أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الموت والقبر والبرزخ/حب لقاء الله وذكر الموت وذم التعلق بالدنيا/الإمام علي (عليه السلام)
أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن علي بن
محمد بن محمد العلوي، قال: حدثني محمد بن موسى الرقي، قال: حدثنا علي بن محمد بن
أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني،
عن أبيه، عن أبان مولى زيد بن علي، عن عاصم بن بهدلة، عن شريح القاضي، قال : قال
أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصحابه يوما وهو يعظهم: ترصدوا مواعيد الآجال،
وباشروها بمحاسن الأعمال، ولا تركنوا إلى ذخائر الأموال، فتخليكم خدائع الآمال، إن
الدنيا خداعة صراعة، مكارة غزارة سحارة، أنهارها لامعة، وثمراتها يانعة، ظاهرها
سرور، وباطنها غرور، تأكلكم بأضراس المنايا، وتبيركم بإتلاف الرزايا، لهم بها
أولاد الموت، وآثروا زينتها، فطلبوا رتبتها، جهل الرجل، ومن ذلك الرجل المولع
بلذاتها، والساكن إلى فرحتها، والآمن لغدرتها!
درت عليكم بصروفها، ورمتكم بسهام حتوفها،
فهي تنزع أرواحكم نزعا، وأنتم تجمعون لها جمعا، للموت تولدون، وإلى القبور تنقلون،
وعلى التراب تنومون، وإلى الدود تسلمون، وإلى الحساب تبعثون.
يا ذا الحيل والآراء، والفقه والانباء،
اذكروا مصارع الآباء، فكأنكم بالنفوس قد سلبت، وبالأبدان قد عريت، وبالمواريث قد
قسمت، فتصير - يا ذا الدلال والهيئة والجمال - إلى منزلة شعثاء، ومحلة غبراء،
فتنوم على خدك في لحدك، في منزل قل زواره، ومل عماله، حتى تشق عن القبور وتبعث إلى
النشور، فان ختم لك بالسعادة صرت إلى الحبور، وأنت ملك مطاع، وآمن لا يراع، يطوف
عليكم ولدان كأنهم الجمان بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين، أهل الجنة فيها
يتنعمون، وأهل النار فيها يعذبون، هؤلاء في السندس والحرير يتبخترون، وهؤلاء في
الجحيم والسعير يتقلبون، هؤلاء تحشى جماجمهم بمسك الجنان، وهؤلاء يضربون بمقامع
النيران، هؤلاء يعانقون الحور في الحجال، وهؤلاء يطوقون أطواقا في النار بالاغلال،
في قلبه فزع قد أعيى الأطباء وبه داء لا يقبل الدواء.
يامن يسلم إلى الدود ويهدى إليه، اعتبر بما
تسمع وترى، وقل لعينيك تجفو لذة الكرى، وتفيض من الدموع بعد الدموع تترى، بيتك
القبر بيت الأهوال والبلى، وغايتك الموت.
يا قليل الحياء، اسمع يا ذا الغفلة
والتصريف، من ذي الوعظ والتعريف، جعل يوم الحشر يوم العرض والسؤال، والحباء
والنكال، يوم تقلب إليه أعمال الأنام، وتحصى فيه جميع الآثام، يوم تذوب من النفوس
أحداق عيونها، وتضع الحوامل ما في بطونها، ويفرق بين كل نفس وحبيبها، ويحار في تلك
الأهوال عقل لبيبها، إذ تنكرت الأرض بعد حسن عمارتها، وتبدلت بالخلق بعد أنيق
زهرتها، أخرجت من معادن الغيب أثقالها، ونفضت إلى الله أحمالها، يوم لا ينفع الجد
إذ عاينوا الهول الشديد فاستكانوا، وعرف المجرمون بسيماهم فاستبانوا، فانشقت
القبور بعد طول انطباقها، واستسلمت النفوس إلى الله بأسبابها، كشف عن الآخرة
غطاؤها، وظهر للخلق أنباؤها، فدكت الأرض دكا دكا، ومدت لأمر يراد بها مدا مدا،
واشتد المثارون إلى الله شدا شدا، وتزاحفت الخلائق إلى المحشر زحفا زحفا، ورد
المجرمون على الأعقاب ردا ردا، وجد الامر - ويحك يا إنسان - جدا جدا، وقربوا
للحساب فردا فردا، وجاء ربك والملك صفا صفا، يسألهم عما عملوا حرفا حرفا، فجئ بهم
عراة الأبدان، خشعا أبصارهم، أمامهم الحساب، ومن ورائهم جهنم، يسمعون زفيرها،
ويرون سعيرها، فلم يجدوا ناصرا ولا وليا يجيرهم من الذل، فهم يعدون سراعا إلى
مواقف الحشر، يساقون سوقا، فالسماوات مطويات بيمينه كطي السجل للكتب، والعباد على
الصراط وجلت قلوبهم، يظنون أنهم لا يسلمون، ولا يؤذن لهم فيتكلمون، ولا يقبل منهم
فيعتذرون، قد ختم على أفواههم، واستنطقت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
يا لها من ساعة ما أشجى مواقعها من القلوب
حين ميز بين الفريقين! فريق في الجنة وفريق في السعير، من مثل هذا فليهرب
الهاربون، إذا كانت الدار الآخرة لها يعمل العاملون.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 652
تاريخ النشر : 2024-03-31