أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-2-2017
5828
التاريخ: 13-2-2017
5551
التاريخ: 6-11-2016
8702
التاريخ: 14-2-2017
5885
|
قال تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء : 113] .
بين سبحانه لطفه برسوله ، وفضله عليه ، إذ صرف كيدهم عنه ، وعصمه من الميل إليهم فقال : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ} قيل : فضل الله النبوة ، ورحمته نصرته إياه بالوحي. وقيل : فضله تأييده بألطافه ، ورحمته : نعمته ، عن الجبائي. وقيل : فضله النبوة ، ورحمته العصمة {لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ} لقصدت وأضمرت جماعة من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم. {أَنْ يُضِلُّوكَ} فيه أقوال أحدها : إن المعني بهم الذين شهدوا للخائنين من بني أبيرق بالبراءة ، عن ابن عباس ، والحسن ، والجبائي ، فيكون المعنى : همت طائفة منهم أن يزيلوك عن الحق ، بشهادتهم للخائنين ، حتى أطلعك الله على أسرارهم . وثانيها : إنهم وفد ثقيف الذين التمسوا من رسول الله ما لا يجوز ، وقد مضى ذكرهم ، عن ابن عباس أيضا .
وثالثها : إنهم المنافقون الذي هموا بإهلاك النبي ، والمراد بالإضلال القتل والإهلاك كما في قوله تعالى {أإذا ضللنا في الأرض} فيكون المعنى : لولا حفظ الله تعالى لك ، وحراسته إياك ، لهمت طائفة من المنافقين أن يقتلوك ويهلكوك ، ومثله : وهموا بما لم ينالوا ، عن أبي مسلم {وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} أي : وما يزيلون عن الحق إلا أنفسهم . وقيل : ما يهلكون إلا أنفسهم. ومعناه : إن وبال ما هموا به من الإهلاك والإذلال ، يعود عليهم حتى استحقوا العذاب الدائم {وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} أي : لا يضرونك بكيدهم ومكرهم شيئا ، فإن الله حافظك ، وناصرك ، ومسددك ، ومؤيدك.
{وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} أي : القرآن والسنة ، واتصاله بما قبله أن المعنى كيف يضلونك وهو ينزل عليك الكتاب ، ويوحي إليك بالأحكام {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} أي : ما لم تعلمه من الشرائع وأنباء الرسل الأولين ، وغير ذلك من العلوم {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} قيل : فضله عليك منذ خلقك إلى أن بعثك عظيم ، إذ جعلك خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وأعطاك الشفاعة وغيرها .
______________________________
1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 188-189 .
{ولَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ ورَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} . المراد بالطائفة الذين دافعوا وجادلوا عن السارق ، وضمير منهم عائد على قومه وأنصاره ، وان يضلوك ، أي يخدعوك بلحن القول وصلاح المظهر ، ولا يضلون إلا أنفسهم ، لأن محاولة الإضلال تستلزم الضلال ، والمضل ضال وزيادة ، والمعنى المحصّل ان فريقا من أنصار السارق وجماعته تآمروا على أن يخدعوك عن الحق ، وحاولوا أن يحملوك على الوقوف إلى جانبهم في نصرة صاحبهم ، وكدت تركن إليهم مغترا بما أظهروه لك من الصلاح ، ولكن اللَّه عصمك منهم ، وأطلعك على مؤامرتهم ، ورد كيدهم إلى نحورهم .
وهذه الآية رد صريح على من زعم من المفسرين ان النبي (صلى الله عليه وآله) دافع وجادل عن الخائنين ، فان قوله تعالى : {ولَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ ورَحْمَتُهُ} . وقوله : {وما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ} ، لا يقبلان التأويل والشك في ان النبي لم يجادل عن السارق ، ولم يبرئه من السرقة والخيانة ، وان الذي فعل هذا غيره .
{وأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} . الكتاب القرآن ، والحكمة هنا النبوة ، وإذا وجب على محمد (صلى الله عليه وآله) أن يشكر اللَّه ، حيث جعله خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وعلمه ما لم يكن يعلم فيجب على العرب أن يشكروا محمدا ، حيث أصبحوا به شيئا مذكورا بعد جاهليتهم الجهلاء ، ويشكروا اللَّه ، حيث جعل أشرف خلقه ، دون استثناء منهم لا من غيرهم .
___________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 433-434 .
قوله تعالى : { وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ } ( إلى آخر الآية ) السياق يدل على أن المراد بهمهم بإضلال النبي صلى الله عليه وآله هو همهم أن يرضوه بالدفاع عن الذين سماهم الله تعالى في صدر الآيات بالخائنين والجدال عنهم وعلى هذا فالمراد بهذه الطائفة أيضا هم الذين عدل الله سبحانه إلى خطابهم بقوله { ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا } (الآية) وينطبق على قوم أبي طعمة على ما سيجيء.
وأما قوله { وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ } فالمراد به بقرينة قوله بعده { وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ } ، إن إضلال هؤلاء لا يتعدى أنفسهم ولا يتجاوزهم إليك ، فهم الضالون بما هموا به لأنه معصية وكل معصية ضلال.
ولهذا الكلام معنى آخر تقدمت الإشارة إليه في الكلام على قوله { وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ } : ( آل عمران : 69 ) في الجزء الثالث من هذا الكتاب ، لكنه لا يناسب هذا المقام .
وأما قوله { وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ } ، ففيه نفي إضرارهم النبي صلى الله عليه وآله نفيا مطلقا غير أن ظاهر السياق أنه مقيد بقوله { وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ } ، على أن يكون جملة حالية عن الضمير في قوله { يَضُرُّونَكَ } وإن كان الأغلب مقارنة الجملة الفعلية المصدرة بالماضي بقد على ما ذكره النحاة ، وعلى هذا فالكلام مسوق لنفي إضرار الناس مطلقا بالنبي صلى الله عليه وآله في علم أو عمل.
قوله تعالى : { وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } ، ظاهر الكلام كما أشرنا إليه أنه في مقام التعليل لقوله { وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ } أو لمجموع قوله { وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ } وكيف كان فهذا الإنزال والتعليم هو المانع من تأثيرهم في إضلاله صلى الله عليه وآله ، فهو الملاك في عصمته .
( كلام في معنى العصمة )
ظاهر الآية أن الأمر الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ ، وبعبارة أخرى علم مانع عن الضلال ، كما أن سائر الأخلاق كالشجاعة والعفة والسخاء كل منها صورة علمية راسخة موجبة لتحقق آثارها ، مانعة عن التلبس بأضدادها من آثار الجبن والتهور والخمود والشره والبخل والتبذير.
والعلم النافع والحكمة البالغة وإن كانا يوجبان تنزه صاحبهما عن الوقوع في مهالك الرذائل ، والتلوث بأقذار المعاصي ، كما نشاهده في رجال العلم والحكمة والفضلاء من أهل التقوى والدين ، غير أن ذلك سبب غالبي كسائر الأسباب الموجودة في هذا العالم المادي الطبيعي فلا تكاد تجد متلبسا بكمال يحجزه كماله من النواقص ويصونه عن الخطأ صونا دائميا من غير تخلف ، سنة جارية في جميع الأسباب التي نراها ونشاهدها.
والوجه في ذلك أن القوى الشعورية المختلفة في الإنسان يوجب بعضها ذهوله عن حكم البعض الآخر أو ضعف التفاته إليه كما أن صاحب ملكة التقوى ما دام شاعرا بفضيلة تقواه لا يميل إلى اتباع الشهوة غير المرضية ، ويجري على مقتضى تقواه ، غير أن اشتعال نار الشهوة وانجذاب نفسه إلى هذا النحو من الشعور ربما حجبه عن تذكر فضيلة التقوى أو ضعف شعور التقوى فلا يلبث دون أن يرتكب ما لا يرتضيه التقوى ويختار سفساف الشره ، وعلى هذا السبيل سائر الأسباب الشعورية في الإنسان وإلا فالإنسان لا يحيد عن حكم سبب من هذه الأسباب ما دام السبب قائما على ساق ، ولا مانع يمنع من تأثيره ، فجميع هذه التخلفات تستند إلى مغالبة التقوى والأسباب ، وتغلب بعضها على بعض .
ومن هنا يظهر أن هذه القوة المسماة بقوة العصمة سبب شعوري علمي غير مغلوب البتة ، ولو كانت من قبيل ما نتعارفه من أقسام الشعور والإدراك لتسرب إليها التخلف ، وخبطت في أثرها أحيانا ، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم والإدراكات المتعارفة التي تقبل الاكتساب والتعلم .
وقد أشار الله تعالى إليه في خطابه الذي خص به نبيه صلى الله عليه وآله بقوله {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } وهو خطاب خاص لا نفقهه حقيقة الفقه إذ لا ذوق لنا في هذا النحو من العلم والشعور غير أن الذي يظهر لنا من سائر كلامه تعالى بعض الظهور كقوله { قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ } : ( البقرة : 97 ) وقوله { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } : ( الشعراء : 195 ) أن الإنزال المذكور من سنخ العلم ، ويظهر من جهة أخرى أن ذلك من قبيل الوحي والتكليم كما يظهر من قوله { شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى } : الآية ( الشورى : 13 ) وقوله { إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } : ( النساء : 163 ) وقوله { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ } : ( الأنعام : 50 ) ، وقوله { إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ } : ( الأعراف : 203 ).
ويستفاد من الآيات على اختلافها أن المراد بالإنزال هو الوحي وحي الكتاب والحكمة وهو نوع تعليم إلهي لنبيه صلى الله عليه وآله غير أن الذي يشير إليه بقوله { وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } ليس هو الذي علمه بوحي الكتاب والحكمة فقط فإن مورد الآية قضاء النبي صلى الله عليه وآله في الحوادث الواقعة والدعاوي التي ترفع إليه برأيه الخاص ، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشيء وإن كان متوقفا عليهما بل رأيه ونظره الخاص به .
ومن هنا يظهر أن المراد بالإنزال والتعليم في قوله { وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } نوعان اثنان من العلم ، أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وآله و ، الآخر : التعليم بنوع من الإلقاء في القلب والإلهام الخفي الإلهي من غير إنزال الملك وهذا هو الذي تؤيده الروايات الواردة في علم النبي صلى الله عليه وآله .
وعلى هذا فالمراد بقوله { وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } آتاك نوعا من العلم لو لم يؤتك إياه من لدنه لم يكفك في إيتائه الأسباب العادية التي تعلم الإنسان ما يكتسبه من العلوم .
فقد بان من جميع ما قدمناه أن هذه الموهبة الإلهية التي نسميها قوة العصمة نوع من العلم والشعور يغاير سائر أنواع العلوم في أنه غير مغلوب لشيء من القوى الشعورية البتة بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إياها ، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقا ، وقد ورد في الروايات أن للنبي والإمام روحا تسمى روح القدس تسدده وتعصمه عن المعصية والخطيئة ، وهي التي يشير إليها قوله تعالى { وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا } : ( الشورى : 52 ) بتنزيل الآية على ظاهرها من إلقاء كلمة الروح المعلمة الهادية إلى النبي صلى الله عليه وآله ونظيره قوله تعالى { وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ } : ( الأنبياء : 73 ) بناء على ما سيجيء من بيان معنى الآية إن شاء الله العزيز أن المراد به تسديد روح القدس الإمام بفعل الخيرات وعبادة الله سبحانه.
وبان مما مر أيضا أن المراد بالكتاب في قوله { وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } هو الوحي النازل لرفع اختلافات الناس على حد قوله تعالى { كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ } : الآية ( البقرة : 213 ) وقد تقدم بيانه في الجزء الثاني من هذا الكتاب .
والمراد بالحكمة سائر المعارف الإلهية النازلة بالوحي ، النافعة للدنيا والآخرة ، والمراد بقوله { وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } غير المعارف الكلية العامة من الكتاب والحكمة.
وبذلك يظهر ما في كلمات بعض المفسرين في تفسير الآية. فقد فسر بعضهم الكتاب بالقرآن ، والحكمة بما فيه من الأحكام ، و { ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } بالأحكام والغيب وفسر بعضهم الكتاب والحكمة بالقرآن والسنة ، و { ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } بالشرائع وأنباء الرسل الأولين وغير ذلك من العلوم إلى غير ذلك مما ذكروه ، وقد تبين وجه ضعفها بما مر فلا نعيد .
قوله تعالى : { وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً } امتنان على النبي صلى الله عليه وآله .
_________________________
1. تفسير الميزان ، ج 5 ، ص 68-71 .
في هذه الآية الكريمة إشارة أخرى إلى حادثة «بني الأبيرق» التي تحدثنا عنها لدى تطرقنا إلى سبب النّزول في آيات سابقة ، وهذه تؤكد أن الله قد صان النّبي صلى الله عليه وآله وسلم بفضله ورحمته ـ سبحانه وتعالى ـ من كيد بعض المنافقين الذين كانوا يأتمرون به صلى الله عليه وآله وسلم ليحرفوه عن طريق الحق والعدل ، فكانت رحمة الله أقرب إلى نبيّه فصانته من كيد المنافقين ، حيث تقول الآية : {وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ}.
لقد سعى أولئك المنافقون ـ من خلال اتهامهم لشخص بريء وجرّ النّبي وتوريطه في هذه الحادثة ـ إلى إلحاق ضربة بشخصية النّبي صلى الله عليه وآله وسلم الاجتماعية والمعنوية أوّلا ، وتحقيق مآربهم الدنيئة بحق إنسان مسلم بريء ثانيا ، ولكنّ الله العزيز العليم كان لهم بالمرصاد، فصان نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم من تلك المؤامرة وأحبط عمل المنافقين .
ويذكر بعض المفسّرين سببا آخر لنزول هذه الآية وهو أنّ جماعة من قبيلة «بني ثقيف» وردوا على النّبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له أنّهم مستعدون لمبايعته بشرطين : الأوّل هو أن يرغم أفراد هذه القبيلة على كسر أصنامهم بأيديهم ، والثّاني أن يسمح النّبي لهم بأن يواصلوا عبادة صنمهم (العزى) لسنة واحدة أخرى! فنزل أمر الله على النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يبدي أية مرونة أمام هؤلاء ، حيث نزلت الآية المذكورة وأعلنت بأن فضل الله ورحمته قد شملت النّبي وصانته من تلك الوساوس.
بعد ذلك تذكر الآية أن هؤلاء القوم إنّما يرمون بأنفسهم في الضلالة ولا يضرّون بعملهم النّبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ، إذ تقول {... وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ ...}.
وأخيرا توضح الآية سبب عصمة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخطأ والزلل والذنب ، فتذكر أنّ الله أنزل على نبيّه الكتاب والحكمة وعلمه ما لم يكن يعلم من قبل : {وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ...} ثمّ تردف الآية ذلك بجملة : {وَكانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}.
_________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 299-300 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
السيد السيستاني يستقبل المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق
|
|
|