Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
الآثار الوضعية للذنوب... الآثار النفسية للمعاصي (9)

منذ سنتين
في 2024/03/21م
عدد المشاهدات :2266
حسن الهاشمي
المعصية حدث وموقف إنساني، يولد وينمو في داخل الذات الإنسانية، ثم يتجسّد ويظهر نتيجة للاختيار والفعل الذي يمارسه الإنسان، ولا يمكن لهذا الفعل أو الحدث أن يقع في عالم الإنسان، دون أن يترك بصماته وآثاره على لوحة النفس الإنسانية، فكل فعل يصدر من الإنسان ـ خيراً كان أم شرّاً ـ يترك أثره في تكوين الإنسان النفسي، وسلوكه الاعتيادي، فالذنوب والمعاصي إذا ما تراكمت وتجمّعت، صنعت حاجباً ضبابياً، يحول بين النفس وبين رؤية النور وتلمّس طريق الاستقامة، فهناك علاقة طبيعية، بين تراكم المعاصي، وبين التطبّع والاعتياد على الانحراف وتشكيل شخصية إنسانية معقّدة ومريضة.
فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم
وقد تحدّث القرآن الكريم، عن هذه الوضعية الإنسانية المنحرفة، ولخّص تحليلها وأسسها النفسية، وأبعادها السلوكية، قال تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) البقرة: 10.
(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) المطففين: 14.
(... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) الصف: 5.
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...) البقرة: 74.
وهكذا تنزل بالإنسان العاصي المعاند أعظم الدواهي، حيث يحرم من الهداية الإلهية وينحرف قلبه عن الحق.
إن ما يستفاد من الآيات المباركة الآنفة الذكر أن الهداية والضلالة وإن كانت من قبل الله سبحانه، إلا أن مقوماتها وأرضيتها تكون من الإنسان نفسه، حيث يقول سبحانه: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) وذلك ما يوضح أن الخطوة الأولى من الإنسان نفسه، ويقول سبحانه من جهة أخرى: (والله لا يهدي القوم الفاسقين).
فإذا صدر من الإنسان ذنب ومعصية فقد يسلب منه التوفيق والهداية الإلهية وعندئذ يصاب بالحرمان الأكبر.
فهذا التحليل القرآني، يمنح الإنسان رؤية علمية، ويبصِّره بأثر المعصية في النفس الإنسانية، ويحذّره من المردودات السلبية، التي تنعكس على النفس، وتحوّل الشخص السوي إلى شخص مدمن على الجريمة، معتاد على المعصية، قال الإمام الصادق عليه السلام: (ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله) الأصول من الكافي، للكليني، ج2، ص268، ط3.
آثار المعاصي على النفس
من آثار المعاصي التي تعود على صاحبها، فهي شؤمٌ عظيمٌ بلا شكّ إن كان صاحبها مصرّاً عليها، وفيما يأتي ذكر لبعض آثار المعاصي على النفس:
• الحرمان من العلم: فالعلم نورٌ يهديه الله لأصحاب الفضل والخير، ويحرم أهل الذنوب والمعاصي منه، عن الامام علي عليه السلام: (ليس العلم في السماء فينزل إليكم، ولا في تخوم الأرض فيخرج لكم، ولكن العلم مجبول في قلوبكم، تأدبوا بآداب الروحانيين يظهر لكم) قرة العيون للفيض الكاشاني: 439. والمقصود من العلم هنا علم الايمان، ومن لم يتأدب بآداب الروحانيين ويلوّث نفسه بالمعاصي والآثام لم يظهر له.
• الحرمان والتضييق في الرزق: وفي ذلك قال الإمام علي (عليه السلام): (مداومة المعاصي تقطع الرزق) غرر الحكم للآمدي: ٩٧٧١.
• حصول وحشة بين العبد وربّه: فكما أنّ الطاعة تورث العبد المحبّة والقرب، فإنّ المعصية تورث الوحشة، وحتّى أنّ الله يجعل الوحشة بين العبد وأهله وزوجه وحتّى دابته، عن الامام علي عليه السلام: (ما ظفر من ظفر بالإثم، والغالب بالشر مغلوب) نهج البلاغة: الخطبة ٢٢٣، والحكمة ٣٢٧.
• تعسير الأمور في وجه العاصي: فالله وعد أهل تقواه باليُسر وتدبير الأمور، وكذلك حرم منها أهل المعاصي والمتمسكين بها، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) الطلاق:2-3. وقال تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) طه: 124.
• الحرمان من الطاعة: وهو أعظم الخسائر وأفدحها التي تعود على من تمسّك بالمعاصي وتاجر بها، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إياك أن تدع طاعة الله وتقصد معصيته شفقة على أهلك، لأن الله تعالى يقول: (يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا...) مكارم الأخلاق للطبرسي: ٢ / ٣٤٩ / ٢٦٦٠.
• فتح باب تعدد المعاصي على العاصي: حتى تكون علاقة بين المعاصي وقلب صاحبها يصعب عليه تركها، عن الإمام علي عليه السلام: (أعظم الذنوب عند الله ذنب أصر عليه عامله) غرر الحكم للآمدي: ٣١٣١.
• هوان المذنب على الله وعلى الناس: قال الإمام علي عليه السلام: (إن الله أخفى سخطه في معصيته، فلا تستصغرن شيئا من معصيته، فربما وافق سخطه وأنت لا تعلم) بحار الانوار للمجلسي: ٧٣ / ٣٤٩ / ٤٣.
• قرب زوال النعم عن العاصي: فالنعم تدوم على صاحبها بشكرها، ولا يكون الشكر مع المعصية، فيوشك الله سبحانه أن يأخذ نعمته من عبده العاصي، قال تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) إبراهيم: ٧.
شخصية الانسان عندما تتفاعل وتتعاطى مع المعاصي، فإنه وبمرور الزمن ستفرز تلك العلاقة ألفة ورابطة واستئناس يصعب وقتئذ الفصل بينهما، وهذه الألفة بين الإنسان والمعصية إنما وصل إليها المجرمون والفاسقون والطواغيت والجبابرة، الذين يعيثون في الأرض فسادا لا تنفع معهم نصيحة ناصح ولا موعظة واعظ، إذ أن المعاصي قد ضربت على قلوبهم أكنة وحجب وأطواق لا يمكن مع هذه القيود تحريرها وإرجاعها إلى سابق عهدها، بل ارتكست قلوبهم وأضحت قاسية وانتكست عقولهم فأصبحت خاوية، فهم وفي مثل هذه الحالة المزرية أبعد ما يكونون من سماع الحق فضلا عن اتباعه.
وانما وصلوا إلى هذه المرتبة المتدنية من الاسفاف والظلم بانتخابهم وبمحض ارادتهم طريق الضلالة على طريق الهدى، وبإصرارهم في السير على التيه والضلالة، فإن الله تعالى قد أركس قلوبهم وجعلهم في طغيانهم يعمهون، إذ أنهم وبالرغم مما يتمتعون به من نعم ظاهرة وباطنة، وبالرغم من فتح باب التوبة والانابة، وبالرغم مما يشاهدون ما آل إليه مصير الأقوام الظالمة في سالف الدهور من عذاب ودمار وفناء، إنهم بالرغم من كل ذلك بقوا على ضلالهم وأصروا على ارتكاب المعاصي والآثام، بل أضحت جزءا لا يتجزأ من وجودهم وكيانهم، ومثل هكذا نمط من الناس لا يجدي معهم النصح، بل هم بالزجر والعقاب أحق وأولى، وإنما وصلوا ما وصلوا إليه من عاقبة وخيمة بجريرة ما فسقوا وخرجوا عن طاعة الرحمن ودخلوا في طاعة الشيطان من أوسع أبوابه، وسنة الله اقتضت بأنه لا يهدي القوم الفاسقين، بل يعذبهم بما كسبت أيديهم من ظلم وجور وفسق وعصيان.
ولكي لا ينحدر الانسان المسلم إلى هذا المستوى المتدني من الفسق والفجور أمره الله تعالى أن لا يستهين بذنب، ولا يستصغر معصية، وأن يحاسب نفسه ويستغفر، كلما أذنب أو عصى؛ لتتسع المسافات والأبعاد النفسية بينه وبين المعصية، وليبقى يقظ الضمير، سليم النفس، مستقيم السلوك.
أمور تعينك على ترك المعاصي
هناك العديد من الأمور المعينة على ترك المعاصي والثبات على التوبة بعد ذلك، فإن علمها الإنسان وعمل بها كانت له معيناً لتحقيق غايته، ومما يعين على ترك المعاصي واجتنابها ما يأتي:
• إدراك العبد لقبح المعاصي وشؤمها، وسوء منقلبها على صاحبها ولو بعد حين، وأنّ الله – سبحانه - ما حرّمها على عباده إلا ليرفعه عن الرذائل والسفاسف.
• الشعور بالحياء من الله عزّ وجل، فهو مطّلع على عبده طوال الوقت يرى حاله وقت المعاصي، ولا يخفى عليه شيء من ذلك.
• تذكّر النعم التي تفضّل الله – سبحانه - على عبده بها، وأنّ هذه النعم محكومة بالشكر والعمل الصالح، فإن قابلها بالذنوب يوشك الله أن يحرمه منها، وأنّ تاب إلى الله سبحانه واستغفره وترك معصيته فإنّ الله يتمّم فضله ونعمه عليه، ويزيدها كذلك.
• الخوف والخشية من عقاب الله في الدنيا والآخرة.
• محبّة الله سبحانه، وهو من أعظم وأقوى الدوافع لترك المعاصي وهجرها، فالدليل على الحبّ أن يطيع المحبّ محبوبه.
• تعزيز النفس ورفع شأنها، وتذكّر أنّ المعصية تضع من شأنها وتحقّرها وتساويها بالسفلة من أهل العصيان.
• قِصر الأمل في الدنيا والركون إليها، واليقين بقرب الدار الآخرة ويوم الحساب، فهذا من أنفع ما يجعل العبد يسارع في ترك المعاصي والتوبة منها.
• ترك الزيادة في الطعام والشراب واللباس، وتجنّب مخالطة أهل الهوى ومجاملتهم، فالعبد المعتدل في أكله وعلاقاته يحصر نفسه في الطاعات ولم ينظر إلى غيرها من أبواب الفسق والفجور والعصيان.
الغرفة الزجاجية بين الصخب الإعلامي وظلال الحقيقة
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
في زمنٍ صار فيه الضوء يُسلَّط حيث الضجيجُ أعلى، لا حيث الحاجةُ أعمق، بتنا نشهد مشاهد إنسانية تُقدَّم على هيئة عروضٍ استعراضية، غرفٌ زجاجية تُشيَّد كأنها معابد عصرية للترند، لا يُعرَف من يديرها، ولا إلى أين تذهب الأموال التي تُسكَب عند عتبتها، ولا بأي روحٍ تُستثمر دموعُ الفقراء على منصاتها... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

الْتَّضَارِيْسُ إِنَّ الْـعُـيُوْنَ الَّـتِـيْ سَـالَـتْ تُـوَدِّعُـكُمْ ... المزيد
كان اسمها (زينب)  ويقال إن للإنسان نصيبا من اسمه،وهي كذلك،ترتدي الخُلق وتنطق... المزيد
ونحنُ في المشتاةِ ندعو الجَفَلَىٰ لا تُرى الآدِبَ فينا يُنتَقَرُ طرفة بن العبد... المزيد
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...
في رحاب الكاظمية المقدسة، وُلد جابر بن جليل كرم البديري الكاظمي عام 1956، ليكون نجمًا متألقًا...


منذ 4 ايام
2025/12/05
هي أنهار تجري على السطح ثم تدخل إلى شقوق أو فتحات موجودة في الصخور، فتغوص داخل...
منذ 6 ايام
2025/12/03
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء التاسع والسبعون: اللحظة التي لا تعرفها الفيزياء:...
منذ اسبوعين
2025/11/28
الضمير: قراءة علمية في ماهية صوت الإنسان الداخلي الأستاذ الدكتور نوري حسين نور...