المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7534 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


اقتضاء النـــــهي للفـساد  
  
3123   11:18 صباحاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج1. ص.451
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-8-2016 1660
التاريخ: 26-8-2016 1654
التاريخ: 3-8-2016 475
التاريخ: 3-8-2016 1647

قد وقع الخلاف بين الاعلام في ان النهي عن الشيء يقتضي فساد ذلك الشيء ام لا وقبل الشروع في المقصود ينبغي تقديم امور:

الاول: قد مر سابقا وجه الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ومحصل الفرق بينهما هو رجوع البحث في المقام حسب ما هو ظاهر العنوان إلى اقتضاء النهي بوجوده الواقعي للفساد بملاحظة كشفه ولو بالملازمة العرفية عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقة، ومن ذلك يدور الفساد وعدمه على الاقتضاء مدار وجود النهي واقعا وعدمه، كان المكلف عالما بالنهي ام جاهلا به، وهذا بخلافه في تلك المسألة حيث ان الفساد فيها على الامتناع انما يدور مدار العلم بالنهي لا مدار النهي بوجوده الواقعي النفس الامري، ومن ذلك ايض عرفت بنائهم على صحة عبادة الجاهل القاصر أو الناسي إذا اتى بها في مكان مغصوب، وعليه فلا تكون لأحدى المسئلتين مساس بالأخرى بوجه من الوجوه، ومعه لا يبقى مجال لما افيد كما في الكفاية (1) من جعل نتيجة المسألة السابقة على الامتناع وتقديم جانب النهي من صغريات هذه المسألة، كيف وقد عرفت ان الفساد في تلك المسألة انما هو من جهة خلو المتعلق عن الملاك والمصلحة ومن ذلك لو قام دليل على الصحة في قبال النهي لوقع بينهما التكاذب ويرجع فيهما إلى قواعد باب التعارض، ومثل ذلك ينافي جد بنائهم على صحة صلاة الجاهل بالغصبية ، كما هو واضح.

الامر الثاني:  قد يقال كما عن القوانين على ما حكى بتخصيص محل النزاع بما إذا كان هناك ما يقتضي الصحة من عموم أو اطلاق بحيث لو لا النهي يحكم بصحته، بتقريب انه لو لا ذلك لما كان وجه للنزاع في اقتضاء النهي للفساد، لان الفساد حينئذ غير مربوط باقتضاء النهي، من جهة انه لو لا النهي كان محكوما ايضا بالفساد، ولكنه غير وجيه، إذ نقول بان الجهة المبحوث عنها في المقام على ما يقتضيه ظاهر العنوان هو الحكم بالفساد من جهة دلالة النهي وكشفه عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقه، وقضية ذلك هو عدم الحكم بالفساد واقعا عند عدم النهي لا الحكم بالصحة كي يحتاج إلى احراز المقتضي للصحة من عموم أو اطلاق أو غيرهما. واما ما افيد من عدم الثمرة حينئذ نظرا إلى لزوم الحكم بالفساد حينئذ ولو على تقدير عدم النهي بمقتضي اصالة عدم المشروعية. فمدفوع بظهورها فيما إذا قام دليل بالخصوص على الصحة فانه على الاول يتعين الاخذ بدليل الصحة من جهة حكومته على اصالته بخلافه على الثاني حيث انه يقع بينهما المعارضة فيرجع فيهما إلى قواعد باب التعارض.

الامر الثالث : لا يخفى عليك ان المراد بالشيء في عنوان المسألة يعم العبادات والمعاملات لا انه مخصوص بالعبادات، والمراد من المعاملة هو ما في قبال العبادات مطلق مالا يلزم في صحته قصد القربة الشامل للمعاملات بالمعنى الاخص ولغيرها، كالنهي عن اكل الثمن والمثمن، نعم يختص ذلك بالأمور القابلة للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد اخرى فيخرج حينئذ ما لا يكون كذلك كعناوين المسببات ونحوها مما كان امرها يدور بين الوجود والعدم فتأمل فان الفساد حينئذ انما كان في قبال الصحة التي هي بمعنى التمامية وترتب الاثر المقصود عليه فهو عبارة عن نقصان الشيء بمعنى عدم ترتب الاثر المقصود منه عليه فلا يجري حينئذ بالنسبة إلى نفس الآثار ونحوها مما يدور امره بين الوجود والعدم وكذا يخرج ايضا من الاسباب ما لا يكاد ينفك الاثر عنها كبعض اسباب الضمان. واما المراد من العبادة فهي التي لو امر بها لكان امرها امرا عبادي بحيث لا يكاد سقوطه الا بإتيان متعلقه على نحو قربى، لا ما هو عبادة ذاتا كالسجود والركوع ونحوهما مما جعل كونه آلة للخضوع والتذلل، نظرا إلى عدم كون العبادات كله من هذا القبيل، ولا ما امر به فعلا لأجل التعبد به من جهة استحالة تعلق النهي الفعلي بما هو عبادة ومأمور به فعلا، ولا ما لا يعلم انحصار الغرض منه في شيء كي ينتقض طردا وعكسا بانه رب واجب توصلي لا يعلم انحصار الغرض منه في شيء ورب واجب تعبدي قد علم انحصار الغرض منه. واما الاقتضاء في المقام فهو كما عرفت عبارة عن الاقتضاء بحسب مقام الاثبات باعتبار كشف النهي عن عدم ملاك الامر والمصلحة في متعلقه لا الاقتضاء بحسب مقام الثبوت والا فمن الواضح عدم الملازمة عقلا بين حرمة الشيء وانتفاء ملاك الامر و المصلحة في متعلقه، وعليه تكون المسألة من المسائل اللفظية لا من المسائل العقلية، كما هو واضح. واما النهي فظاهرهم اختصاصه بالنهي المولوي التحريمي، دون ما يعمه والنهي التنزيهي، باعتبار ان غاية ما يقتضيه النهي التنزيهي انما هو الدلالة على وجود حزازة في الشي وهذا المقدار غير موجب لفساده، ولكن ذلك انما هو بناء على ما اخترناه سابقا من جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد بالتفكيك بين انحاء حدود شيء واحد، واما بناء على غير ما اخترناه من عدم امكان اجتماع المحبوبية والمبغوضية ولو تنزيها في عنوان واحد فيشكل جدا تخصيص النزاع بالنواهي التحريمية واما النهي التحريمي الغيري فالظاهر منهم هو دخوله ايض في محل النزاع كما يشهد لذلك جعلهم فساد العبادة ثمرة النزاع في مسألة اقتضاء الامر بالشيء للنهي  عن ضده الخاص على المقدمية.

 نعم هذا الثمرة تختص بخصوص العبادات فلا تجرى في المعاملات ولكنه ايضا غير ضائر بعموم النزاع كما لا يخفى، هذا، ولكن الاستاذ دام ظله منع عن اصل دخول النواهي التحريمية في محل النزاع وبنى على خروجه عن مورد الكلام بين الاعلام، وقد افاد في وجه ذلك بوجهين:

 الاول: عدم المجال لتوهم دلالته واقتضائه للفساد مطلقا سواء في المعاملات أو العبادات، اما المعاملات فواضح، من جهة وضوح عدم اقتضاء مجرد النهي المولوي عن معاملة وحرمتها تكليفا لفسادها وضعا، ومن ذلك لم يتوهم احد فساد المعاملة في مورد نهي  الوالد أو الحلف على عدم البيع ونحوه واما العبادات فكذلك ايضا وذلك فان الفساد المتصور فيها لا يخلوا اما ان يكون من جهة انتفاء الملاك والمصلحة فيها وعدم ترتب الغرض عليها واما ان يكون من جهة الخلل في القربة الموجب لعدم سقوط الامر عنها، اما الفساد من الجهة الاولى فواضح انه غير مترتب على النهي حيث لا اشعار فيه فضلا عن الدلالة على عدم المصلحة في متعلقه، بل غاية ما يقتضيه انما هي الدلالة على وجود المفسدة في متعلقه، واما الدلالة على عدم المصلحة فيه ولو من جهة اخرى فلا، وهو واضح بعد وضوح عدم الملازمة بين مجرد حرمة الشيء وبين عدم ملاك الامر والمصلحة فيه، نعم لو كان بين المصلحة والمفسدة ايض مضادة كما بين المحبوبية والمبغوضية بحيث لا يمكن اجتماعهما في موضوع واحد ولو بجهتين تعليليتين لكان المجال لدعوى دلالة النهي ولو بالالتزام على عدم وجود المصلحة في متعلقه ولكنه لم يكن كذلك لما عرفت من امكان اجتماعهما في عنوان واحد بجهتين تعليليتين، ونظيره في العرفيات كما في مثل وضع العمامة على الرأس لمن كان له وجع الرأس في مجلس فيه جماعة من المؤمنين الاخيار، حيث ان كون العمامة على الرأس مع كونه فيه كمال المفسدة بلحاظ وجع الرأس كان فيه ايضا كمال المصلحة بلحاظ كونه نحو اعزاز واكرام للمؤمنين وكون تركه هتكا واهانة لهم، وعليه فلا يبقى مجال دعوى دلالة النهي واقتضائه للفساد من هذه الجهة، واما الفساد من الجهة الثانية فهو وان كان لا محيص عنه مع النهي ولكنه ايضا مترتب على العلم بالنهي لا على نفس وجود النهي ولو لم يعلم به المكلف، فتمام العبرة في الفساد في هذه المرحلة على مجرد العلم بالنهي، فإذا علم بالنهي كان علمه ذلك موجبا لعدم تمشى القربة منه الموجب لفساد عبادته وان لم يكن في الواقع نهي اصلا، كما انه مع عدم العلم به يتمشى منه القربة وتصح من العبادة وان كان في الواقع نهي  كما عرفت في مثال الجهل بالغصب أو الجهل بالحرمة عن قصور، مع ان قضية ظاهر العنوان هو ترتب الفساد على نفس النهي الواقعي.

الوجه الثاني: انه لو سلم كون الفساد المفروض في محل الكلام هو الفساد من تلك الجهة الاخيرة لما كان معنى لإنكاره من احد في العبادات بعد تسلمهم على لزوم قصد القربة فيها، وعلى ذلك، فل مجال لإرادة النهي المولوي التحريمي من لفظ النهي في عنوان البحث، كما انه لا مجال ايضا لإرادة النهي الارشادي منه لأنه ايضا مما لا اشكال في دلالته على الفساد في العبادات والمعاملات بل لابد وان يكون المراد منه في العنوان طبيعة النهي في نفسه فيكون مرجع النزاع حينئذ إلى النزاع في ان النهي المتعلق بالشيء عبادة كانت ام معاملة مولوي تحريمي كي لا يقتضي الفساد ام نهي ارشادي إلى خلل فيه حتى يوجب الفساد هذا.

ولكن قد يناقش على البيان المزبور بان ما افيد من خروج النهي المولوي التحريمي عن محل النزاع وارجاع محل البحث إلى النزاع الصغروي خلاف ظاهر الكلمات، فان الظاهر من كلماتهم بل المصرح به في كلام بعضهم تخصيص النزاع بخصوص النهي المولوي التحريمي كما يشهد لذلك تفصيل بعضهم في الاقتضاء للفساد وعدمه بين العبادات والمعاملات، حيث انه لو لا ذلك لما كان وجه للتفصيل المزبور، بل ويشهد له ايضا استدلالهم كثيرا في الفقه على فساد العبادة بكونها حراما ومنهيا عنها، وهكذا في مسألة اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص على مبني مقدمية ترك الضد لفعل ضده، فان ذلك كله كاشف عن كون المراد من النهي في العنوان هو خصوص النهي المولوي التحريمي، وعليه لابد وان يكون النزاع في الاقتضاء وعدمه في اقتضاء النهي اثباتا، ودلالته ولو بالالتزام عرف على عدم ملاك الامر والمصلحة في متعلقه بدعوى انه وان لم يكن ملازمة عقلا بين حرمة الشيء ووجود المفسدة فيه وبين فقدانه لملاك الامر والمصلحة نظرا إلى ما تقدم من امكان اجتماع المصلحة والمفسدة في عنوان واحد بجهتين تعليليتين الا انه مع ذلك يرى العرف بينهما الملازمة فيرى من النهي كونه ذا مفسدة محضة، ومن ذلك لو ورد في القبال امر يقتضي الصحة يقع بينهما التكاذب ويرجع فيها إلى قواعد باب التعارض، والا فلولا ذلك لما كان وجه للمعارضة بينهما والرجوع إلى قواعد التعادل والترجيح، بل لابد وان يكون بينهما المزاحمة بملاحظة اقتضاء كل من الامر والنهي بمدلولهما الالتزامي لقيام المصلحة والمفسدة فيه، مع انه ليس كذلك قطعا، وحينئذ فنفس هذا التعارض والتكاذب بينهما كاشف عن اقتضاء كل من الامر والنهي عرفا بالالتزام لعدم قيام ملاك آخر فيه غير ملاكه، كما هو واضح. ولكن يدفع ذلك اما الاشكال الاول فبان ما يرى من حكم الاصحاب بفساد العبادة مع النهي فإنما هو من جهة الخلل في القرب المعتبر في صحة العبادة كما يكشف عنه استدلالهم كثيرا على الفساد بانتفاء التقرب وعليه ايضا جرى تفصيلهم بين العبادات والمعاملات، فحيث ان قصد القربة مما لابد منه في صحة العبادة ومع النهي لا يكاد تمشي القربة من المكلف، بخلافه في المعاملة، اقتضى ذلك التفصيل المزبور، ولكنه كما عرفت غير مرتبط باقتضاء النهي المولوي في نفسه للفساد من جهة عدم الملاك.

واما الاشكال الثاني فبما مر في البحث المتقدم بان ما يرى من التعارض بينهما عند ورود امر في القبال فانما كان ذلك من جهة ذاك الارتكاز العقلي بعدم جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد حيث انه بمقتضي هذ الارتكاز يرى العرف بينهما التكاذب في تمام مدلوليهما حتى في دلالتهما على المصلحة والمفسدة فيعامل معهما معاملة التعارض لا من جهة اقتضاء النهي المولوي لعدم قيام ملاك الامر والمصلحة في متعلقه رأسا ولو مع قطع النظر عن المعارض فتأمل.

نعم في الفرض المزبور كما سيجيء لابد ايضا من الحكم بالفساد ولكنه لا من جهة اقتضاء النهي المولوي لذلك بل من جهة عدم احراز الملاك والمصلحة فيه لأنه في العبادات لابد في صحتها من احراز الملاك والمصلحة فيها فمع الشك فيها في الملاك يشك قهرا في مشروعيتها فتنفي بأصالة عدم المشروعية.

وعليه فلا محيص من اخراج النهي المولوي التحريمي كالإرشادي عن حريم النزاع وارجاع البحث المزبور في دلالة النهي على الفساد وعدم دلالته عليه إلى البحث الصغروي بان النهي المتعلق بعنوان عبادة كانت ام معاملة مولوي تحريمي كي لا يقتضي الفساد ام ارشادي إلى خلل فيه حتى يقتضي الفساد فتدبر.

الامر الرابع: لا يخفى عليك انه لا اصل في المسألة يعول عليه عند الشك وحينئذ لو كان

هناك ظهور عرفي فهو والا يبقى المدعى بلا دليل. نعم الاصل في المسألة الفرعية كم عرفت كان هو الفساد، سواء فيه العبادات أو المعاملات، حيث كان الاصل في المعاملات عدم ترتب النقل والانتقال، وفي العبادات عدم المشروعية عند الشك في الملاك فيها .

وإذ تمهد هذه الأمور فاعلم أن الكلام يقع في مقامين :

الأول في العبادات فنقول : النهي متعلق تارة بعنوان العبادة كالنهي عن الصلاة والصوم للحائض وأخرى بجزئها كالنهي عن قراءة السور العزائم في الصلاة ، وثالثة بشرطها كالنهي عن التستر بالحرير ونحوه مثلا ، ورابعة بوصفها الملازم كالجهر والإخفات في القراءة ، وخامسة بوصفها المفارق كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها ، وعلى التقادير فالنهي اما ان يكون مولويا ، واما ارشاديا إلى خلل في العبادة ، اما لعدم الملاك فيها أو من جهة اقتران ملاكها بالمانع كالنهي عن التكتف في الصلاة أو من جهة كونه مخلا بغيره كالنهي عن الصلاة في الصلاة مثلا. واما ان يكون في مقام دفع توهم الوجوب الفعلي أو المشروعية الفعلية أو الاقتضائية فهذه أنحاء صور النهي  المتعلق بالعبادة ، وربما يختلف النتيجة حسب اختلاف الصور ، فلابد حينئذ من بيان ما للصور المزبورة من اللوازم والآثار.

فنقول : أما إذا كان النهي متعلقا بعنوان المادة وكان مولويا محضا فهو كان عرفت غير مقتض لفساد العبادة الا من جهة قضية الاخلال بالقربة الموقوفة على العلم به ، والا فمن جهة فقد انها للملاك والمصلحة لا دلالة عليه بوجه من الوجوه ، لان غاية ما يقتضيه النهي  المزبور بما انه نهي مولوي تحريمي انما هو الدلالة على قيام المفسدة في متعلقه ، واما الدلالة على عدم وجود ملاك والمصلحة فيه ولو من جهة أخرى فلا.

 نعم مع الشك في الملاك كان مقتضي الأصل هو الفساد ، ولكنه غير مرتبط باقتضاء النهي  المولوي لذلك ، كما هو واضح.

وأوضح من ذلك ما لو كان النهي  في مقام دفع توهم الوجب الفعلي ، وذلك من جهة وضوح ان غاية ما يقتضيه مثل هذا النهي  انما هي الدلالة على عدم وجوبه ، واما دلالته على عدم استحبابه ورجحانه فلا ، فضلا عن الدلالة على عدم الملاك والمصلحة فيه أو الدلالة على وجود المفسدة في متعلقه ، وحينئذ لو كان في البين عموم أو اطلاق يثبت رجحانه  واستحبابه فهو ، والا فالأصل يقتضي الفساد ، لما عرفت من أنه لابد في صحة العبادة من احراز رجحانها ، فمع الشك في رجحانها ومشروعيتها كان مقتضي الأصل هو عدم مشروعيتها.

وكذلك الكلام فيما لو كان النهي  في مقام دفع توهم المشروعية الفعلية كما في النهي عن النافلة في وقت الفريضة ، فإنه أيضا لا يقتضي فساد العبادة من جهة عدم الملاك إذ لا يقتضي أزيد من عدم المشروعية الفعلية وعدم الرجحان والمحبوبية الفعلية في العمل ، ولا ملازمة بين عدم المشروعية الفعلية وبين عدم الملاك والمصلحة فيه ، وعليه فلو قام دليل على وجدان العمل للملاك في هذا الفرض يندرج في صغريات المسألة السابقة ، واما لو لم يقم دليل على ذلك كان الأصل فيه هو الفساد بالبيان المتقدم.

واما لو كان النهي  في مقام دفع توهم المشروعية الاقتضائية ، ففي هذا الفرض كان النهي  يقتضي الفساد من جهة دلالته حينئذ على انتفاء الملاك والمصلحة فيه.

ومثل ذلك ما لو كان النهي  ارشاديا إلى خلل في العبادة لانتفاء الملاك رأسا ، أو اقترانه بالمانع كالصلاة متكتفا ، حيث إنه كان النهي  أيضا موجبا لفسادها من دون اقتضائه للحرمة والمبغوضية ، نعم لو كان قضية النهي  المزبور هو الارشاد إلى كونه مخلا بغيره كالنهي عن الصلاة في الصلاة ففي هذا الفرض بالنسبة إلى العمل الذي وقع فيه العمل المنهي  كان النهي  دالا على فساده ، واما بالنسبة إلى نفس هذا العمل الذي نهي  عن اتيانه فلا دلالة على فساده ، وحينئذ فلابد ان يلاحظ العمل الذي أخل به بإتيان العبادة في أثنائه ، فان كان غير الفريضة فلا اشكال ، إذ لا يكون ابطاله حينئذ حراما حتى يحرم ما أوجد في أثنائه ، واما ان كان من الفرائض التي يحرم ابطالها فيحرم قهرا ما أوجد في أثنائه بالحرمة الغيرية فيندرج حينئذ في صغريات المسألة السابقة ، فيفسد مع العلم بالنهي بناء على الامتناع وتقديم جانب النهي .

هذا كله حال النهي  المتعلق بعنوان العبادة ، وقد تلخص بان مجرد تعلق النهي  بعنوان العبادة غير موجب لفسادها ما لم يكن فيه جهة ارشاد إلى خلل فيها اما من جهة عدم الملاك فيها أو من جهة اقتران ملاكها بالمانع.

واما النهي المتعلق بجزء العبادة ففيه أيضا الصور المزبورة من كونه تارة ممحضا في المولوية، وأخرى ارشادا إلى خلل في الجزء ، وثالثة في مقام دفع توهم الوجب الفعلي ، أو المشروعية الفعلية ، أو الاقتضائية.

فالنهي المولوي فيه أيضا غير مقتض لفساد الجزء الا من جهة الخلل في القربة الذي عرفت انه مترتب على العلم بالنهي لا على النهي  الواقعي.

واما النهي  الارشادي أو الواقع في مقام دفع توهم المشروعية الاقتضائية فهو موجب لفساده ولكنه بمعنى عدم وقوعه جزء للعبادة والا فلا يقتضي بطلان أصل العبادة ، بل ولو قلنا حينئذ بفساد العبادة لابد وأن يكون من جهة النقيصة عند الاقتصار عليه ، أو يكون من جهة الزيادة العمدية بناء على استفادة مبطلية مطلق الزيادة العمدية. نعم لو كان النهي  في مقام الارشاد إلى كونه مخلا بأصل العبادة أيضا كما في النهي  عن قراءة العزائم في الفريضة على ما هو قضية التعليل في قوله (عليه السلام ) : بأنها زيادة في المكتوبة كان مقتضيا لبطلان العبادة.

واما النهي  المتعلق بالشرط ففيه أيضا الصور المزبورة ، فالنهي المولوي فيه أيضا غير مقتض لفساده الا إذا كان فيه جهة ارشاد إلى خلل فيه فيفسد وبفساده يفسد المشروط أيضا في فرض الاقتصار على الشرط المنهي  بلحاظ انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.

واما النهي  المتعلق بوصفها المقارن كالجهر في القراءة مثلا فهو أيضا غير مقتض لفسادها ما لم يكن فيه جهة ارشاد إلى كونه مخلا بالعبادة.

وعلى ذلك لابد للفقيه من ملاحظة خصوصيات الموارد والقرائن الخاصة لإحراز ان النهي  مولوي محض أو ارشادي ، والا فمع خلو المورد عن القرينة كان النهي  ظاهرا في المولوية ، ولكن ظاهر الأصحاب في غير النواهي النفسية عند عدم القرينة على بعض المحتملات هو الحمل على الارشاد إلى المخلية والمانعية من غير فرق بين الجزء أو الشرط أو الوصف ، ولعله من جهة ظهور ثانوي في النواهي الغيرية في الارشاد إلى المانعية والمخلية بلحاظ ورودها في مقام بيان كيفية العبادة وحدودها ، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في الأوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط ، فتدبر.

واما لو تعلق النهي  بالوصف المفارق ، فان كان النهي  متعلقا بعنوان والامر بعنوان آخر كالنهي عن الغصب وعن النظر إلى الأجنبية والامر بالصلاة فأوجدهما المكلف في وجود واحد فهو يندرج في المسألة السابقة ، واما لو كان النهي  عن الوصف من قبيل قوله :

لا تغصب في صلاتك ، ففيه أيضا يجري ما ذكر في الجزء والشرط من لزوم الحمل على الارشاد إلى المخلية ، الا إذا قام هناك ما يقتضي الخلاف كما في المثال ، حيث إنه بملاحظة ارتكاز مبغوضية الغصب والتصرف في مال الغير ولو في غير حال الصلاة لابد من حمل النهي  على المولوية ومبغوضية الغصب بالبغض النفسي ، بصرفه عما هو ظاهره من الظهور الثانوي إلى ما يقتضيه طبع النهي  من الظهور في الحرمة المولوية ، وعليه يندرج أيضا في المسألة السابقة كما أوردناه هناك وقلنا بأنه لا وجه لإخراجه عن محل النزاع بتخصيص مورد النزاع بما لو كان بين المتعلقين العموم من وجه.

هذا كله في المقام الأول.

واما المقام الثاني فالكلام فيه في النهي  المتعلق بالمعاملة :

وملخص الكلام فيه هو عدم اقتضاء مجرد النهي  عنها للفساد ما لم يكن في مقام الارشاد إلى خلل فيها ، وذلك من جهة وضوح عدم الملازمة بين حرمة المعاملة ومبغوضيتها وبين فسادها وعدم ترتب النقل والانتقال ، حيث إنه بعد عدم توقف صحة المعاملة ومؤثريتها في النقل والانتقال على رجحانها أو عدم مبغوضيتها فقهرا يمكن صحة المعاملة ومؤثريتها في النقل والانتقال ولو مع كونها مبغوضة ومحرمة ، من غير فرق في ذلك بين ان يكون النهي  متعلقا بالسبب وهو العقد ، أو بالمسبب وهو النقل والانتقال ، أو بالتسبب إلى المسبب بالسبب ، فعلى جميع التقادير لا دلالة للنهي بما انه نهي  مولوي على الفساد خصوصا على الأخيرين حيث إنه يمكن دعوى اقتضائهما للصحة نظراً إلى معلومية انه لولا ترتب المسبب وتحققه لما كان مجال للنهي عنه ، وحينئذ ينحصر وجه الفساد بما إذا كان للإرشاد إلى خلل فيها.

 نعم لو كان النهي  التحريمي عن لوازم المعاملة كالنهي عن اكل الثمن والمثمن والتصرف فيهما ففي مثل ذلك كان النهي  مستلزما للفساد من جهة استلزام حرمة التصرف في العوضين لعدم نفوذ المعاملة والا ففي غير تلك الصورة لا اقتضاء للنهي التحريمي للفساد بوجه أصلا.

واما توهم منافاة حرمة المعاملة ومبغوضيتها مع الجعل تأسيسا أو امضاء لما بيد العرف ، فمدفوع بمنع التنافي بينهما ، من جهة امكان ان تكون المعاملة ممضاة ومؤثرة في النقل والانتقال على تقدير تحققها ومع ذلك كانت محرمة. وحينئذ فلا يستلزم مجرد تخصيص الجواز التكليفي أو تقييده تخصيص دليل الجواز الوضعي المثبت لصحة المعاملة ، ولو كانا ثابتين بدليل واحد ، كما لو قلنا بان مثل عموم ( الناس مسلطون ) مثبت للجواز الوضعي والتكليفي حيث إنه بدليل النهي  يخصص عمومه من جهة الجواز التكليفي دونه من جهة الجواز الوضعي أيضا ، كما هو واضح. نعم لو كان قضية النهي  هو مبغوضية المعاملة بشر أشر وجودها حتى بالقياس إلى حدودها الراجعة إلى الجعل والامضاء لكان لدعوى التنافي المزبور كمال مجال ، ولكن من الواضح عدم قابلية مثل هذا المعنى لتعلق النهي  المولوي به ، فان المعاملة بهذا المعنى خارج عن تحت قدرة المكلف فعلا وتركا ، فلا يمكن حينئذ تعلق النهي  المولوي بها ، بل وانما القابل لتعلق النهي به انما هو التوصل إلى وجود المعاملة من ناحية سببه في ظرف تحقق أصل الجعل من الشارع ، لأنه هو الذي يكون تحت قدرته واختياره فعلا وتركا ، ومعلوم حينئذ ان مبغوضية المعاملة من تلك الجهة غير منافية مع إرادة الجعل والامضاء ، من جهة امكان ان تكون المعاملة مبغوضة ومحرمة ايجادها من المكلف ، ومع ذلك كانت صحيحة ومؤثرة فيما هو الأثر المقصود منها ، وهو النقل والانتقال ، نعم قد يكون النهي  دالا على الارشاد إلى عدم الامضاء وعدم النفوذ في بعض الموارد ، ولكن ذلك أيضا بمقتضي بعض القرائن الخارجية كما في البيع الربوي مثلا وفي بيع المصحف بالكافر.

وحينئذ فعلى ذلك لابد في قمام الحكم بفساد المعاملة من جهة النهي  من احراز كونه في مقام الارشاد إلى عدم الجعل والامضاء والا فطبع النهي  لا يقتضي الا المولوي التحريمي الذي عرفت عدم اقتضائه للفساد.

هذا إذا كان النهي متعلقا بعنوان المعاملة ، أو بالسبب ، أو بالتسبب بالسبب إلى وجود المعاملة.

واما لو كان النهي  متعلقا بأجزاء السبب وشرائطه فيكون كما في العبادات محمولا على الارشاد لبيان الكيفية اللازمة في السبب وما هو المانع والمخل بالمعاملة ، الا ان الفرق بينهما وبين العبادات حينئذ كان في الأصل الجاري فيها عند الشك في مولوية النهي  وإرشاديته ، فإنه في العبادات يفصل بين صورة تعلق النهي  بعنوان العبادة وبين صورة تعلقه بأجزائه وشرائطه، فكان الأصل في الأول عند الشك في المشروعية عدمها ، وفى الثاني المحتمل المانعية فيه كان الأصل هو البراءة عنها والصحة ، بخلافه في المعاملات ، فإنه على كل تقدير كان الأصل هو عدم المشروعية وعدم النفوذ نظراً إلى عدم جريان البراءة فيها حينئذ لا عقلا ولا نقلا حتى يصبح الحكم بنفوذ المعاملة وصحتها ، وذلك من جهة ان البراءة العقلية مجريها العقوبة ، ولا الزام في المعاملة حتى تنفى العقوبة المحتملة من جهة الشيء المشكوك المانعية والمخلية ، واما البراءة النقلية فمجريها الامتنان ، ولا امتنان في المقام في اثبات الصحة برفع المشكوك المانعية ، من جهة استلزامه لوجوب الوفاء الذي هو خلاف الامتنان في حقه.

 لا يقال : ان ذلك كذلك في مثل دليل الرفع ونحوه مما كان مسوقا في مقا الامتنان لا في مثل دليل الحلية مما لا يكون كذلك وحينئذ لولا دعوى اختصاصه بالحلية التكليفية لا بأس بدعوى جريانه واقتضائه لنفوذ المعاملة بإجرائه في نفس المعاملة حيث إنه باقتران المعاملة بمشكوك المانعية والمخلية يشك في حليتها وضعا ونفوذها في النقل والانتقال فبدليل الحلية يثبت كونها حلالا وضعا ومؤثرا في النقل والانتقال ، فإنه يقال : نعم ولكنه من جهة اختصاصه بخصوص الحلية التكليفية غير جار في المعاملات حتى يقتضي صحة المعاملة ونفوذها ، ومن ذلك أيضا لم يتوهم أحد من الأصحاب جريان هذه الأدلة في أبواب المعاملات لإثبات الصحة فيها ، بل ومع الشك اطبقوا على جريان أصالة الفساد ومن المعلوم انه لا يكون ذلك الا من جهة اختصاصه بالحلية التكليفية ، كما هو واضح.

هذا كله حسب ما تقتضيه القواعد ، ولقد عرفت عدم اقتضاء النهي  المولوي التحريمي للفساد مطلقا ، سواء بين تعلقه بالمسبب أو السبب أو بالتسبب به إلى المسبب ، وان المقتضى له انما هو النهي  الارشادي.

واما حسب النصوص الخاصة فقد يقال : بدلالتها على ملازمة النهي  للفساد كالخبر المروي في الكافي والفقيه عن زرارة عن الباقر(عليه السلام ) قال : سألته عن مملوك تزوج بغير اذن سيده فقال : (عليه السلام )  ذاك إلى سيده ، ان شاء اجازه وان شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله ان الحكم بن عيينة ( عتيبة ) وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : ان أصل النكاح فاسد ولا تحل إجازة السيد له ، فقال (عليه السلام )  : انه لم يعص الله سبحانه وانما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز (2) بتقريب دلالة الرواية على أن النكاح لم يكن مما حرمه الله حتى يقع فاسدا ولا يصلحه إجازة السيد ، فتدل حينئذ على ملازمة النهي  والمولوي للفساد في المعاملات ، ولكن فيه ان الظاهر من المعصية المنفية بقرينة المقابلة انما هو عدم كونه مما لم يمضه الله ولم يشرعه له كما كان ذلك هو المراد أيضا من معصية السيد حيث أريد منها عدم إجازة

السيد له وعدم اعطائه السلطنة في النكاح في قبال اذنه بذلك ، فان مقتضي المولوية والعبدية هو عدم نفوذ تصرفات العبد في شيء الا بإجازة واذن من سيده ومولاه ، فكان المراد حينئذ من قوله (عليه السلام ) : انه لم يعص الله سبحانه الخ ، هو ان النكاح ليس مما لم يشرعه الله في حقه بحسب أصل الشرع حتى يقع باطلا وانما كان عدم التشريع والامضاء من قبل سيده فإذا جاز ونحن نقول أيضا باستتباع مثل هذا النحو من المعصية للفساد بلا مجال لإنكاره من أحد.

ومما يؤيد ذلك بل يشهد عليه أيضا من عدم كون المراد من المعصية هو مخالفة النهي  التحريمي قضية عدم انفكاك معصية السيد عن معصية الله من حيث وجوب اطاعته على العبد شرعا وجوبا تكليفيا كما في إطاعة الوالد ، فإنه لولا ما ذكرنا كان اللازم في المقام هو فساد النكاح المزبور مع أنه خلاف ما تضمنه الرواية من الحكم بالصحة. ومن هذه الجهة أيضا استدل بعضهم بهذه الرواية على عدم دلالة النهي  التحريمي على الفساد بتقريب ما عرفت من الملازمة بين معصية السيد وبين معصية الله ، وان كان لا يخلو ذلك أيضا عن اشكال ، لإمكان دعوى ان صحة النكاح ونفوذه بعد إجازة السيد انما هو من جهة ارتفاع معصية الله حسب تبعيتها لمعصية سيده عنه إجازة السيد له ، والا فقبل إجازة السيد له بمقتضى كونه عصيانا للنهي التكليفي لا يكون النكاح صحيحا فعليا ومؤثرا في تحقق علقة الزوجية بل وانما غايته حينئذ كونه صحيحا شأنيا ، وعليه فلا مجال للاستدلال بهذه الرواية على عدم دلالة النهي  التحريمي على الفساد هذا.

ولئن قيل بان المقصود من اقتضاء النهي  التكليفي للفساد وعدم صحة المعاملة انما هو فسادها وعدم صحتها ولو شأنا وحينئذ فبمقتضى الملازمة بين معصية السيد وبين معصية الله تكليفا تكون الرواية لا محالة حسب تضمنها للصحة دالة على عدم اقتضاء النهي  التكليفي للفساد ، ومن ذلك لابد وأن يكون المراد من عصيان الله الموجب لفساد النكاح بعد عدم انفكاك معصية السيد عن معصية الله تبارك وتعالى هو العصيان الوضعي دون العصيان التكليفي ، نقول : بأنه كذلك إذا كان العصيان المتحقق في الفرض راجعا إليه سبحانه من جهة كونه مخالفة لتكليف من تكاليفه بحيث يستحق العقوبة من قبله ، وليس الامر كذلك بل العصيان في المقام انما هو راجع إلى مخالفته لمقتضي حق المولوية المجعول من قبله سبحانه لسيده ، من جهة ان مقتضي المولوية هو عدم جواز تصرف العبد في شيء الا باذنه ورضاه ، فلا يكون مثل هذا العصيان حينئذ راجعا سبحانه كعصيانه لتكاليفه كالصلاة والصوم ونحوهما ، حتى يوجب استحقاق العقوبة ويوجب فساد المعاملة.

 وحينئذ فلو ادعى أحد اقتضاء النهي المولوي التحريمي لفساد المعاملة لا مجال للاستدلال بالرواية المزبورة في القبال على عدم دلالة النهي  التكليفي للفساد كما لا يخفى ، فتأمل.

 نعم كما لا دلالة لها على عدم اقتضاء النهي للفساد لا دلالة لها أيضا على اقتضائه للفساد من جهة ما عرفت من ظهورها في إرادة العصيان الوضعي بمعنى عدم المشروعية ، فتدبر.

ومن الاخبار التي استدل بها للفساد رواية ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام )  قال من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشيء ، من خالف كتاب الله عز وجل رد إلى كتاب الله عز وجل (3) ، وبمضمونه أيضا روايات كثيرة (4) ولكن الجواب عنها يظهر مما سبق حيث إن مخالفة الطلاق ثلاثا في مجلس واحد لكتاب الله والسنة انما هي من جهة كونه مما ردع الله عنه ولم يشرعه في كتابه ، ونحن نقول بالفساد فيما كان من هذا القبيل.

ثم إن المحكي عن أبي حنيفة والشيباني انما هو دلالة النهي  التكليفي على الصحة ، وقد حكى عن الفخر موافقتهما في ذلك.

وهو كذلك في المعاملات فيما لو كان النهي  عنها بلحاظ الآثار ، من جهة وضوح اعتبار القدرة على المتعلق في النهي  كما في الامر ، فإذا كانت المعاملة فاسدة من جهة النهي  يلزم عدم كونها مقدورا للمكلف ، ومعه لا يكاد يصح توجيه النهي  إليه عن ايجادها وحينئذ فوجود النهي  عن المعاملة بالفرض يقتضي كونها مقدورة له ، ومقدوريتها له تقضي صحتها وهو المطلوب ، هذا إذا كان النهي  عن المعاملة بلحاظ المسبب أو بلحاظ التسبب بها إليه ، واما لو كان النهي  عنها بلحاظ السبب فهو غير مقتض لصحتها وترتب الآثار عليها إذ لا يلزم من مجرد مقدورية السبب ترتب الأثر عليه ، كما هو واضح.

واما في العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالركوع والسجود ونحوهما من الأمور الموضوعة لان تكون آلات للخضوع فكذلك أيضا فإنها كانت مقدورة وكانت مع النهي  باقية على وصفها العبادي ، فيتمكن من الاتيان بها صحيحة مع النهي  ، حيث كان صحتها عبارة أخرى عن تحقق ذواتها ، نعم غاية ما هناك هو عدم وقوعها مقربة له من جهة احتياج مثل هذا النحو من العبادة في مقربيتها إلى عدم كونها مبغوضة للمعبود له. واما ما كان منها عبادة من جهة قصد القربة المتوقفة عباديتها على الامر بها أو رجحانها فلا يلزم من النهي  عنها صحتها ، بل في مثله يستحيل تعلق النهي  بها يوصف كونها عبادة فعلا ، فالنهي حينئذ انما يكون متعلقا بذات الشيء بما له من الاجزاء والشرائط غير الوصف الناشئ من قبل الامر به نعم لو أريد من الصحة حينئذ الصحة التي يدعيها القائل بالوضع للصحيح : من كون الشيء واجدا لجميع الاجزاء والشرائط وكونه وافيا بالغرض على تقدير الامر به ، لكان لدعواه كمال مجال ، ولكنه لا ينتج ما هو المطلوب من الصحة الفعلية ، كما هو واضح.

بقى الكلام في النهي التشريعي، في أنه هل يوجب فساد العبادة أو المعاملة أم لا ؟ ولتوضيح المرام ينبغي بيان حقيقة التشريع في الاحكام فنقول : ان حقيقة التشريع بعد أن كانت من سنخ البناء القلبي الذي هو من أفعال الجوانح دون الفعل الخارجي الذي هو من أفعال الجوارح فتارة في مقام التشريع يبنى الانسان على وجوب الشيء أو حرمته لكن لا بما انه من الدين ، نظير القوانين المجعولة من طرف السلطان بين الرعية وأخرى يبنى على وجوب شيء أو حرمته في الدين بما انه مشرع ، وذلك بان يدعى نفسه شارعا كالنبي (صلى الله عليه واله ) ثم في مقام شارعيته يجعل الشيء الفلاني واجبا أو حراما أو غير ذلك ، وثالثة يبني على وجوب شيء أو حرمته في الدين بما انه هو الحكم المنزل من الله سبحانه بتوسيط رسوله من دون ادعائه الشارعية لنفسه ، وعلى التقادير تارة يخبر أو يعمل على طبق تشريعه ، وأخرى لا يخبر ولا يفتى بذلك ولا كان له عمل على طبق ما شرعه ، كما لو كان تشريعه في حكم عمل غيره الذي هو أجنبي عنه ، ثم على التقدير الأخير تارة يكون تشريعه في أصل الحكم الشرعي وأخرى في تطبيقه على المصداق الخارجي ، فهذه صور متصورة في التشريع.

وبعد ذلك نقول : اما القسم الأول فلا مجال لدعوى كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا فان مجرد البناء والالتزام على وجوب شيء لا بما انه من الدين والشرع لا يقتضي كونه قبيحا عقلا ومحرما شرعا بوجه أصلا وان كان قد عمل على طبق ما شرعه فضلا عما لو لم يكن له عمل على طبقه.

واما القسم الثاني فكذلك أيضا من حيث تشريعه وبنائه على وجوب شيء أو حرمته نعم انما يكون المحرم في هذا القسم هو حيث ادعائه الشارعية لنفسه ، حيث إنه من أكبر المعاصي وكان العقل أيضا مستقلا بقبحه.

كما أنه لا ينبغي الاشكال أيضا في قبح القسم الثالث وحرمته إذ كان فضوليا في امر المولى وكان اخباره بذلك أيضا افتراء عليه.

نعم يبقى الكلام حينئذ في أن حكم العقل بالقبح في المقام هل هو بنحو يستتبع حكمه أيضا باستحقاق العقوبة كما في حكمه بقبح المعصية لكونها ظلما على المولى.

 حتى لا يكون المورد قابلا للحكم المولوي الشرعي ، أو انه بنحو لا يستتبع للحكم باستحقاق العقوبة كما في حكمه بقبح الظلم حتى يكون المورد قابلا للحكم المولوي الشرعي وكان المجال أيضا لاستكشاف الحكم الشرعي بقاعدة الملازمة بناء على تماميتها؟ وفي مثله لا يبعد دعوى كونه من قبيل الثاني إذ نقول : بان التشريع وان كان نحو ظلم على المولى لكونه تصرفا في سلطانه بحيث يستقل العقل بقبحه ، الا انه لا يكون بمثابة يستتبع الحكم باستحقاق العقوبة كما في العصيان ، بل هو من هذه الجهة نظير الظلم على النفس الذي يحكم العقل فيه بالقبح من دون حكمه باستحقاق العقوبة عليه ، وعليه فكان كمال المجال لدعوى كونه محكوما بالحرمة المولوية الشرعية بمقتضي الملازمة ، ولكن حيث إن روح التشريع وحقيقته من سنخ البناء آت القلبية من غير دخل فيه للأخبار أو الفتوى على طبقه بل ولا للفعل الخارجي الجوارحي ، بشهادة تعلق التشريع بحكم فعل الغير كالتشريع في ايجاب الصلاة والصوم على الحائض والنفساء ، فلا جرم ما هو المحرم بالحرمة التشريعية أيضا لا يكون الا نفس البناء القلبي الذي هو من فعل الجوانح دون العمل الخارجي أو الافتاء بشيء ، كما هو واضح.

وحينئذ فما أفيد من حرمة الافتاء والعمل الخارجي بالحرمة التشريعية أيضا بتخيل ان التشريع عبارة عن الفعل الصادر عن البناء المزبور كان الفعل هو الافتاء بشيء أو العمل الخارجي دون نفس البناء القلبي مجردا عن العمل والافتاء ودون الفعل الخارجي مجردا عن كون نشوه عن البناء المزبور ، وان الفعل الناشئ عن البناء القلبي هو مصداق التشريع المحرم ، منظور فيه ، لما عرفت من أن روح التشريع وحقيقته ليس الا عبارة عن نفس البناء القلبي ، وان العمل والافتاء كالأخبار به خارج عن حقيقة التشريع ، حيث كان مرجع الافتاء إلى كونه اظهارا وابرازا لذلك البناء القلبي كالأخبار ، ومرجع العمل إلى كونه امتثالا لما شرعه بحسب بنائه على الوجوب أو الحرمة ، وعليه فلا يكاد يوجب حرمة التشريع حرمة الافتاء والعمل الخارجي الجوانحي ، حتى يوجب فساده إذا كان عبارة ، ولو مع فرض انكشاف مشروعية المأتي به واقعا وتبين كون ما بنى على وجوبه أو جزئيته باعتقاد حرمته وما نعيته واجبا شرعا وجزء للمأمور به واقعا وفرض كون تشريعه في تطبيق المأمور به على المصداق لا في مقام الامر الشرعي.

ومن ذلك البيان ظهر أيضا بطلان ما أفيد بان ذات العمل وان لم يكن قبيحا ومبغوضا حينئذ الا انه من حيث صدوره من المكلف كان قبيحا ومبغوضا ، ومعه لا يكون قابلا للتقرب به ، وجه البطلان يظهر ما سبق من كون المحرم هو البناء القلبي الذي هو من فعل الجوانح وخروج العمل بقول مطلق عن موضوع التشريع المحرم ، كيف ومع الغض عن ذلك نقول : بان ما هو القبيح حينئذ انما كان حيث إضافة العمل إلى الفاعل دون نفسه ، وفي مثله لا بأس بالتقرب بذات العمل بعد فرض كونه راجحا واقعا وكون تشريعه أيضا في تطبيق ما هو المأمور به على المصداق الخارجي لا في ناحية الامر الشرعي فتأمل ، وعلى فرض سراية القبح والمبغوضية إلى ذات العمل ولو بدعوى اتحاد الوجود والايجاد وكون الاختلاف بينهما بالاعتبار ، نقول انه وان كان يلزمه حينئذ فساد العبادة ، لكن يلزمه أيضا المصير إلى الفساد في المعاملة أيضا بناء على ما سلكه القائل المزبور من اقتضاء النهي  عن المعاملة لفسادها ، من جهة اقتضاء النهي  لخروج المعاملة عن حيطة قدرة المكلف وسلطانه ، إذ حينئذ بمقتضي هذا النهي  التشريعي يخرج العمل عن حيطة قدرته وسلطانه بنحو كان له الفعل والترك ، ومع خروجه عن حيطة قدرته وكونه أجنبيا عنه لا جرم يبطل المعاملة ، فلا يصح حينئذ التفكيك بين العبادات والمعاملات في اقتضاء النهي  التشريعي للفساد ، هكذا افاده الأستاذ -دام ظله - في بحثه.

ولكن أقول : بان التأمل في كلمات القائل المزبور يقتضي عدم ورود هذا الاشكال عليه حيث إنه (قدس سره) انما يدعى خروج النقل أو العمل عن حيطة قدرة المكلف وسلطانه بالنهي أو الامر فيما لو كان النهي  أو الامر متعلقا بالشيء بمعناه الاسم المصدري لا مطلقا ولو كان المنهي  عنه هو الشيء بمعناه المصدري ، وعليه فإذا كان المنهي عنه في المقام على ما صرح به في التقرير حيث إضافة اصدار العمل من المكلف بهذا العنوان لا نفس الصادر فلا يكون فيه جهة مبغوضية أصلا ، فلا جرم يلزمه الالتزام بعد الفساد في المعاملة ، واما التزامه بالفساد في العبادات فإنما هو من جهة اعتباره في صحة العبادة رجحان العمل في نفسه وعدم اتصافه بالقبح الفاعلي ، فحيث ان الفعل المشرع به في المقام يصدر عنه مبغوضا وقبيحا بالقبح الفاعلي ولم يكن قابلا للتقرب من هذه الجهة التزم فيها بالفساد ، هذا.

ولكن الذي يهون الامر هو فساد أصل هذا المبني لما تقدم من أن ما هو القبيح والمبغوض انما كان هو البناء القلبي لأنه حقيقة التشريع ، وروحه وان الافتاء وكذا العمل على طبق هذا البناء فخارج عن حقيقة التشريع ، وفي مثله لا يكاد سراية الحرمة والمبغوضية منه إلى نفس العمل بوجه أصلا ، ولو بحيث إضافة اصداره من الفاعل.

 وعلى ذلك نقول : بأنه لو شرع وبنى على وجوب شيء أو جزئيته أو شرطيته في العبادة جهلا أو معتقدا بالخلاف ، وعمل أيضا على طبق ما شرع جزء أو شرطا أو مانعا ، فتبين بعد ، كون المشرع به مطابقا للواقع بحيث لم يقع منه اخلال في عمله بما هو الواجب والمأمور به في حقه، فلا جرم تصح عبادته ما لم يكن هناك اخلال بالقربة من جهة الامر ، بان كان تمام داعيه على الاتيان هو الامر الشرعي الحقيقي وكان تشريعه ممحضا في تطبيق المأمور به على المأتي ، والا فتبطل من جهة اخلال بالتقرب ، هذا ذا تبين كون العمل المشرع به مطابقا للواقع.

واما تبين الخلاف ففيه صور :

فعلى فرض مانعية الجزء أو الشرط المشرع به في الواقع فلا محالة تبطل العبادة لمكان ايجاد المانع فيها ، كما أنه كذلك أيضا فيما لو بنى على مانعية شيء للصلاة ولم يأت به فتبين كونه جزء أو شرطا في الواقع فإنه تبطل العبادة في هذا الفرض أيضا لمكان النقيصة ، واما على فرض عدم جزئية ما بنى على جزئيته أو شرطيته واقعا فيبنى البطلان وعدمه على مبطلية الزيادة.

وعلى أي حال فمجرد التشريع في العبادة لا يقتضي البطلان ، بل الفساد والبطلان لابد وأن يكون من جهة أخرى كمحذور الزيادة أو النقيصة أو غير ذلك ، هذا في العبادات ، وهكذا في المعاملات فيدور الفساد فيها مدار الاخلال خارجا بما هو المعتبر فيها شرطا أو شطرا أو مانعا، وهو واضح.

 

___________
1 ـ ج 1 ص 235.

2ـ وسائل الشيعة ، ج 14 ص 523 الباب 24 من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث 1. والكافي ج 5 ص 478 الحديث 3.

3 و 4 ـ الوسائل ، ج 15 ص 313 ، الباب 29 من مقدمات الطلاق الحديث 8 و ...




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.