المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16679 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مملكة «متني» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
مملكة آشور وخطابات «تل العمارنة»
2024-07-04
آلاشيا «قبرص» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
لمحة عن ممالك الشرق التي جاء ذكرها في خطابات تل العمارنة (بابل)
2024-07-04
معنى الازدراء
2024-07-04
معنى الخبت
2024-07-04

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآيات (30-33) من سورة البقرة  
  
6168   02:54 مساءً   التاريخ: 8-12-2016
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 30 - 33]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

اذكر يا محمد {إذ قال ربك للملائكة} قيل أنه خطاب لجميع الملائكة و قيل خطاب لمن أسكنه الأرض بعد الجان من الملائكة عن ابن عباس {إني جاعل} أي خالق {في الأرض خليفة} أراد بالخليفة آدم (عليه السلام) فهو خليفة الله في أرضه يحكم بالحق إلا أنه تعالى كان أعلم ملائكته أنه يكون من ذريته من يفسد فيها عن ابن عباس و ابن مسعود و قيل إنما سمى الله تعالى آدم خليفة لأنه جعل آدم و ذريته خلفاء للملائكة لأن الملائكة كانوا من سكان الأرض و قيل كان في الأرض الجن فأفسدوا فيها و سفكوا الدماء فأهلكوا فجعل آدم و ذريته بدلهم عن ابن عباس و قيل عنى بالخليفة ولد آدم يخلف بعضهم بعضا و هم خلفوا أباهم آدم في إقامة الحق و عمارة الأرض عن الحسن البصري و قيل أراد بالأرض مكة لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال دحيت الأرض من مكة ولذلك سميت أم القرى وروي أن قبر نوح و هود و صالح و شعيب بين زمزم و الركن و المقام و الظاهر أنها الأرض المعروفة و هو الصحيح و قوله « قالوا » يعني الملائكة لله تعالى أ تجعل فيها أي في الأرض من يفسد فيها بالكفر و المعاصي و يسفك الدماء بغير حق و ذكر فيه وجوه (أحدها) أن خلقا يقال لهم الجان كانوا في الأرض فأفسدوا فيها فبعث الله ملائكة أجلتهم من الأرض و كان هؤلاء الملائكة سكان الأرض من بعدهم فقالوا يا ربنا {أتجعل فيها من يفسد فيها} كما فعل بنو الجان قاسوا بالشاهد على الغائب و هو قول كثير من المفسرين (وثانيها) أن الملائكة إنما قالت ذلك على سبيل الاستفهام و على وجه الاستخبار و الاستعلام عن وجه المصلحة و الحكمة لا على وجه الإنكار ولا على سبيل إخبار فكأنهم قالوا يا الله إن كان هذا كما ظننا فعرفنا ما وجه الحكمة فيه (وثالثها) أن الله تعالى أخبر الملائكة بأنه سيكون من ذرية هذا الخليفة من يعصي و يسفك الدماء على ما روي عن ابن عباس و ابن مسعود و الغرض في إعلامه إياهم أن يزيدهم يقينا على وجه علمه بالغيب لأنه وجد بعد ذلك على ما أخبرهم به و قيل ليعلم آدم أنه خلق للأرض لا للجنة فقالت الملائكة أ تجعل فيها من يفعل كذا و كذا على وجه التعرف لما في هذا من التدبير و الاستفادة لوجه الحكمة فيه و هذا الوجه يقتضي أن يكون في أول الكلام حذف و يكون التقدير إني جاعل في الأرض خليفة و إني عالم بأنه سيكون في ذريته من يفسد فيها و يسفك الدماء فحذف اختصارا و كذلك قوله {أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك} في ضمنه اختصار شديد أي فنحن على ما نظنه و يظهر لنا من الأمر أولى بالخلافة في الأرض لأنا نطيع و غيرنا يعصي و في قوله {إني أعلم ما لا تعلمون} اختصار أيضا لأنه يتضمن أني أعلم من مصالح المكلفين ما لا تعلمونه و ما يكون مخالفا لما تظنونه على ظواهر الأمور و مثل هذه الحذوف العجيبة و الاختصارات البديعة كثيرة في القرآن والحذف معدود في أنواع الفصاحة إذا كان فيما أبقي دليل على ما ألقي و مما جاء منه في الشعر قول الشنفري :

و لا تقبروني إن قبري محرم *** عليكم و لكن خامري أم عامر

أي لا تدفنوني بل دعوني تأكلني التي يقال لها خامري أم عامر يعني الضبع و قول أبي داود(2) :

إن من شيمتي لبذل تلادي ***دون عرضي فإن رضيت فكوني

اي : فكوني على ما انت عليه ، وان سخطت فبيني ، فحذف . فقال عنترة :

هل تبلغي دارها شدنية ***لعنت بمحروم الشراب مصرم

أي دعي عليها بانقطاع لبنها و جفاف ضرعها فصارت كذلك و الناقة إذا كانت لا تنتج كانت أقوى على السير و إنما أرادت الملائكة بقولهم {أتجعل فيها من يفسد فيها} ولد آدم الذين ليسوا بأنبياء و لا معصومين لا آدم نفسه و من يجري مجراه من الأنبياء و المعصومين و معنى قولهم { ونحن نسبح بحمدك} نتكلم بالحمد لك و النطق بالحمد لله تسبيح له كقوله تعالى {والملائكة يسبحون بحمد ربهم} وإنما يكون حمد الحامد سبحانه تسبيحا لأن معنى الحمد لله الثناء عليه و الشكر له وهذا تنزيه له و اعتراف بأنه أهل لأن ينزه ويعظم و يثني عليه عن مجاهد و قيل معنى {نسبح بحمدك} نصلي لك كقوله {فلو لا أنه كان من المسبحين} أي من المصلين عن ابن عباس و ابن مسعود و قيل هو رفع الصوت بذكر الله عن المفضل و منه قول جرير :

قبح الإله وجوه تغلب كلما ***سبح الحجيج و كبروا إهلالا

وقوله {ونقدس لك} أي ننزهك عما لا يليق بك من صفات النقص و لا نضيف إليك القبائح فاللام على هذا زائدة نقدسك و قيل نقدس لك أي نصلي لأجلك و قيل نطهر أنفسنا من الخطايا و المعاصي قوله {إني أعلم ما لا تعلمون} قيل أراد ما أضمره إبليس من الكبر و العجب و المعصية لما أمره الله سبحانه بالسجود لآدم عن ابن عباس و ابن مسعود و قيل أراد أعلم من في ذرية آدم من الأنبياء و الصالحين عن قتادة و قيل أراد به ما اختص الله تعالى بعلمه من تدبير المصالح و روي عن أبي عبد الله قال إن الملائكة سألت الله تعالى أن يجعل الخليفة منهم و قالوا نحن نقدسك و نطيعك ولا نعصيك كغيرنا قال فلما أجيبوا بما ذكر في القرآن علموا أنهم تجاوزوا ما لهم فلاذوا بالعرش استغفارا فأمر الله تعالى آدم بعد هبوطه أن يبني له في الأرض بيتا يلوذ به المخطئون كما لاذ بالعرش الملائكة المقربون فقال الله تعالى للملائكة إني أعرف بالمصلحة منكم و هو معنى قوله {أعلم ما لا تعلمون} و هذا يدل على أنه تعالى لا يفعل القبيح لأنه لو كان يحسن منه كل شيء لم يكن لهذا الكلام معنى لأنه إنما يفيد في الجواب متى حمل على أنه أراد إني أعلم بالمصالح فأفعل ما هو الأصلح .

ثم أبان سبحانه و تعالى لملائكته فضل آدم عليهم و على جميع خلقه بما خصه به من العلم فقال سبحانه و تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها} أي علمه معاني الأسماء إذ الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ولا وجه لإشارة الفضيلة بها وقد نبه الله تعالى الملائكة على ما فيها من لطيف الحكمة فأقروا عند ما سئلوا عن ذكرها و الإخبار عنها أنه لا علم لهم بها فقال الله تعالى {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} عن قتادة و قيل أنه سبحانه علمه جميع الأسماء و الصناعات و عمارة الأرضين و الأطعمة و الأدوية و استخراج المعادن و غرس الأشجار و منافعها و جميع ما يتعلق بعمارة الدين و الدنيا عن ابن عباس و مجاهد و سعيد بن جبير و عن أكثر المتأخرين و قيل أنه علمه أسماء الأشياء كلها ما خلق و ما لم يخلق بجميع اللغات التي يتكلم بها ولده بعده عن أبي علي الجبائي و علي بن عيسى و غيرهما قالوا فأخذ عنه ولده اللغات فلما تفرقوا تكلم كل قوم بلسان ألفوه و اعتادوه و تطاول الزمان على ما خالف ذلك فنسوه و يجوز أن يكونوا عالمين بجميع تلك اللغات إلى زمن نوح (عليه السلام) فلما أهلك الله الناس إلا نوحا و من تبعه كانوا هم العارفين بتلك اللغات فلما كثروا و تفرقوا اختار كل قوم منهم لغة تكلموا بها و تركوا ما سواه و نسوة و قد روي عن الصادق (عليه السلام) أنه سئل عن هذه الآية فقال الأرضين و الجبال و الشعاب و الأودية ثم نظر إلى بساط تحته فقال و هذا البساط مما علمه و قيل أنه علمه أسماء الملائكة و أسماء ذريته عن الربيع و قيل أنه علمه ألقاب الأشياء و معانيها و خواصها و هو أن الفرس يصلح لما ذا و الحمار يصلح لما ذا و هذا أبلغ لأن معاني الأشياء و خواصها لا تتغير بتغير الأزمنة و الأوقات و ألقاب الأشياء تتغير على طول الأزمنة و قال بعضهم أنه تعالى لم يعلمه اللغة العربية فإن أول من تكلم بالعربية إسماعيل (عليه السلام) و قالوا أن الله جعل الكلام معجزة لثلاثة من الأنبياء آدم و إسماعيل و محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ثم اختلف في كيفية تعليم الله تعالى آدم الأسماء فقيل علمه بأن أودع قلبه معرفة الأسماء و فتق لسانه بها فكان يتكلم بتلك الأسماء كلها و كان ذلك معجزة له لكونه ناقصا للعادة و قيل علمه إياها بأن اضطره إلى العلم بها و قيل علمه لغة الملائكة ثم علمه بتلك اللغة سائر اللغات و قيل إنما علمه أسماء الأشخاص بأن أحضر تلك الأشياء و علمه أسماءها في كل لغة و أنه لأي شيء يصلح و أي نفع فيه و أي ضرر و قوله { ثم عرضهم على الملائكة} روي عن ابن عباس أنه قال عرض الخلق وعن مجاهد قال عرض أصحاب الأسماء و على هذا فيكون معناه ثم عرض المسميات على الملائكة و فيهم من يعقل و فيهم من لا يعقل فقال عرضهم غلب العقلاء فأجرى على الجميع كناية من يعقل كقوله {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ } [النور: 45] أجري عليهم كناية من يعقل و في قراءة أبي ثم عرضها و في قراءة ابن مسعود ثم عرضهن و على هاتين القراءتين يصلح أن يكون عبارة عن الأسماء دون المسميات و اختلف في كيفية العرض على الملائكة فقيل إنما عرضها على الملائكة بأن خلق معاني الأسماء التي علمها آدم حتى شاهدتها الملائكة و قيل صور في قلوبهم هذه الأشياء فصارت كأنهم شاهدوها و قيل عرض عليهم من كل جنس واحد و أراد بذلك تعجيزهم فإن الإنسان إذا قيل له ما اسم شيء صفته كذا و كذا فلم يعلم كان أبلغ عذرا ممن عرض عليه شيء بعينه و سئل عن اسمه فلم يعرفه و بين بذلك أن آدم (عليه السلام) أصلح لكدخدائية الأرض وعمارتها لاهتدائه إلى ما لا تهتدي الملائكة إليه من الصناعات المختلفة و حرث الأرض و زراعتها و إنباط الماء(3)، و استخراج الجواهر من المعادن و قعر البحار بلطائف الحكمة و هذا يقوي قول من قال أنه علمه خواص الأشياء و أراد به أنكم إذا عجزتم عن معرفة هذه الأشياء مع مشاهدتكم لها فأنتم عن معرفة الأمور المغيبة عنكم أعجز {فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين} أن سأل فقيل ما الذي ادعت الملائكة حتى خوطبوا بهذا و كيف أمرهم الله سبحانه أن يخبروا بما لا يعلمون فالجواب أن للعلماء فيه وجوها من الكلام ( أحدها ) أن الله تعالى لما أخبر الملائكة بأنه جاعل في الأرض خليفة هجس(4) في نفوسها أنه إن كان الخليفة منهم بدلا من آدم و ذريته لم يكن في الأرض فساد و لا سفك دم كما يكون في ولد آدم و إن كان الله لا يفعل إلا ما هو الأصلح في التدبير و الأصوب في الحكمة فقال الله تعالى {أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين } فيما ظننتم من هذا المعنى ليدلهم على أنهم إذا لم يعلموا باطن ما شاهدوا فهم من أن يعلموا باطن ما غاب عنهم أبعد ( و ثانيها ) أنه خطر ببالهم أنه لن يخلق الله خلقا إلا و هم أعلم منه و أفضل في سائر أنواع العلم فقيل {إن كنتم صادقين} في هذا الظن فأخبروا بهذه الأسماء (وثالثها ) أن المراد أن كنتم صادقين في أنكم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين لأن كل واحد من الأمرين من علم الغيب فكما لم تعلموا أحدهما لا تعلمون الآخر عن ابن عباس (ورابعها ) ما قاله الأخفش و الجبائي وعلي بن عيسى و هو أن المراد {إن كنتم صادقين} فيما تخبرون به من أسمائهم فأخبروا بها و هذا كقول القائل لغيره ( أخبر بما في يدي إن كنت صادقا ) أي إن كنت تعلم فأخبر به لأنه لا يمكنه أن يصدق في مثل ذلك إلا إذا أخبر عن علم منه و لا يصح أن يكلف ذلك إلا مع العلم به و لا بد إذا استدعوا إلى الإخبار عما لا يعلمون من أن يشترط هذا الشرط و على هذا فيكون لفظه الأمر و معناه التنبيه أو يكون أمرا مشروطا كما يقول العالم للمتعلم ما تقول في كذا و يعلم أنه لا يحسن الجواب لينبهه عليه و يحثه على طلبه و البحث عنه و لو قال له أخبر بذلك أن كنت تعلم أو إن كنت صادقا لكان حسنا فإذا تنبه على أنه لا يمكنه الجواب أجابه حينئذ فيكون جوابه بهذا التدريج أثبت في قلبه و أوقع في نفسه و لا يجوز أن يكون ذلك تكليفا لأنه لو كان تكليفا لم يكن تبيينا لهم أن آدم يعرف أسماء هذه الأشياء بتعريف الله إياه و تخصيصه من ذلك بما لا يعرفونه هم فلما أراد تعريفهم ما خص به آدم من ذلك علمنا أنه ليس بتكليف و في هذه الآية دلالة على شرف العلم و أهله من حيث إن الله سبحانه لما أراد تشريف آدم (عليه السلام) اختصه بعلم أبانه به من غيره و فضله به على من سواه .

ثم أخبر سبحانه عن الملائكة بالرجوع إليه و التسليم لأمره و قال {قالوا} أي الملائكة {سبحانك } أي تنزيها لك و تعظيما عن أن يعلم الغيب أحد سواك عن ابن عباس و قيل تنزيها لك عن الاعتراض عليك في حكمك وقيل إنهم أرادوا أن يخرجوا الجواب مخرج التعظيم فقالوا تنزيها لك عن فعل كل قبيح وأن كنا لا نعلم وجه الحكمة في أفعالك و قيل أنه على وجه التعجب لسؤالهم عما لا يعلمونه و قوله {لا علم لنا إلا ما علمتنا} معناه إنا لا نعلم إلا بتعليمك وليس هذا فيما علمتنا و لو أنهم اقتصروا على قولهم {لا علم لنا} لكان كافيا في الجواب لكن أرادوا أن يضيفوا إلى ذلك التعظيم له والاعتراف بإنعامه عليهم بالتعليم وأن جميع ما يعلمونه إنما يعلمونه من جهته و أن هذا ليس من جملة ذلك و إنما سألهم سبحانه عما علم أنهم لا يعلمونه ليقررهم على أنهم لا يملكون إلا ما علمهم الله و ليرفع به درجة آدم عندهم بأنه علمه ما لم يعلموه و قوله {إنك أنت العليم} أي العالم بجميع المعلومات لأنه من صفات ذاته و هو مبالغة العالم و قيل أنهم أثبتوا له ما نفوه عن أنفسهم أي أنت العالم من غير تعليم و نحن المعلمون و قوله {الحكيم} يحتمل أمرين ( أحدهما ) أنه بمعنى العالم لأن العالم بالشيء يسمى بأنه حكيم فعلى هذا يكون من صفات الذات مثل العالم و يوصف بهما فيما لم يزل لأن ذلك واجب في العالم لنفسه ( و الثاني ) أن معناه المحكم لأفعاله و يكون فعيلا بمعنى مفعل و على هذا يكون من صفات الأفعال و معناه أن أفعاله كلها حكمة و صواب و ليس فيها تفاوت و لا وجه من وجوه القبح و على هذا فلا يوصف بذلك فيما لم يزل و روي عن ابن عباس أنه قال العليم الذي كمل في علمه و الحكيم الذي كمل في حكمته و في هذه الآية دلالة على أن العلوم كلها من جهته تعالى و إنما كان كذلك لأن العلوم لا تخلو إما أن تكون ضرورية فهو الذي فعلها و إما أن تكون استدلالية فهو الذي أقام الأدلة عليها فلا علم لأحد إلا ما علمه الله تعالى .

ثم خاطب الله تعالى آدم ف {قال : يا آدم أنبئهم} أي أخبر الملائكة {بأسمائهم} يعني بأسماء الذين عرضهم عليهم و هم كناية عن المرادين بقوله أسماء هؤلاء و قد مضى بيانه {فلما أنبأهم } يعني أخبرهم آدم {بأسمائهم} أي باسم كل شيء و منافعه و مضارة {قال} الله تعالى للملائكة {ألم أقل لكم} الألف للتنبيه و إن كان أصلها الاستفهام كقول القائل ( أما ترى اليوم ما أطيبه ) لمن يعلم ذلك و حكى سيبويه أ ما ترى أي برق هاهنا و من الناس من قال أن هذه الألف معناها التوبيخ و من لم يجز على الملائكة المعصية منع من ذلك {إني أعلم غيب السماوات و الأرض } أي أعلم ما غاب فيهما عنكم فلم تشاهدوه كما أعلم ما حضركم فشاهدتموه {وأعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون} قيل فيه أقوال : ( أحدها ) أنه أراد أعلم سركم و علانيتكم و ذكر ذلك تنبيها لهم على ما يحيلهم عليه من الاستدلال لأن الأصول الأول التي يستدل بها إنما تذكر على وجه التنبيه ليستخرج بها غيرها فيستدل بعلمه الغيب على أنه خلق عباده على ما خلقهم عليه للاستصلاح في التكليف و ما توجبه الحكمة ( و ثانيها ) أنه أراد {أعلم ما تبدون} من قولكم أ تجعل فيها من يفسد فيها {وما كنتم تكتمون} من إضمار إبليس المعصية و المخالفة قال علي بن عيسى و هذا ليس بالوجه لأن الخطاب للملائكة و ليس إبليس منهم و لأنه عام فلا يخص إلا بدليل و جوابه أن إبليس لما دخل معهم في الأمر بالسجود جاز أن يذكر في جملتهم و قد رويت روايات تؤيد هذا القول و اختاره الطبري (وثالثها ) أن الله تعالى لما خلق آدم مرت به الملائكة قبل أن ينفخ فيه الروح و لم تكن رأت مثله فقالوا لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم منه و أفضل عنده فهذا ما أخفوه و كتموه و أما ما أبدوه فقولهم { أ تجعل فيها من يفسد فيها} روي ذلك عن الحسن و الأول أقوى لأنه أعم و مما يسأل في هذه الآية أن يقال ما وجه ذكره تعالى لهم الأسرار من علم الغيب و الجواب أنه على معنى الجواب فيما سألوا عنه من خلق من يفسد و يسفك الدماء على وجه التعريض دون التصريح لأنه لو صرح بذلك لقال خلقت من يفسد و يسفك الدماء لما أعلم في ذلك من المصلحة لعبادي فيما كلفتهم إياه فدل سبحانه الإحالة في الجواب على العلم بباطن الأمور و ظاهرها أنه خلقهم لأجل علمه بالمصلحة في ذلك و دلهم بذلك على أن عليهم الرضا بأمر الله و التسليم لقضاء الله لأنه يعلم من الغيب ما لا يعلمونه و يعلم من مصالحهم في دينهم و دنياهم ما لا يطلعون عليه فإن قيل فأي شيء في تعليم الله تعالى آدم الأسماء كلها مما يدل على علمه بالغيب فالجواب قيل أنه تعالى علمه الأسماء كلها بما فيها من المعاني التي تدل عليها على جهة فتق لسانه بذلك و الهامة إياها فهي معجزة أقامها الله تعالى للملائكة تدل على نبوته و جلالة قدره و ارتفاع شأنه بما اختصه الله به من العلم الذي لا يوصل إليه إلا بتعليم الله عز و جل و دلهم على ذلك بأن قررهم أولا فأقروا بأن لا علم لهم به ثم أظهر لهم أن آدم يعلمه بتعليم الله إياه فبان بذلك الإعجاز بالاطلاع على ما لا سبيل إلى علمه إلا من علام الغيوب و فيه من المعجزة أنه فتق لسانه على خلاف مجرى العادة و أنه علمه من لطائف الحكمة ما لا تعلمه الملائكة مع كثرة علومها و أنها أعرف الخلق بربها فعرفوا ما دلهم على علم الغيب بالمعجزة مؤكدا لما يعلمونه من ذلك بالأدلة العقلية و لذلك نبههم فقال {أ لم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات و الأرض} أي قد دللتكم على ذلك قبل و هذه دلالة بعد .

و قد افتتح الله تعالى الدلالة على الإعجاز بالكلام في آدم ثم ختم به في محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال السيد الأجل المرتضى قدس الله روحه و في هذه الآية سؤال لم أجد أحدا من مفسري القرآن تعرض له و ذلك أن يقال من أين علمت الملائكة صحة قول آدم و مطابقة الأسماء المسميات و هي لم تكن عالمة بذلك من قبل و الكلام يقتضي أنهم لما أنبأهم آدم بالأسماء علموا صحتها و لو لا ذلك لم يكن لقوله تعالى : {ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات و الأرض} معنى و لا كانوا أيضا مستفيدين نبوته و تميزه و اختصاصه بما ليس لهم لأن كل ذلك إنما يتم مع العلم و الجواب أنه غير ممتنع أن يكون الله تعالى جعل لهم العلم الضروري بصحة الأسماء و مطابقتها للمسميات أما عن طريق أو ابتداء بلا طريق فعلموا بذلك تمييزه و اختصاصه و ليس في علمهم بصحة ما أخبر به ما يقتضي العلم بنبوته ضرورة بل بعده درجات ومراتب لا بد من الاستدلال عليها حتى يحصل العلم بنبوته ضرورة .

ووجه آخر و هو أنه لا يمتنع أن يكون للملائكة لغات مختلفة و كل قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس في لغته دون لغة غيره إلا أنه يكون إحاطة عالم واحد بأسماء الأجناس في جميع لغاتهم خارقة للعادة فلما أراد الله تعالى التنبيه على نبوة آدم علمه جميع تلك الأسماء فلما أخبرهم بها علم كل فريق مطابقة ما أخبر به من الأسماء للغته و علم مطابقة ذلك لباقي اللغات بخبر كل قبيل و على هذا الجواب فيكون معنى أنبئوني بأسماء هؤلاء ليخبرني كل قبيل منكم بجميع الأسماء و هذان الجوابان مبنيان على أنه لم يتقدم لهم العلم بنبوة آدم و أن إخباره بالأسماء كان مفتتح معجزاته لأنه لو كان نبيا قبل ذلك و كانوا قد علموا نبوته بمعجزات تقدم ظهورها على يده لم يحتج إلى هذين الجوابين لأنهم يعلمون مطابقة الأسماء للمسميات بعد أن لم يعلموا بقوله الذي علموا أنه حق و صدق .

_______________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص147-159.

2- كذا في نسخنا المخطوطة والمطبوعة ، لكنه محرف أبو دؤاد . راجع (شرح شواهد مجمع البيان ج1ص196).

3- انباط الماء : اي استخرجه .

4- هجس الشيء في صدره : خطر بباله .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

المراد من الأسماء في قوله تعالى : {وعَلَّمَ آدَمَ الأَسْماءَ كُلَّها} المراد بها معاني الأسماء ، وهي أشياء الكون وخواصها وصفاتها ، قال صاحب مجمع البيان : ان الأسماء بلا معان لا فائدة فيها ، ولا وجه للإشارة إلى فضلها » . . وسئل الإمام الصادق ( عليه السلام ) عنها ، فقال : الجبال والأودية . . ثم أشار إلى بساط تحته ، وقال : هذا منها . أي كل شيء ، حتى هذا البساط .

الملائكة :

لا وسيلة إلى معرفة الملائكة وحقيقتهم بالحس والتجربة ، ولا بالعقل والأقيسة ، ولا بشيء إلا بطريق الوحي من اللَّه على لسان أنبيائه ورسله ، فمن يؤمن بالوحي يلزمه حتما أن يؤمن بالملائكة بعد أن أخبر الوحي عنهم بوضوح لا يقبل التأويل ، ومن ينكر الوحي من الأساس فلا يجوز الحديث معه عن الملائكة بحال ، لأنهم فرع ، والوحي أصل . . فان كان ولا بد من الكلام والنقاش معه فينبغي أن يكون حول فكرة الوحي وصحتها فقط . .

ولا نريد هنا نقاش من ينكر الوحي ، فلقد سبق الكلام مفصلا عن ذلك ، وانما نقول للمنكر : لا يحق لك أن تفرض رأيك على من يؤمن بالوحي ، وإلا جاز له أيضا أن يفرض رأيه عليك . . وإذا قلت - الحطاب للمنكر - لمن يؤمن بالوحي : إن إيمانك هو باطل ، لأنه لا يستند إلى التجربة أجابك بأن قطعك وإيمانك بأن الوحي باطل أيضا لا يستند إلى التجربة ، لأن النفي منك ، والثبوت من المؤمن موضوعه واحد ، وهو الوحي ، فإذا كانت التجربة لا تثبت الوحي فهي أيضا لا تنفيه ، والتفكيك محال . . وبكلمة ان الإيمان بعدم صحة الغيب تماما كالإيمان بصحته كلاهما غيب في غيب ، وبديهة ان الغيب لا يصح نقده بغيب مثله . . قال سارتر الأديب والفيلسوف الفرنسي الشهير ، وهو يرد على الماديين :

« انكم إذ تنكرون وجود اللَّه تسترسلون في الغيب تماما كالمثاليين الذين يسلمون بوجود اللَّه . . ان يقين المادي بنفي الغيب يعتمد على نفس الدليل الذي اعتمده المؤمن ليقينه بصحة الغيب . . وبهذا يتبين ان المادي يناقض نفسه بنفسه » (2) .

الخليفة :

 

المراد من الخليفة في قوله تعالى : {إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } هو آدم أبو البشر ، وكل انسان وجد ، أو سيوجد من نسله في كل زمان ومكان . .

ووجه تسميته بالخليفة ان اللَّه سبحانه أو كل للإنسان زمام هذه الأرض ، والكشف عما فيها من قوى ومنافع ، والاستفادة منها .

ويظهر من قول الملائكة : { أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ } ، يظهر منه ان اللَّه سبحانه قد أعلم ملائكته بطريق من الطرق ، وقبل أن يخلق آدم ، أعلمهم بأن الإنسان لو وجد في هذه الأرض لعصى بالفساد وسفك الدماء (3) ومن هذا عظم الأمر عليهم ، وتعجبوا كيف يوجد اللَّه من يعصيه ، وهم يسبحون بحمده ، ويقدسون له . . فأبان لهم سبحانه الحكمة من خلق الإنسان ، وان فيه

استعدادا لعلم ما لم يعلموا ، وان فساده في الأرض لا يذهب بالفائدة من وجوده ، وعندها اقتنع الملائكة وأذعنوا .

هذا ، إلى ان اللَّه سبحانه لم يخلق الإنسان ، ليرتكب المعاصي والرذائل ، بل خلقه للعلم والعمل النافع ، ونهاه عن الإفساد والإضرار ، فان خالف وعصى عوقب بما يستحق .

وتدل هذه الآية على ان للعلم ومعطياته مكانة عظمى عند اللَّه وملائكته ، لأنه سبحانه قد برر خلق الإنسان بقابليته للعلم والمعرفة . . وحين أطلع الملائكة على ذلك اعتذروا قائلين : {سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا} . وإذا كانت الغاية من خلق الإنسان العلم والعمل فمن ترك وأهمل فقد نقض الحكمة من وجوده ، وخالف الفطرة التي فطره اللَّه عليها .

وأخشى ان أقول : ان الملائكة لو علموا حينذاك بتأثير القنبلة الذرية والهيدروجينية ، وقنابل النابالم التي تستعملها أمريكا في فيتنام لما أقنعهم شيء . .

وأستغفر اللَّه الذي يعلم منا ما لا نعلمه نحن من أنفسنا .

درس بليغ :

والدرس البليغ الذي يجب أن نستفيده من هذه المحاورة بين اللَّه وملائكته ان الإنسان بالغ ما بلغ من العلم ونزاهة القصد ، والقوة والسلطان ليس بفوق ان يجادل ويناقش ، ويشار عليه . . فاللَّه سبحانه علا جلاله وعظمته قد فسح لملائكته مجال الحوار والمقال الذي هو أشبه بالاعتراض ، وهم بدورهم لم يحجموا عن ذلك ، بل أقدموا على علم منهم بعظمة اللَّه وحكمته ، وقد تلطف سبحانه في جوابهم ، وأبان لهم برفق الدليل المحسوس الملموس ، وأخذ اعترافهم بالرضى ، والاقتناع ، لا بالزجر والغلبة . بل ان اللَّه سبحانه قد فتح باب الحوار معه لإبليس اللعين الذي راجعه بقوله : خلقتني من نار ، وخلقته من طين . .

كما يأتي .

فعلى الذين يرون أنفسهم فوق الاعتراضات ان يتعظوا ويستفيدوا من هذا الدرس البليغ . . انهم إذ ينزهون أنفسهم عن الرد والمراجعة يرتفعون بها فوق مكانة العزيز الجبار ، من حيث لا يشعرون . . قال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الخطبة 214 :

« لا تخالطوني بالمصانعة ، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي ، ولا التماس إعظام لنفسي ، فإنه من استثقل الحق ان يقال له ، أو العدل ان يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق ، أو مشورة بعدل » .

___________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ،ص79-82.

2- انظر فصل سارتر والمذهب المادي من كتابنا « فلسفة المبدأ والمعاد » الذي ألفناه للرد على الفلسفة المادية وابطالها .

3- وقيل كان في الأرض العديد من الآدميين قبل آدمنا ، وانهم أفسدوا فيها كما أفسدنا ، ثم انقرضوا . . .

والملائكة على علم من ذلك .

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

الآيات تنبىء عن غرض إنزال الإنسان إلى الدنيا و حقيقة جعل الخلافة في الأرض و ما هو آثارها و خواصها، و هي على خلاف سائر قصصه لم يقع في القرآن إلا في محل واحد و هو هذا المحل.

قوله تعالى: و إذ قال ربك إلخ، سيأتي الكلام في معنى القول منه تعالى و كذا القول من الملائكة و الشيطان إن شاء الله.

قوله تعالى: {قالوا أ تجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء}، إلى قوله. {ونقدس لك}.

مشعر بأنهم إنما فهموا وقوع الإفساد و سفك الدماء من قوله سبحانه. إني جاعل في الأرض خليفة، حيث إن الموجود الأرضي بما أنه مادي مركب من القوى الغضبية و الشهوية، و الدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركباتها في معرض الانحلال، و انتظاماتها و إصلاحاتها في مظنة الفساد و مصب البطلان، لا تتم الحياة فيها إلا بالحياة النوعية، و لا يكمل البقاء فيها إلا بالاجتماع و التعاون، فلا تخلو من الفساد و سفك الدماء، ففهموا من هناك أن الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلا بكثرة من الأفراد و نظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد و السفك، و - الخلافة - و هي قيام شيء مقام آخر لا تتم إلا بكون الخليفة حاكيا للمستخلف في جميع شئونه الوجودية و آثاره و أحكامه و تدابيره بما هو مستخلف، و الله سبحانه في وجوده مسمى بالأسماء الحسنى متصف بالصفات العليا، من أوصاف الجمال و الجلال، منزه في نفسه عن النقص و مقدس في فعله عن الشر و الفساد جلت عظمته، و الخليفة الأرضي بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف و لا يحكي بوجوده المشوب بكل نقص و شين الوجود الإلهي المقدس المنزه عن جميع النقائص و كل الأعدام، فأين التراب و رب الأرباب، و هذا الكلام من الملائكة في مقام تعرف ما جهلوه و استيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة، و ليس من الاعتراض و الخصومة في شيء، و الدليل على ذلك قولهم فيما حكاه الله تعالى عنهم: إنك أنت العليم الحكيم حيث صدر الجملة بإن التعليلية المشعرة بتسلم مدخولها فافهم، فملخص قولهم يعود إلى أن جعل الخلافة إنما هو لأجل أن يحكي الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده و تقديسه له بوجوده، و الأرضية لا تدعه يفعل ذلك بل تجره إلى الفساد و الشر، و الغاية من هذا الجعل و هي التسبيح و التقديس بالمعنى الذي مر من الحكاية حاصلة بتسبيحنا بحمدك و تقديسنا لك، فنحن خلفاؤك أو فاجعلنا خلفاء لك، فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضية لك؟ فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله: إني أعلم ما لا تعلمون و علم آدم الأسماء كلها.

و هذا السياق: يشعر أولا: بأن الخلافة المذكورة إنما كانت خلافة الله تعالى، لا خلافة نوع من الموجود الأرضي كانوا في الأرض قبل الإنسان و انقرضوا ثم أراد الله تعالى أن يخلفهم بالإنسان كما احتمله بعض المفسرين، و ذلك لأن الجواب الذي أجاب سبحانه به عنهم و هو تعليم آدم الأسماء لا يناسب ذلك، و على هذا فالخلافة غير مقصورة على شخص آدم (عليه السلام) بل بنوه يشاركونه فيها من غير اختصاص، و يكون معنى تعليم الأسماء إيداع هذا العلم في الإنسان بحيث يظهر منه آثاره تدريجا دائما و لو اهتدى إلى السبيل أمكنه أن يخرجه من القوة إلى الفعل، و يؤيد عموم الخلافة قوله تعالى {إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف: 69] و قوله تعالى {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} [يونس: 14] ، و قوله تعالى {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ } [النمل: 62].

وثانيا: إنه سبحانه لم ينف عن خليفة الأرض الفساد و سفك الدماء، و لا كذب الملائكة في دعويهم التسبيح و التقديس، و قررهم على ما ادعوا، بل إنما أبدى شيئا آخر و هو أن هناك أمرا لا يقدر الملائكة على حمله و لا تتحمله و يتحمله هذا الخليفة الأرضي فإنه يحكي عن الله سبحانه أمرا و يتحمل منه سرا ليس في وسع الملائكة، و لا محالة يتدارك بذلك أمر الفساد و سفك الدماء، و قد بدل سبحانه قوله: قال إني أعلم ما لا تعلمون ثانيا بقوله: أ لم أقل لكم إني أعلم غيب السموات و الأرض، و المراد بهذا الغيب هو الأسماء لا علم آدم بها فإن الملائكة ما كانت تعلم أن هناك أسماء لا يعلمونها، لا أنهم كانوا يعلمون وجود أسماء كذلك و يجهلون من آدم أنه يعلمها، و إلا لما كان لسؤاله تعالى إياهم عن الأسماء وجه و هو ظاهر بل كان حق المقام أن يقتصر بقوله: قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم حتى يتبين لهم أن آدم يعلمها لا أن يسأل الملائكة عن ذلك، فإن هذا السياق يعطي أنهم ادعوا الخلافة و أذعنوا انتفاءها عن آدم و كان اللازم أن يعلم الخليفة بالأسماء فسألهم عن الأسماء فجهلوها و علمها آدم، فثبت بذلك لياقته لها و انتفاؤها عنهم، و قد ذيل سبحانه السؤال بقوله: إن كنتم صادقين، و هو مشعر بأنهم كانوا ادعوا شيئا كان لازمه العلم بالأسماء.

و قوله تعالى: و علم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم، مشعر بأن هذه الأسماء أو أن مسمياتها كانوا موجودات أحياء عقلاء، محجوبين تحت حجاب الغيب و أن العلم بأسمائهم كان غير نحو العلم الذي عندنا بأسماء الأشياء، و إلا كانت الملائكة بإنباء آدم إياهم بها عالمين و صائرين مثل آدم مساوين معه، و لم يكن في ذلك إكرام لآدم و لا كرامة حيث علمه الله سبحانه أسماء و لم يعلمهم، و لو علمهم إياها كانوا مثل آدم أو أشرف منه، و لم يكن في ذلك ما يقنعهم أو يبطل حجتهم، و أي حجة تتم في أن يعلم الله تعالى رجلا علم اللغة ثم يباهي به و يتم الحجة على ملائكة مكرمين لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون بأن هذا خليفتي و قابل لكرامتي دونكم؟ و يقول تعالى أنبئوني باللغات التي سوف يضعها الآدميون بينهم للإفهام و التفهيم إن كنتم صادقين في دعويكم أو مسألتكم خلافتي، على أن كمال اللغة هو المعرفة بمقاصد القلوب و الملائكة لا تحتاج فيها إلى التكلم، و إنما تتلقى المقاصد من غير واسطة، فلهم كمال فوق كمال التكلم، و بالجملة فما حصل للملائكة من العلم بواسطة إنباء آدم لهم بالأسماء هو غير ما حصل لآدم من حقيقة العلم بالأسماء بتعليم الله تعالى فأحد الأمرين كان ممكنا في حق الملائكة و في مقدرتهم دون الآخر، و آدم إنما استحق الخلافة الإلهية بالعلم بالأسماء دون إنبائها إذ الملائكة إنما قالوا في مقام الجواب: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، فنفوا العلم.

فقد ظهر مما مر أن العلم بأسماء هؤلاء المسميات يجب أن يكون بحيث يكشف عن حقائقهم و أعيان وجوداتهم، دون مجرد ما يتكفله الوضع اللغوي من إعطاء المفهوم فهؤلاء المسميات المعلومة حقائق خارجية، و وجودات عينيه و هي مع ذلك مستورة تحت ستر الغيب غيب السماوات و الأرض، و العلم بها على ما هي عليها كان أولا ميسورا ممكنا لموجود أرضي لا ملك سماوي و ثانيا دخيلا في الخلافة الإلهية.

و الأسماء في قوله تعالى: و علم آدم الأسماء كلها، جمع محلى باللام و هو يفيد العموم على ما صرحوا به، مضافا إلى أنه مؤكد بقوله: كلها، فالمراد بها كل اسم يقع لمسمى و لا تقييد و لا عهد، ثم قوله: عرضهم، دال على كون كل اسم أي مسماه ذا حياة و علم و هو مع ذلك تحت حجاب الغيب، غيب السموات و الأرض.

و إضافة الغيب إلى السماوات و الأرض و إن أمكن أن يكون في بعض الموارد إضافة من، فيفيد التبعيض لكن المورد و هو مقام إظهار تمام قدرته تعالى و إحاطته و عجز الملائكة و نقصهم يوجب كون إضافة الغيب إلى السماوات و الأرض إضافة اللام، فيفيد أن الأسماء أمور غائبة عن العالم السماوي و الأرضي، خارج محيط الكون، و إذا تأملت هذه الجهات أعني عموم الأسماء و كون مسمياتها أولي حياة و علم و كونها غيب السماوات و الأرض قضيت بانطباقها بالضرورة على ما أشير إليه في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21] ، حيث أخبر سبحانه بأنه كل ما، يقع عليه اسم شيء فله عنده تعالى خزائن مخزونة باقية عنده غير نافدة، و لا مقدرة بقدر، و لا محدودة بحد، و أن القدر و الحد في مرتبة الإنزال و الخلق، و أن الكثرة التي في هذه الخزائن ليست من جنس الكثرة العددية الملازمة للتقدير و التحديد بل تعدد المراتب و الدرجات، و سيجيء بعض الكلام فيها في سورة الحجر إن شاء الله تعالى.

فتحصل أن هؤلاء الذين عرضهم الله تعالى على الملائكة موجودات عالية محفوظة عند الله تعالى، محجوبة بحجب الغيب، أنزل الله سبحانه كل اسم في العالم بخيرها و بركتها و اشتق كل ما في السماوات و الأرض من نورها و بهائها، و أنهم على كثرتهم و تعددهم لا يتعددون تعدد الأفراد، و لا يتفاوتون تفاوت الأشخاص، و إنما يدور الأمر هناك مدار المراتب و الدرجات و نزول الاسم من عند هؤلاء إنما هو بهذا القسم من النزول.

و قوله تعالى: و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون و كان هذان القسمان من الغيب النسبي الذي هو بعض السماوات و الأرض، و لذلك قوبل به قوله: أعلم غيب السموات و الأرض، ليشمل قسمي الغيب أعني الخارج عن العالم الأرضي و السماوي و غير الخارج عنه.

و قوله تعالى: كنتم تكتمون، تقييد الكتمان بقوله: كنتم، مشعر بأن هناك أمرا مكتوما في خصوص آدم و جعل خلافته، و يمكن أن يستظهر ذلك من قوله تعالى في الآية التالية: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ } [البقرة: 34].

فيظهر أن إبليس كان كافرا قبل ذلك الحين، و أن إباءه عن السجدة كان مرتبطا بذلك فقد كان أضمره هذا.

ويظهر بذلك أن سجدة الملائكة و إباء إبليس عنها كانت واقعة بين قوله تعالى: قال إني أعلم ما لا تعلمون و بين قوله: أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون، و يظهر السر أيضا في تبديل قوله: إني أعلم ما لا تعلمون، ثانيا بقوله: إني أعلم غيب السموات و الأرض.

_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1،ص100-103.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

الإِنسان خليفة الله في الأرض

الآيات السابقة ذكرت أن الله سبحانه خلق ما في الأرض جميعاً للإِنسان، وفي هذه الآيات تقرير صريح لخلافة الإِنسان وقيادته، وتوضيح لمكانته المعنوية التي استحق بها كل هذه المواهب.

في هذه الآيات عرض لخلقة آدم (أبو البشر)، وفي الآيات 30 إلى 39 تركيز على ثلاث مسائل أساسية هي:

1 ـ إخبار الله ملائكته بشأن خلافة الإِنسان في الأرض، وما دار في المشهد من حوار.

2 ـ أمر الله تعالى ملائكته بإكرام وتعظيم الإِنسان الأول، وهذا ما نجده في مواضع عديدة من القرآن الكريم بمناسبات مختلفة.

3 ـ شرح وضع آدم وحياته في الجنّة، والحوادث التي أدت إلى خروجه من الفردوس، ثم توبة آدم، وحياته هو وذريته في الأرض.

الآيات المذكورة تتحدث عن المرحلة الاُولى، حين شاء الله أن يخلق على ظهر الأرض موجوداً، يكون فيها خليفته، ويحمل أشعة من صفاته، وتسمو مكانته على مكانة الملائكة، وشاء سبحانه أن تكون الأرض ونعمها وما فيها من كنوز ومعادن وإمكانات تحت تصرف هذا الإِنسان.

مثل هذا الموجود بحاجة إلى قسط وافر من العقل والشعور والإِدراك والكفاءة الخاصة، كي يستطيع أن يتولى قيادة الموجودات الأرضية.

وبهذه المناسبة تقول الآية الاُولى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، والخليفة هو النائب عن الغير. أما هذا الغير الذي ينوب الإِنسان عنه فاختلفت فيه أقوال المفسرين ... .

منهم من قال إنه خليفة الملائكة الذين كانوا يسكنون من قبل على ظهر الأرض. ومنهم من قال إنه خليفة بشر آخرين أو موجودات اُخرى كانت تعيش قبل ذلك على الأرض.

وذهب بعضهم إلى أن الخليفة إشارة إلى أن كل جيل من البشر يخلف الجيل السابق.

والحق أن المقصود بالخليفة هو خليفة الله ونائبه على ظهر الأرض، كما ذهب إلى ذلك كثير من المحققين. لأن سؤال الملائكة بشأن هذا الموجود الذي قد يفسد في الأرض ويسفك الدماء يتناسب مع هذا المعنى، لأن نيابة الله في الأرض لا تتناسب مع الفساد وسفك الدماء.

مسألة «تعليم الأسماء» لآدم التي سيأتي شرحها، وهكذا سجود الملائكة لآدم من أدلة ما ذهبنا إليه في تفسير معنى الخليفة.

الإمام جعفر بن محمّد الصّادق(عليه السلام) يشير أيضاً إلى هذا المعنى في تفسير هذه الآيات إذ يقول: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ حُجَجِهِ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ وَهُمْ أرْواحٌ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِؤُنِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بِأَنَّكُمْ أَحَقُّ بِالْخِلاَفَةِ فِي الأَرْضِ لِتَسبِيحِكُمْ وَتَقْديسِكُمْ مِنْ آدَمَ فَقَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَئَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَقَفُوا عَلَى عَظِيمِ مَنْزِلَتِهِمْ عِنْدَ اللهِ عَزِّ ذِكْرُهُ فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونوا خُلَفَاءَ اللهِ في أرْضِهِ وَحُجَجَهِ عَلى بَرِيَّتِهِ ثُمَّ غَيَّبَهُمْ عَنْ أَبْصَارِهِمْ وَاسْتَعْبَدَهُمْ بِوِلاَيَتِهِمْ وَمَحبَّتِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ»(2).

ثم تذكر الآية سؤال الملائكة الذي وجّهوه لربّ العالمين مستفسرين لا معترضين: {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ

الله سبحانه أجاب الملائكة جواباً مغلقاً اتضح في المراحل التالية: {قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلمُونَ}.

الملائكة كانوا عالمين ـ كما يبدو من تساؤلهم ـ أن هذا الإنسان موجود يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فكيف عرفوا ذلك؟!

قيل إن الله سبحانه أوضح للملائكة من قبل على وجه الإِجمال مستقبل الإِنسان، وقيل إن الملائكة فهموا ذلك من خلال عبارة «في الأرض»، لأنهم علموا أن هذا الإِنسان يخلق من التراب، والمادة لمحدوديتها هي حتماً مركز للتنافس والنزاع. وهذا العالم المحدود المادي لا يستطيع أن يشبع طبيعة الحرص في الإنسان. وهذه الدنيا لو وضعت بأجمعها في فم الإنسان فقد لا تشبعه. وهذا الوضع ـ إن لم يقترن بالالتزام والشعور بالمسؤولية ـ يؤدي إلى الفساد وسفك الدماء.

بعض المفسرين ذهب إلى أنّ تنبؤ الملائكة يعود إلى تجربتهم السابقة مع مخلوقات سبقت آدم، وهذه المخلوقات تنازعت وسفكت الدماء وخلفت في الملائكة انطباعاً مرّاً عن موجودات الارض.

هذه التفاسير الثلاثة لا تتعارض مع بعضها. وقد يكون موقف الملائكة من استخلاف آدم ناشئاً عن هذه الأسباب الثلاثة معاً.

الملائكة بيّنوا حقيقة من الحقائق. ولذلك لم ينكر الله عليهم قولهم، بل أشار إلى أن ثمة حقائق اُخرى إلى جانب هذه الحقيقة، حقائق ترتبط بمكانة الإنسان في الوجود; وهذا ما لم تعرفه الملائكة.

الملائكة يعلمون أن الهدف من الخلقة هو العبودية والطاعة، وكانوا يرون في أنفسهم مصداقاً كاملا لذلك، فهم في العبادة غارقون. ولذلك فهم ـ أكثر من غيرهم ـ للخلافة لائقون، غير عالمين أن بين عبادة الإنسان المليء بألوان الشهوات، والمحاط بأشكال الوساوس الشيطانية والمغريات الدنيوية وبين عبادتهم، ـ وهم خالون من كل هذه المؤثرات ـ بون شاسع. فأين عبادة هذا الموجود الغارق وسط الأمواج العاتية، من عبادة تلك الموجودات التي تعيش على ساحل آمن؟!

ماذا تعرف الملائكة من ابناء آدم أمثال محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وابراهيم ونوح وموسى وعيسى والأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)وعباد الله الصالحين والشهداء والمضحّون من الرجال والنساء الذين قدّموا وجودهم على مذبح العشق الإلهي، والذين تساوي ساعة من تفكّرهم سنوات متمادية من عبادة الملائكة.

الجدير بالذكر، إن الملائكة ركنوا في بيان فضلهم إلى ثلاثة اُمور: التسبيح والحمد، والتقديس، أمّا التسبيح والحمد فمعناهما واضح. وهو تنزيه الله عزّ وجلّ من كل نقص والاعتراف له بكل كمال وجمال. أمّا ما هو معنى التقديس؟ البعض يرى أنه عبارة عن تنزيه الله عزّوجلّ عن كل نقص. وهو معنى التسبيح المتقدم. ولكن آخرين ذهبوا إلى ان التقديس من مادة «قدس» أي تطهير الارض من الفاسدين والمفسدين. او تطهير النفس من كل رذيلة. أو تطهير الجسم والروح للّه. والشاهد على ذلك كلمة «لك»، في جملة «نقدس لك» لأن الملائكة لم يقولوا «نقدسك» بل «نقدس لك»، أي تطهر المجتمع والارض لك.

وفي الحقيقة أن مرادهم هو القول بأن الهدف اذا كان هو الطاعة والعبودية فنحن على أتمّ الاستعداد. ولو كان هو العبادة فنحن في هذه الحالة دائماً، واذا كان المقصود هو تطهير النفس أو تطهير الارض فسوف ننفذ هذا الامر. في حين أن الانسان المادي مضافاً إلى فساده. فانه يفسد الارض.

ومن أجل أن تتضح الحقيقة للملائكة أقدم الله سبحانه على هذه التجربة ليعلموا الفرق الشاسع بينهم وبين آدم(عليه السلام).

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص130-133.

2- «الميزان» ج 1، ص 121. نقلا عن معاني الأخبار، وهذا الحديث وإن كان يوضح أكثر مكانة الأنبياء والأئمة ـ لا ينحصر بهذه الصفوة المقدسة بل إنهم المصداق الأتم والأكمل لهذا الموضوع.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .