{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ}  [الأنفال: 11]
وَقَولُهُ: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} إِذ یَغشَاکُم بَدَلٌ ثَانٍ مِن إِذ یَعِدَکُم بِإِظهَارِ نِعمَةٍ ثَالِثَةٍ [1] أَو: مَنصُوبٌ بِالنَّصرِ في قَولِهِ: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّـهِ} [2] أَو: بِمَا جَعَلَهُ اللهُ،  وَالضَّمِیرُ للَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ [3].
وَ: {أَمَنَةً} مَفعُولٌ لَهُ، وَ: {مِنْهُ} صِفَةُ لأَمنَةٍ [4] أَي: أَمنَةً خَالِصَةً لَکُم مِنَ اللَّـهِ وَالنُّعَاسِ أَو النَّومِ، وَقِیلَ: أَن یَثقُل، وَالـمَعنَى: إِذ یَتَغَشَّونَ لأَمنِکُم الحَاصِلُ مِنَ اللَّـهِ، بِإِزَلَةِ الرُّعبِ مِن قُلُوبِکُم، کَمَا یُقَالُ: الخَوفُ مُسهِرٌ، وَالأَمنُ مُنِیمٌ [5].
یُقَالُ: لـمَّا سَبَقَ الـمُشرِکُونَ إِلى الـمَاءِ في غَزوَةِ بَدرٍ، وَنَزَلَ الـمُسلِمُونَ في کَثِیبِ رَملٍ، تَسُوخُ فِیهِ الأَقدَامُ، وَنَامُوا، فَاحتَلَمَ کَثِیرٌ مِنهُم، فَتَمَثَّلَ لَهُم إِبلِیس، وَقَالَ: یَا أَصحَابَ مُحَمَّدٍ، أَنتُم تَزعُمُونَ أَنَّکُم عَلَى الحَقِّ، وَأَنتُم تُصَلُّونَ عَلَى الجَنَابَةِ، وَقَد عَطَشتُم، وَلَو کُنتُم عَلَى حَقٍّ مَا غَلَبَکُم هَؤلَاءِ عَلَى الـمَاءِ، وَهَا هُمُ الآن یَمشُونَ إِلَیکُم، فَیَقتُلُونَکُم وَیَسُوقُونَ بَقِیَّتِکُم إِلى مَکَّة.
فَحَزَنُوا لِذَلِكَ، فَأَنزَلَ اللهُ الـمَطَرَ، فَمُطِرُوا لَیلَاً، حَتَّى جَرَى الوَادِي، وَاغتَسَلُوا وَتَوَضَؤوا، وَاتَخَذُوا الحِیَاضَ علَى عَدوَةِ الوَادِي، وَتَلَبَّدَ الرَّملُ الَّذِي کَانَ بَینَهُم وَبَینَ العَدُوِّ، حَتَّى ثَبَتَ عَلَیهِ الأَقدَام، وَزَالَت وَسوَسَةُ الشَّیطَانِ[6].
 
[1]  زبدة التفاسير، الفيض الكاشاني: 2/270.
[2]  الأنفال: 10.
[3]  الكشاف عن حقائق التنزيل، الزمخشري: 2/126.
[4]  تفسير أبي السعود: 2/101.
[5]  زبدة التفاسير، الفيض الكاشاني: 3/17.
[6]  جوامع الجامع، الطبرسي: 2/10.