المبتلى، إني لم
أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها
وإن كانت من كافر أو فاجر فجوره على نفسه.
وكان فيها أمثال: وعلى العاقل ما لم يكن
مغلوبا على عقله أن يكون له ساعات. ساعة يناجي فيها ربة، وساعة يتفكر في صنع الله
(تعالى)، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدم وأخر، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال في
المطعم والمشرب، وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش،
أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيرا بزمانه، مقبلا على شأنه، حافظا للسانه،
فإن من حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
قلت: يا رسول الله، فما كانت صحف موسى
(عليه السلام)؟ قال: كانت عبرا كلها، وفيها: عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك، عجب لمن أيقن
بالموت كيف يفرح، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالا بعد حال ثم هو يطمئن إليها،
عجب لمن أيقن بالحساب ثم لم يعمل!
قلت: يا رسول الله، فهل في الدنيا شئ مما
كان في صحف إبراهيم وموسى (عليهما السلام) مما أنزل الله عليك؟ قال: اقرأ يا أبا ذر
(قد أفلح من تزكى * وذكر أسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى
* إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى).
قلت: يا رسول الله، أوصني. قال. أوصيك بتقوى
الله، فإنه رأس أمرك كله.
فقلت: يا رسول الله، زدني. قال: عليك بتلاوة
القرآن، وذكر الله (عز وجل)، فإنه ذكر لك في السماء، ونور لك في الأرض.
قلت: يا رسول الله، زدني. قال: عليك بالجهاد،
فإنه رهبانية أمتي.
قلت. يا رسول الله، زدني. قال: عليك بالصمت
إلا من خير، فإنه مطرد الشيطان عنك، وعون لك على أمور دينك.
قلت: يا رسول الله، زدني. قال: إياك وكثرة
الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه.
قلت: يا رسول الله، زدني. قال: انظر من
هو تحتك، ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك.
قلت: يا رسول الله، زدني. قال: صل قرابتك
وإن قطعوك، وأحب المساكين، وأكثر مجالستهم..
قلت: يا رسول الله، زدني. قال: قل الحق
وإن كان مرا.
قلت: يا رسول الله، زدني. قال: لا تخف في
الله لومة لائم.
قلت: يا رسول الله، زدني. قال. يا أبا ذر،
ليحجزك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجد عليهم فيما تأتي، فكفى بالرجل عيبا أن يعرف
من الناس ما يجهل من نفسه، ويجد عليهم فيما يأتي.
قال. ثم ضرب على صدري وقال: يا أبا ذر،
لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 539
تاريخ النشر : 2024-05-05