أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام علي (عليه السلام)
أخبرنا محمد بن محمد، قال: أخبرني أبو جعفر
محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن إدريس، قال: حدثنا
محمد بن عبد الجبار، عن القاسم بن محمد الرازي، عن علي بن محمد الهرمزداني، عن علي
بن الحسين (عليهما السلام)، عن أبيه الحسين (عليه السلام)، قال: لما مرضت فاطمة
بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام)
أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحدا بمرضها، ففعل ذلك، وكان يمرضها بنفسه،
وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها الله) على استمرار بذلك، كما وصت به، فلما حضرتها
الوفاة وصت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يترك أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها،
فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها وعفى موضع قبرها، فلما نفض يده من
تراب القبر هاج به الحزن، وأرسل دموعه على خديه، وحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى
الله عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله، عني وعن ابنتك وحبيبتك، وقرة
عينك وزائرتك، والثابتة في الثرى ببقعتك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا
رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنتك
والحزن الذي حل بي لفراقك لموضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت
نفسك على صدري، - وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله نعم القبول،
وإنا لله وإنا إليه راجعون.
قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة،
واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله! أما حزني فسرمد، وأما
ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم، كمد
مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك
علي وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه
سبيلا، وستقول ويحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.
سلام عليك يا رسول الله، سلام مودع لا سئم
ولا قال، فان أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين،
الصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما،
والتلبث عنده معكوفا، ولا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن
بنتك سرا، ويهتضم حقها قهرا، ويمنع إرثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك
الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، فصلوات الله عليها
وعليك ورحمة الله وبركاته.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 108
تاريخ النشر : 2024-09-05