المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

Synthetic Rubber
20-9-2017
Trichotomy Law
18-12-2019
جزيرة وزيزهو
25-3-2018
ما جاء في المعوذتين
4-12-2021
الدافع الواقعي لهجرته إلى العراق (عليه السلام)
3-04-2015
ممارسة الضغط على‏ المسلمين الجدد
7-12-2015


تفسير الاية (194-195) من سورة البقرة.  
  
6761   03:44 مساءً   التاريخ: 1-3-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 194، 195].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

بين الله تعالى القتال في الشهر الحرام فقال {الشهر الحرام بالشهر الحرام} المراد بها هاهنا ذو القعدة وهو شهر الصد عام الحديبية والأشهر الحرم أربعة ثلاثة سرد(2): ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد فرد وهو رجب كانوا يحرمون فيها القتال حتى لو أن رجلا لقي قاتل أبيه أو أخيه لم يتعرض له بسوء وإنما قيل ذو القعدة لقعودهم فيه عن القتال وقيل في تقديره وجهان ( أحدهما ) أنه قتال شهر الحرام أي في الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وقيل أنه الشهر الحرام على جهة العوض لما فأت في السنة الأولى ومعناه الشهر الحرام ذو القعدة الذي دخلتم فيه مكة واعتمرتم وقضيتم منها وطركم في سنة سبع بالشهر الحرام ذي القعدة الذي صددتم فيه عن البيت ومنعتم عن مرادكم في سنة ست.

 {والحرمات قصاص} قيل فيه قولان (أحدهما) أن الحرمات قصاص بالمراغمة بدخول البيت في الشهر الحرام قال مجاهد لأن قريشا فخرت بردها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عام الحديبية محرما في ذي القعدة عن البلد الحرام فأدخله الله مكة في العام المقبل في ذي القعدة فقضى عمرته وأقصه بما حيل بينه وبينه وهو معنى قتادة والضحاك والربيع وعبد الرحمن بن زيد وروي عن ابن عباس وأبي جعفر الباقر مثله (والثاني) أن الحرمات قصاص بالقتال في الشهر الحرام أي لا يجوز للمسلمين إلا قصاصا قال الحسن إن مشركي العرب قالوا لرسول الله أ نهيت عن قتالنا في الشهر الحرام قال نعم وإنما أراد المشركون أن يغروه(3) في الشهر الحرام فيقاتلوه فأنزل الله هذا أي أن استحلوا منكم في الشهر الحرام شيئا فاستحلوا منهم مثل ما استحلوا منكم وبه قال الزجاج والجبائي وإنما جمع الحرمات لأنه أراد حرمة الشهر حرمة البلد وحرمة الإحرام وقيل لأن كل حرمة تستحل فلا يجوز إلا على وجه المجازاة .

{فمن اعتدى عليكم} أي ظلمكم {فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} أي فجازوه باعتدائه وقابلوه بمثله ( والثاني ) ليس باعتداء على الحقيقة ولكن سماه اعتداء لأنه مجازاة اعتداء وجعله مثله وإن كان ذلك جورا وهذا عدلا لأنه مثله في الجنس وفي مقدار الاستحقاق ولأنه ضرر كما أن ذاك ضرر فهو مثله في الجنس والمقدار والصفة {واتقوا الله} فيما أمركم به ونهاكم عنه {واعلموا أن الله مع المتقين} بالنصرة لهم أو يريد أن نصرة الله معهم وأصل {مع} المصاحبة في المكان أو الزمان وفي هذه الآية دلالة على أن من غصب شيئا وأتلفه يلزمه رد مثله ثم أن المثل قد يكون من طريق الصورة في ذوات الأمثال ومن طريق المعنى كالقيم فيما لا مثل له .

فلما أوجب سبحانه القتال في سبيل الله عقبه بذكر الإنفاق فيه فقال {وأنفقوا في سبيل الله} معناه وأنفقوا من أموالكم في الجهاد وطريق الدين وكل ما أمر الله به من الخير وأبواب البر فهو سبيل الله لأن السبيل هو الطريق فسبيل الله الطريق إلى الله وإلى رحمة الله وثوابه إلا أنه كثر استعماله في الجهاد لأن الجود بالنفس أقصى غاية الجود والجهاد هو الأمر الذي يخاطر فيه بالروح فكانت له مزية {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} قيل في معناه وجوه ( أحدها ) أنه أراد لا تهلكوا أنفسكم بأيديكم بترك الإنفاق في سبيل الله فيغلب عليكم العدو عن ابن عباس وجماعة من المفسرين (وثانيها) أنه عنى به لا تركبوا المعاصي باليأس من المغفرة عن البراء بن عازب وعبيدة السلماني ( وثالثها ) أن المراد لا تقتحموا الحرب من غير نكاية في العدو ولا قدرة على دفاعهم عن الثوري واختاره البلخي (ورابعها) أن المراد ولا تسرفوا في الإنفاق الذي يأتي على النفس عن الجبائي ويقرب منه ما روي عن أبي عبد الله لو أن رجلا أنفق ما في يديه في سبيل الله ما كان أحسن ولا وفق لقوله سبحانه {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.

 {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} يعني: المقتصدين. وقال عكرمة معناه أحسنوا الظن بالله يبر بكم وقال عبد الرحمن بن زيد وأحسنوا بالعود على المحتاج والأولى حمل الآية على جميع هذه الوجوه ولا تنافي فيها وفي هذه الآية دلالة على تحريم الإقدام على ما يخاف منه على النفس وعلى جواز ترك الأمر بالمعروف عند الخوف لأن في ذلك إلقاء النفس إلى التهلكة وفيها دلالة على جواز الصلح مع الكفار والبغاة إذا خاف الإمام على نفسه أو على المسلمين كما فعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عام الحديبية وفعله أمير المؤمنين (عليه السلام) بصفين وفعله الحسن (عليه السلام) مع معاوية من المصالحة لما تشتت أمره وخاف على نفسه وشيعته فإن عورضنا بأن الحسين (عليه السلام) قاتل وحده فالجواب أن فعله يحتمل وجهين ( أحدهما ) أنه ظن أنهم لا يقتلونه لمكانه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) والآخر أنه غلب على ظنه أنه لوترك قتالهم قتله الملعون ابن زياد صبرا كما فعل بابن عمه مسلم فكان القتل مع عز النفس والجهاد أهون عليه .

____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص32-35.

2- اي : متتابعة.

3- وفي جملة من النسخ : (يغتروه) بدل (يغروه).

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين الآيتين (1) :

{ الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ } . الأشهر الحرم أربعة : ثلاثة منها متتابعة ، وهي ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، وشهر واحد فرد ، وهو رجب ، وانما سميت هذه الأشهر حرما ، لتحريم القتال فيها في الجاهلية والإسلام ، فلقد كان الرجل يلقى قاتل أبيه في هذه الأشهر ، ولا يتعرض له بسوء .

وسبق عند تفسير قوله تعالى : {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] ، سبق ان النبي وأصحابه أرادوا العمرة في ذي القعدة سنة ست هـ . فصدهم المشركون ، ورموهم بالسهام والحجارة ، ثم اصطلحوا على أن يعود المسلمون في قابل ، ولكن خاف المسلمون أن يبدأهم المشركون بالقتال في الشهر الحرام ، فأذن اللَّه لهم بقتال المشركين ، وبيّن ان المحظور هو الاعتداء بالقتال دون المدافعة .

وعليه يكون معنى : الشهر الحرام بالشهر الحرام ، ان من استحل دمكم أيها المسلمون في هذا الشهر فاستحلوا أنتم دمه فيه .

{والْحُرُماتُ قِصاصٌ} . أي ان من ينتهك حرمات اللَّه يقتص منه ، ويعامل بمثل فعله ، وهذا أصل عام يقطع كل عذر يتذرع به من ينتهك الحرمات ، فمن استباح دماء الناس وأموالهم وأعراضهم استبيح منه ما استباح هو منهم . .

ان حرمة الإنسان من حرمة اللَّه الا ان ينتهك حرمة غيره ، فعندها يأتي الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه . وبهذا نجد تفسير قوله تعالى :{ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} . فشرط العقوبة أن تكون مماثلة لجناية المعتدي دون زيادة أو نقصان ، وهذا هو القصاص في حقيقته .

وتسأل : ان من يبتدئ بالعدوان فهو معتد بلا ريب ، أما من يقتص من المعتدي ويقابله بمثل فعله فلا يكون معتديا ، إذن ، فما هو الوجه لقوله تعالى : {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} ؟ .

الجواب : ليس المراد بالاعتداء الاعتداء على حقيقته ، بل المراد به جزاء الاعتداء والمقابلة بالمثل كما وكيفا بلا حيف وظلم ، ومثله قوله تعالى : {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا } [الشورى: 40].

{وأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . الإنفاق في سبيله تعالى يشمل المصالح العامة ، كالمدارس والمصحات ودور الأيتام ، والجهاد ، والصدقات على الفقراء والمساكين ، والإنفاق على الأهل والأولاد والعيال ، وأفضل موارد الإنفاق ما فيه إعزاز للدين وانتشاره ، واحقاق للحق ، وإبطال للباطل .

{ولا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } . عبّر سبحانه بالأيدي عن الأنفس . . ولو نظرنا إلى هذه الجملة مستقلة عن السياق لكان المعنى ان الإنسان لا يجوز له أن يقدم على ما يعود عليه بالضرر المحض دون أن يترتب على اقدامه أية منفعة عامة ، أما إذا راعينا سياق الكلام ، ومجيء قوله تعالى : {لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} بعد قوله : {أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} - أما إذا راعينا ذلك فيكون المعنى أنفقوا من أموالكم إنفاقا لا تقتير فيه ، ولا إسراف ، لأن كلا منهما يؤدي إلى التهلكة ، فالآية على هذا تجري مجرى قوله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } [الفرقان: 67].

وقيل : ان معنى لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة بترك جهاد أعداء الدين ، وبذل المال لتجهيز المجاهدين ، لأن ذلك يضعفكم ، ويمكن العدو منكم فتهلكون وتذلون . .

وهذا ما أثبتته التجارب التي مر بها المسلمون ، فلقد فقدوا حريتهم وكرامتهم منذ أن تركوا الجهاد والبذل في نصرة الحق والعدل ، وطمع فيهم كل غاصب وسالب ، حتى عصابة الصهاينة عميلة الاستعمار ، فإنها احتلت فلسطين سنة 1948 ، وبعد سكوتهم عنها وعن جهادهم لها عشرين عاما أغارت على سيناء ، والضفة الغربية من الأردن ، واحتلتهما بمساعدة أمريكا وبريطانيا وألمانيا الغربية ، وقتلت الرجال ، وشردت النساء والأطفال . . ولوان المسلمين جاهدوها من قبل لكانوا في منجى من هذه التهلكة ، وهذا الذل المشين ، ولم يكن لدولة إسرائيل عين ولا أثر .

{ وأَحْسِنُوا } . بالجهاد وبذل المال في سبيله ، وفي كل سبيل يرضي اللَّه ، ويمدح المرء على فعله .

_______________________

1- الكاشف ، ممد جواد مغنية ، ج1 ، ص300-302.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

قوله تعالى: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص} ، الحرمات جمع حرمة وهي ما يحرم هتكه ويجب تعظيمه ورعاية جانبه، والحرمات: حرمة الشهر الحرام وحرمة الحرم وحرمة المسجد الحرام، والمعنى أنهم لو هتكوا حرمة الشهر الحرام بالقتال فيه، وقد هتكوا حين صدوا النبي وأصحابه عن الحج عام الحديبية ورموهم بالسهام والحجارة جاز للمؤمنين أن يقاتلوهم فيه وليس بهتك، فإنما يجاهدون في سبيل الله ويمتثلون أمره في إعلاء كلمته ولو هتكوا حرمة الحرم والمسجد الحرام بالقتال فيه وعنده جاز للمؤمنين معاملتهم بالمثل، فقوله: {الشهر الحرام بالشهر الحرام} بيان خاص عقب ببيان عام يشمل جميع الحرمات وأعم من هذا البيان العام قوله تعالى عقيبه: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} ، فالمعنى أن الله سبحانه إنما شرع القصاص في الشهر الحرام لأنه شرع القصاص في جميع الحرمات وإنما شرع القصاص في الحرمات لأنه شرع جواز الاعتداء بالمثل.

ثم ندبهم إلى ملازمة طريقة الاحتياط في الاعتداء لأن فيه استعمالا للشدة والبأس والسطوة وسائر القوى الداعية إلى الطغيان والانحراف عن جادة الاعتدال والله سبحانه وتعالى : {لا يحب المعتدين}، وهم أحوج إلى محبة الله تعالى وولايته ونصره فقال تعالى: {واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين} .

وأما أمره تعالى بالاعتداء مع أنه لا يحب المعتدين فإن الاعتداء مذموم إذا لم يكن في مقابلة اعتداء وأما إذا كان في مقابلة الاعتداء فليس إلا تعاليا عن ذل الهوان وارتقاء عن حضيض الاستعباد والظلم والضيم، كالتكبر مع المتكبر، والجهر بالسوء لمن ظلم.

قوله تعالى: {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} ، أمر بإنفاق المال لإقامة القتال في سبيل الله والكلام في تقييد الإنفاق هاهنا بكونه في سبيل الله نظير تقييد القتال في أول الآيات بكونه في سبيل الله، كما مر، والباء في قوله: {بأيديكم} زائدة للتأكيد، والمعنى: {ولا تلقوا أيديكم إلى التهلكة} كناية عن النهي عن إبطال القوة والاستطاعة والقدرة فإن اليد مظهر لذلك، وربما يقال: إن الباء للسببية ومفعول لا تلقوا محذوف، والمعنى: لا تلقوا أنفسكم بأيدي أنفسكم إلى التهلكة، والتهلكة والهلاك واحد وهو مصير الإنسان بحيث لا يدري أين هو، وهو على وزن تفعلة بضم العين ليس في اللغة مصدر على هذا الوزن غيره.

والكلام مطلق أريد به النهي عن كل ما يوجب الهلاك من إفراط وتفريط كما أن البخل والإمساك عن إنفاق المال عند القتال يوجب بطلان القوة وذهاب القدرة، وفيه هلاك العدة بظهور العدو عليهم، وكما أن التبذير بإنفاق جميع المال يوجب الفقر والمسكنة المؤديين إلى انحطاط الحياة وبطلان المروة.

ثم ختم سبحانه وتعالى الكلام بالإحسان فقال: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} ، وليس المراد بالإحسان الكف عن القتال أو الرأفة في قتل أعداء الدين وما يشبههما بل الإحسان هو الإتيان بالفعل على وجه حسن بالقتال في مورد القتال، والكف في مورد الكف، والشدة في مورد الشدة، والعفو في مورد العفو، فدفع الظالم بما يستحقه إحسان على الإنسانية باستيفاء حقها المشروع لها، ودفاع عن الدين المصلح لشأنها كما أن الكف عن التجاوز في استيفاء الحق المشروع بما لا ينبغي إحسان آخر، ومحبة الله سبحانه وتعالى هو الغرض الأقصى من الدين، وهو الواجب على كل متدين بالدين أن يجلبها من ربه بالإتباع، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31]، وقد بدأت الآيات الشريفة وهي آيات القتال بالنهي عن الاعتداء وإن الله لا يحب المعتدين وختمت بالأمر بالإحسان وإن الله يحب المحسنين، وفي ذلك من وجوه الحلاوة ما لا يخفى.

__________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص54-55.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

احترام الأشهر الحُرم والمقابلة بالمِثل :

هذه الآية الشريفة تكمّل البحث الوارد في الآيات السّابقة عن الجهاد بشكل عام، فهي في الواقع إجابة على من يتصوّر أنّه لا يمكن القتال في الأشهر الحُرُم، فكيف أمر الإسلام بالقتال فيها.

ولتوضيح الأمر : كان المشركون على علم بأنّ الإسلام يحضر الحرب في الأشهر الحرم (ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب) خاصّة في حرم مكّة والمسجد الحرام، وبعبارة اُخرى أنّ الإسلام أمضى هذه السنّة التي كانت موجودة من قبل، فكان نبي الإسلام ملتزم بهذا الحضر، لذلك أرادوا أن يشنّوا هجوماً مباغتاً على المسلمين في هذه الأشهر الحُرم متجاهلين حرمتها ضانيّن أنّ المسلمين ممنوعون من المواجهة، وفي هذه الحالة يستطيعون أن يحقّقوا هدفهم.

الآية الكريمة تكشف مؤامرة المشركين(2) وتحمّل المسلمين مسؤوليّة مواجهة العدوان حتّى في الأشهر الحُرم فتقول الآية {الشّهر الحرام بالشهر الحرام} أي أنّ الأعداء لو كسروا حرمة واحترام هذه الأشهر الحُرم وقاتلوكم فيها فلكم الحقّ أيضاً في المقابلة بالمِثل، لأن {والحُرُمات قصاص}.

(حُرُمات) جمع «حُرمة» وتعني الشيء الّذي يجب حفظه واحترامه، وقيل للحرم : حرم لأنّه مكان محترم ولا يجوز هتكه. ويقال الأعمال الممنوعة والقبيحة حرام لهذا السبب، ولهذا أيضاً كانت بعض الأعمال محرّمة في الشهر الحرام والأرض الحَرم.

وهذه العبارة {والحُرمات قصاص} تتضمّن جواباً رابعاً لأولئك الّذين اعترضوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)لإباحته الحرب في الأشهر الحُرم، أو أرض مكّة المكرّمة الحرم الإلهي الآمن، وتعني أنّ احترام الأشهر الحُرم ضروري أمام العدو الّذي يراعي حرمة هذه الأشهر، أمّا العدو الّذي يهتك هذه الحرمة فلا تجب معه رعاية الإحترام وتجوز محاربته حتّى في هذه الأشهر، واُمر المسلمون أن يهبّوا للجهاد عند اشتعال نار الحرب كي لا تخامر أذهان المشركين فكرة انتهاك حرمة هذه الشّهور.

ثمّ تشرّع الآية حكماً عامّاً يشمل ما نحن فيه وتقول : {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتقين}.

فالإسلام ـ وخلافاً للمسيحيّة الحاليّة الّتي تقول (إذا لطمك شخص على خدّك الأيمن فأدِر له الأيسر)(3) ـ لا يقول بمثل هذا الحكم المنحرف الّذي يبعث على جرأة المعتدي وتطاول الظّالم، وحتّى المسسيحيّون في هذا الزّمان لا يلتزمون مطلقاً بهذا الحكم أيضاً، ويردّون على كلّ عدوان مهما كان قليلاً بعدوان أشد، وهذا أيضاً مخالف لدستور الإسلام في الرّد، فالإسلام يقول : يجب التصدّي للظّالم والمعتدي، ويُعطي الحقّ للمظلوم والمُعتدى عليه المقابلة بالمِثل، فالاستسلام في منطق الإسلام يعني الموت، والمقاومة والتصدّي هي الحياة.

والجدير بالذكر أنّ مفهوم الآية يشمل دائرة وسيعة ولا ينحصر بمسألة القصاص في مقابل القتل أو الجنايات الاُخرى، بل يشمل حتّى الاُمور الماليّة وسائر الحقوق الاُخرى.

وهذا طبعاً لا يتعارض مع مسألة العفو والصفح عن الإخوان والأصدقاء النادمين.

أحياناً يتصوّر بعض العوام أنّ معنى الآية هو أنّه لو قتلَ شخصٌ شخصاً آخر فإنّ معنى المقابلة بالمثل تبيح لأب المقتول أن يقتل ابن القاتل، وإذا ضرب أخاه فيجوز له أن يضرب أخا الضّارب، ولكن هذا اشتباه كبير، لأنّ القرآن يقول: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} لا الأفراد الأبرياء.

وأيضاً لا ينبغي أن يتصوّر أنّ مفهوم الآية هو أنّه أن أقام شخص بإحراق بيت آخر فيجوز للمُعتدى عليه أن يقوم بحرق بيت المعتدي، بل مفهومه أن يؤدّي المعتدي ما يُعادل قيمة البيت المحترق إلى المُعتدى عليه.

وعبارة {واتّقوا الله واعلموا أنّ الله مع المتّقين} تأكيد آخر على ضرورة عدم تجاوز الحدّ في الدّفاع والمقابلة، لأنّ الإفراط في المقابلة يُبعد المواجهة عن إطار التقوى.

وقوله تعالى {واعلموا أن الله مع المتّقين} إشارة إلى أنّ الله لا يهمل المتقي في خِضمّ المشكلات، بل يعينه ويرعاه، لأنّ من كان مع شخص آخر فمفهومه أنّه يعينه في مشكلاته ويحميه مقابل الأعداء.

الإنفاق والخلاص من المآزق :

هذه الآية تكمّل ما مرّ من آيات الجهاد فكما أنّ الجهاد بحاجة إلى الرجال المخلصين والمجرّبين كذلك بحاجة إلى المال والثروة أي بحاجة إلى الإستعداد البدني والمعنوي والمعدّات الحربيّة، صحيح أن العامل الحاسم في تقرير مصير الحرب هو الرجال بالدّرجة الاُولى، ولكنّ الجندي بحاجة إلى أدوات الحرب (أعمّ من السلاح والأدوات ووسائل النقل والغذاء والوسائل الصحيّة) فإنّه بدونها لا يمكنه أن يفعل شيئاً.

من هنا أوجب الإسلام تأمين وسائل الجهاد مع الأعداء، ومن ذلك ما ورد في الآية أعلاه حيث تأمر بصراحة {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة}.

وهذا المعنى يتأكّد خاصّة في عصر نزول هذه الآيات حيث كان المسلمون في شوق شديد إلى الجهاد كما يحدّثنا القرآن عن اُولئك الّذين أتوا النبي يطلبون منه السلاح ليشاركوا في ساحة الجهاد وإذ لم يجدوا ذلك عادوا مهمومين محزونين { تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } [التوبة: 92].

فعبارة {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} بالرّغم من أنّها واردة في ترك الإنفاق في الجهاد الإسلامي، ولكنّ مفهومها واسع يشمل موارد اُخرى كثيرة، منها أنّ الإنسان ليس له الحقّ في اتّخاذ الطرق الخطرة للسّفر (سواء من الناحية الأمنيّة أو بسبب العوامل الجويّة أو غير ذلك) دون أن يتّخذ لنفسه الاحتياطات اللاّزمة لذلك، كما لا يجوز له تناول الغذاء الّذي يحتمل قويّاً أن يكون مسموماً وحتّى أن يرد ميدان القتال والجهاد دون تخطيط مدروس، ففي جميع هذه الموارد الإنسان مسؤول عن نفسه في ما لو ألقى بها في الخطر بدون عذر مقبول.

وتصوّر بعض الجهلاء من أنّ كلّ ألوان الجهاد الابتدائي هو إلقاء النفس في التّهلكة وحتّى أنهم أحياناً يعتبرون قيام سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء مصداق لهذه الآية، وهذا ناشئ من الجهل المطبق وعدم درك مفهوم الآية الشريفة، لأنّ إلقاء النفس بالتّهلكة يتعلّق بالموارد الّتي لا يكون فيها الهدف أثمن من النفس وإلاّ فلابدّ من التضحية بالنفس حفاظاً على ذلك الهدف المقدّس كما صنع الإمام الحسين وجميع الشهداء في سبيل الله كذلك.

فهل يتصوّر أحد أنّ الشّخص الّذي يرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في خطر فيحميه بنفسه ويذبّ عنه معرّضاً نفسه للخطر فداءً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (كما صنع علي (عليه السلام) في حرب اُحد أوفي ليلة المبيت) فهل يعني هذا إلقاء للنفس بالتّهلكة وإنّه صنع حراماً ؟ وهل يعني ذلك أن يقف موقف المتفرّج حتّى يُقتل رسول الله ويقول أنّ إلقاء النفس في التّهلكة حرام ؟

والحقّ أنّ مفهوم الآية واضح والتمسّك بها في مثل هذه الموارد نوع من الجهل والحِمق.

أجل، إذا لم يكن الهدف مهمّاً ولا يستحق أن يضحّي الإنسان بنفسه في سبيله، أو أنّه يكون مهمّاً ولكن بإمكانه تحقيقه بوسائل وطرق اُخرى أفضل، ففي هذه الموارد لا ينبغي إلقاء النفس في الخطر (كموارد التقيّة مثلاً من هذا القبيل).

وفي آخر الآية أمر بالإحسان ويقول {أحسنوا إنّ الله يحبّ المحسنين}.

أمّا ما هو المراد بالإحسان هنا ؟ فهناك عدّة احتمالات في كلمات المفسّرين، منها : أنّ المراد هو حسن الظن بالله (فلا تظنّوا أنّ إنفاقكم هذا يؤدي إلى الاختلال في معاشكم)، والآخر هو الإقتصاد والاعتدال في مسألة الإنفاق، واحتمال ثالث هو دمج الإنفاق مع حسن الخلق للمحتاجين بحيث يتزامن مع البشاشة وإظهار المحبّة وتجنّب أي لون من ألوان المنّة والأذى للشخص المحتاج، ولا مانع من أن يكون المراد في مفهوم الآية جميع هذه المعاني الثلاث.

___________________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص465-469.

2- تفسير مجمع البيان ، ذيل الاية مورد البحث ، وتفسير التبيان ، ج2 ، ص150.

3 ـ انجيل متّى ـ الباب 5 ـ الرقم 39.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .