أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-2-2017
7125
التاريخ: 13-2-2017
4505
التاريخ: 13-2-2017
5607
التاريخ: 13-2-2017
12580
|
قال تعالى : {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء : 65] .
بين الله أن الإيمان إنما هو بالتزام حكم رسول الله ، والرضاء به ، فقال : { فَلَا } : أي ليس كما تزعمون أنهم يؤمنون ، مع محاكمتهم إلى الطاغوت { وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ } : أقسم الله إن هؤلاء المنافقين لا يكونون مؤمنين ، ولا يدخلون في الإيمان { حَتَّى يُحَكِّمُوكَ } : أي حتى يجعلوك حكما ، أو حاكما { فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } : أي فيما وقع بينهم من الخصومة ، والتبس عليهم من أحكام الشريعة { ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ } : أي في قلوبهم { حَرَجًا } : أي شكا في أنما قلته حق ، عن مجاهد . وقيل : إثما : أي لا يأثمون بإنكار ذلك ، عن الضحاك . وقيل : ضيقا بشك ، أو إثم ، عن أبي علي الجبائي ، وهو الوجه { مِمَّا قَضَيْتَ } : أي حكمت .
{ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } : أي ينقادوا لحكمك إذعانا لك ، وخضوعا لأمرك .
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : " لو أن قوما عبدوا الله ، وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وصاموا شهر رمضان ، وحجوا البيت ، ثم قالوا لشيء صنعه رسول الله ألا صنع خلاف ما صنع ، أو وجدوا من ذلك حرجا في أنفسهم ، لكانوا مشركين " ، ثم تلا هذه الآية .
_________________________
1. مجمع البيان ، ج3 ، ص 121-122 .
{ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ } ، لأن جميع الأحكام التي تلَّفظ بها محمد ليست منه ، وإنما هي من اللَّه وحده ، والنبي لسانه وبيانه .
{ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } . المعنى انهم لا يؤمنون ، حتى يعلموا علم اليقين ان حكمك هو حكم اللَّه بالذات ، وان من ردّ عليك فعلى اللَّه يرد . . ومحال أن يشعر المؤمن حقا بالضيق والحرج من حكم يعلم انه من عند اللَّه . . أجل ، قد يريد بينه وبين نفسه أن يكون الأكل مباحا في شهر رمضان - مثلا - ، ولكنه مع ذلك يصوم ويمتنع عن الأكل خوفا من عذاب اللَّه الذي هو أشد وأشق من الصيام ، وقد تغلبه نفسه على المعصية ، ولكنه يتألم ويتبرم منها ، ويلعنها ، لأنها استثقلت الحق . . وهذا عين الإيمان .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 369-370 .
قوله تعالى : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ } إلخ ، الشجر ـ بسكون الجيم ـ والشجور : الاختلاط يقال : شجر شجرا وشجورا أي اختلط ، ومنه التشاجر والمشاجرة كأن الدعاوي أو الأقوال اختلط بعضها مع بعض ، ومنه قيل للشجر : شجر لاختلاط غصونها بعضها مع بعض ، والحرج الضيق.
وظاهر السياق في بدء النظر أنه رد لزعم المنافقين أنهم آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله مع تحاكمهم إلى الطاغوت فالمعنى : فليس كما يزعمون أنهم يؤمنون مع تحاكمهم إلى الطاغوت بل لا يؤمنون حتى يحكموك « إلخ ».
لكن شمول حكم الغاية أعني قوله : { حَتَّى يُحَكِّمُوكَ } « إلخ » لغير المنافقين ، وكذا قوله بعد ذلك : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ } إلى قوله : { ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ } يؤيد أن الرد لا يختص بالمنافقين بل يعمهم وغيرهم من جهة أن ظاهر حالهم أنهم يزعمون أن مجرد تصديق ما أنزل من عند الله بما يتضمنه من المعارف والأحكام إيمان بالله ورسوله وبما جاء به من عند ربه حقيقة ، وليس كذلك بل الإيمان تسليم تام باطنا وظاهرا فكيف يتأتى لمؤمن حقا أن لا يسلم للرسول حكما في الظاهر بأن يعرض عنه ويخالفه ، أو في باطن نفسه بأن يتحرج عن حكم الرسول إذا خالف هوى نفسه ، وقد قال الله تعالى لرسوله : { لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ } : [النساء : 105 ] .
فلو تحرج متحرج بما قضى به النبي صلى الله عليه وآله فمن حكم الله تحرج لأنه الذي شرفه بافتراض الطاعة ونفوذ الحكم .
وإذا كانوا سلموا حكم الرسول ، ولم يتحرج قلوبهم منه كانوا مسلمين لحكم الله قطعا سواء في ذلك حكمه التشريعي والتكويني ، وهذا موقف من مواقف الإيمان يتلبس فيه المؤمن بعدة من صفات الفضيلة أوضحها : التسليم لأمر الله ، ويسقط فيه التحرج والاعتراض والرد من لسان المؤمن وقلبه ، وقد أطلق في الآية التسليم إطلاقا.
ومن هنا يظهر أن قوله : { فَلا وَرَبِّكَ } إلى آخر الآية ، وإن كان مقصورا على التسليم لحكم النبي صلى الله عليه وآله بحسب اللفظ لأن مورد الآيات هو تحاكمهم إلى غير رسول الله صلى الله عليه وآله مع وجوب رجوعهم إليه إلا أن المعنى عام لحكم الله ورسوله جميعا ، ولحكم التشريع والتكوين جميعا كما عرفت.
بل المعنى يعم الحكم بمعنى قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وكل سيرة سار بها أو عمل عمل به لأن الأثر مشترك فكل ما ينسب بوجه إلى الله ورسوله بأي نحو كان لا يتأتى لمؤمن بالله حق إيمانه أن يرده أو يعترض عليه أو يمله أو يسوءه بوجه من وجوه المساءة فكل ذلك شرك على مراتبه ، وقد قال تعالى : { وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } : [ يوسف : 106 ] .
___________________________
1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 344-345 .
التّسليم أمام الحق :
الآية ، وإن ذكر لها سبب نزولها خاص ـ ولكننا أسلفنا غير مرّة أن أسباب النزول الخاصّة لا تنافي عمومية مفهوم الآيات ، ولهذا يمكن اعتبار هذه الآية تكميلا لما جاء من البحث في الآيات السابقة.
ولقد أقسم الله ـ في هذه الآية ـ بأنّ الأفراد لا يمكن أن يمتلكوا إيمانا واقعيا إلّا إذا تحاكموا إلى النّبي وقضائه ، ولم يتحاكموا إلى غيره {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} .
ثمّ يقول سبحانه : يجب عليهم ، أن يتحاكموا إليك فقط ، ومضافا إلى ذلك ليرضوا بما تحكمه ، سواء كان في صالحهم أو في ضررهم ولا يشعروا بأي حرج في نفوسهم فضلا عن أن لا يعترضوا ، وبالتالي ليسلموا تسليما.
{ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} : والانزعاج النفسي الباطني من الأحكام التي ربّما تكون في ضرر الإنسان ، وإن كان في الأغلب أمرا غير اختياري ، إلّا أنّه على أثر التربية الخلقية المستمرة يمكن أن تحصل لدى الإنسان روح التسليم أمام الحق ، والخضوع للعدالة ، خاصّة بملاحظة المكانة لواقعية النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا ينزعج من أحكام النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ولا من أحكام العلماء الذين يخلفونه ، وعلى كل فإن المسلمين الواقعيين مكلفون دائما بتنمية روح الخضوع للحق ، والتسليم أمام العدل في نفوسهم.
إن الآية الحاضرة تبيّن علائم الإيمان الواقعي الراسخ في ثلاث مراحل :
١ ـ أن يتحاكموا إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ وحكمه النابع من الحكم الإلهي ـ في ما اختلفوا فيه ، كبيرا كان أم صغيرا ، لا إلى الطواغيت وحكام الجور والباطل.
٢ ـ أن لا يشعروا بأي انزعاج أو حرج في نفوسهم تجاه أحكام الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم وأقضيته العادلة التي هي ـ في الحقيقة ـ نفس الأوامر الإلهية ، ولا
يسيئوا الظن بهذه الأحكام .
٣ ـ أن يطبقوا تلك الأحكام ـ في مرحلة تنفيذها ـ تطبيقا كاملا ويسلموا أمام الحق تسليما مطلقا .
ومن الواضح أنّ القبول بأي دين وأحكامه في ما إذا كانت في مصلحة الإنسان وكانت مناسبة لمنافعه وتطلعاته ، لا يمكن أن يكون دليلا على إيمانه بذلك الدين ، بل يثبت ذلك إذا كانت تلك الأحكام في الاتجاه المتعاكس لمنافعه وتطلعاته ظاهرا ، وإن كانت مطابقة للحق والعدل في الواقع ، فإذا قبل بمثل هذه الأحكام وسلم لها تسليما كاملا كان ذلك دليلا على إيمانه ورسوخ اعتقاده.
فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية : «لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثمّ قالوا لشيء صنعه الله وصنع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لم صنع هكذا وكذا ، ولو صنع خلاف الذي صنع ، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين ، ثمّ تلا هذه الآية (الحاضرة) ثمّ قال عليه السلام :عليكم بالتسليم» (2) .
ثمّ أنّه يستفاد من الآية الحاضرة مطلبان مهمّان ـ ضمنا :
١ ـ إنّ الآية إحدى الأدلة على عصمة النّبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، لأنّ الأمر بالتسليم المطلق أمام جميع أحكامه وأوامره قولا وعملا ، بل والتسليم القلبي والخضوع الباطني له أيضا دليل واضح على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لا يخطئ في أحكامه وأقضيته وتعليماته ، ولا يتعمد قول ما يخالف الحق فهو معصوم عن الخطأ ، كما هو معصوم عن الذنب أيضا.
٢ ـ إنّ الآية الحاضرة تبطل كلّ اجتهاد في مقابل النص الوارد عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنفي شرعية كل رأي شخصي في الموارد التي وصلت إلينا فيها أحكام صريحة من جانب الله تعالى ونبيّه صلى الله عليه وآله وسلم .
وعلى هذا الإساس فإن ما نراه في التاريخ الإسلامي من اجتهاد بعض الأشخاص في مقابل الأحكام الإلهية والنصوص النبوية ، وقولهم : قال النّبي كذا ونقول كذا ، فليس أمامنا حياله إلّا أن نذعن بأنّهم عملوا على خلاف صريح هذه الآية ، وخالفوا نصها .
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 191-193 .
2. تفسير البرهان ، ج ٢ ، ص ٣٨٩.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|