أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-7-2016
2017
التاريخ: 12-5-2022
1821
التاريخ: 2024-07-03
503
التاريخ: 21-5-2020
1945
|
أولاـ مجال علم الاستراتيجية: عندما نحدد الاستراتيجية من خلال إعطاء تعريف لها فإن هذا لا يعني بالضرورة تحديد أو حصر المجال للاستراتيجية كعلم. فالاستراتيجي كمنظر والاستراتيجي الذي يطبق المخططات الاستراتيجية كلاهما يستطيع استخدام جميع الوسائل. والاستراتيجية تختلف عن جميع العلوم ،حيث بإمكانها الاستفادة من جميع العلوم: فهي بحاجة للعلوم التجريبية من أجل تطوير وتقييم قاعدتها التقنية ،بحاجة للاقتصاد لتطوير إمكاناتها، للعلوم السياسية بسبب علاقتها الخاصة مع السياسة، لعلم الاجتماع من أجل وضع الصراع على أي مستوى في سياقه العام، للتاريخ للاستفادة من أمثلته والمعلومات التي يقدمها. بشكل آخر، يمكننا أن نضع في المكتبة الاستراتيجية جميع الكتب. بداية مع التاريخ، وخاصة تاريخ الحروب. ثم مذكرات كبار القادة وكبار المؤرخين ،فمن الصعب مثلا أن نقرأ الاستراتيجية القديمة من غير العودة إلى Thucydide ، César و Tacite. أما في العصر الحديث فإن مذكرات Turenne هي إجبارية لفهم الاستراتيجية. تطور النظرية الاستراتيجية في الحياة المعاصرة لم يرفض هذا المصدر القديم: فمذكرات المارشال Von Manstein ( Verlorene Siege) الصادرة في عام 1955 بالإنكليزية ،وعام 1958 بالفرنسية، و"دفاتر" المارشال Rommel هي جميعها تعتبر مصادر أساسية للاستراتيجية. ولكن معلوماتها تستخرج بصعوبة حيث على القارئ نفسه أن يبذل جهدا من أجل فهمها وفهم النظرية التي أراد الكاتب قولها. وأخيرا نريد القول إن علم الاستراتيجية اليوم لا يمكنه استبعاد أي مجال من مجالات العلوم.
ـ علم عسكري وعلم استراتيجي. إذا الاستراتيجية ليس مجالا مستقلا. فهي فرع من مجال ضخم جدا ،إنه قيادة الحرب، وبشكل أعم اليوم، قيادة الصراع، حيث كانت تدعي في الماضي "علم عسكري" (خاصة في العصر الروماني)، أو "فن الفروسية" (في العصر الوسيط)، " فن الميليشيات أو الوحدات" (مع بداية العصر الحديث)، "فن الحرب"( تسمية بدأت تفرضها نفسها مع بداية القرن الثامن عشر). والسؤال: هل يمكننا فك ارتباط الاستراتيجية من كل هذا التاريخ الذي يعطيها اليوم معناها؟ في الواقع وحتى وقت متأخر، الاستراتيجية كانت دائما ضمن فن الحرب بمعنى أنها داخل الفكر العسكري، وهي اليوم تشغل المرحلة العليا في هذا الفكر(1). إن علم الاستراتيجية يحتاج مساندة علم التكتيك من غير أن يتضمن الأول جميع ما يتعلق بالثاني. في القرن السابع عشر والثامن عشر تم تطوير فكر تكتيكي مستقل، ولكن معظم الكتاب العسكريين ركزوا بشكل كبير على جدلية السلام والحرب(2). بعد ذلك تم انتشار الاستراتيجية من خلال اتساع التنظير للتكتيك ،ولكن كان لديها في البداية مفهوما يربط الحرب بالسياسة. والمشكلة هنا أن جميع هذه الفئات أو التصنيفات المختلفة لم يتم تحديدها أو تظهر معالمها الخاصة إلا ببطء شديد، وهذا ما رأيناه عندما درسنا في البداية مفهوم الاستراتيجية وتطور مفهوم هذا المصطلح. إذا لا يمكننا الادعاء وكما يشير الكثير من منظري هذا العلم، أنه بالإمكان تحديد مجال أو حقل البحث في الاستراتيجية من خلال الاستناد فقط على مراجع أو مؤلفات استراتيجية "نقية أو خالصة". فلا بد من تبني رؤية متطورة تنطلق من العلم العسكري من أجل الوصول، حاليا، إلى علم الاستراتيجية.
ـ هل هناك عالمية لعلم الاستراتيجية؟ الحرب هَمٌ و انشغال عالمي ونرى ذلك في معظم الأدبيات التي أنتجتها الحضارات المختلفة التي أُرخت بالكتابة، ولكن هذا لا يعني أن جميع الحضارات أنتجت أدبيات استراتيجية تشير إلى الاستراتيجية كعلم. أشهر المؤلفات التي تتحدث عن عالمية علم الاستراتيجية هو ما قدمه Gérard Chaliand في مؤلفه "الانطولوجيا العالمية لعلم الاستراتيجية" ( l’Anthologie mondiale de la stratégie).(3). فهو ينقلنا في هذا الكتاب من أيام العبريين إلى الاستراتيجية النووية مرورا ببلاد ما بين النهرين و الشرق الأقصى، ولكنه لا يصل إلى نتيجة إلا بعد أن يدرس العديد من النصوص التي لا يتفق معه العديد من المنظرين أنها نصوص تتعلق بعلم الاستراتيجية. طبعا يتحدث في كتابه عن التوراة و عصر غلغامش (بلاد ما بين النهرين قبل 2000 عام تقريبا من الميلاد)، ثم يصف الصراعات التي سادت آنذاك، ولكنها لا تشكل قاعدة لبناء علم للاستراتيجية ولو تضمن العديد من فنون الحرب. ويعتقد Hervé Coutau :"أنه لا المصريين القدماء ولا الآشوريين ،ولا حتى الفرس لم ينتجوا اتفاقيات عسكرية أو مفاهيم تقترب ولو من بعيد من مفهوم الاستراتيجية أو التكتيك". فيما يتعلق بالشرق الأقصى، فقد تحدث الهنود عن مفاهيم اقرب للسياسة منها إلى الاستراتيجية. أما الحضارة اليونانية، تحدثت من خلال مؤرخيها عن وعي بالأبعاد العليا والراقية لفن الحرب وعن العلاقة بين الحرب والسياسة وهذا ما ندعوه اليوم "استراتيجية" ،ولكن هذا لا يعني صياغة علم أو نظرية للاستراتيجية. في الواقع، الفكر الاستراتيجي ليس عالمي ،إلا إذا أردنا إضعاف محتواها بإدخال نصوص كثيرة عن فنون الحرب وبأي طريقة داخل "الاستراتيجية". علم الاستراتيجية لديه تاريخ غير مستمر أو غير متصل. ومن بين الحضارات التي طورت فنا للحرب معقدا وعميقا حتى أننا يمكن أن نسميه استراتيجية ،العديد منها لم تنتج أية أدبيات استراتيجية يمكنها أن تحمل هذا الاسم.
ـ دور العوامل الاجتماعية في علم الاستراتيجية. تحدثنا في الفقرة السابقة وقلنا إن علم الاستراتيجية لديه تاريخ متقطع، في الواقع هذا التقطع ليس من السهل حصر أسبابه وفهمها بشكل كامل. ولكن مع ذلك هناك خمسة عوامل مشتركة بين معظم الذين أرخوا لهذا العلم وأكدوا في الوقت نفسه أنها تحتاج إلى تعميق معرفي وتاريخي.
1ـ الفكر الاستراتيجي يجب أن يستجيب إلى حاجة معينة، كما يقول Hervé Coutau في كتابه عن علم الاستراتيجية (مرجع سابق، صفحة 146). أما المؤرخ الأمريكي Everett L. Wheeler قام بدراسة مقارنة ،للظهور المتزامن تقريبا، للنظرية العسكرية في اليونان القديم وفي الصين أثناء القرن الرابع قبل الميلاد. وصل المؤرخ الأمريكي إلى نتيجة أن: " رغم الاختلافات الثقافية الكبيرة ،إلا أنه وجدت عوامل متشابهة سهلت تطور النظرية العسكرية في قلب هاتين الحضارتين، وأدت في الواقع بين أولى النظريات في الغرب و أولى النظريات في الشرق إلى بناء مواضيع مشتركة"(4). من بين العوامل المشتركة، أن الصين و اليونان لم تعرفا استقرارا سياسيا بل على العكس كان فيهما الكثير من الحروب، في الصين حروب Royaumes Combattants وفي اليونان حروب Péloponnèse. بمعنى آخر كان هناك طلب كبير على الخبرات العسكرية. ففي اليونان وجد ما يسمى الأساتذة أو Hoplomachoi وهم يعلمون فن القيادة، أما في الصين فقد أحاط الملك نفسه بمجموعة من المستشارين العسكريين مثل الاستراتيجي الشهير Sun Zi أو Sun Bin.
2 ـ الفكر الاستراتيجي يفترض انفتاحا، حيث يتوجب عليه الاستفادة من مختلف الخبرات مهما كانت وأينما كانت. مع ذلك عبر التاريخ، تحفظ القادة العسكريون والسياسيون على مخططاتهم، وخير مثال على ذلك ما كان يفعله الفينيقيون والقرطاجيون من إخفاء لسير رحلاتهم البحرية بغرض عدم كشفها أمام المنافسين لهم. ومن الصعوبات الأخرى التي كانت أمام انتقال مبادئ علم الاستراتيجية هي وجود مجتمعات لم تعرف الكتابة، وعملية تناقل الأفكار الاستراتيجية كانت شفهية وهذا ما أعاق عملية الانفتاح والمعرفة.
3 ـ الفكر الاستراتيجي يفترض، في الوقت نفسه ، خبرة عملية و نزوع أو ميل للتفكير والتأمل الذي لا يتكرر عادة عند الشخص نفسه. فأكبر قادة الحروب كتبوا رؤيتهم النظرية بعد أن استطاعوا التفرغ لذلك وأصبح لديهم القدرة على المراقبة من خارج الحدث. ولكن التنظير الاستراتيجي يفترض كما يرى الكثير من المؤرخين ،مستوى من التعليم و التكوين ،كما يفترض أيضا الكثير من الابتعاد عن الذات أو النظرة الشخصية الضيقة.
4 ـ الفكر الاستراتيجي يفترض شكلا من أشكال العقلية القادرة على التجريد. فاليونان القدماء ومعهم البيزنطيون صاغوا أدبا استراتيجيا لأنهم كانوا مفتونين و معجبين بالفلسفة وعلم اللاهوت. أما الرومان فلم يكتبوا شيئا في هذا الصدد لأنهم ابتعدوا عن التنظير الاستراتيجي و استندوا فقط على الممارسة العملية. في العصر الحديث ،وبعد الانفتاح الذي حصل على العالم في القرن التاسع عشر، الأدب الاستراتيجي الياباني بقي فقيرا، مقارنة بالإنتاج الغني لهذا النوع من الدراسات في الصين، وقبل انتصار الإيديولوجية الكونفشيوسية.
5 ـ أخيرا، الفكر الاستراتيجي "ربما" يفترض شكلا من أشكال العقلية المحكومة بمبدأ الفعالية. فالفكر الاستراتيجي، كما الفكر الاقتصادي، يتطلب تصرفا عقلانيا لشخص يمركز عمله بالكامل حول هدف واحد. فمثلا الرجل الاستراتيجي لن يبحث سوى عن النصر على العدو. وكل ما يمكن أن يؤدي إلى النصر يمكن وضعه في خدمة الاستراتيجية من غير الانتباه إلى الاعتبارات الأخلاقية أو احترام العدو. والفكر الاستراتيجي المعاصر يشارك في "إزالة الأوهام" عن العالم، وقد حلله السيسيولوجيون منذ "ماكس فيبر" و أسس على الفصل بين النشاطات الإنسانية و محاولة عقلنتهاrationalisation .
ـ ندرة علم الاستراتيجية. يمكننا القول إن علم الاستراتيجية بقي محصورا في المجتمعات المتطورة ،والتي كانت في حالة مواجهة مع الحروب ،فيها نقاشات مفتوحة ومحكومة بالبحث عن الفائدة و الأداة. وعمليا، كما يرى بعض منظري الاستراتيجية، هذه الشروط ليس متوفرة بشكل دائم. فالعصر الوسيط، على سبيل المثال، لم يكن قادرا على إنتاج المرحلة الجنينية لعلم الاستراتيجية، بينما أوصل الفكر اللاهوتي إلى القمة مع saint Bonaventure و saint Thomas d’Aquin وآخرين. مع ذلك يمكننا أن نجد كتابا معزولين هنا وهناك أو أعمال استراتيجية بأشكال أخرى ،ولكنها لم تكف لبناء فكر استراتيجية مبني بشكل علمي. وأخيرا نستطيع القول إن الفكر الاستراتيجي تركز حول ثلاثة مدارس إن صح التعبير: المدرسة الصينية، المدرسة اليونانية القديمة بامتداداتها الرومانية و البيزنطية، ثم أوربا الحديثة والتي صدر عنها الفكر الاستراتيجي المعاصر.( Hervé Coutau، المرجع السابق، صفحة 150).
______________________________________________________
1ـ انظر : Jean Pierre Bois ،" فن السلام في العصر الحديث"، بالفرنسية، باريس، 1997، أيضا ، Hervé COUTAU ، "الإستراتيجية"، مرجع سابق ،الصفحة 144.
2ـ انظر : Jean Pierre Bois، المرجع السابق.
3ـ صدر هذا الكتاب عن دار نشر Laffont، باريس 1990.
4ـ Everett WHEELER، " The Origins of Military Theory in Ancient Greece and China"، عن المجلة العسكرية الدولية للتاريخ العسكري، العدد 5، بوخارست، 1980، الصفحة 75.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|