المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16679 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مملكة «متني» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
مملكة آشور وخطابات «تل العمارنة»
2024-07-04
آلاشيا «قبرص» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
لمحة عن ممالك الشرق التي جاء ذكرها في خطابات تل العمارنة (بابل)
2024-07-04
معنى الازدراء
2024-07-04
معنى الخبت
2024-07-04

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير آية (23) من سورة النساء  
  
21027   02:40 مساءً   التاريخ: 7-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النساء /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-2-2017 3609
التاريخ: 10-2-2017 7496
التاريخ: 2-11-2016 10559
التاريخ: 10-2-2017 10027

قال تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً } [النساء : 23] .

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

بين [سبحانه] المحرمات من النساء فقال : ﴿حرمت عليكم أمهاتكم﴾ لا بد فيه من محذوف لأن التحريم لا يتعلق بالأعيان وإنما يتعلق بأفعال المكلف ثم يختلف باختلاف ما أضيف إليه فإذا أضيف إلى مأكول نحو قوله حرمت عليكم الميتة والدم فالمراد الأكل وإذا أضيف إلى النساء فالمراد العقد فالتقدير حرم عليكم نكاح أمهاتكم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه لدلالة مفهوم الكلام عليه وكل امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك أو من جهة أمك بإناث رجعت إليها أو بذكور فهي أمك .

﴿وبناتكم﴾ : أي ونكاح بناتكم وكل امرأة رجع نسبها إليك بالولادة بدرجة أو درجات بإناث رجع نسبها إليك بذكور فهي بنتك﴿وأخواتكم﴾ : هي جمع الأخت وكل أنثى ولدها شخص ولدك في الدرجة الأولى فهي أختك . ﴿وعماتكم﴾ : هي جمع العمة وكل ذكر رجع نسبك إليه فأخته عمتك وقد تكون العمة من جهة الأم مثل أخت أبي أمك وأخت جد أمك فصاعداً . ﴿وخالاتكم﴾ : وهي جمع الخالة وكل أنثى رجع نسبها إليها بالولادة فأختها خالتك وقد تكون الخالة من جهة الأب مثل أخت أم أبيك أو أخت جدة أبيك فصاعدا وإذا خاطب تعالى المكلفين بلفظ الجمع كقوله : ﴿حرمت عليكم﴾ ، ثم أضاف المحرمات بعده إليهم للفظ الجمع فالآحاد تقع بإزاء الآحاد فكأنه قال حرم على كل واحد منكم نكاح أمه ومن يقع عليها اسم الأم ونكاح بنته ومن يقع عليها اسم البنت وكذلك الجميع . 

﴿وبنات الأخ وبنات الأخت﴾ : فهذا أيضا على ما ذكرناه جمع بإزاء جمع فيقع الآحاد بإزاء الآحاد والتحديد في هؤلاء كالتحديد في بنات الصلب وهؤلاء السبع هن المحرمات بالنسب وقد صح عن ابن عباس أنه قال حرم الله من النساء سبعا بالسبب وتلا الآية ثم قال والسابعة ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ثم ذكر سبحانه المحرمات بالسبب ، فقال : ﴿وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم﴾ : سماهن أمهات للحرمة وكل أنثى انتسبت إليها باللبن فهي أمك فالتي أرضعتك أو أرضعت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعت بلبانه من زوجته أو أم ولد له فهي أمك من الرضاعة وكذلك كل امرأة ولدت امرأة أرضعتك أو رجلا أرضعك فهي أمك من الرضاعة .

﴿وأخواتكم من الرضاعة﴾ : يعني بنات المرضعة وهن ثلاث الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع ولدها قبلك أو بعدك . والثانية : أختك لأمك دون أبيك وهي التي أرضعتها أمك بلبان غير أبيك . والثالثة : أختك لأبيك دون أمك وهي التي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيك وأم الرضاعة وأخت الرضاعة لو لا الرضاعة لم تحرما فإن الرضاعة سبب تحريمهما وكل من تحرم بالنسب من اللاتي مضى ذكرهن تحرم أمثالهن بالرضاع لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب فثبت بهذا الخبر أن السبع من المحرمات بالنسب على التفصيل الذي ذكره محرمات بالرضاع .

والكلام في الرضاع يشتمل على ثلاثة فصول (أحدها) : مدة الرضاع ، وقد اختلف فيها فقال أكثر أهل العلم لا يحرم إلا ما كان في مدة الحولين وهو مذهب أصحابنا وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال أبو حنيفة مدة الرضاع حولان ونصف وقال مالك حولان وشهر واتفقوا على أن رضاع الكبير لا يحرم (وثانيها) : قدر الرضاع : وقد اختلف فيه أيضا فقال أبو حنيفة إن قليله وكثيره يحرم وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وهو مذهب مالك والأوزاعي وقال الشافعي إنما يحرم خمس رضعات وبه قالت عائشة وسعيد بن جبير وقال أصحابنا لا يحرم إلا ما أنبت اللحم وشد العظم وإنما يعتبر ذلك برضاع يوم وليلة لا يفصل بينه برضاع امرأة أخرى أو بخمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينها برضاع امرأة أخرى وقال بعض أصحابنا المحرم عشر رضعات متواليات (وثالثها) : كيفية الرضاع فعند أصحابنا لا يحرم إلا ما وصل إلى الجوف من الثدي في المجرى المعتاد الذي هو الفم فأما ما يوجر أو يسعط أو يحقن به فلا يحرم بحال ولبن الميتة لا حرمة له في التحريم وفي جميع ذلك خلاف .

وقوله ﴿وأمهات نسائكم﴾ : أي حرم عليكم نكاحهن وهذا يتضمن تحريم نكاح أمهات الزوجات وجداتهن قربن أو بعدن من أي وجه كن سواء كن من النسب أو من الرضاع وهن يحرمن بنفس العقد على البنت سواء دخل بالبنت أو لم يدخل لأن الله تعالى أطلق التحريم ولم يقيده بالدخول . ﴿وربائبكم﴾ : يعني بنات نسائكم من غيركم ، ﴿اللاتي في حجوركم﴾ ، وهو جمع حجر الإنسان : والمعنى في ضمانكم وتربيتكم ويقال فلان في حجر فلان أي في تربيته ولا خلاف بين العلماء أن كونهن في حجره ليس بشرط في التحريم وإنما ذكر ذلك لأن الغالب أنها تكون كذلك وهذا يقتضي تحريم بنت المرأة من غير زوجها على زوجها وتحريم بنت ابنها وبنت بنتها قربت أم بعدت لوقوع اسم الربيبة عليهن . 

﴿من نسائكم اللاتي دخلتم بهن﴾ : وهذه نعت لأمهات الربائب لا غير لحصول الإجماع على أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها قال المبرد : واللاتي دخلتم بهن : نعت للنساء اللواتي هن أمهات الربائب لا غير والدليل على ذلك إجماع الناس على أن الربيبة تحل إذا لم يدخل بأمها ومن أجاز أن يكون قوله ﴿من نسائكم اللاتي دخلتم بهن﴾ هو لأمهات نسائكم فيكون المعنى وأمهات نسائكم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن ويخرج أن يكون اللاتي دخلتم بهن لأمهات الربائب . قال الزجاج : والدليل على صحة ذلك أن الخبرين إذا اختلفا لم يكن نعتهما واحدا لا يجيز النحويون مررت بنسائك وهربت من نساء زيد الظريفات على أن تكون الظريفات نعتا لهؤلاء النساء وهؤلاء النساء .

وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن إسحاق بن عمار عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال : إن عليا كان يقول " الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن كن في الحجور أو في غير الحجور " والأمهات مبهمات دخل بالبنات أو لم يدخل بهن فحرموا ما حرم الله وأبهموا ما أبهم الله واختلف في معنى الدخول على قولين (أحدهما) : أن المراد به الجماع عن ابن عباس . (والآخر) : أنه الجماع وما يجري مجراه من المسيس والتجريد عن عطاء وهو مذهبنا وفي ذلك خلاف بين الفقهاء . 

﴿فإن لم تكونوا دخلتم بهن﴾ : يعني بأم الربيبة ﴿فلا جناح عليكم﴾ : أي لا إثم عليكم في نكاح بناتهن إذا طلقتموهن أو متن . ﴿وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم﴾ : أي وحرم عليكم نكاح أزواج أبنائكم ثم أزال الشبهة في أمر زوجة المتبني به فقال ﴿الذين من أصلابكم﴾ لئلا يظن أن زوجة المتبني به تحرم على المتبني وروي عن عطاء أن هذه نزلت حين نكح النبي امرأة زيد بن حارثة فقال المشركون في ذلك فنزل ﴿وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم﴾ . وقوله {وما جعل أدعياءكم أبناءكم} ، و{ما كان محمد أبا أحد من رجالكم}. وأما حلائل الأبناء من الرضاعة فمحرمات أيضاً ، بقوله : " إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب " . ﴿وأن تجمعوا بين الأختين﴾ : أي وحرم عليكم الجمع بين الأختين لأن أن مع صلتها في حكم المصدر وهذا يقتضي تحريم الجمع بين الأختين في العقد على الحرائر وتحريم الجمع بينهما في الوطء بملك اليمين فإذا وطئ إحداهما فقد حرمت عليه الأخرى حتى تخرج تلك من ملكه وهو قول الحسن وأكثر المفسرين والفقهاء . 

﴿إلا ما قد سلف﴾ : استثناء منقطع ومعناه لكن ما قد سلف لا يؤاخذكم الله به وليس المراد به أن ما قد سلف حال النهي يجوز استدامته بلا خلاف . وقيل : معناه إلا ما كان من يعقوب إذ جمع بين الأختين ليا أم يهوذا وراحيل أم يوسف عن عطاء والسدي . ﴿إن الله كان غفورا رحيما﴾ لا يؤاخذكم الله بحكم ما قد سلف من هذه الأنكحة قبل نزول التحريم وكل ما حرم الله في هذه الآية فإنما هو على وجه التأبيد سواء كن مجتمعات أو متفرقات إلا الأختين فإنهما يحرمان على وجه الجمع دون الانفراد ويمكن أن يستدل بهذه الآية على أن هؤلاء المحرمات من ذوات الأنساب لا يصح أن تملك واحدة منهن لأن التحريم عام والمحرمات بالنسب أو السبب على وجه التأبيد يسمون مبهمات لأنهن يحرمن من جميع الجهات وهي مأخوذة من البهيم الذي لا يخالط معظم لونه لون آخر يقال : فرس بهيم لا شية له ﴿إن الله كان غفورا﴾ يغفر الذنوب ﴿رحيما﴾ يرحم العباد المؤمنين  .

__________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 53-57 .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير  هذه الآية (1) :

 

- {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ} . أي نكاح أمهاتكم ، ومنهن الجدات للأب والأم .

- {وبَناتُكُمْ} . وان نزلن .

- {وأَخَواتُكُمْ}. سواء أكنّ للأبوين ، أم لأحدهما . ويحل الزواج بأخت الأخت ، وأخت الأخ إذا لم تكن أختا . ومثال ذلك أن يكون لك ولد اسمه رؤوف ، ولامرأة بنت من غيرك اسمها هند ، فتعقد أنت على أم هند ، ثم تعقد لابنك من غيرها على بنتها هند من غيرك ، فإذا جاءك ولد من أم هند كان هذا الولد أخا للزوجين ، أخا لرؤوف من أبيه ، ولهند من أمها .

- {وعَمَّاتُكُمْ} . العمة كل أنثى هي أخت لرجل يرجع نسبك إليه بالولادة مباشرة ، أو بالواسطة ، فعمتك أخت لأبيك الذي ولدت منه بلا واسطة ، وعمة

أبيك أخت لجدك الذي ولدت منه بواسطة واحدة ، وعمة جدك أخت لأبي جدك الذي ولدك بواسطتين . . وهكذا . وأيضا تحرم عليك عمة أمك ، لأنها أخت لأبي أمك الذي ولدك بواسطة واحدة . وتحل بنت العم والعمة ، لأنها ليست أختا لمن ولدت منه ، بل هي بنت أخيه ، أو بنت أخته .

- {وخالاتُكُمْ} . الخالة كل أنثى هي أخت لمن يرجع نسبك إليها بالولادة مباشرة ، أو بالواسطة ، فخالتك أخت لأمك التي ولدت منها مباشرة ، وخالة أمك أخت لجدتك التي ولدت منها بواسطة واحدة . ومثلها خالة أبيك ، والفرق ان هذه أخت للجدة للأب ، وتلك أخت للجدة للأم . وتحل بنت الخال والخالة ، لأنها ليست أختا لمن ولدت منه ، بل بنتا لأخيه أو أخته .

- {وبَناتُ الأَخِ وبَناتُ الأُخْتِ}. وان نزلن .

- {وأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ} . اتفقوا قولا واحدا على العمل بهذا الحديث : « يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب » .

وعليه فكل امرأة حرمت من النسب تحرم مثلها من الرضاع ، أما كانت أو أختا أو بنتا أو عمة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت .

واختلفوا في عدد الرضعات التي توجب التحريم . قال الإمامية هي خمس عشرة رضعة كاملة ، لا يفصل بينها رضعة من امرأة أخرى ، أو يرضع الطفل من المرأة يوما وليلة ، على أن يكون غذاؤه طوال هذه المدة منحصرا بلبن المرأة فقط .

وقال الشافعية والحنابلة : لا بد من خمس رضعات على الأقل .

وقال الحنفية والمالكية : يحصل التحريم بمجرد حصول الرضاع كثيرا كان أو قليلا . وهناك شروط أخرى ذكرناها مفصلا في كتاب الأحوال الشخصية على المذاهب الخمسة .

- {وأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ} . اتفقوا على إن أم الزوجة ، وان علت تحرم بمجرد العقد على البنت ، وان لم يحصل الدخول . وشذ من قال : إن العقد لا يحرّم الأم ، حتى يدخل بالبنت ، واستدل بالآية نفسها ، حيث جعل لفظ {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} وصفا لأمهات النساء والربائب . . وأعرض فقهاء المذاهب عن هذا القول ، لأن الوصف يرجع إلى الأقرب ، وللأحاديث الصحيحة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) . وهذه الأصناف كلها تحرم على التأبيد .

- {ورَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} . اتفقوا على إن بنت الزوجة لا تحرم على العاقد بمجرد وقوع العقد على أمها ، فيجوز له أن يطلق الأم قبل أن يدخل ، ثم يعقد على بنتها . وليس معنى قوله : اللاتي في حجوركم إن الربيبة تحل إذا لم تكن في حجر الرجل ، لأن الربيبة تحرم ، وان لم تكن في حجر زوج الأم ، وإنما ذكر الحجور لبيان الفرد الغالب ، لا للاحتراز من التي ليس في الحجر .

وقال الحنفية والمالكية : اللمس والنظر بشهوة يوجبان التحريم ، تماما كالدخول .

وقال الإمامية والشافعية والحنابلة : لا تحرم إلا بالدخول ، ولا أثر للمس ولا للنظر ، وان كانا مع الشهوة .

واتفقوا على إن حكم الوطء بشبهة حكم الزواج الصحيح في ما ذكر ، ومعنى وطء الشبهة أن تحصل المقاربة بين رجل وامرأة باعتقاد انهما زوجان شرعيان ، ثم يتبين انهما أجنبيان .

- {وحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ} . اتفقوا على إن زوجة الابن وان نزل تحرم على الأب وان علا بمجرد العقد . وقوله من أصلابكم ليخرج ولد التبني ، أما الولد من الرضاعة فحكمه حكم الولد من النسب ، لحديث يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب .

- {وأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ} . اتفقوا على تحريم الجمع بين الأختين ، فإذا فارق الرجل زوجته بموت أو طلاق جاز الزواج بأختها .

وقال الإمامية والشافعية : إذا طلق زوجته رجعيا فلا يجوز له أن يعقد على أختها إلا بعد انقضاء العدة . أما إذا طلقها بائنا فيجوز أن يتزوج الأخت في أثناء العدة ، لأن الطلاق البائن ينهى الزواج ، ويقطع العصمة .

وقالت سائر المذاهب : ليس له ذلك إلا بعد انقضاء العدة ، من غير فرق بين الطلاق الرجعي والبائن .

_________________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 285-287 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

آيات محكمة تعد محرمات النكاح وما أحل من نكاح النساء ، والآية السابقة عليها المبينة لحرمة نكاح ما نكح الآباء وإن كانت بحسب المضمون من جملتها إلا أن ظاهر سياقها لما كان من تتمة السياق السابق أوردناها في جملة الآيات السابقة مع كونها بحسب المعنى ملحقة بها.

وبالجملة جملة الآيات متضمنة لبيان كل محرم نكاحي من غير تخصيص أو تقييد ، وهو الظاهر من قوله تعالى بعد تعداد المحرمات : { وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ } الآية ، ولذلك لم يختلف أهل العلم في الاستدلال بالآية على حرمة بنت الابن والبنت وأم الأب أو الأم وكذا على حرمة زوجة الجد بقوله تعالى : {وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ} الآية ، وبه يستفاد نظر القرآن في تشخيص الأبناء والبنات بحسب التشريع على ما سيجيء إن شاء الله.

قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ } هؤلاء هن المحرمات بحسب النسب وهي سبعة أصناف ، والأم من اتصل إليها نسب الإنسان بالولادة كمن ولدته من غير واسطة أو بواسطة ، كوالدة الأب أو الأم فصاعدة ، والبنت من اتصل نسبها بالإنسان بسبب ولادتها منه كالمولودة من صلبه بلا واسطة ، وكبنت الابن والبنت فنازلة والأخت من اتصل نسبها بالإنسان من جهة ولادتهما معا من الأب أو الأم أو منهما جميعا بلا واسطة ، والعمة أخت الأب وكذا أخت الجد من جهة الأب أو الأم ، والخالة أخت الأم ، وكذا أخت الجدة من جهة الأب أو الأم.

والمراد بتحريم الأمهات وما يتلوها من الأصناف حرمة نكاحهن على ما يفيده الإطلاق من مناسبة الحكم والموضوع ، كما في قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ } [ المائدة : 3 ] أي أكلهما ، وقوله تعالى : { فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } [ المائدة : 26 ] أي سكنى الأرض ، وهذا مجاز عقلي شائع ، هذا.

ولكنه لا يلائم ما سيأتي من قوله تعالى : { إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ } فإنه استثناء من الوطء دون علقة النكاح على ما سيجيء ، وكذا قوله تعالى : { أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ } على ما سيجيء ، فالحق أن المقدر هو ما يفيد معنى الوطء دون علقة النكاح ، وإنما لم يصرح تأدبا وصونا للسان على ما هو دأب كلامه تعالى.

واختصاص الخطاب بالرجال دون أن يقال : حرم عليهن أبناؤهن « إلخ » ، أو يقال مثلا : لا نكاح بين المرأة وولدها « إلخ » ، لما أن الطلب والخطبة بحسب الطبع إنما يقع من جانب الرجال فحسب.

وتوجيه الخطاب إلى الجمع مع تعليق الحرمة بالجمع كالأمهات والبنات « إلخ » ، تفيد الاستغراق في التوزيع ، أي حرمت على كل رجل منكم أمه وبنته ، إذ لا معنى لتحريم المجموع على المجموع ، ولا لتحريم كل أم وبنت لكل رجل مثلا على كل رجل لأوله إلى تحريم أصل النكاح ، فمآل الآية إلى أن كل رجل يحرم عليه نكاح أمه وبنته وأخته « إلخ ».

قوله تعالى : { وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ } شروع في بيان المحرمات بالسبب ، وهي سبع ست منها ما في هذه الآية ، وسابعتها ما يتضمنه قوله : { وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ } الآية.

والآية بسياقها تدل على جعل الأمومة والبنوة بين المرأة ومن أرضعته وكذا الإخوة بين الرجل وأخته من الرضاعة حيث أرسل الكلام فيها إرسال المسلم فالرضاعة تكون الروابط النسبية بحسب التشريع ، وهذا مما يختص بالشريعة الإسلامية على ما ستجيء الإشارة إليه.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله فيما رواه الفريقان أنه قال : إن الله حرم من الرضاعة ما حرم من النسب ولازمه أن تنتشر الحرمة بالرضاع فيما يحاذي محرمات النسب من الأصناف ، وهي الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت ، سبعة أصناف.

وأما ما به يتحقق الرضاع وما له في نشره الحرمة من الشرائط من حيث الكم والكيف والمدة وما يلحق بها من الأحكام فهو مما يتبين في الفقه ، والبحث فيه خارج عن وضع هذا الكتاب ، وأما قوله : { وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ } فالمراد به الأخوات الملحقة بالرجل من جهة إرضاع أمه إياها بلبن أبيه وهكذا.

قوله تعالى : { وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ } سواء كانت النساء أي الأزواج مدخولا بهن أو غير مدخول بهن فإن النساء إذا أضيفت إلى الرجال دلت على مطلق الأزواج ، والدليل على ذلك التقييد الآتي في قوله تعالى : { مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَ } الآية.

قوله تعالى : { وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } إلى قوله : { فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ } الربائب جمع الربيبة وهي بنت زوجة الرجل من غيره لأن تدبير أمر من مع المرأة من الولد إلى زوجها فهو الذي يربها ويربيها في العادة الغالبة وإن لم يكن كذلك دائما.

وكذلك كون الربيبة في حجر الزوج أمر مبني على الغالب وإن لم يجر الأمر عليه دائما ، ولذلك قيل : إن قوله : { اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } قيد مبني على الغالب فالربيبة محرمة سواء كانت في حجر زوج أمها أو لم يكن ، فالقيد توضيحي لا احترازي.

ومن الممكن أن يقال : إن قوله : { اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } ، إشارة إلى ما يستفاد من حكمة تشريع الحرمة في محرمات النسب والسبب على ما سيجيء البحث عنه ، وهو الاختلاط الواقع المستقر بين الرجل وبين هؤلاء الأصناف من النساء والمصاحبة الغالبة بين هؤلاء في المنازل والبيوت فلو لا حكم الحرمة المؤبدة لم يمكن الاحتراز من وقوع الفحشاء بمجرد تحريم الزنا ( على ما سيجيء بيانه ).

فيكون قوله : { اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } مشيرا إلى أن الربائب لكونهن غالبا في حجوركم وفي صحابتكم تشارك سائر الأصناف في الاشتمال على ملاك التحريم وحكمته.

وكيفما كان ليس قوله : { اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ } قيدا احترازيا يتقيد به التحريم حتى تحل الربيبة لرابها إذا لم تكن في حجره كالبنت الكبيرة يتزوج الرجل بأمها ، والدليل على ذلك المفهوم المصرح به في قوله تعالى : { فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ } حيث ذكر فيه ارتفاع قيد الدخول لكون الدخول دخيلا في التحريم ، ولو كان الكون في الحجور مثله لكان من اللازم ذكره ، وهو ظاهر.

وقوله : { فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ } أي في أن تنكحوهن حذف إيثارا للاختصار لدلالة السياق عليه.

قوله تعالى : { وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ } الحلائل جمع حليلة قال في المجمع : والحلائل جمع الحليلة ، وهي بمعنى محللة مشتقة من الحلال والذكر حليل ، وجمعه أحلة كعزيز وأعزة سميا بذلك لأن كل واحدة منهما يحل له مباشرة صاحبه ، وقيل هو من الحلول لأن كل واحد منهما يحال صاحبه أي يحل معه في الفراش ، انتهى.

والمراد بالأبناء من اتصل بالإنسان بولادة سواء كان ذلك بلا واسطة أو بواسطة ابن أو بنت ، وتقييده بقوله : { الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ } احتراز عن حليلة من يدعى ابنا بالتبني دون الولادة.

قوله تعالى : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ } المراد به بيان تحريم نكاح أخت الزوجة ما دامت الزوجة حية باقية تحت حبالة الزوجية فهو أوجز عبارة وأحسنها في تأدية المراد ، وإطلاق الكلام ينصرف إلى الجمع بينهما في النكاح في زمان واحد ، فلا مانع من أن ينكح الرجل إحدى الأختين ثم يتزوج بالأخرى بعد طلاق الأولي أو موتها ومن الدليل عليه السيرة القطعية بين المسلمين المتصلة بزمان النبي صلى الله عليه وآله.

وأما قوله : { إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ } فهو كنظيره المتقدم في قوله : { وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ } ناظر إلى ما كان معمولا به بين عرب الجاهلية من الجمع بين الأختين ، والمراد به بيان العفو عما سلف من عملهم بالجمع بين الأختين قبل نزول هذه الآية دون ما لو كان شيء من ذلك في زمان النزول بنكاح سابق فإن الآية تدل على منعه لأنه جمع بين الأختين بالفعل كما يدل عليه أيضا ما تقدم نقله من أسباب نزول قوله : { وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ } الآية حيث فرق النبي صلى الله عليه وآله بعد نزول الآية بين الأبناء وبين نساء آبائهم مع كون النكاح قبل نزول الآية.

ورفع التحريم ـ وهو الجواز ـ عن نكاح سالف لا يبتلى به بالفعل ، والعفو عنه من حيث نفس العمل المنقضي وإن كان لغوا لا أثر له لكنه لا يخلو عن الفائدة من حيث آثار العمل الباقية بعده كطهارة المولد واعتبار القرابة مع الاستيلاد ونحو ذلك.

وبعبارة أخرى لا معنى لتوجيه الحرمة أو الإباحة إلى نكاح سابق قد جمع بين الأختين إذا ماتتا مثلا أو ماتت إحداهما أو حل الطلاق بهما أو بإحداهما لكن يصح رفع الإلغاء والتحريم عن مثل هذا النكاح باعتبار ما استتبعه من الأولاد من حيث الحكم بطهارة مولدهم ، ووجود القرابة بينهم وبين آبائهم المولدين لهم وسائر قرابات الآباء ، المؤثر ذلك في الإرث والنكاح وغير ذلك.

وعلى هذا فقوله : { إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ } استثناء من الحكم باعتبار آثاره الشرعية لا باعتبار أصل تعلقه بعمل قد انقضى قبل التشريع ومن هنا يظهر أن الاستثناء متصل لا منقطع كما ذكره المفسرون.

ويمكن أن يرجع الاستثناء إلى جميع الفقرات المذكورة في الآية من غير أن يختص بقوله : { وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ } فإن العرب وإن كانت لا ترتكب من هذه المحرمات إلا الجمع بين الأختين ، ولم تكن تقترف نكاح الأمهات والبنات وسائر ما ذكرت في الآية إلا أن هناك أمما كانت تنكح أقسام المحارم كالفرس والروم وسائر الأمم المتمدنة وغير المتمدنة يوم نزول الآيات على اختلافهم فيه ، والإسلام يعتبر صحة نكاح الأمم غير المسلمة الدائر بينهم على مذاهبهم فيحكم بطهارة مولدهم ، ويعتبر صحة قرابتهم بعد الدخول في دين الحق ، هذا ، لكن الوجه الأول أظهر.

قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً } تعليل راجع إلى الاستثناء ، وهو من الموارد التي تعلقت فيها المغفرة بآثار الأعمال في الخارج دون الذنوب والمعاصي.

__________________

1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 224-228 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هذه الآية (1) :

 

تحريم الزّواج بالمحارم :

في هذه الآية أشار سبحانه إلى النساء اللاتي يحرم نكاحهنّ والزواج بهنّ ، ويمكن أن تنشأ هذه الحرمة من ثلاث طرق أو أسباب وهي :

1ـ الولادة التي يعبّر عنها بالارتباط النّسبي .

٢ـ الزّواج الذي يعبّر عنه بالارتباط السّببي .

3ـ الرّضاع الذي يعبّر عنه بالارتباط الرّضاعي .

وقد أشار في البداية إلى النساء المحرمات بواسطة النّسب وهنّ سبع طوائف إذ يقول (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ).

ويجب التّنبيه إلى أنّ المراد من «الأمّ» ليس هي التي يتولد منها الإنسان دونما واسطة فقط ، بل يشمل الجدّة من ناحية الأب ومن ناحية الأمّ وإن علون ، كما أنّ المراد من البنت ليس هو البنت بلا واسطة ، بل تشمل بنت البنت وبنت الابن وأولادهما وإن نزلن ، وهكذا الحال في الطوائف الخمس الاخرى.

ومن الواضح جدّا أنّ الإنسان يبغض النكاح والزواج بهذه الطوائف من النسوة ، ولهذا تحرمه جميع الشعوب والجماعات (إلّا من شذ وهو قليل) ، وحتى المجوس الذين كانوا يجوزون هذا النوع من النكاح في مصادرهم الأصلية ينكرونه ويشجبونه اليوم ، وإن حاول البعض أن يردّ هذه المبغوضية إلى العادة والتقليد القديم ، ولكن عمومية هذا القانون وشيوعه لدى جميع أفراد البشر وطوائفه وفي جميع القرون والأعصار تحكي ـ عادة ـ عن فطرية هذا القانون ، لأن التقليد والعادة لا يمكن أن يكون أمرا عامّا ودائميا .

هذا مضافا إلى أنّ هناك حقيقة ثابتة اليوم ، وهي أنّ الزواج بين الأشخاص ذوي الفئة المشابهة من الدم ينطوي على أخطار كثيرة ، ويؤدي إلى انبعاث أمراض خفية وموروثة ، وتشددها وتجددها (لأنّ هذا النوع من الزواج يولد هذه الأمراض ، بل يساعدها على التشدد والتجدد والانتقال) إلى درجة أنّ البعض لا يستحسن حتى الزواج بالأقرباء البعيدين (فضلا عن المحارم المذكورة هنا) مثل الزواج الواقع بين أبناء وبنات العمومة (2) ويرون أنّه يؤدي هو الآخر أيضا إلى أخطار تصاعد الأمراض الوراثية .

إلّا أنّ هذا النوع من الزواج إذا لم يسبب أية مشكلة لدى الأقرباء البعيدين (كما هو الغالب) فإنّه لا شك يسبب مضاعفات خطيرة لدى الأقرباء القريبين الذين تشتدّ عندهم ظاهرة وحدة الدم وتشابهه.

هذا مضافا إلى ضعف الرغبة الجنسية والتجاذب الجنسي لدى المحارم عادة ، لأنّ المحارم ـ في الأغلب ـ يكبرون معا ، ويشبّون معا ، ولهذا لا ينطوي الزواج فيما بينهم على عنصر المفاجأة وصفة العلاقة الجديدة ، لأنّهم تعودوا على التعامل فيما بينهم ، فلا يكون أحدهم جديدا على الآخر ، بل العلاقة لديهم علاقة عادية ورتيبة ، ولا يمكن أن يكون بعض الموارد النادرة مقياسا لانتزاع القوانين الكلية العامّة أو سببا لنقض مضاداتها ، ونحن نعلم أن التجاذب الجنسي شرط أساسي لدوام العلاقة الزوجية واستمرار الرابطة العائلية، ولهذا إذا تمّ التزاوج بين المحارم فإن الرابطة الزوجية الناشئة من هذا الزواج ستكون رابطة ضعيفة مهزوزة وقصيرة العمر.

(وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ)

يشير الله سبحانه في هذه الآية إلى المحارم الرّضاعية والقرآن وإن اقتصر في هذا المقام على الإشارة إلى طائفتين من المحارم الرضاعية ، وهي الأم الرضاعية والأخت الرضاعية فقط ، إلّا أنّ المحارم الرضاعية ـ كما يستفاد من روايات عديدة ـ لا تنحصر في من ذكر في هذه الآية ، بل تحرم بالرّضاعة كل من يحرمن من النساء بسبب «النسب» كما يصرّح بذلك الحديث المشهور المروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) «يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب» (3).

على أن بيان مقدار الرّضاع الموجب للحرمة والشروط والكيفية المعتبرة فيه ، وغير ذلك من التفاصيل والخصوصيات متروك للكتب الفقهية.

وفلسفة حرمة الزواج بالمحارم الرضاعية هي ، أن نشوء ونبات لحم المرتضع

وعظمه من لبن امرأة معينة تجعله بمثابة ابنها الحقيقي ، فالمرأة التي ترضع طفلا مقدارا معينا من اللبن ينشأ وينبت معه ومنه للطفل لحم وعظم ، فإنّ هذا النوع من الرضاع يجعل الطفل شبيها بأبنائها وأولادها لصيرورته جزء من بدنها كما هم جزء من بدنها ، فإذا هم جميعا (أي الأخوة الرضاعيون والأخوة النسبيون كأنّهم أخوة بالنسب.

ثمّ إنّ الله سبحانه يشير ـ في المرحلة الأخيرة ـ إلى الطائفة الثالثة من النسوة اللاتي يحرم الزواج بهنّ ويذكرهنّ ضمن عدّة عناوين :

١ ـ (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) يعني أن المرأة بمجرّد أن تتزوج برجل ويجري عقد النكاح بينهما تحرم أمها وأم أمها وإن علون على ذلك الرجل.

2 ـ (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) يعني أنّ مجرّد العقد على امرأة لا يوجب حرمة نكاح بناتها من زوج آخر على زوجها الثّاني ، بل يشترط أن يدخل بها أيضا مضافا على العقد عليها.

إنّ وجود هذا القيد في هذا المورد (دَخَلْتُمْ بِهِنَ) يؤيد كون حكم أمّ الزوجة الذي مرّ في الجملة السابقة (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) غير مشروط بهذا الشرط ، وبعبارة أخرى إن هذا القيد هنا يؤيد ويؤكّد إطلاق الحكم هناك ، فتكون النتيجة أن بمجرّد العقد على امرأة تحرم أمّ تلك المرأة على الرجل وإن لم يدخل بتلك المرأة ، لخلو ذلك الحكم من القيد المشروط هنا في مورد الرّبيبة.

ثمّ أنّ قيد (فِي حُجُورِكُمْ) وإن كان ظاهره يفهم منه أنّ بنت الزوجة من زوج آخر إذا لم ترب في حجر الزوج الثاني لا تحرم عليه ، ولكن هذا القيد بدلالة الروايات ، وقطعية هذا الحكم ـ ليس قيدا احترازيا ـ بل هو في الحقيقة إشارة إلى نكتة التحريم ـ لأن أمثال هذه الفتيات اللاتي تقدم أمّهاتها على زواج آخر ، هنّ في الأغلب في سنين متدنية من العمر، ولذلك غالبا ما يتلقين نشأتهنّ وتربيتهنّ في حجر الزوج الجديد مثل بناته ، فالآية تقول إن بنات نسائكم من غيركم

كبناتكم أنفسكم ، فهل يتزوج أحد بابنة نفسه؟ واختيار وصف الربائب التي هي جمع الرّبيبة (لتربية الزوج الثاني إيّاها فهي مربوبته) إنّما هو لأجل هذا.

ثمّ يضيف سبحانه لتأكيد هذا المطلب عقيب هذا القسم قائلا : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي إذا لم تدخلوا بامّ الرّبيبة جاز لكم نكاح بناتهنّ.

3 ـ (وَحَلائِلُ) (4) (أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) والمراد من حلائل الأبناء زوجاتهم ، وأمّا التعبير بـ «من أصلابكم» فهو في الحقيقة لأجل أن هذه الآية تبطل عادة من العادات الخاطئة في الجاهلية ، حيث كان المتعارف في ذلك العهد أن يتبنى الرجل شخصا ثمّ يعطي للشخص المتبني كل أحكام الولد الحقيقي ، ولهذا كانوا لا يتزوجون بزوجات هذا النوع من الأبناء كما لا يتزوجون بزوجة الولد الحقيقي تماما ، والتبني والأحكام المرتبة عليها لا أساس لها في نظر الإسلام.

4 ـ (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) يعني أنّه يحرم الجمع بين الأختين في العقد، وعلى هذا يجوز الزواج بالأختين في وقتين مختلفين وبعد الانفصال عن الأخت السابقة.

وحيث أنّ الزواج بأختين في وقت واحد كان عادة جارية في الجاهلية ، وكان ثمّة من ارتكبوا هذا العمل فإن القرآن عقب على النهي المذكور بقوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) يعني إنّ هذا الحكم كالأحكام الاخرى لا يشمل الحالات السابقة ، فلا يؤاخذهم الله على هذا الفعل وإن كان يجب عليهم أن يختاروا إحدى الأختين ، ويفارقوا الاخرى ، بعد نزول هذا الحكم.

يبقى أن نعرف أنّ سرّ تحريم هذا النمط من الزواج (أي التزوج بأختين في وقت واحد) في الإسلام لعلّه أن بين الأختين بحكم ما بينهما من نسب ورابطة طبيعية ـ علاقة حبّ ومودّة ، فإذا أصبحتا متنافستين في ظل الانتماء إلى زوج واحد لم يمكنهما الحفاظ على تلك المودّة والمحبّة والعلاقة الودية بطبيعة الحال ، وبهذه الصورة يحدث هناك تضاد عاطفي في وجود كل من الأختين يضرّ بحياتهما ، لأن كلّ واحدة منهما ستعاني حينئذ وبصورة دائمية من صراع حالتين نفسيتين متضادتين هما دافع الحب ، وغريزة التنافس ، وهو صراع نفسي مقيت ينطوي على مضاعفات خطيرة لا تحمد عقباها.

ثمّ إن بعض المفسّرين احتمل أن تعود جملة (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) إلى كل المحارم من النسوة اللاتي مرّ ذكرهنّ في مطلع الآية فيكون المعنى : إذا كان قد أقدم أحد في الجاهلية على التزوج بإحدى النساء المحرم عليه نكاحهنّ لم يشمله حكم تحريم الزواج بهنّ هذا ، وكان ما نتج من ذلك الزواج الذي حرم في ما بعد من الأولاد شرعيين ، وإن وجب عليهم بعد نزول هذه الآية أن يتخلوا عن تلكم النساء ، ويفارقوهنّ.

وتناسب خاتمة هذه الآية أعني قوله سبحانه وتعالى : (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) هذا المعنى الأخير.

__________________

(1) تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 81-85 .

(2) طبعا إنّ الإسلام لم يحرّم التزاوج بين أبناء وبنات العمومة ، لأنّ هذا النوع من التزاوج ليس مثل الزواج بالمحارم في الخطورة ، واحتمال ظهور مثل هذه الحوادث الخطيرة في هذا النوع من الزواج أقل ، وقد لا حظنا بأنفسنا موارد ونماذج عديدة من نتائج هذا النوع من الزواج حيث يكون الأولاد ـ في هذه الحالة ـ أكثر سلامة وأفضل فكرا وموهبة من غيرهم .

(3) من لا يحضره الفقيه ، ج ٢ ، ص ١٥٥ ، وغيره.

(4) الحلائل جمع الحليلة ، وهي من مادة حل ، وهي بمعنى المحللة ، أي المرأة التي تحل للإنسان ، أو من مادة حلول معنى المرأة التي تسكن مع الرجل في مكان واحد وتكون بينهما علاقة جنسية ، لأن كل واحد منهما يحل مع الآخر في الفراش .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .