قال الله عزّ وجلّ : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى } [الأعراف: 172]. فأول من قال : (بلی) محمد رسول الله  (صلى الله عليه واله وسلم) : لأن روحه كانت أقرب الأرواح إلى ملكوت الله تعالى .
والدليل على ذلك قول جبرئيل : (لما أُسري برسول الله له إلى السماء السابعة قلت : يا محمد، تقدم فإنك قد وطئت موطئاً لم يطأه قبلك ملك مقرب ولا نبي مرسل) ، فلو لا أن روحه كانت من ذلك المكان لم يقدر أن يتجاوزه، وذلك أنه إذا أمر الله تعالى فأول ما يصل أمره إلى رسول الله (صل الله عليه واله وسلم ) لقربه إلى ملكوته ، ثمّ سائر الأنبياء على طبقاتهم.
ويزيد ذلك بياناً قوله تعالى : {إِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [الأحزاب: 7]{ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ } [الشورى: 13]. فأفضل الأنبياء الخمسة، وأفضل الخمسة محمد (صل الله عليهم اجمعين ) .
قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ... ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ... مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 19 - 21] . والدليل على أنه أفضل الأنبياء أنّ الله سبحانه أخذ ميثاقه على سائر الأنبياء ، فقال سبحانه : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81]، فهذا بيان فضل رسول الله (صل الله عليه واله وسلم ) على سائر المرسلين والنبيين نطق به الكتاب .
ولما أُسري برسول الله (صل الله عليه واله وسلم ) إلى السماء الرابعة ، ودخل إلى البيت المعمور جمع (الله عزّ وجلّ له ) النبيين من آدم فهلم جراً ، حتى صلّى بهم ، قال الله تعالى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45] ، وفـي هـذا مقنع لمـن تأمله.