أ: كل ما حصل للبحر من فَرْق وانفلاق كان حصيلة ضرب عصا الكليم؛ سواء أصل الفرق والانفلاق أو الطرق الإثنا عشر التي صارت ممراً للأسباط الاثني عشر؛ وذلك لأن ظاهر الآية: {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ} [الشعراء: 63] أما احتمال أن المراد هو الفَرْق والفصل بين ماء البحر وبني إسرائيل فهو ضعيف. فالمهم هو أصل فرق البحر أولاً، وتعدده ثانيا، والاثنان قد حصلا بواسطة عصا كليم الله قبل ورود بني إسرائيل البحر.
ب: كان الماء بمثابة الغطاء الذي يغطي قاع البحر وبضرب العصا أزيح الغطاء المائي فظهرت الأرض اليبس؛ لأن هذا هو ظاهر الآية: {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: 77] بالطبع لا يُنكر هنا تأثير الريح والشمس بشكل طبيعي، إلا أن ظاهر الآية يوحي بأن يبس الأرض كان قد نتج عن ضرب عصا كليم الله.
ج: الله سبحانه وتعالى هو الذي يكفي من جميع مصائب البر والبحر، إلا أن خطر البحر بالنسبة لبني إسرائيل وعبورهم منه بلا معاناة كان قد تم بعناية إلهية خاصة. من أجل ذلك فإن الله، في الوقت الذي ينسب كل عملية نجاة من ظلمات البر والبحر إلى نفسه قائلاً: {قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: 63]، فهو يسند نجاة بني إسرائيل خاصة إلى نفسه: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ...} [الأعراف: 138] ، أي إن دخول وخروج بني إسرائيل كان برحمة الله الخاصة، حيث ظهر قاع البحر كأرض يابسة مستوية حتى يكون العبور عليها أمراً ممكناً، وإن المراد من قوله: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا} [الدخان: 24] هو: اترك البحر غائراً وساكناً؛ لأن نفس هذا الطريق اليبس في قاع البحر سوف يمهد لغرق آل فرعون لأنهم سوف يسلكونه طمعاً في غور الماء وسكون البحر.
د: المعجزة، التي هي من أجل هداية الناس وصيانة هدف الأنبياء، هي من سنخ السنن الإلهية. ومن هذا المنطلق فهي لا تتنافى مع سائر السنن العادية، فلا ينبغي عد السنة الإلهية بمعنى العادة ومنحصرة فيها، بحيث إذا خرق شيء العادة، لا العلة وكان محالاً عادياً، لا ممتنعاً عقلياً اعتبر مخالفاً للسنة الإلهية.