المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات خدمة الثوم بعد الزراعة
2024-11-22
زراعة الثوم
2024-11-22
تكاثر وطرق زراعة الثوم
2024-11-22
تخزين الثوم
2024-11-22
تأثير العوامل الجوية على زراعة الثوم
2024-11-22
Alternative models
2024-11-22



تقسيمــات الواجب  
  
1728   01:07 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : حسين البروجردي الطباطبائي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأصول
الجزء والصفحة : ص.155
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

(فمنها) ان الواجب اما مطلق أو مشروط وقد عرف بتعاريف لا يهمنا ذكرها والنقض والابرام فيها، (والاحسن) ما ذكره شيخنا الاستاد في الكفاية (وتوضيحه) ان وصفى الاطلاق والاشتراط وصفان اضافيان فلا يتواردان على موضوع واحد من جهة واحدة فانه مقتضى تقابل المتضائفين ولكن يجوز صدقهما معا على موضوع واحد بجهتين. وعلى هذا فكل واجب إذا لوحظ بالإضافة إلى شيء آخر فأما ان يكون وجوبه مشروطا بوجود ذلك الشيء بحيث يتوقف وجوبه على وجوده، واما ان لا يكون كذلك بان لا يكون لوجود ذلك الشيء دخل في وجوبه وان كان دخيلا في وجوده (فعلى الاول) يكون الواجب بالإضافة إلى هذا الشيء مشروطا وان كان بالإضافة إلى شيء آخر مطلقا، (وعلى الثاني) يكون الواجب بالإضافة إلى هذا الشيء مطلقا وان كان بالإضافة إلى شيء آخر مشروطا، فكل واجب مشروط بالنسبة إلى بعض الاشياء ولا اقل من الشرائط العامة، ومطلق بالنسبة إلى اشياء اخر، فالإطلاق والاشتراط نظير الابوة والبنوة لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة ولكن يجتمعان من جهتين.

(واعلم) ان الشرط في الواجب المشروط يمكن ان يكون من المقدمات الوجودية للواجب ايضا كالقدرة، ويمكن ان لا يكون منه كالاستطاعة الشرعية في الحج. (واما ما تراه) في كلام بعضهم من تعريف الواجب المشروط بما يتوقف وجوبه على ما يتوقف عليه وجوده فليس مرادهم من ذلك حصر مقدمة الوجوب في المقدمات الوجودية بل لما كان محط كلامهم مسألة وجوب المقدمة (ولا محالة يكون هذ البحث في المقدمات الوجودية للواجب) ارادوا ان ينبهوا على ان النزاع في وجوب المقدمات الوجودية انما هو في غير ما يكون منها مقدمة للوجوب ايضا، فان ما كان منه كذلك لا يمكن ترشح الوجوب من ذي المقدمة إليها، إذ قبل وجودها لا وجوب لذيها، وبعده لا معنى لترشح الوجوب إليها لاستلزامه تحصيل الحاصل، وبالجملة تعريفهم هنا للواجب المشروط ليس لغرض التعريف حتى يجب كونه جامعا ومانعا، بل كان غرضهم استثناء بعض المقدمات الوجودية من محل النزاع في مسألة وجوب المقدمة. (إذا عرفت ما ذكرنا فنقول) إذا ورد جملة شرطية وكان جزائها امرا أو نهيا أو نحوهما مما يدل على طلب وجود الفعل أو تركه مثل ان يقول المولى: (ان جائك زيد فأكرمه) ففيها بالنظر البدوي احتمالان (الاول) ان يكون الشرط قيدا لمفاد هيئة الامر أو النهى وهو الطلب أو الزجر الحتمي بان يكون الطلب والوجوب مثلا مقيدا، والمتعلق اعني الاكرام مطلقا، فيكون حاصل معنى الكلام انه يجب عليك عند مجيئ زيد الاكرام، ولازم ذلك ان الشرط ان كان لا يتحقق ابدا فلا وجوب اصلا، وعلى فرض تحققه في زمان فلا وجوب قبل تحققه بل الوجوب يتحقق بعد تحققه الا إذا اعتبر على نحو الشرط المتأخر. (الثاني) ان يكون قيدا لمفاد مادة الامر أو النهى اعني الاكرام مثلا ويكون مفاد الهيئة مطلقا، فيكون مفاد الكلام المذكور انه يجب عليك الاكرام المقيد بكونه عند مجيئ زيد، فالوجوب مطلق غير مقيد بمجيئ زيد ولكنه تعلق بالإكرام المقيد، فالوجوب يتحقق بنفس الانشاء جاء زيد أو لم يجئ هذا بحسب مقام الثبوت. (واما في مقام الاثبات) فاختار المشهور رجوع القيد إلى الهيئة وصيرورة الوجوب في امثال ذلك مشروطا بحصول الشرط، (وقال شيخنا الانصاري قده) على ما في تقريرات بعض الاعاظم المقرر لبحثه: ان مقتضى القواعد العربية وان كان رجوع القيد إلى الهيئة كما اختاره المشهور ولكن مقتضى الدقة والتحقيق ارجاعه إلى المادة (وحاصل) ما يوجد في كلامه من الاستدلال عليه وما يمكن ان يستدل، لمرامه امور (الاول) الدليل اللبي وقد استدل به هو (قدس سره) (وحاصله) ان كل من توجه إلى فعل من الافعال ولحظه بحدوده واطرافه فاما ان يتعلق غرضه به مطلقا باى وجه حصل وفى أي زمان وجد واما ان لا يتعلق غرضه به على اطلاقه بل يتعلق به مقيدا بكونه في زمان خاص أو مكان خاص، أو بكون حصوله على وجه خاص، فالإطلاق والتقييد انما يقعان (بحسب مقام الثبوت) فيما يتوجه إليه النفس ويتعلق به الغرض وهو نفس الفعل المأمور به (الثاني) ان الانشاء عبارة عن الايجاد ولا يعقل وقوع التعليق في الايجاد. (الثالث) ان هيئة الامر والنهى موضوعان (بالوضع العام والموضوع له الخاص) لخصوصيات الطلب وجزئياته لا لمفهوم الطلب، وإذا كان الموضوع له للهيئة معنى جزئيا فكيف يتصور تقييدها إذ الاطلاق والتقييد انما يجريان في المفاهيم الكلية. (الرابع) ان مفاد الهيئة (وهو الطلب) معنى حرفي غير ملحوظ استقلالا كما عرفت ذلك سابقا وانما يتعلق به اللحاظ الاندكاكى في ضمن لحاظ متعلقه كسائر المعاني الحرفية، والشيء ما لم يتوجه إليه النفس ولم يلحظه مستقلا لم يعقل تقييده، إذ التقييد متوقف على لحاظ المطلق اولا، هذا. (ثم انه قدس سره ) توجه إلى اشكال في المقام وهو ان الطلب المطلق إذا تعلق بفعل مقيد بقيد اختياري كان مقتضى اطلاق الطلب ايجاد المقيد ولو بإيجاد قيده، وعلي هذا فيلزم على ما ذكره قده (من ارجاع القيد مطلقا إلى المادة وابقاء الطلب بإطلاقه) وجوب تحصيل الاستطاعة في باب الحج مثلا مع كونه مخالفا لضرورة الدين.

وحيث توجه إلى ورود هذا الاشكال تصدى لدفعه (وحاصل ما ذكره في دفعه) ان الاحكام الشرعية لما كانت على مذاق العدلية تابعة للمصالح والمفاسد الكامنة في المتعلقات وكانت المصالح والمفاسد مما تختلف بالوجوه والاعتبارات (فتارة) يكون الفعل المقيد بقيد خاص ذا مصلحة سواء كان قيده متعلق للتكليف واتى على وجه الامتثال أو لم يكن متعلقا له ولم يؤت كذلك (واخرى) يكون الفعل المقيد بقيد خاص ذا مصلحة بشرط ان يكون قيده مكلفا به ومأتيا على وجه الامتثال بحيث يكون وقوع القيد تحت الامر واتيانه على وجه الامتثال ايضا دخيلا في حسن الفعل المقيد وصيرورته ذا مصلحة نظير الصلاة المقيدة بالطهارات الثلث العبادية. (وثالثة) يكون الفعل المقيد بقيد خاص ذا مصلحة بشرط ان لا يكون قيده واقعا تحت الامر بحيث يكون لكون القيد غير مكلف به دخل في كون المقيد حسنا وذا مصلحة، فلا محالة يجب على المولى في الصورة الثالثة الامر بالمقيد بنحو لا يسرى إلى قيده ولا يصير تحصيله واجبا، وعلى هذا فيمكن ان يكون مثال الحج ونظائره من هذا القبيل فالقيد فيها على طريق المعاكسة مع الواجبات التعبدية وقيودها التعبدية، فكما ان للأمر والتكليف دخل في صيرورتها ذات حسن ومصلحة فكذلك يكون لعدم تعلق التكليف بالقيد دخل (فيما نحن فيه) في صيرورة المقيد بهذا القيد ذا مصلحة وحينئذ فيجب على المولى الامر بالمقيد المشتمل على المصلحة ولكن بنحو لا يسرى امره إلى القيد (انتهى).

(اقول): وفي بيانه (قدس سره) نظر إذ كون شيء مأمورا به يمكن ان يكون دخيلا في حسنه وصيرورته ذا مصلحة لجواز ان يكون تعلق الامر به موجبا لطرو عنوان، به يصير حسنا وذا مصلحة كعنوان الامتثال مثلا حيث انه لا ينطبق على فعل الابعد كونه مأمورا به واتيانه بداعي هذ الامر، وهذا بخلاف ما نحن فيه فان عدم تعلق الامر لا يعقل ان يكون دخيلا في اشتمال الفعل على المصلحة وهل يقبل وجدانك ان يكون فعل من الافعال ذا مصلحة ويكون تعلق الامر به موجبا لخروجه من كونه كذلك؟ وبالجملة فنحن لا نتعقل ان يكون لعدم التكليف بشيء دخل في كونه ذا مصلحة، هذا. وقد حررنا فيما علقناه سابقا على كفاية شيخنا الاستاد العلامة (قدس سره) بعض ما يناسب المقام فالأنسب نقله بألفاظه قوله (دام علوه) فانه جعل الشيء واجبا على تقدير حصول ذاك الشرط (الخ).

(اقول): لا يخفى ان هذ التعليل لا يلائم القول بأطلاق الهيئة ورجوع القيد إلى المادة فان معناه عدم الوجوب على تقدير عدم حصول الشرط، ومقتضى عدم تقييد الهيئة هو ثبوت الوجوب وجد هذا القيد ام لم يوجد. (وبعبارة اخرى) مقتضى التعليل عدم استحقاق العقوبة على تقدير عدم الواجب بترك القيد المذكور إذا كان اختياريا، ومقتضى اطلاق الوجوب وتقييد الواجب انه واجب سواء وجد ام لم يوجد (نعم) إذا كان غير اختياري لا يستحق عقوبة على تقدير عدمه، (هذا) مضافا إلى ان تقييد الواجب بأمر اختياري مع اطلاق الوجوب يستلزم سراية الوجوب إليه على القول بالملازمة بل وعلى القول بعدمها بناء على ما تقدم من كون القيد كالجزء في كونه واجبا بنفس وجوب المقيد فكيف يمكن عدم وجوب القيد مع وجوب المقيد وهذا واضح (نعم) يستفاد من تقريرات بعض افاضل تلامذة الشيخ (رحمه الله) وجه آخر لعدم سراية الوجوب إليه وهو انه كما يمكن ان يكون فعل ذا مصلحة مطلقا، ويمكن ان يكون ذا مصلحة إذا وجد متعلق للتكليف كالعبادات، كذا يمكن ان يكون ذا مصلحة إذا وجد غير متعلق للتكليف ام بتمامه أو ببعض قيوده ومقدماته وحينئذ لابد من عدم الامر به مطلقا ان كان عدم التكليف به بقول مطلق دخيلا في ترتب المصلحة عليه، أو الامر به مع عدم اسراء الايجاب إلى القيد ان كان عدم التكليف بالقيد معتبرا في ترتبها، وحينئذ لابد من عدم سراية الوجوب إلى القيد لكونه نقضا لغرضه، (وهو) ايضا لا يخلو عن الاشكال لانه ان فرض كون الغرض والمصلحة مترتبا على الفعل المقيد بالقيد الذى يوجد قيده غير متعلق للتكليف، لزم عدم الامر بالمقيد إذ تعلقه به مستلزم لكون القيد متعلقا له بناء على كونه كالجزء (نعم) بناء على كونه كالمقدمات العقلية الخارجية وارجاع المقيد إلى عنوان بسيط موقوف على وجود القيد توقف المعلول على علته، امكن دعوى عدم السراية بدعوى ان الملازمة انما تكون بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته إذا كانت قابلة له، وفيما نحن فيه ليست المقدمة قابلة له لكونها مقيدة بعدم الامر فيلزم من وجوبها اجتماع النقيضين، لكن لا يخفى ان الامر بالمقيد وان لم يسر إلى القيد بأحد الوجهين لكن العقل يحكم بلزوم اتيانه لإطاعة ايجاب ذي المقدمة والتخلص من تبعة مخالفته (1) لان الفرض انه مطلق فيحكم ارشادا بلزوم تحصيله لتنجز الامر المطلق بما يتوقف عليه واستلزام تركه لامتناع الواجب المطلق المتوقف عليه وهذا لا يرتفع الا بدعوى تقييد الوجوب بوجود هذا القيد ولو بنحو الشرط المتأخر (انتهى ما اردنا نقله عن التعليقة). هذه خلاصة ما قيل في المقام وان شئت تحقيق المسألة (فاعلم) ان اللازم اولا هو الرجوع إلى مقام الثبوت وبيان ما هو الملاك في تقييد المادة وما هو الملاك في تقييد الهيئة، والتأمل في انه هل يتصور (بحسب مقام الثبوت) كون مفاد الهيئة مقيدا أو لا يتصور؟ (فنقول وعليه التكلان): ان الاوامر الشرعية المتعلقة بأفعال المكلفين ليست جزافية بضرورة من مذهب العدلية، بل كل واحد من الاوامر الشرعية قد صدر عن الشارع اما من جهة كون متعلقه مشتملا على مصلحة ملزمة اريد ايصالها إلى العبد، أو من جهة كون المتعلق رافعا للمفسدة الحاصلة للعبد أو دافعا للمفسدة المتوجهة إليه وحينئذ (فقد يرى المولى) ان الفعل الكذائي على اطلاقه وبأي وجه حصل مشتمل على المصلحة أو رافع لمفسدة موجودة أو دافع لمفسدة متوجهة فحينئذ يأمر به مطلقا غير مقيد بشيء من القيود (وقد يرى) ان الفعل الكذائي حال كونه مقيدا بقيد خاص مشتمل على المصلحة أو رافع أو دافع للمفسدة فلا محالة يأمر به حينئذ مقيدا بالقيد الذى يكون دخيلا في اشتماله على المصلحة أو رفعه أو دفعه للمفسدة، فملاك تقييد المادة في مقام الثبوت هوان يكون المشتمل على المصلحة أو الرافع أو الدافع للمفسدة عبارة عن الفعل المقيد بقيد خاص لا نفس الفعل على اطلاقه. (واما تقييد الهيئة) فإنما يتصور بملاكه في موضعين :

(الاول) ان يكون الغرض من الامر دفع المفسدة المتوجهة أو رفع المفسدة الموجودة ولكن كانت المفسدة أمر يوجد على تقدير خاص، اما لان هذا التقدير الخاص بنفسه جالب للمفسدة، واما لكونه ملازما لما يوجب المفسدة فحينئذ يجب ان يكون طلب المولى وبعثه نحو العمل (الذى اريد به دفع المفسدة) مقيدا بتحقق هذا التقدير إذ في غير هذ التقدير لا ملاك لبعثه، ومثال ذلك في الاوامر الشرعية في غاية الكثرة كقوله: ان ظاهرت فاعتق رقبة أو ان اصبت الصيد في الحرم فعليك كذا مثلا، فان الشارع لما رأى ان الظهار مثلا امر جالب للمفسدة أو ملازم لم يجلبها، وكان غرضه انجاء العبد من المفسدة المتوجهة إليه اما بتمام مراتبها أو ببعضها فلا محالة تعلق طلبه بما هو دخيل في انجاء العبد وتخليصه من المفسدة كالعتق مثلا، ولكن لما كان توجه المفسدة على تقدير الظهار دون غيره كان عليه تقييد طلبه المتعلق بالعتق بصورة وجود الظهار إذ في غيرها لا مفسدة حتى يريد دفعها أو رفعها، ولا مورد في هذا المقام لإرجاع القيد إلى المادة اعني العتق لما ذكرناه من ان تقييد المطلوب انما يصح فيما إذا كان القيد دخيلا في كون المطلوب ذا مصلحة أو رافعا أو دافعا للمفسدة، وفيما نحن فيه ليس كذلك فان الرافع للمفسدة التي تتوجه على تقدير الظهار انما هو نفس العتق لا العتق المقيد بالظهار لان الظهار كان جالبا للمفسدة فلا يعقل دخالته في رفع اثر نفسه. (وان شئت) وضوح ذلك فانظر إلى المثال المعروف في هذا المقام، فإذا قال الطبيب إذا زاد الصفراء فعليك بالسقمونيا مثلا فهل يكون الرافع لمرض المريض المبتلى بكثرة الصفراء هو السقمونيا المقيد بازدياد الصفراء بحيث يكون جالب المفسدة ايضا دخيلا في رفعه، أو يكون الرافع له هو نفس السقمونيا على اطلاقه غاية الامر ان امر المريض باستعماله لما كان لغرض انجائه من المرض المتوجه إليه كان اللازم على الطبيب أمر المريض باستعماله على تقدير ازدياد الصفراء بحيث يكون البعث في هذا التقدير فقط، لعدم وجود الملاك (اعني توجه المفسدة) في غير هذا التقدير حتى يبعث المريض إلى ما يدفعها؟ (وبالجملة) القيد في تلك المقامات لابد من ان يرجع إلى الهيئة. (الموضع الثاني) ان يكون الغرض من الامر ايصال العبد إلى مصلحة اشتمل عليها الفعل بأطلاقه ولكن كان هناك مانع عن البعث نحو ذلك الفعل ال على تقدير خاص، ففي هذا المقام ايضا يجب في مقام الثبوت تقييد الهيئة لا المادة، إذ المفروض ان مفاد المادة اعني المطلوب بأطلاقه مشتمل على المصلحة الموجبة للأمر، (غاية الامر) ان البعث إليه لما كان مبتلى بالمانع على بعض التقادير فلا محالة وجب على المولى تقييد مفاد الهيئة اعني البعث والطلب وتخصيصه بصورة عدم وجود المانع المخصوص، ومثال هذا القسم جميع التكاليف الشرعية بالنسبة إلى الشرائط العامة اعني البلوغ والعقل والقدرة، فما اشتمل على المصلحة انما هو نفس الصلاة مثلا لا الصلاة المقيدة ببلوغ المكلف أو قدرته فلا مجال لتقييد المادة حينئذ بل الواجب على المولى حينئذ تقييد مفاد الهيئة اعني البعث لوجود المانع عن اطلاقه وهو قصور المكلف عن الانبعاث. (ومن امثلة هذا القسم ايضا) الحج المشروط بالاستطاعة فان المشتمل على المصلحة انما هو نفس الحج عن أي شخص صدر ولو من المتسكع، لا الحج المشروط بالاستطاعة ولكنه لما كان البعث إليه مطلقا موجبا للعسر الشديد بل كان موجبا لخروج اكثر المكلفين من ربقة الاطاعة فلا جرم كان على المولى من باب اللطف تخصيص بعثه بمن لا يعسر عليه. (ومثل ذلك ايضا) الزكاة المشروطة بالنصاب مثلا إذ المشتمل على المصلحة ايضا هو نفس الزكاة لا الزكاة المقيدة بالنصاب، ولكن لما كان البعث إليها مطلقا موجبا للعسر كان على المولى تخصيصه بصورة مالكية النصاب، وهكذا.

(وبالجملة) في هذين الموضعين لا مجال لتقييد مفاد المادة إذ الفرض انه بإطلاقه مشتمل على المصلحة أو دافع أو رافع للمفسدة.

(إذا عرفت) ما ذكرناه في مقام الثبوت (من صور تقييد الهيئة) فنحن في مقام الاثبات في غنى وكفاية عن الاستدلال، لظهور الجمل الشرطية في تقييد الهيئة كما لا يخفى على من له دراية بالقواعد العربية والاستظهارات العرفية، بل قد عرفت اعتراف الشيخ (رحمه الله) ايضا بان مقتضى القواعد العربية ارجاع القيد إلى الهيئة، ووجهه ظاهر، فان الظاهر من قوله: (ان جائك زيد فأكرمه) تعليق مفاد جملة الجزاء (اعني وجوب اكرام زيد) على مجيئه، وهذا المعنى مما يفهمه اهل العرف من الجمل الشرطية وعليه مدار مخاطباتهم فانهم كما يحتاجون في مكالماتهم في بعض الاوقات إلى تقييد المادة فقد يحتاجون ايضا إلى تقييد الهيئة لعدم تمكنهم من البعث الفعلى في بعض المقامات. وما ذكر من الاستدلال على عدم جواز تقييد الهيئة شبهات في قبال البداهة، فان المرجع في تشخيص المرادات من الالفاظ المستعملة هو فهم اهل العرف المستعملين لها وهم يفهمون من الجمل الشرطية بالبداهة رجوع القيد فيها إلى الهيئة، (هذا) مضافا إلى ان ما ذكر (من ان الهيئة لا تقبل التقييد من جهة انها وضعت للإنشاء وهو امر لا يقبل التقييد) يمكن ان يذب عنه بان الانشاء وان كان لا يقبل ذلك الا ان المراد من ارجاع القيد إلى الهيئة ليس تقييد الانشاء بل تقييد المنشأ فالمنشأ هو الطلب على تقدير، واما الانشاء فلا تقييد فيه اصلا. كما يمكن ان يذب عن القول باستحالة تقييد مفاد الهيئة (من جهة كونه جزئيا) بان ما ذكرت مسلم ان اريد ايجاده اولا غير مقيد ثم تقييده بعد الايجاد، واما إذا انشأ من اول الامر مقيدا فلا اشكال فيه لعدم منافات ذلك لجزئيته وخصوصيته. (نعم يمكن ان يقال): ان نظر الشيخ (قدس سره) في القول بكون القيود بأجمعها راجعة إلى المادة كان إلى ما ذكرناه سابقا من الفرق بين انشاء الطلب بمثل اضرب وبين انشائه بمثل أطلب وآمر ونحوهما حيث ان مفهوم الطلب ملحوظ في الثاني استقلالا لانه الموضوع له للفظ بخلاف الاول فانه لم يوضع لمفهوم الطلب، بل وضع لنسبة الفعل إلى فاعله، والطلب فيه من انحاء الاستعمال وقد تعلق به اللحاظ آليا، (وبعبارة اخرى) قد وضعت الصيغة لنسبة صدور الفعل إلى لفاعل، ولكن المستعمل يلحظ هذا المعنى ويتوجه إليه توجه من يريد شيئا ويطلبه، فالطلب مغفول عنه والملتفت إليه عبارة عما هو الموضوع له، والصيغة لم تستعمل لإنشاء الطلب بل هي مستعملة في النسبة الخاصة ويصير طلبا بالحمل الشائع من دون ان يكون الطلب بمفهومه ملحوظا حين الاستعمال وحينئذ فلا يعقل تقييده لتوقفه على لحاظ كل من القيد والمقيد فتدبر. (تكميل اعلم) ان الواجب المشروط على قسمين:

(الاول) ان يكون شرط الوجوب متقدما بالنسبة إلى مشروطه اعني الوجوب بمعنى عدم ثبوت الوجوب قبل وجود شرطه مثل وجوب الحج المتأخر ثبوتا عن الاستطاعة.

(الثاني) ان يكون شرط الوجوب امرا متأخر بالنسبة إلى مشروطه وذلك بان يكون الوجوب متوقفا على امر استقبالي متأخر، مثال ذلك قدرة المكلف التي هي من الشرائط العامة لجميع التكاليف فان القدرة المعتبرة في التكليف ليست هي القدرة حين التكليف لجواز تعلق التكليف بالعاجز حين التكليف القادر حين العمل، بل المراد بالقدرة التي هي من الشرائط العامة هي القدرة حين العمل، ولازم ذلك كون التكليف مشروطا بأمر متأخر بمعنى ان المكلف ان كان يقدر في متن الواقع على العمل في ظرفه فالتكليف ثابت له من أول الامر وان كان لا يقدر حين العمل فليس بثابت له من أول الامر فافهم هذا وكن منه على ذكر حتى يتبين لك عدم الاحتياج إلى تصوير الواجب المعلق بمعنى ذكره صاحب الفصول (قال ره) بعد ما قسم الواجب إلى المطلق والمشروط (ما حاصله بتوضيح منا): انه ينقسم الواجب باعتبار آخر إلى ما يتعلق وجوبه بالمكلف ولا يتوقف حصوله على أمر غير مقدور له كالمعرفة وليسم منجزا، وإلى ما يتعلق وجوبه به ويتوقف حصوله على امر غير مقدور له وليسم معلقا كالحج، فان وجوبه يتعلق بالمكلف من اول زمن الاستطاعة أو خروج الرفقة ولكن يتوقف فعله على مجيء وقته وهو امر غير مقدور للمكلف (والحاصل) ان الواجب المعلق ما كان حصوله متوقفا على أمر غير مقدور للمكلف كالوقت من غير ان يكون الوجوب مشروطا به، فالوجوب بالنسبة إلى هذا الامر مطلق والواجب مقيد.

(فان قلت): الفعل المقيد بوقت استقبالي كيف يكون واجبا مطلقا قبل حصول وقته مع كونه تكليفا بما لا يطاق فان الفعل المقيد بوقت استقبالي لا يمكن تحصيله قبل ذلك الوقت فكيف يتعلق الوجوب به قبله.

(قلت): ليس مرادنا من ثبوت الوجوب قبل الوقت كون الزمان القبل ظرفا للوجوب والفعل كليهما، بل المراد كونه ظرفا للوجوب فقط فالوجوب حالي والواجب استقبالي.

(فان قلت): إذا كان الوجوب متعلقا بأمر مقيد بوقت استقبالي فان كان الوجوب مشروطا بحصول الوقت وادراك المكلف اياه جامعا لشرائط التكليف فهذ معنى كون الوجوب مشروطا بالوقت بحيث لا يكون وجوب قبله وهذا خلاف ما فرضتموه من كون الوجوب حاصلا قبل الوقت، وان كان الوجوب مطلقا ثابتا على أي حال من دون ان يكون مشروطا بالوقت غاية الامر كون متعلقه امرا استقباليا كان لازم ذلك ثبوت الوجوب حتى بالنسبة إلى من لا يدرك الوقت أو يدركه غير قادر على الفعل.

(قلت): الوجوب بالنسبة إلى نفس الوقت مطلق غير مشروط به فهو حاصل قبله، ولكنه مشروط بأمر انتزاعي ينتزع عن ادراك المكلف الوقت واجدا لشرائط التكليف، وهذا الامر الانتزاعي مقارن للوجوب وان كان المنتزع عنه متأخرا عنه (وبعبارة اخرى) ما هو شرط للوجوب ليس هو الوقت بل هو عبارة عن كون المكلف بحيث يدرك الوقت قادرا على العمل فمن لا يدرك الوقت أو يدركه عاجزا عن العمل لم يتوجه إليه الوجوب من اول الامر، ومن يدركه قادرا على العمل كان الوجوب ثابتا له من اول الامر قبل حصول الوقت لحصول شرطه (اعني الامر الانتزاعي المشار إليه).

(وبالجملة) الوجوب في الواجب المعلق مطلق بالنسبة إلى نفس الوقت ومشروط بالنسبة إلى الامر الانتزاعي، (ثم قال قدس سره ) ما حاصله: انه من هذا القبيل كل واجب مطلق توقف تحصيله على اتيان مقدمات يحتاج تحصيلها إلى مرور زمان كالصلاة المشروطة بالطهارة، فمن ادرك الوقت غير متطهر ثبت عليه وجوب الصلاة من اول الوقت ان كان بحيث يثبت له القدرة في زمان يمكن فيه تحصيل الطهارة والصلاة بشرائطها، وان لم يكن كذلك في متن الواقع فليس الوجوب ثابتا له من اول الامر. (ومن هذا القبيل ايضا) الواجب الذى توقف حصوله على أمر مقدور للمكلف ولكن لم يمكن تعلق التكليف بهذا الامر المقدور من جهة كونه محرم شرعيا (2) (وبعبارة اخرى) الواجب الذى توقف حصوله على امر غير مقدور شرعا وان كان مقدورا عقلا كالوضوء من الماء المباح الكائن في الانية المغصوبة مع الانحصار فانه واجب على المكلف من اول الامر ان كان المكلف (في متن الواقع) ممن يقدم على المعصية والاغتراف من الآنية المغصوبة (انتهى كلامه قده في الواجب المعلق ملخصا) (اقول) والقسم الاخير الذى ذكره قده عبارة عن مسألة الترتب المعروفة، وقد اتضح لك من كلامه ان الوجوب في الواجب المعلق ليس مطلقا (بنحو الاطلاق) بل هو مطلق بالنسبة إلى الامر الاستقبالي ومشروط بالنسبة إلى الامر الانتزاعي المنتزع عن ادراك المكلف هذ الامر الاستقبالي واجدا لشرائط التكليف وعلي هذا فعد الواجب المعلق (على نحو الاطلاق) من اقسام الواجب المطلق امر واضح الفساد، وليس في كلامه (قدس سره) ايضا ما يدل على انه عده من اقسامه، فالتقسيم إلى المنجز والمعلق في عرض التقسيم إلى المطلق والمشروط، وكأن بعض افاضل العصر لم يلحظ كلام صاحب الفصول من الصدر إلى الذيل (فتخيل بعضهم) ان صاحب الفصول قسم الواجب إلى المطلق والمشروط ثم قسم المطلق إلى المنجز والمعلق. (وتوهم آخر) ان صاحب الفصول قسم الواجب (ثلاثيا) إلى المطلق والمشروط والمعلق، وقد تبين لك انه ليس هنا تقسيم واحد بل تقسيمان في عرض واحد لا يرتبط احدهما بالأخر (نعم) الواجب المعلق على تفسيره (قدس سره) مشروط دائما لاشتراطه بالأمر الانتزاعي المنتزع عن ادراك المكلف الوقت جامع لشرائط التكليف، ولكن هذا غير تثليث الاقسام أو كون احد التقسيمين في طول الاخر، (وبالجملة) المعلق عنده مشروط من جهة ومطلق من جهة اخرى فلا يمكن عده (بالضرس القاطع) من احدهما فقط. والداعي له على تصوير الواجب المعلق (بنحو ذكره) هو ما رآه من كون الوجوب (في هذه الامثلة التي ذكرها ونظائرها) مرتبطا بالأمر الاستقبالي مع كونه ثابتا قبله، وعدم تصويره للشرط المتأخر ايضا، والدليل على ثبوت الوجوب قبل وجوب تحصيل المقدمات الوجودية للواجب ان كان المكلف يعلم بكونه واجدا لشرائط التكليف حين حصول المعلق عليه. (واما نحن) ففي غنى عن تصوير الواجب المعلق بعد تصوير الشرط المتأخر فكل ما هو واجب معلق بنظر صاحب الفصول (رحمه الله) فهو عندنا واجب مشروط بشرط متأخر، بحيث يكون الوجوب ثابتا قبل الشرط ان كان الشرط (في متن الواقع) يتحقق في ظرفه. (وان ابى قده ) جواز كون الشرط متأخرا عن المشروط، فما ذكره ايضا (من اشتراط الوجوب في الواجب المعلق بأمر انتزاعي منتزع عن ادراك المكلف الوقت واجدا لشرائط التكليف) امر لا يغنى عن جوع فان الشرط بوجوده يؤثر في المشروط، ووجود الامر الانتزاعي بوجود منشأ انتزاعه، والمفروض انه أمر متأخر وهو ادراك المكلف الوقت واجدا لشرائط التكليف فلزم تأثير المتأخر في المتقدم فهو (رحمه الله) قدر كر على ما فرمنه. (ثم انه) يمكن ان يستشكل على صاحب الفصول بان وجوب تحصيل المقدمات في الواجب المعلق قبل حصول المعلق عليه مع علم المكلف بكونه واجدا لشرائط التكليف حين حصوله، امر مسلم ولكنه لا اثر لذلك في الاغلب فان الاغلب عدم علم المكلفين بكونهم واجدين للشرائط عند حصوله (ويمكن ان يذب عنه) بانه مع الشك ايضا يجب تحصيل المقدمات ان كان المكلف حين شكه واجدا للشرائط لاستصحاب الحالة الموجودة إلى زمن حصول المعلق عليه، وتأخر زمان المشكوك فيه عن زمن اجراء الاستصحاب لا يضر بعد كون الشك حاليا

(تذنيب): اعلم ان المقصود من تصوير الواجب المعلق تصحيح وجوب مقدمات ثبت وجوبها مع عدم وصول زمان الاتيان بذيها كالحكم بوجوب الغسل في ليالي شهر رمضان قبل طلوع الفجر مع كون زمان الصوم من الفجر إلى الليل، وكوجوب طي المسافة للحج قبل وصول ذي الحجة، وكوجوب شراء الزاد والراحلة قبله، وقد صارت هذه الموارد ونظائرها موجبة للتحير والاشكال (بتقريب) انه كيف يجب المقدمة مع عدم وجوب ذيها من جهة عدم وصول وقته، فتفصى صاحب الفصول عن هذا الاشكال بتصوير الواجب المعلق، فالوجوب عنده في هذه الموارد حالي والواجب استقبالي، وقد عرفت منا عدم الاحتياج إلى تصوير الواجب المعلق بل يمكن ان يقال ان الوجوب مشروط بنفس الامر الاستقبالي ولكن بنحو الشرط المتأخر، والشرط المتأخر متصور لما عرفت من عدم الدليل على اعتبار المقارنة في غير العلة التامة، وقد عرفت ايضا ان من امثلة الشرط المتأخر قدرة المكلف على الفعل فانه شرط متأخر للتكليف حيث ان المراد منها هي القدرة حين العمل لاحين الامر. (ويمكن) ان يجاب عن الاشكال ايضا بالالتزام بكون المقدمة في هذه الموارد واجبة بالوجوب النفسي التهيئى وقد أمر بها الشارع لئلا يفوت الواجب حين وصول وقته، ويسمى هذا الوجوب بالوجوب المغير ويفترق عن الوجوب الغيرى كما لا يخفى. (ومن التقسيمات التي ذكروها ايضا للواجب) انه اما نفسي أو غيرى، وقد عرفوهما بما حاصله ان الواجب النفسي ما تعلق به الوجوب والبعث لذاته ولما هو هو، والواجب الغيرى ما تعلق به البعث لا لذاته بل للتوصل به إلى واجب آخر كالواجبات المقدمية. (واستشكل على التعريفين بما ملخصه) ان الواجبات النفسية على قسمين:

(قسم منها) ما هو المحبوب ذاتا وصار حبه الذاتي داعي إلى البعث نحوه كوجوب المعرفة مثلا، وقسم منها ما ليس محبوبا بذاته بل من جهة ترتب فوائد عليها بها صارت واجبة مثل الصلاة والصوم بل وغالب الواجبات الشرعية المبعوثة إليها لما فيها من الخواص والاثار، (اما القسم الاول) فهو مما ينطبق عليه تعريف النفسي بلا اشكال، (واما القسم الثاني) فالتعريف لا ينطبق عليه بل ينطبق عليه تعريف الغيرى، فانه ان لم تكن غاياتها لازمة الحصول لم تجب، إذ ما هو المحبوب والمقصود ذاتا من البعث نحو المحصلات وان كان يتأخر في الوجود عن جميعها، ولكنه لابد من ان يتقدم في سلسلة الارادة على جميع الارادات المتعلقة بمحصلاته، فالحب والارادة يتعلقان اولا بمحبوب ذاتي فيتولد منهما ارادة البعث نحوه، ثم يتولد من الارادة المتعلقة بهذا المحبوب الذاتي ارادة متعلقة بمحصله فيتولد منها ارادة البعث نحوه، وهكذا إلى آخر سلسلة المحصلات، فإيجابها والبعث نحوها انما يكون للتوصل بها إلى فوائدها اللازمة فانطبق عليها تعريف الغيرى. (وقال شيخنا الاستاد) (قدس سره) في الكفاية بعد الاشارة إلى هذا الاشكال ما حاصله: (فان قلت): محبوبية هذه الفوائد لزوما مما لا ريب فيه ولكنها لما كانت من الخواص المترتبة على الافعال قهرا، لم يمكن تعلق الوجوب به لكونها غير مقدورة للمكلفين (قلت): المقدور بالواسطة مقدور ايضا، وهذه الخواص وان لم تكن بنفسها مقدورة ولكنها مقدورة من جهة ان اسبابها اعني الافعال الموصلة إليه داخلة تحت القدرة، الا ترى انه يصح التكليف بالتطهير والتزويج والتمليك ونحوها من المسببات التي لا يقدر عليها احد الا بإيجاد اسبابها: من الغسل والعقد ونحوهم (انتهى). (واجاب في الكفاية) عن اصل الاشكال بما حاصله: ان هذا القسم من الواجبات وان كان يترتب عليه آثار لازمة، ولكن وجوبه والبعث نحوه ليس باعتبار ترتب هذه الاثار عليه بل باعتبار ان كل واحد منها بنفسه معنون بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله وذم تاركه ففي كل واحد من هذه الواجبات اجتمع ملاك النفسية والغيرية، ولكن البعث نحوه انما يكون بملاكه النفسي اعني كونه معنونا بعنوان حسن فلذا سمى واجب نفسيا، كما ان الواجب الغيرى هو ما كان الداعي إلى البعث نحوه ملاك المقدمية، وهذ لا ينافى وجود الملاك النفسي فيه ايضا إذا لم يكن له دخل في وجوبه (هذه خلاصة ما ذكره في الكفاية). (وفيه اما اولا) فلان ما ذكره في جواب ان قلت (من ان الفوائد والخواص وان لم تكن بأنفسها مقدورة ولكنها مقدورة من جهة القدرة على اسبابها) لا يفي بالجواب فيما نحن فيه، فان المراد بالفوائد المترتبة على الواجبات (اما ان يكون) عبارة عن امور لا تنفك من الواجبات بان تكون من المسببات التوليدية نظير حركة المفتاح التي لا تنفك من حركة اليد، فالقدرة على الاسباب فيها وان كانت قدرة على المسببات، ولكن ذلك لا يناسب ما نحن فيه، فان ما نحن فيه عبارة عما إذا تحقق فعلان اختياريان توقف احدهما على الاخر وقد تعلق بأحدهما وجوب نفسي وبالأخر وجوب غيرى، والمسببات في الافعال التوليدية وان كان وجوداتها مغايرة لوجودات الاسباب، ولكن لما كان صدورها عن المكلف بعين ارادة الاسباب واصدارها، فلا محالة لا يتصور فيها وجوبان، مثلا حركة المفتاح وان كانت مغايرة لحركة اليد في الوجود ولكن لما كان صدورهما عن الفاعل بإيجاد واحد لم يكن مورد لتعلق امرين حتى يكون احدهما نفسيا والاخر ترشحيا (3) (واما ان يكون المراد بالفوائد المترتبة على الواجبات) الغايات التي تترتب عليها ولكن لا مطلقا بل مع وجود مقتضيات اخر خارجة من قدرة المكلف وفقد الموانع الواقعية بحيث يكون فعل الواجب احد الامور الدخيلة في ترتب الفائدة المترقبة، (وبعبارة اخرى) كان الغرض من ايجاب الواجب ايجاد الموقعية لترتب الفائدة. (فيرد عليه) حينئذ ان القدرة على الواجب في هذا الفرض ليست قدرة على فائدته لعدم كونها بتمام علتها تحت قدرته واختياره (وام ثانيا) فلان ما ذكره (قدس سره) في مقام الجواب عن اصل الاشكال: من ان الواجب في هذ القسم من الواجبات لتعنونه بعنوان حسن صار واجبا نفسيا. (يرد عليه) ان تعنونه بعنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله، هل يكون من جهة ان الفائدة تترتب عليه بحيث صار ترتب الفائدة علة لتعنونه بالعنوان الحسن، أو لا يكون من هذه الجهة بل الواجب في هذا القسم من الواجبات (الذى هو اكثرها أو جميعها الا ما ندر) بنفسه معنون بعنوان حسن من دون ان يكون لترتب الفائدة دخل في حسنه؟ فان كان المراد هو الاول نعترض عليه بان هذا الامر يجرى في جميع الواجبات الغيرية ايضا، فان كل واحد منها ايضا يتعنون بالعنوان الحسن من جهة اشتماله على المصلحة المترتبة عليه، وان كان المراد الثاني نعترض عليه بان هذا يوجب خلاف الفرض فان الفرض انما يكون في الواجبات النفسية التي وجبت لا لذاتها بل من جهة ترتب الفوائد عليها (هذا) مضاف إلى ان هذا خلاف البداهة للزوم ان يكون جميع الواجبات النفسية من المحسنات الذاتية، وهذا واضح الفساد.

 (إذا عرفت ما في الكفاية مع ما فيه فنقول): مقتضى التحقيق في الفرق بين الواجب النفسي والغيري هو ان يقال: ان المولى قد يلاحظ الفعل بحدوده واطرافه فيرى انه محبوب له اما لذاته أو من جهة الفوائد التي تترتب عليه ثم يشتاق لأجل ذلك إلى صدوره عن العبد فيتوجه نظره إلى بعث العبد نحوه ويلاحظ ان البعث نحوه مفيد والمانع عنه مفقود فيحصل له من جميع ذلك شوق مؤكد إلى بعث العبد وتحريكه نحو الفعل فيأمره به حقيقة، فهذا الواجب يسمى بالواجب النفسي، فالواجب النفسي عبارة عم توجه إليه نظر المولى ولاحظه بحدوده واطرافه ثم بعث العبد نحوه ببعث مستقل. (واما الواجب الغيرى) (بناء على ثبوته) فهو عبارة عما لم يتوجه إليه بما هو هو بعث مستقل بل المولى لما توجه نظره البعثي إلى ذي المقدمة ورأى ان صدوره عن العبد يتوقف على شيء، صار هذا سببا لتعلق بعث اندكاكى بهذا الشيء بما هو طريق إلى ذي المقدمة وموجب للتمكن من امتثاله، فالبعث نحو المقدمة بعث ظلي يكون بنظر ك لا بعث، وبنظر آخر تأكيد للبعث المتوجه إلى ذيها. (وبعبارة اخرى) التحريك نحو الشيء (بما هو طريق) تحريك نحو ذي الطريق حقيقة بحيث لا يكون نفس الطريق مبعوثا إليه بنظر العقلاء بل المحرك إليه والمبعوث نحوه امر واحد وهو عبارة عن ذي الطريق الواجب بالوجوب النفسي، وهذا من غير فرق بين ان يؤدي بخطاب مستقل أو لا فقول المولى لعبده مثلا ادخل السوق واشتر اللحم لا يرى عند العقلاء الا بعثا واحدا نحو امر واحد وهو اشتراء اللحم، ولنذكر لذلك مثالا وهو انك إذا اردت من عبدك الكون في مكان مخصوص ولو لغرض من الاغراض، فما هو محط نظرك وارادتك من العبد انما هو نفس كونه في المكان المخصوص ولكنك لما رأيته متوقفا على حركته إلى هذا المكان صار كل واحد من الاقدام الموضوعة والمرفوعة مرادا لك بإرادة تبعية يراها النظر العميق متعلقة بنفس الكون في المكان المخصوص مثل ما إذا كنت مريدا لكونك بنفسك في هذا المكان فان الاقدام ليست مرادة لك بإرادة مستقلة لعدم كونها محطا لنظرك، فإذا عرفت حال الارادة فقس عليها البعث والتحريك (الذين هما من مظاهرها) فتأمل. (ثم انه) إذا شك في واجب انه نفسي أو غيرى فالظاهر حمله على النفسية، فان الصيغ الانشائية وما هو بمفادها قد وضعت للبعث والتحريك نحو متعلقاتها، والبعث الغيرى المتعلق بالمقدمات ليس في الحقيقة بعثا نحو المتعلق كما عرفت وانما هو تأكيد للبعث المتعلق بذيها، فالكلام يحمل على ظاهره وهو البعث الحقيقي نحو ما تعلق به (هذا). وشيخنا الاستاذ المحقق الخراساني (قدس سره) كان يلتزم بظهورها في الوجوب النفسي وحملها عليه بوجهين:

(احدهما) الانصراف بمعنى ان البعث ينصرف إلى النفسية ما لم يثبت غيريته. (وفيه) ان مراده من الانصراف ان كان ما ذكرناه (من ان مفاد الصيغ هو البعث والتحريك نحو المتعلق حقيقة والبعث الغيرى كلا بعث بحسب الحقيقة فلذلك تنصرف إلى النفسية) فقد سلمنا الانصراف، وان كان مراده ان البعث الغيرى ايضا بعث حقيقة مثل النفسي بعينه ولكن الصيغ مع ذلك تنصرف إلى البعث النفسي فنحن نمنع هذا الانصراف.

 (الوجه الثاني) الاطلاق بتقريب ان ثبوت الوجوب في الواجب الغيرى متوقف على وجوب غيره فهو مقيد ومشروط بوجوب الغير بخلاف النفسي فانه واجب مطلقا، وحينئذ فإذا ثبت اصل الوجوب وشك في اشتراطه بكون الغير واجبا كان مقتضى الاطلاق نفى الاشتراط.

(وفيه) انا وان سلمنا ان البعث في الواجب الغيرى ايضا بعث حقيقة كما هو مفاد كلامه (قدس سره) ولكنه من الواضح انه بعث مطلق لا بعث مقيد بكون غيره واجبا وكونه مترشحا من قبل هذا الغير، فان وجوب الغير علة لوجوب المقدمة ولا يعقل كونه العلة التي هي في الرتبة السابقة على معلولها من قيود المعلول وموجبا لتضييق دائرته (ولنا ان نقول): ان الواجب الذى شك في انه نفسي أو غيرى على قسمين:

(الاول) ان يكون هنا واجب نفسي مقيدا بزمان خاص، أو مكان خاص، أو حالة مخصوصة، ويكون واجب آخر شك في انه نفسي ثابت بنحو الاطلاق أو غيرى ثابت في ظرف ثبوت الواجب الاول، فمرجع الشك في نفسيته وغيريته إلى الشك في انه يكون ثابتا في جميع الحالات والازمنة أو يكون ثابت في بعض الحالات (اعني حين ما ثبت الوجوب للواجب الاول كما هو مقتضى ارتباطه به وترشحه منه) ففي هذه الصورة يمكن القول: بان اطلاق الوجوب وعدم تقيده بزمان خاص، أو مكان خاص يقتضى كونه ثابتا في جميع الازمنة والحالات، ولازم ذلك كونه نفسيا إذ لو كان غيريا لكان مشروطا بكل ما اشترط به الواجب الاول.

(الثاني) ان يكون هنا واجب نفسي غير مشروط بحالة مخصوصة بل كان ثابتا في جميع الحالات والازمنة، ويكون واجب آخر شك في انه نفسي أو غيرى مرتبط بالأول، وفي هذه الصورة لا مجرى للإطلاق حتى يقال باقتضائه النفسية، والمحقق الخراساني كان يقول بجريان الاطلاق في هذه الصورة ايض بتقريب ذكرناه وحاصله: ان اشتراط وجوب هذا الشيء بكون غيره واجبا (الذى هو ملاك غيرية الوجوب) قيد زائد منفى بأصالة الاطلاق. (وفيه) ما مر من ان الوجوب النفسي الثابت لذي المقدمة علة للوجوب الغيرى المترشح إلى المقدمة فلا يعقل ان يكون من قيوده لكون العلة في المرتبة المتقدمة على المعلول، فما يترشح من وجوب ذي المقدمة عبارة عن ذات الوجوب الثابت للمقدمة لا الوجوب المقيد بكونه مترشحا من وجوب ذي المقدمة (4).

(تذنيب) لا ريب في ان العقل يستقل باستحقاق العبد للعقاب عند مخالفته للأوامر النفسية الصادرة عن المولى بمعنى انه لا يرى عقاب المولى اياه ظلما. (واما حكمه) باستحقاق العبد للثواب والاجر عند موافقته لها بحيث يعد عدم اعطائه الاجر ظلما في حق العبد (ففيه تأمل واشكال)، بل العقل السليم يشهد بعدمه، وذلك لحكم العقل والعقلاء بان المولى بمولويته مالك للعبد بجميع شئونه وافعاله فله امر العبد بفعل من غير ان يعطيه اجرا، وهذا من لوازم المولوية والعبودية الملازمتين للمالكية والمملوكية بجميع الشئون، وكلما كانت العبودية اشد كان عدم الاستحقاق اظهر، ففي الموالى والعبيد العرفية التي لا ملاك فيها للمولوية الا اعتبار العقلاء لانحكم بثبوت استحقاق الاجر فكيف نحكم بثبوته للعبد من مولى الموالى الذى هو معط لوجوده وحيوته وقدرته ومالك له بالملكية الحقة الحقيقية لا الاعتبارية العرفية (هذا)، مضافا إلى انه كلما امر به وبعث نحوه فهو مما لا يعود نفعه إليه بل لوحظ فيه مصلحة العبد وانجائه من المهالك الروحية وسوقه إلى المراتب الكمالية، فمثله كمثل طبيب أمر المريض بشرب دواء ينفعه فهل للمريض بعد امتثاله اوامر الطبيب ونجاته من المرض ان يطلب من الطبيب المشفق اجر الامتثال؟ لا والله بل لو طالبه ذلك لعده العقلاء من السفهاء:

(وبالجملة) العقل السليم لا يحكم باستحقاق العبد للمثوبة حتى في الاوامر النفسية (نعم) يحكم بلياقته واستعداده للتفضل، وهذا غير الاستحقاق. (ومما ذكرنا ظهر لك) ضعف ما ذكره المتكلمون: من كون ثواب الله لعبيده بالاستحقاق مستدلين على ذلك بان تحميل الغير المشقة بلا اجر قبيح، ضرورة ان تحميل الموالى بالنسبة إلى عبيدهم لا يستلزم اجرا بالوجدان.

(فان قلت): إذا لم يكن ثواب الله (تعالى) لعبيده بالاستحقاق فلم عبر عنه في الآيات والروايات بالأجر؟

(قلت): هذا التعبير ايضا من كمال تفضل الله على عبيده حيث سمى الثواب التفضلي اجرا، اعلاء لدرجة الممتثل، لا ترى انه تعالى استقرض من عبيده مع ان له ملك السموات والارض وما بينهما، تفضل عليهم واشعارا بانه يعاملهم معاملة مالك مع مثله. ثم لو فرضنا حكم العقل بان تحميل الغير المشقة ولو كان عبدا يوجب استحقاق الاجر، فلا فرق بين الواجب النفسي والغيري المأتى بداعي الامتثال لاشتراكهما في كون كل منهما مشقة تحملها العبد لتحصيل رضاية المولى، وهل يرى العقلاء في اصل تحمل المشقة فرقا بين من توضأ وصلى لامتثال امر المولى، وبين من توضأ بقصد التوصل به إلى ما وجب من قبل المولى ثم مات قبل اتيان الصلاة؟ وكيف يحكم العقل باستحقاق الاول للثواب وعدم استحقاق الثاني شيئا! مع انه ايضا بالنسبة إلى وضوئه قد تحمل المشقة التي حملها المولى. (ثم اعلم) ان المقدمات لا تحتاج في عباديتها ومقربيتها إلى تعلق امر غيرى بها حتى يكون هو الداعي نحوها بل يكفى في مقربيتها قصد الامر النفسي المتعلق بذيها، وذلك لبداهة ان من توجه إلى ان مولاه امره بفعل لا يرضى بتركه ورأى ان هذا الفعل لا يمكن اتيانه الا بإتيان مقدمات يتوقف عليها وكان هذا العبد بصدد امتثال اوامر مولاه، فلا محالة ينقدح في نفسه ارادة اتيان المقدمات من دون ان ينتظر في اتيانها تعلق امر به على حدة، وما دعاه إلى اتيان المقدمات الا الامر المتعلق بذيها، وعد هذا الشخص عند اشتغاله بالمقدمات بنظر العقلاء شارعا في امتثال امر مولاه.

(وبالجملة) في عبادية المقدمات لا نحتاج إلى تعلق امر غيرى بها، فان قلنا في باب المقدمات بعدم ترشح الاوامر الغيرية إليها، ولم تكن ايضا بأنفسها متعلقات لأوامر نفسية، كان لنا تصحيح عباديتها بان تؤتى بداعي وقوعها في طريق ذيها الذى تعلق به امر نفسي. (بل يمكن ان يقال): ان الامر الغيري الترشحي وان قلنا بثبوته للمقدمة بناء على القول بالملازمة ولكنه لا يكفي في عبادية متعلقه إذ لا اطاعة له بما هو هو ولا قرب.

(والسر في ذلك) ما قدمناه لك مفصلا من ان الوجوب الغيرى وجوب ظلي واندكاكي لا يراه النظر العميق وجوبا حتى انه لو دل عليه الامر بسبب خطاب مستقل ايضا كان هذا الخطاب بنظر العقلاء بعثا وتحريكا نحو ذي المقدمة وان كان بحسب الظاهر متعلقا بالمقدمة هذا.

(ومما ذكرنا لك إلى هنا) تبين الجواب عن الاشكالين اللذين اورد هما المحقق الخراساني في باب الطهارات الثلاث (بعد ما عد من البديهيات ان موافقة الامر الغيرى بما هو هو لا توجب قربا ولا مثوبة كما ان مخالفته بما هو هو لا توجب بعدا ولا عقوبة) ونحن نذكر الاشكالين مشيرا إلى جوابهما من غير ان نتعرض لما ذكروه من الجواب.

 (الاشكال الاول) انه إذا كان موافقة الامر الغيرى لا توجب قربا ولا مثوبة فكيف حال بعض المقدمات التي لا شبهة في مقربيتها وترتب المثوبة عليها بل عدم صحتها لو لم تؤت بقصد الامر كالطهارات الثلث فانه لا خلاف بين علماء الإسلام غير ابى حنيفة في اشتراطه بقصد الامر.

(الاشكال الثاني) هو الاشكال الوارد في جميع التعبديات (ومحصله) عدم امكان اخذ قصد الامر في المأمور به، وقد قرر الاشكال بوجوه ذكرناها في مبحث التعبدي والتوصلى وكان اهمها الدور الوارد في مقام الامتثال (وحاصله) ان المأمور به لو كان عبارة عن الطهارة مثلا مقيدة بداعوية امرها إليها لم يمكن امتثال هذا الامر، فان داعوية الامر في مقام الامتثال متوقفة على كون المدعو إليه فردا من افراد المأمور به ومنطبقا للعنوان الواقع تحت الامر، وكونه كذلك موقوف على داعوية الامر إذ الفرض ان المأمور به هو العمل الواقع بداعي الامر لا مطلق العمل. ولو قررنا من الاشكال في الواجبات النفسية (بما محصله) ان قصد الامر لم يؤخذ في المأمور به بل العقل يحكم بوجوبه من باب تحصيل الغرض فالأمر يتعلق بالأعم مما يحصل الغرض اعني ذات العمل، والعقل يحكم بوجوب اتيانه بداعي الامر حتى يصير محصلا لغرض المولى، ففيما نحن فيه اعني الواجبات الغيرية التعبدية لا مفر منه بهذا الوجه، فان الوجوب الغيرى لا يعقل تعلقه الا بما فيه ملاك المقدمية وما هو بالحمل الشايع مقدمة، ولا يمكن تعلقه بالأعم من ذلك، والمفروض ان المقدمة في باب الطهارات الثلاث هو العمل مقيدا بقصد الامر لا ذات العمل، فيجب تعلق الامر بالمقيد الذى فيه ملاك المقدمية لا بالمطلق الذى هو اعم من ذلك. هذا ما ذكر في المقام من الاشكال، وقد اشار في الكفاية إلى الاشكال الثاني بقوله: هذا مضافا إلى ان الامر الغيرى لا شبهة في كونه توصلي .

(ونحن نقول): مجمل القول في الطهارات الثلاث هو ان التيمم لم يتعلق به امر نفسي، ولكن الطهارة المائية من الوضوء أو الغسل فمع كونها مقدمة لبعض الغايات قد جعلت بنفسها ايضا من المستحبات الشرعية التي تعلق بها امر نفسي عبادي، وحينئذ فإتيان المكلف اياها انما هو بأحد نحوين :

(الاول) ان يأتي بها بقصد امرها النفسي الاستحبابى كما إذا لم يكن المكلف مريدا للأمور المشروطة بها وكلنه كان قاصدا للتطهر فيدعوه إلى ايجاده الامر النفسي المتعلق به.

 (الثاني) ان يأتي بها بقصد التوصل بها إلى احدى غاياتها، وحينئذ يكون داعيه إلى ايجادها الامر النفسي المتعلق بالغاية المطلوبة من الصلاة والقراءة ونحوهما؟

إذ قد عرفت ان المحقق لعبادية المقدمات هو قصد الامر المتعلق بذيها من غير احتياج إلى قصد الامر النفسي أو الغيرى المتعلق بأنفسها، بل الامر الغيرى على فرض ثبوته كلا امر فلا يكفى بنفسه في عبادية متعلقه ما لم يقصد بإتيان المتعلق التوصل به إلى ما جعل مقدمة له، وعلي هذا فإذا دل الدليل الشرعي على ان ماهي المقدمة للصلاة هي الطهارة بقصد الامر مثلا فللمكلف اتيانها بقصد الامر الصلاتي من غير توجه إلى أمره النفسي كما انه ان لم يكن قاصدا للصلاة كان له اتيانها بقصد الامر النفسي المتعلق بنفسها، ويجوز له بعد تحققها ان يأتي الصلاة معها ويثاب عليها في الصورتين من غير محذور. ولا نقول ان المحقق لعباديتها إذا لم يؤت بها بقصد امرها النفسي هو اتيانه بقصد امرها الغيرى حتى يرد علينا الاعتراض (اولا) بان الامر الغيرى لا قرب في موافقته بما هو امر غيرى. (وثانيا) بان الامر الغيرى لما كان بملاك المقدمية فلا محالة وجب تعلقه بما هي مقدمة بالحمل الشايع ولا يجوز تعلقه بأوسع من الغرض، وحينئذ فكيف يتعلق بذات الوضوء أو الغسل أو التيمم مع ان المقدمة حسب الفرض هي الوضوء أو الغسل أو التيمم مقيدا بإتيانه بداعي الامر حتى يصير عبادة، والعجب من شيخن الاستاد المحقق الخراساني حيث اورد الاعتراض الثاني مع ان جوابه من اوضح الواضحات، فانه من الواضحات ان القائل بوجوب المقدمة وترشح الامر الغيرى إليها انما يقول بوجوب كل ما يتوقف عليه الواجب من المقدمات واجزائها واجزاء اجزائها، إذ كل جزء من اجزاء ما هو مقدمة لشيء يصدق عليه انه من مقدمات هذا الشيء ولا محالة يترشح إليه الوجوب الغيرى، فالصلاة مثلا إذا توقفت على الوضوء بداعي الامر فلا محالة تتوقف على ذات الوضوء ايضا لكونها جزء تحليليا للوضوء المقيد بداعوية الامر فتكون ذات الوضوء ايضا واجبة بالوجوب الغيرى فالأمر في باب الطهارات اسهل من التعبديات الاخر لا اشكل على ما زعمه (قدس سره) فافهم.

(ثم ان هيهنا نكتة فقهية) يجب ان ينبه عليها وهى ان قلنا بان الطهارات إذا لم يؤت بها بقصد امرها النفسي كان المعتبر في عباديته اتيانها بقصد الامر الغيرى المتعلق بها، فلا محالة كان اللازم ان يؤتى بها بعد دخول اوقات الغايات، إذ قبله لا وجوب للغايات حتى يترشح من قبل وجوبها وجوب غيرى، واما إذا قلنا بعدم الاحتياج إلى الامر الغيرى وانه يكفى في عباديتها اتيانها بقصد التوصل بها إلى غاياتها وبداعي الامر النفسي المتعلق بذيها فهل يجوز اتيانها بهذا الداعي قبل دخول اوقات الغايات أو لا يجوز؟ (فيه وجهان) لا يبعد الجواز والصحة، لان المكلف إذا علم ان بعد الوقت يتوجه إليه التكليف بالصلاة مثلا ورأى أنها متوقفة على الطهارة وكان قاصدا لامتثال هذ التكليف في وقته، فلا محالة يتولد من ارادة اتيان الصلاة في وقتها ارادة تحصيل الطهارة ليكون متمكنا من الصلاة مع الطهارة بمجرد دخول الوقت، وليس ايجاده لهذه الطهارة بداع نفساني بل الداعي له إلى ايجادها وقوعها في طريق امتثال الامر الذى يعلم بتحققه بعد دخول الوقت، وقد تبين لك انه يكفى في عبادية المقدمات اتيانه بداعي التوصل بها إلى ذيها وكونها في طريقه، ولعل هذا هو المبنى للقول بصحة الوضوء التهيئة.

(واما وجه البطلان) فهو ان يقال: سلمنا انه يكفى في عبادية المقدمات اتيانها بداعي الامر المتعلق بذيها (من جهة انه كما يدعو إلى اتيان نفس المتعلق فكذلك يدعو إلى اتيان مقدماته) ولكن المفروض فيما نحن فيه عدم تحقق الامر النفسي بعد، فكيف يصير الامر المعدوم داعيا، وليس للأمر المعدوم امتثال حتى يقال: ان المقدمة واقعة في طريقه فتدبر!.

___________
(1) والحاصل انه بعد ما فرض كون الفعل المقيد بالقيد الذى لم يتعلق به التكليف مشتملا على مصلحة، وقد فرض ايضا عدم سراية الوجوب إلى القيد كان شرط القيد وهو عدم تعلق التكليف به حاصلا قهرا فالعبد يتمكن فعلا من اتيان الفعل الواجد للمصلحة الذى امر به المولى، ولا يلزم ان يكون مقدمته واجبة بالوجوب الشرعي بل اللابدية العقلية كافية في كون المكلف ملزما بإتيانها ليتمكن بها من ذيها الواجب على نحو الاطلاق.

(2) اقول: تخصيص هذا القسم بالمقدمات المحرمة بلا وجه لإمكان ان يكون الوجوب الحالي متعلقا بأمر توقف حصوله عن امر مقدور للمكلف ولكن اخذ على نحو لا يتعلق التكليف بهذه المقدمة فالوجوب في هذه القسم ايضا مشروط بأمر انتزاعي حالي وهو كون المكلف بحيث يتحقق له هذه المقدمة حال كونه واجدا لشرائط التكليف حين تحققها له، وهذا مثل ان يقول المولى للعبد ان كنت ممن يحصل له الاستطاعة في المستقبل فالان يجب عليك الحج وحينئذ يجب تحصيل المقدمات الوجودية غير المعلق عليه ان كان يعلم بحصوله في ظرفه.

(3) اقول: هذا مخالف لما ذكره سيدنا الاستاد العلامة مد ظله سابقا من ان تعدد وجود حركة اليد والمفتاح يستلزم تعدد الايجاد ايضا، إذ الوجود عين الايجاد غاية الامر انه ان نسب إلى الفاعل سمى ايجادا وان نسب إلى القابل سمى وجودا. ثم انه لو سلم امكان وجود فعلين بإصدار واحد فيمكن ان يقال: انه لا باس بان يكون كل من السبب والمسبب متعلقا لوجوب يخصه غاية الامر ان المكلف لا يقدر على تفكيكهما بل اما ان يختار امتثالهما أو يختار مخالفتهما، ولا يشترط في اختيارية العمل ان يتعلق به ارادة مستقلة بل الملاك في اختياريته ان يكون المكلف قادرا على كل من الفعل والترك وهيهنا كذلك فتأمل.

(4) وقد حقق في محله ان المعلول بالنسبة إلى علته لا مطلق ولا مقيد ولكنه لا ينطبق الا على المقيد، فان اثر النار مثلا انما هي الحرارة الخاصة اعني الحرارة الحاصلة بها لا الحرارة المطلقة. وبعبارة اخرى ليس في المعلول اطلاق ولا تقييد لحاظي بالنسبة إلى علته ولكنه بحسب الذات مقيد.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.