أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-11-2014
2674
التاريخ: 27-09-2015
4918
التاريخ: 7-11-2014
2398
التاريخ: 23-04-2015
2494
|
الذي يدلّ على أنّ نظم القرآن ليس بمعجز بنفسه : أنّا نعلم أنّ كلّ قادر على الكلام العربيّ ، ومتمكن من تقديم بعضه على بعض وتأخير بعضه عن بعض ، لا يعجز أن يحتذي نظم سور القرآن بكلام لا فصاحة له ، بل لا فائدة فيه ولا معنى تحته ، فإنّ ذلك لا يضرّ ولا يخلّ بالمساواة في طريقة النّظم. وقد رأينا كثيرا من السّخفاء والمجّان (1) يعارضون- على طريق العبث والمجون- الشّعراء المتقدّمين والخطباء المجوّدين ، فيوردون مثل القصيدة والخطبة في الوزن والطريقة ، بكلام سخيف المعنى ركيك اللّفظ ، بل ربّما لم يكن له معنى مفهوم. وقد فعل ذلك أبو العنبس الصّيمريّ (2) بالبحتريّ بين يدي المتوكّل (3) ، فأجازه ووصله (4) .
فالمساواة في النّظم حاصلة ، ولكنّها في إصابة المعنى وجزالة اللّفظ متعذّرة.
وعلى هذا أكثر شعر الصّيمريّ (5) ، وشعر أبي العبر (6) ؛ فإنّ في أشعار هؤلاء وغيرهم ممّن سلك مسلكهم ، الكثير ممّا له وزن الشّعر وعروضه ، ولا معنى تحته يفهم .
وهذا الطّريق لو سلك على هذا الوجه في كلّ نظم لما تعذّر ، وهو يكشف عن صحّة ما اعتمدناه .
فأمّا تعذّر الشّعر على الخطباء والخطابة على الشعراء ، فليس ينكر أن يكون في النّاس من لا ذوق له ، ولا معرفة بالوزن ، ولا يتأتّى منه الشّعر. وكذلك ربّما كان فيهم من ألف الموزون من الكلام ، ومرن عليه ، فلا يهتدي لنظم الخطب والرّسائل.
وكما وجدنا ذلك فقد وجدنا من جمع بين الطريقين وبرّز في المذهبين ، وهم كثير. وليس كلّ من لم يقل الشّعر فهو متعذّر عليه ، بل ربّما أعرض عنه ؛ لأنّه لا داعي له إليه ، ولا حاجة له فيه . أو لأنّه ممّا لا يحبّه ويستحليه (7) . أو لأنّه قد عرف بغيره واشتهر بسواه . أو لأنّ الجيّد منه النادر لا يتّفق له ؛ فقد قيل لبعضهم : لم لا تقول الشّعر؟ فقال : ما يأتي (8) جيّده وأأبى رديّه .
ولعلّ كثيرا ممّن (9) لا يقول الشّعر ولا يعرف به لو دعتهم إليه الحاجات .
وبعثتهم عليه الرّويّات ، لأتوا منه بما يستحسن ويستطرف.
وقد قال بعض الشّعراء :
ما لقينا من جود فضل بن يحيى |
جعل النّاس كلّهم شعراء (10) |
وكلّ الدّواعي والبواعث ، إذا أضفتها إلى دواعي العرب إلى المعارضة ، رأيتها تقلّ وتصغر. وأين الرغبة في المال ، ومباهاة النّظراء ، والتّقدّم عند الأمراء ، من الضّرّ (11) بفراق الأوطان الّتي فيها نشئوا ، وهجر الأديان الّتي عليها ولدوا ؟! وأين فوت المال من فوت العزّ وحرمان الوجاهة عند بعض النّاس ، من حرمان الرئاسة على جميع النّاس؟! وكلّ ذلك أصاب العرب ونزل بهم ، وفي بعض ما يظفر بكلّ نظم ، ويهدي إلى كلّ قول.
على أنّا قد بيّنا أنّ نظم مثل بعض سور القرآن لا يتعذّر على من احتذاه ممّن (12) لا فصاحة له ، ولا تصرّف له في أوزان الكلام؛ فأجدر أن يتأتّى للعرب ، لو لم يصدّوا ولم يصرفوا.
فإن قال : فهبوا أنّ التّحدّي وقع بالإتيان بمثل القرآن في الفصاحة والنّظم معا حسب ما ذكرتم ، وأنّ في كلامهم الفصيح ما يقارب بعضه مقاربة تزيل خرق العادة بفصاحته ، وأنّ النّظم كانوا يتمكّنون منه على سبيل الاحتذاء ، كما يتمكّن منه من تعاطاه منّا بغير كلام فصيح ، لم أنكرتم أن يكون إنّما تعذّر عليهم ضمّ أحد الأمرين إلى الآخر ، حتّى يوردوا فصاحتهم وألفاظهم الجزلة ، ومعانيهم الحسنة الّتي يستعملونها في شعرهم ونثرهم ، في مثل هذا النّظم ، كما قد يكون بعض الشّعراء في بعض أوزان الشّعر وأعاريضه أفصح في غيره من الأوزان ، وكلامه فيه أجزل ، ومعانيه أوقع ، وإن كان قادرا على التّصرف في سائر الأوزان ؟
وكما يكون من جمع بين النّظم والخطابة ، كلامه في أحدهما أفصح ، ومنزلته أعلى ، مع تمكّنه من الأمرين ؟! وإذا كان هذا ممّا جرت العادة بمثله ، فما الحاجة إلى الصّرفة ؟
قيل له : إذا سلّم أنّ القوم كانوا قادرين على الفصاحة والنّظم وعالمين بها ، فليس يقعد بهم عن المعارضة قاعد؛ لأنّ المعارضة لا تحتاج إلى أكثر من التمكّن من الفصاحة وطريقة النّظم. وإنّما يتعذّر معارضة الكلام الفصيح المنظوم ضربا من النّظم على من لا يتمكّن من مثل فصاحته ، أو من لا يتمكّن من احتذاء طريقة نظمه . ومن تمكّن منها فليس يتعذّر عليه .
فأمّا تجويد بعض الشّعراء في بعض الأوزان ، وعلوّ كلامهم في بعض الأعاريض ، فما لا ينكر ، إلّا أنّه ليس يكون بين كلامهم فيما جوّدوا فيه وبينه فيما قصّروا فيه ، تفاوت عظيم وتباعد شديد. والتّفاوت بين الكلامين في الفصاحة حاصل ، وإن تقدّم أحدهما على الآخر فيها. وكذلك القول فيمن جمع بين الشّعر والخطابة ، وجوّد في أحدهما.
ولو لا أنّ الأمر على هذا لم ننكر أن يلحق شعر أحد الشّعراء- في بعض الأعاريض- بالطبقة العليا ، ويكون شعره في باقي الأوزان في الطبقة السّفلى.
وهذا ممّا لا يشتبه بطلانه ، فلو كانت حال العرب حال هؤلاء لوجب أن يكون بين فصاحتهم في أشعارهم وكلامهم وبينها ، في نظم القرآن ، فصل قريب قد جرت بمثله العادة ، فكانت المعارضة حينئذ تقع لا محالة؛ لأنّهم دعوا إلى مقاربته لا مماثلته .
وإنّما يكون هذا السؤال نافعا للخصم ، لو كان التفاضل الّذي ذكره بين شعر الشّعراء ينتهي إلى أن يكون الفاضل فصيحا ، والمفضول لا حظّ له في الفصاحة؛ فيحمل تعذّر معارضة القرآن على ذلك.
فأمّا والأمر على ما بيّناه فأكثر ما فيه أن يكون بين كلام العرب ، إذا لم يحتذوا نظم القرآن وبينه إذا احتذوه ، مثل ما بين كلام أحد الشّعراء في بعض الأوزان الّتي يجوّد فيها ، وكلامه في غيره من الأوزان؛ فكما أنّ من ساوى هذا الشّاعر في رتبة الفصاحة وجوّد في الوزن الّذي يقصّر هذا فيه لا يكون كلامه في هذا الوزن معجزا للمقصّر فيه ولا مانعا له من معارضته لو طالبه بمقاربته ، فكذلك القول في القرآن.
وليس يمكن أحدا أن يدّعي : أنّ العادة إن كانت جرت بين المتفاضل من الكلام بما ذكرناه فإنّ اللّه تعالى خرق هذه العادة في القرآن؛ لأنّه لا طريق يرجى (13) منه خرق العادة في هذا الموضع إلّا الصّرف الذي بيّناه . وإلّا ماذا (14) يخرق العادة ، والقوم متمكّنون من مثل فصاحته ونظمه ، ولا مانع من المعارضة ، والدّواعي متوفّرة إليها ؟! وهذا كلّه يوجب وقوع المعارضة ، لو لا ما ذكرناه من الصّرف الذي به انخرقت العادة .
وإنّما يسوغ ادّعاء خرق العادة بغير الصّرف لمن جعل فصاحة القرآن مفاوتة (15) لسائر كلام العرب ؛ حتّى أنّ أحدا منهم لا يتمكّن من مساواتها أو مقاربتها ، من حيث لم يخصّوا بالعلوم الّتي تحتاج المعارضة إليها ، أو قال في النّظم مثل ذلك. وهذا قد مضى ما فيه.
على أنّه لو كان ما ظنّه السّائل صحيحا لواقف القوم عليه النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، ولقالوا له : أمّا (16) فصاحتنا في شعرنا وكلامنا فهي مساوية أو مقاربة لما جئت به وطريقته في النّظم؛ فنحن قادرون عليها. وإن شككت فجرّبنا ، إلّا أنّه ليس يتهيّأ لنا كلام يساوي ما أتيت به في الفصاحة والنّظم جميعا ، حسب ما التمست منّا. كما لا يتهيّأ لبعض الشّعراء أن تكون فصاحته واستقامة معانيه في بعض أوزان الشّعر كما هي في غيره ، وإن كان متمكّنا من القول في سائر الأوزان ؟! وإذا كان هذا التفاضل معهودا بيننا ، فبأيّ شيء فقتنا وفضلت علينا ؟! وأين المعجز الّذي لا بدّ لمدّعي النّبوّة منه ؟! وعن أيّ شيء صرفنا ؟! وفي عدول القوم عن هذا- وفيه لو اعتذروا به أوضح العذر وأكبر الحجّة- دليل على صحّة طريقتنا.
فإن قال : أراكم تسومون (17) العرب من الاحتجاج والمواقفة ، بما لا يهتدي إليه إلّا حذّاق المتكلّمين وأولو التدقيق منهم ؛ لأنّ العلم بالفصل بين ما يتعذّر على الخلق ولا يكون معجزا ولا خارقا للعادة وبين ما يتعذّر عليهم ويكون كذلك ، والتمييز بين التفاضل المعتاد والتفاضل الّذي ليس يعتاد (18) ، أمر موقوف على النظر الّذي ليس من شأن القوم ، ولا يحسنونه . وإنّما وجدوا ما دعاهم إلى الإتيان بمثله ، فتعذّر عليهم ، ولم يبحثوا عن علّة هذا التعذّر وسببه ، وهل العادة جارية بمثله ، أم غير جارية؟ فلهذا لم يواقفوا.
قيل له : ليس يفتقر ما ذكرناه إلى دقيق النّظر كما ظننت ، بل العلم به قريب من أوائل العقول الّتي لا اختصاص فيها بين العقلاء ، وذلك أنّ كلّ عاقل يعلم أنّ النّبيّ لا بدّ أن يبين (19) من غيره ، ويختصّ بما لا يشركه فيه من ليس بنبيّ.
ويعلم أيضا : أنّ الذي يبين به لا يجوز أن يكون أمرا معتادا؛ لأنّ المعتاد لا إبانة فيه . ولو أنّه ممّا يقع به الإبانة لوقعت بكلّ معتاد حتّى يدّعى بالأكل والشّرب ، والقعود والنهوض ، وهذا ممّا يعلمه جميع العقلاء. والعرب لا محالة عالمون به ، وعاقلون أيضا بأنّ شاعرهم قد يجوّد في بعض الأوزان ، ويقصّر في غيرها. وهذا ممّا إليهم المرجع في علمه .
فلو كانت حال القرآن في تعذّره على سائرهم حال ما يقصّر فيه بعض الشّعراء من الأوزان- مع تجويده في غيره لتسارعوا إلى مواقفته ، على أنّ ما بان منهم به ليس بمعجز ولا خارق للعادة ، ولا مقتض للصّرف ، وأنّه ممّا قد جرت العادات بمثله . وما رأيتهم فعلوا.
وبعد ، فقد قال اللّه تعالى مخبرا عنهم : {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء : 90 - 93] .
وتظاهرت الأخبار بأنّهم طالبوه بإحياء عبد المطّلب ، ونقل جبال مكّة عن أماكنها. وهذا اقتراح من يفرّق بين المعجزات وغيرها ، ويميّز بين أبهرها (20) وأظهرها إعجازا ، وبين ما يلتبس أمره ويدخل الشّبهة في مثله . فكيف يذهب عليهم ما ذكره السّائل؟! على أنّ هذا السؤال عائد على من ذهب في إعجاز القرآن إلى فرط الفصاحة الخارجة عن العادة؛ لأنّه إذا اعترض فقيل له : بأيّ شيء تنكر أن يكون بين القرآن وبين فصيح كلام العرب فصل قريب قد جرت بمثله العادة؟ وأنّ التحدّي لمّا وقع أشفق فصحاء العرب من معارضته ؛ لعلمهم بأنّ ما يأتون به ليس بمماثل له ، وظنّوا أنّهم إنّما دعوا إلى مماثلته لا مقاربته ، ولم يكن عندهم ما عندكم من أنّ المقاربة- في إخراجه من أن يكون خارقا للعادة- كالمماثلة ، ولا اهتدوا إلى أن يقولوا إنّ فضل كلامك على كلامنا كفضل كلام بعضنا على كلام بعض ، وأنّ هذا لا يوجب لك الإبانة والتخصيص ، كما لا يوجب لفاضلنا على متوسّطنا؛ لأنّ ذلك ممّا لا يقف عليه إلّا النّظّارون المتكلّمون ، وليس العرب منهم ، وهذا يخرج القرآن من أن يكون معجزا! لم يجد مفزعا إلّا الكشف عن أنّ مثل ذلك لا بدّ أن تعرفه العرب ، ومن هو أنقص معرفة من العرب. وأنّه ممّا يحوج إلى العلم بالنّظر ولطيف الكلام ، وهو الذي اعتمدناه في الجواب.
فإن قال : كيف يصحّ ما ذكرتموه من سلب من رام المعارضة في الحال ، العلم بالفصاحة والنّظم ، والعلوم يجوز عليها البقاء. وإذا كانت باقية فليس تنتفي عن العالم إلّا بوجود ضدّها ، وهو الجهل- بخروج المحلّ من صحّة حلولها فيه-.
والجهل قبيح لا يجوز أن يفعله القديم تعالى؛ لأنّه غنيّ عنه عالم بقبحه! ولو فسد المحلّ وخرج من صحّة حلول العلم بالفصاحة فيه ، لانتفت عنه سائر العلوم؛ فكان يجب أن يكون كلّ من قصد المعارضة ، مختلس العقل (21) ، فاقدا لجميع علومه ، لاحقا بالمجانين والبهائم! بل يجب على هذا أن يكون أنقص من المجانين والبهائم ؛ لأنّ في هؤلاء علوما ببعض الأشياء. وهذا يخرج من أن يكون عالما بكلّ شيء. وما أظنّكم تبلغون إلى ادّعاء كلّ هذا! قيل له : الصّحيح عندنا أنّ العلوم لا يجوز عليها البقاء ، وأنّ العالم إنّما يستمرّ كونه عالما ويدوم لتجدّد علوم تحدث في كلّ حال. وإنّما يصرف اللّه تعالى عن المعارضة بأن لا يجدوا العلم بالفصاحة في تلك الحال ، فيتعذّر ما كان مع حصول العلم متأتّيا. وهذا يأتي على ما تضمّنه سؤالك.
على أنّ العلم لو كان باقيا- كما ادّعيت- لصحّ أن ينتفي عن العالم بضدّ من أضداده سوى الجهل ، كالظنّ والسّهو والشّكّ والنسيان ، وليس شيء من هذه قبيحا فننزّه اللّه عن فعله . وكلّ واحد منها ينفي العلم ، كما ينفيه الجهل والسّهو والشّكّ والنّسيان ؛ وإن كان في إثباتها معاني خلاف وكلام ربّما التبس.
قال : ليس في الظنّ معنى ، والصّحيح أنّه جنس مضادّ للاعتقاد ، لعلمنا باستحالة كون أحدنا ظانّا للشيء وعالما به في حال واحد ، كما يستحيل كونه عالما به وجاهلا؛ فما دلّ على أنّ الجهل ضدّ العلم هو دالّ على أنّ الظنّ ضدّ له أيضا. ولأنّ أحدنا يميّز بين كونه معتقدا للشيء وظانّا له ، ويفرّق بين حاليه في ذلك. ولو لا أنّه مضادّ للاعتقاد لم يقع هذا الفرق والتمييز ، فقد سقط السؤال على كلّ حال.
فإن قال : إذا كان الصّحيح عندكم استحالة البقاء على العلوم ، وإنّ (22) العرب إنّما صرفوا عن المعارضة بأن لم يفعل لهم العلم بها في الحال؛ فأيّ معجز هاهنا ؟
وأين ما يوصف بأنّه دلالة على صدق الرّسول صلّى اللّه عليه وآله ؟ والصّرفة على هذا ليست أكثر من عدم العلوم بالفصاحة الّتي لم تكن موجودة ثمّ عدمت ، بل عدمها مستمرّ.
والموجود إنّما كان أمثالها؛ فكيف توصف بأنّها المعجز ، والمعجز ما وقع موقع قول القائل للمدّعي عليه : صدقت. وليس يقع هذا الموقع إلّا ما كان فعلا واقعا أيضا على وجه مخصوص! قيل له : المعجز- في دلالته على صدق الرّسول- كأحد الدلائل الدّالّة على ضروب المدلولات. وليس من حدّ الدّلالة أن تكون ذاتا موجودة ، أو فعلا حادثا على الحقيقة ، بل الدّلالة ما أمكن أن يستدلّ بها على ما هي دلالة عليه .
وإن كان قد ألحق قوم بهذا الحدّ : أن يكون لفاعلها (23) أن يستدلّ بها ولها ، ما يستدلّ بعدم الغرض على حدوثه ، وبتعذّر الفعل على أنّ من تعذّر عليه ليس بقادر.
وبتعذّره عليه حكمنا (24) على أنّه ليس بعالم. وإن لم يكن ما استدللنا به من ذلك ذوات قائمة واقعا لا حادثة. وإذا صحّ هذا فالمعجز إنّما يدلّ على صدق الرّسول إذا حصل على وجه لم تجر به العادة.
ولا فرق بين أن يكون فعلا لم تجر العادة بوجوده على وجه مخصوص ، وبين أن يكون عدم فعل لم تجر العادة بانتفائه على وجه مخصوص؛ لأنّ اللّه تعالى إذا كان قد أجرى العادة بأن يفعل في كلّ حال للفصحاء العلم بالفصاحة كما يفعل لهم بسائر الضّرورات من الصّنائع وغيرها ، فلا بدّ أن يكون منعه لهم في بعض الأحوال هذا العلم الذي تقتضي العادة استمرار تجدّده دالّا على النّبوّة ، إذا وافق هذا المنع دعوة مدّع للرّسالة.
ويحتجّ بأنّ اللّه تعالى يمنع من ذلك لأجله ، وعلى وجه التصديق له ، كما أنّه لمّا أجرى العادة بأن لا يمكّن الفصحاء إلّا من قدر من العلوم يقع لأجلها منهم قدر من الفصاحة معلوم ، كان تمكينه لبعض عباده- من العلوم التي يقع بها ما يتجاوز المبلغ الّذي جرت به العادة تجاوزا كثيرا- دالّا على النّبوّة ، إذا وقع عقيب الدّعوى والاحتجاج.
وكذلك لمّا كانت العادة جارية بطلوع الشّمس من المشرق. ولا فرق في الدّلالة على النّبوّة بين اطلاعها من المغرب إذا ادّعى ذلك بعض الرّسل ، وبين أن لا يطلعها جملة ، إذا ادّعى الرّسول أنّ اللّه تعالى لا يطلعها تصديقا له ، وعلمنا أنّ المتولّي لاطلاعها وتسييرها هو اللّه تعالى.
ولو كان أيضا ما يراه بعض المتكلّمين من أنّ العلم الحاصل عند الأخبار المتواترة ، ضروريّ من فعل اللّه تعالى ، وأنّه أجرى العادة بأن يفعله للعقلاء عند سماع الأخبار صحيحا ، يجري مجرى ما ذكرناه؛ حتّى لو احتجّ محتجّ بأنّ اللّه تعالى لا يفعل لأكثر العقلاء العلم بمخبر الأخبار المتواترة ، مع تكرّرها على أسماعهم وكمال عقولهم ، ووقع ذلك حسب ما ادّعى ، لكان دليلا على صدقه .
وهكذا القول في جميع ما جرت به العادات؛ لا فرق في الدلالة على النّبوّة بين ثبوت ما جرت بانتفائه وبين انتفاء ما جرت بثبوته؛ لأنّه إنّما دلّ من حيث كان خارقا للعادة فمن أيّ الجهتين خرقها هو دالّ.
وممّا يزيد ما ذكرناه وضوحا أنّ دلالة المعجزات على النّبوّات محمولة على تصديق أحدنا لغيره فيما يدّعيه عليه ، إمّا بقول يدلّ على التّصديق ، أو بفعل ما يقوم مقامه . وقد علمنا أنّ أحدنا لو ادّعى عليه بعض أصحابه دعوى ما والتمس تصديقه فيها ، فقال له : إن كنت صادقا عليك فحرّك يدك في جهة مخصوصة ، أو ضعها على رأسك ، أو طالبه بغير ذلك ممّا يعلم أنّه لم يفعله مستمرّا على عادة له ، لكان إذا فعله دالّا على صدقه ، ويجري فعله مجرى قوله : صدقت. وكذلك لو طالبه بدلا ممّا ذكرناه بأن يمتنع من فعل قد جرت عادته باستمراره عليه فامتنع منه ، لقام مقام التّصديق بالقول.
وإذا لم يختلف الحال في تصديق أحدنا لغيره على الوجهين جميعا ، لم يختلف أيضا في تصديق الرّسل بالمعجزات على كلا الوجهين.
فإن قال : ما أنكرتم أن يكون عدم طلوع الشّمس- على الوجه الّذي ذكرتموه- ليس بمعجز ولا دلالة ، وأن تكون الدّلالة هناك- في الحقيقة- سكون الشّمس في الموضع الّذي سكنت فيه ، ولم تحرّك منه للطّلوع على مجرى العادة. وليس مثل هذا معكم في منع العرب عن المعارضة؟! قيل له : هذا في نهاية البعد ، ومن أين للمستدلّ على النّبوّة أنّ الشّمس إذا غابت عن بلدة فلا بدّ من أن تكون باقية ، تقطع الأماكن حتّى تنتهي إلى أفق المشرق ببلدة ؟
وهب أنّ هذا حقّ بالأدلّة عليه ، ليس جهل المستدلّ على النّبوّة في ذلك أو شكّه فيه بمخرج له من صحّة الاستدلال- بتأخّر الشّمس عن الطّلوع- على النبوّة إذا وقع على الوجه الّذي كان ذكرناه .
ولو كان المعجز ما ذكرته لكان من فقد العلم به لا يتمكّن من الاستدلال على صدق الرّسول ، وإن عدم طلوع الشّمس على الوجه الّذي ادّعاه واحتجّ به ، وقد علمنا خلاف ذلك.
وبعد ، فلو كان المعجز هو سكون الشّمس في بعض المواضع الغائبة عن أبصارنا لوجب أن يكون ذلك معجزا ، وإن أطلع اللّه تعالى شمسا غيرها على هيئتها وجميع أوصافها من المشرق. ونحن نعلم أنّه لو فعل ذلك لم يكن سكونها في الموضع الّذي سكنت فيه معجزا ، ولا ممّا يدلّ على النّبوّة.
فإن قال : إنّما لم يكن سكونها- والحال على ما قدّرتموه- معجزا ولا دليلا ، من حيث كان المستدلّ يجوّز أن تكون هي الطّالعة عليه لا مثلها. وإذا جوّز ذلك لم يعلم صدق الخبر بأنّها لا تطلع.
ولو كان له سبيل إلى العلم بأنّ الشّمس الّتي جرت العادة بطلوعها قد سكنت في بعض المواضع الغائبة عنه- وإن طلع مثلها عليه- لأمكنه الاستدلال على صدق المدّعي.
قيل له : كان سكون الشّمس في الموضع الغائب إنّما يكون دلالة على النّبوّة إذا لم تطلع شمس أخرى مكانها. وإذا جاز هذا أمكن أن يقال في مقابلته :
والمعجز أيضا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله هو العلوم الّتي يفعلها اللّه تعالى في العرب بالمدركات والصّناعات وغيرها من العلوم الضّروريّة ، منفردة عن العلم بالفصاحة وطريقة النّظم؛ إذا راموا المعارضة فتعذّرت عليهم؛ لأنّه كان تعالى قد أجرى العادة بأن يجدّد لهم في كلّ حال العلم بما ذكرناه ، وبالفصاحة والتصرّف في ضروب الكلام ، ثمّ منعهم- عند تعاطي المعارضة- العلم بالفصاحة ، وجدّد لهم ما سواها ، كانت هذه العلوم الواقعة- منفصلة عن العلوم بالفصاحة ، وقد جرت العادة بتجدّد الجميع على حدّ سواء- هي المعجز ، ويكون وقوعها. على الحدّ الذي ذكرناه ، كالوجه في صحّة دلالتها على النّبوّة ، إذا لم تطلع شمس أخرى.
على أنّ المعجز لو وجد بشرائطه كلّها- من غير دعوة مدّع ولا احتجاج محتجّ- لم يكن دالّا على النّبوّة. وكذلك لو وقع عند ارتفاع التكليف وانتقاض العادات لم يكن دالّا ، فصار وقوعه- مع بقاء العادات- موافقا لدعوى مدّع له ومحتجّ به ، كالوجه في صحّة دلالته على النّبوّة ، فلا يمتنع أيضا أن يجدّد العلوم التي ذكرناها- من غير أن تتجدّد معها العلوم بالفصاحة على مجرى العادة- دلالة على النّبوّة.
ولو تجدّد الجميع لم يكن دلالة؛ لأنّ خرق العادة- الّذي هو المراعى في دلالة النّبوّة- حاصل لا محالة.
وهذا الكلام إنّما أوردناه في مقابلة السائل على سبيل الاستظهار في الحجّة وإقامتها من كلّ وجه ، وإلّا فما قدّمناه من أنّه لا فرق في الدّلالة على النّبوّة بين ثبوت ما تقتضي العادة انتفاءه وبين انتفاء ما يقتضي ثبوته ، يغني عن غيره .
فإن قال : أ ليس قد شرط بعض المتكلّمين في الدّلالة أن تكون حادثة على وجه مخصوص ، فكيف يكون المعجز عدم العلوم بالفصاحة مع ذلك؟
قيل له : هذا ينكسر بما قدّمناه من دلالة عدم الغرض على حدوثه ، وتعذّر الفعل (25) على [أنّ] من تعذّر عليه ليس بقادر ، إلى غير ذلك ممّا ذكرناه .
اللّهمّ إلّا أن يكون من شرط ذلك لم يرد (26) الحدوث الحقيقيّ الّذي هو الخروج من العدم إلى الوجود ، بل أراد ما يعقل من معنى الحدوث والتّجدّد؛ فيكون ما تكلّمنا عليه غير خارج عن شرطه ، لأنّا نعقل من تجدّد انتفاء العلوم بالفصاحة- على من قصد المعارضة- ما لو لا تصديق الرّسول صلّى اللّه عليه وآله لم يكن.
فإن قال : أيّ تجدّد يفعل في الموضع الذي ادّعيتموه؟! والعلوم التي انتفت عمّن رام المعارضة لم تكن موجودة ثمّ عدمت ، بل انتفاؤها مستمرّ غير متجدّد.
وليس كذلك عدم العرض الذي يستدلّ به على حدوثه ، لأنّا نعلم عدمه بعد وجوده متجدّد في الحقيقة.
قيل له : هذه العلوم وإن لم تكن انتفت بعد أن وجدت على الحقيقة ، فهي من حيث اقتضت العادة وجودها- لو لا تصديق الرّسول صلّى اللّه عليه وآله- في حكم الموجود ، وإن لم يوجد ؛ فجرى انتفاؤها في تجدّده مجرى ما وجد على الحقيقة ثمّ عدم.
وإنّما قلنا : «في حكم الموجود» (27) ، لأنّا نعلم أنّ وجودها كان واجبا لا محالة ، [حسب] مقتضى العادة؛ فإذا خرق اللّه تعالى العادة في أن يوجدها واستمرّ انتفاؤها ، جرى مجرى ما طرأ عليه الانتفاء من الوجه الّذي ذكرناه . وهذا بيّن لا إشكال (28) فيه .
على أنّا قد نستدلّ بجواز عدم العرض على حدوثه ، وإن لم يحصل العدم ويتجدّد. وليس كونه ممّا يجوز أن يعدم متجدّدا على وجه ، وهذا يبيّن أنّ الشرط الّذي ذكر ليس بمستمرّ في جميع الدّلائل.
فإن قال : ما أنكرتم أن يكون الاشتراط في الدّلالة أن تكون حادثة هو في أصول الأدلّة؛ لأنّ مرجع جميع الأدلّة إلى الأفعال الّتي لا بدّ أن تكون حادثة ؟! وأن يكون ما ذكرتموه من الاستدلال على حدوث العرض- بعدمه ، وبتعذّر الفعل على من تعذّر عليه ليس بقادر- يرجع جميعه إلى دلالة الفعل ، غير أنّه دالّ عليه بواسطة؛ لأنّ عدم العرض أو جواز عدمه ، لا يعلم إلّا بالفعل الّذي هو تحريك الشيء بعد تسكينه ، أو تسكينه بعد تحريكه . وكذلك تعذّر الفعل على زيد ، يدلّ على أنّه ليس بقادر ، من حيث علم بالفعل أنّ الفاعل من حيث صحّ منه يجب أن يكون قادرا ، فقد عادت أصول الأدلّة كلّها إلى الأفعال.
قيل له : هذا إذا صحّ لم يؤثّر في طريقتنا؛ لأنّا نتمكّن من ردّ الدّلالة في الموضع الّذي ذكرناه أيضا ، إلى الفعل على هذا الوجه .
فنقول : إذا اتّفقت العلوم بالفصاحة عند القصد إلى المعارضة ، وقد كانت- لو لا النّبوّة- واقعة لا محالة على العادة فقد عادت دلالة ذلك إلى الفعل أيضا؛ لأنّ فعل العلوم لو لم يكن واجبا بالعادة لما دلّ انتفاؤها على شيء ، فالمرجع إذا الفعل في الدّلالة ، كما خرج ذلك في تعذّر الفعل وغيره .
فإن قيل : خبّرونا عن التّحدّي بالإتيان بمثل القرآن ، ما المراد به؟ لأنّكم ليس تذهبون إلى أنّ العادة انخرقت بفصاحته كما نذهب ، فيكون المثل الملتمس ما أخرجه من أن يكون خارقا للعادة وألحقه بالعناد. ويتساوى فيه المماثل في الحقيقة والمقارب.
وهب أنّ طريقة النّظم قصدت أيضا بالتحدّي- على حسب ما اقتضته عاداتهم في تحدّي بعضهم بعضا- لا بدّ أن تكون الفصاحة مقصودة ، وهي الأصل في التحدّي.
والدّعاء إلى الإتيان بالمثل- إذا لم تصحّ طريقتنا- محتمل ، فقد يجوز على هذا أن يكونوا ظنّوا أنّهم دعوا إلى مماثلته في الفصاحة على الحقيقة لا مقاربته ، فتعذّر عليهم المعارضة لا للصّرفة بل لعلوّ منزلته في الفصاحة عليهم ، وتقدّم كلامه لكلامهم .
قيل له : المثل في الفصاحة- الذي دعوا إلى الإتيان به- هو ما كان المعلوم من حالهم تمكّنهم منه وقدرتهم عليه ، وهو المقارب والمداني لا المماثل على التحقيق الّذي ربّما أشكل كيف حالهم في التمكّن منه ، فالّذي يكشف عن ذلك أنّه :
ليس يخلو القرآن في الأصل من أن تكون العادة انخرقت بفصاحته ، ويكون التحدّي بإتيان مثله (29) مصروفا إلى ما أدخله في المعتاد ، وأخرجه من انخراق العادة به . أو أن يكون معتادا ، والتحدّي وقع بالصّرف عن معارضته . ويكون دعاؤهم إلى فعل مثله ليمتنعوا ، فتنكشف الحال في الصّرفة.
فإن كان الأوّل فقد دللنا فيما تقدّم على أنّ العادة لم تنخرق به ، وأنّ خفاء الفرق بين بعض ما وقع به القرب (30) منه ، وبين فصيح كلام العرب يدلّ على التماثل والتقارب المخرج له من أن يكون خارقا للعادة ، وأشبعنا القول في ذلك. وإن كان الأمر جرى على الوجه الثّاني فهو الذي نصرناه .
وليس يخلو المثل الذي دعوا إلى الإتيان به بعد هذا من أن يكون هو الذي قد علم من حالهم أنّهم متمكّنون منه ، وأنّه الغالب على كلامهم والظّاهر على ألسنتهم ، فذاك المقارب لا المماثل على التّحقيق ؛ لأنّ المماثل ممّا لا يظهر تمكّنهم منه هذا الظّهور. ولو كانوا إلى ذلك دعوا لوجب أن يعارضوا. وإذا لم يفعلوا- مع توفّر الدّواعي- فلأنّهم صرفوا. ويكون ما دعوا إلى فعله هو المماثل على الحقيقة.
فإن كانوا دعوا إلى ذلك لم يخل حالهم فيه من أمرين : إمّا أن يكونوا قادرين عليه ومتمكّنين منه ، أو غير متمكّنين.
ولو قدروا وتمكّنوا ، لوجب أن يفعلوا. وإن كانوا غير متمكّنين- لا لأنّهم صرفوا عن ذلك وأفقدوا العلم به في الحال ، بل بقصورهم عن نظمه في الفصاحة ، أو لأنّه تعمّل (31) له زمانا طويلا ، وطالبهم بتعجيل معارضته ، أو غير ذلك ممّا قد جرت العادات بمثله ، ولا اختصاص لأحد فيه- فقد كان يجب أن يواقفوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، ويقولوا له : ليس في قصورنا عن (32) معارضتك دليل على نبوّتك وصدقك فيما ادّعيته من صرف اللّه تعالى لنا عن المعارضة ؛ لأنّك إنّما دعوتنا إلى مماثلتك فيما أتيت به . وقد يتعذّر مماثلة الفاضل عمّن لم يكن في طبقته ، لمجرى العادة من غير صرف. وإذا كنت إنّما تدّعي النّبوّة لا الفضيلة المعتادة الّتي يدّعيها بعضنا على بعض فلا حجّة فيما أظهرته . وما رأيناهم فعلوا ذلك ولا احتجّوا به .
وبعد ، فقد كان لهم أن يقولوا له في الأصل : إن كان التحدّي وقع بالمماثلة- سواء قدروا على مماثلته أو نكلوا عنها- فدعاؤك (33) لنا إلى المماثلة طريق (34) الشّغب وباب العبث ؛ لأنّ العلم بأنّ الكلامين متماثلان على التحديد ممّا لا يضبطه البشر ، ولا يقف عليه إلّا علّام الغيوب جلّ وعزّ ، فلو استفرغنا كلّ وسع في معارضتك ، لكان لك أن تقول : ليس هذا مماثلا لما جئت به ، وقد بقي عليكم ما لم تساووا فيه ! فقد دلّ ما ذكرناه على أنّ الّذي دعوا إلى فعله والمعارضة به هو المقارب الّذي يظهر تمكّنهم منه . ولو كانوا دعوا إلى المماثل أيضا لم يخلّ ذلك بصحّة طريقتنا من الوجه المتقدّم.
وقد بيّنا قبل هذا أنّ العرب وإن لم يكونوا نظّارين (35) ولا متكلّمين ، فقد كان يجب أن يواقفوا على مثل ما ذكرناه ، من حيث علموا في الجملة أنّ النّبيّ لا بدّ أن يبين بما ليس بمعتاد.
وليس لأحد أن يقول : إنّهم شكّوا في لفظ «التحدّي» ، وهل المراد به المماثلة أو المقاربة ؟ لأنّا قد دللنا فيما مضى على أنّهم لو شكّوا في ذلك لاستفهموا عنه ، سيّما مع تمادي زمان التحدّي وتطاوله وتكرّر التقريع على أسماعهم ، وقد بلغوا من إعناتهم (36) للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، وتتبّعه في أقواله وأفعاله ما كان أيسر منه سؤاله عن مراده بالتحدّي الّذي هو آكد حججه وأظهر دلائله .
وبعد ، فقد كان يجب مع الشكّ أن يعارضوا ما يقدرون عليه ؛ فإن وقع موقعه فقد أنجحوا. وإن قال لهم : أردت بالمثل كذا ولم أرد كذا ، عملوا على ما يوجبه التّفهيم ، وعذرهم عند النّاس فيما أوردوه احتمال القول الذي خوطبوا به وأشباهه .
ونحن نعلم أنّ الاستفهام مع الشكّ ، أو المعارضة بالممكن إلى أن يصحّ الأمر وينكشف المراد أشبه بالعقلاء من العدول إلى السّيف الذي لا يعدل إليه إلّا ضيق الحالة ، وتوجّه الحجّة! فإن قال : فاعملوا على أنّ المماثلة على التحديد- حتّى لا يغادر أحد الكلامين الآخر في شيء- لا يعلمها إلّا علّام الغيوب تعالى عمّا ذكرتم ، ولا يصحّ التحدّي بها ، لم أنكرتم أن تكون المماثلة الملتمسة منهم هي التي يطبّق بها العلماء بين الشّاعرين والبليغين ، والكاتبين والصّانعين. وإن لم يعلموا أنّ فعل كلّ واحد مماثل لفعل الآخر من جميع أطرافه وحدوده؟
قيل له : قد بيّنّا أنّ التحدّي لا يجوز أن يكون واقعا بأمر لا يعلم تعذّره أو تسهّله . وأنّه لا بدّ أن يكون ما دعوا إلى فعله ممّا يرتفع الشّكّ في أمره ويزول الإشكال عنه .
ودللنا على ذلك بأنّهم لو طولبوا بما يشكّك ويلتبس ، ولا تظهر براءة ذمّتهم عند الإتيان به ، لوقفوا على أنّهم قد أعنتوا وكلّفوا ما لم يطيقوا.
والمماثلة الّتي ذكرتها بين الشّاعرين وغيرهما ، وإن لم تكن على التحديد والتّحقيق ، بل لأجل اشتباه الكلامين وشدّة تقاربهما ، وصفا بأنّهما مثلان؛ فالإشكال الّذي ذكرناه في ذلك أيضا حاصل ، والخلاف ثابت. ولهذا ما اختلف النّاس في تطبيق الشّعراء وتنزيلهم وتفضيل بعضهم على بعض ، قديما وحديثا.
واختلفت في ذلك مذاهبهم ، وتضادّت أقوالهم ، وجرى في هذا المعنى من التّنازع ما لم يستقرّ إلى الآن ، فمن ذاك أنّ أكثر المطبّقين (37) جعلوا الأعشى (38) في الطبقة الأولى رابعا ، وقوم منهم جعلوا طرفة (39) الرّابع ، وآخرون جعلوه الخامس.
واختلفوا أيضا في تفضيلهم؛ فمنهم من فضّل امرأ القيس على الجماعة ، ومنهم من فضّل زهيرا (40) ، ومنهم من فضّل النّابغة (41). وقد فضّل قوم الأعشى (42) على أهل طبقته ؛ لكثرة فنون شعره .
فأمّا جرير والفرزدق فالاختلاف في تفضيلهما أيضا مشهور؛ فبعض العلماء والرّواة يفضّل جريرا ، وبعض آخر يفضّل الفرزدق. وآخرون يفضّلون الأخطل على الجميع ، ويقولون : إنّه أشدّهم أسر شعر (43) ، وأشبههم بمذهب الجاهليّة ، ولكلّ فيما ذهب إليه قول واحتجاج.
ومن تأمّل أقوال الناس في هذه المعاني حقّ تأمّلها علم أنّها كالمتكافئة المتقابلة ، وأنّه لا مذهب منها إلّا وله مخرج وفيه تأوّل ، وأنّ الحقّ المحض لو التمس في خلالها لتعذّر وجوده .
وقد علمنا أنّ هؤلاء ، وإن اختلفوا فيما حكيناه ، فلا اختلاف بينهم في أنّ كلام الجماعة يقارب بعضه بعضا. وكلّ من فضّل أحدهم على غيره يقرّ بأنّ كلام المفضول مقارب لكلام الفاضل. وليس هذا ممّا تدخل الشّبهة فيه دخولها في الأوّل ، ولا ممّا يصحّ أن يعتقد فيه المذاهب المختلفة؛ فقد عاد الأمر إلى أنّه لو كان صلّى اللّه عليه وآله تحدّاهم بأن يأتوا بمثل ما أتى به على هذا الوجه لكان متحدّيا بما لا سبيل إلى علمه ، ومطالبا لهم بما لو أحضروه لم يخرجوا عن التّبعة.
وقد مضى أنّهم لو كانوا فهموا ذلك من التحدّي لما صبروا تحته ، ولا أمسكوا عن المواقفة عليه؛ فقد دلّ ما ذكرناه على أنّ التحدّي إنّما كان بإيراد ما هو ظاهر في كلامهم ، ومعلوم من حالهم.
وبعد ، فلو كان التماثل الّذي عناه السائل ممّا لا يعترض فيه شك ، وكان أمره واضحا جليّا- وليس كذلك في الحقيقة- لم يقدح (44) الاعتراض بالتحدّي به في إعجاز القرآن على مذهبنا؛ لأنّا قد بيّنا قبل هذا الموضع أنّهم لو تحدّوا بذلك وتمكّنوا منه لعارضوا ، ولو لم يتمكّنوا لوجه من الوجوه المعتادة لوقفوا وتنبّهوا على سقوط الحجّة عنهم؛ فكلامنا مستقيم من كلّ وجه .
فإن قال : كيف يكون تماثل الكلامين وتفضيل أحدهما على الآخر غير مضبوطين ، والأقوال فيهما متكافئة حسبما ادّعيتم. وقد رأينا الشّعراء وغيرهم من أهل الصّنائع يتحدّى بعضه بعضا ، ويستفرغون الوسع فيما يظهرونه من صنائعهم.
وإنّما غرضهم في ذلك أن يفضّلوا على نظرائهم ، ويجعلوا في طبقات صنعتهم ، ويشهد لهم بالتقدّم ، ويسلّم إليهم الحذق. ولو كان ما قصدوا إليه من ذلك لا ينضبط والخلاف فيه لا ينقطع ، لما أتعبوا نفوسهم وأبدانهم فيما لا وصول إليه .
قيل له : إنّما تجشّم من ذكرت من الشّعراء وأهل الصّنائع ما تجشّموه من التحدّي والمباهاة والمفاخرة؛ لأنّ غايتهم القصوى التي يجرون إليها أن يغلب في الظّنون فضلهم ، ويعتقد أكثر العلماء- أو طائفة منهم على الجملة- تقدّمهم. وهذا حاصل لهم وإن كان أمر بعضهم فيه أظهر فيه من بعض.
وليس في الدّنيا عاقل من الشّعراء ولا من غيرهم ، يريد أن يقطع النّاس بفضله على عديله ويطبّقه مع نظيره ، من جهة العلم اليقين. بل أحسن أحوالهم وأكبر آمالهم أن يظنّ ذلك فيهم ، ويكون حالهم به أشبه وأليق؛ لأنّه لا مجال للعلم في هذا ، وإنّما يعمل فيه على الظنّ وغالبه . وليس هذا من دلائل النبوّة في شيء؛ لأنّها مبنيّة على العلم دون الظنّ.
وإنّما يعلم صدق النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله في الخبر بأنّهم لا يعارضونه ويدلّ على أنّهم مصروفون بأن نعلم يقينا أنّ المعارضة لم تقع من أحد منهم ، وأنّ من تعاطى من القوم- ما ادّعى أنّه معارضة- متعاط لما لم يدع إليه ، ويتكلّف (45) ما لا حجّة فيه .
ومتى لم نعلم ذلك ونقطع على صحّته ، لم تستقم الدّلالة على النّبوّة ، وهذا ممّا لا يقوم غالب الظنّ فيه مقام العلم ، كما قام مقامه في تطبيق الشّاعر وتفضيله على أهل طبقته . إلّا أنّ التطبيق والمفاضلة بين الفاضلين- وإن كانا مظنونين- فالتّقارب بين الجماعة معلوم غير مظنون. ولهذا لا نرى أحدا من أهل القرية (46) تشاكل عليه مقاربة كلام المفضول للفاضل؛ وإن علت طبقة أحدهما على صاحبه .
ولا يصحّ اعتراض الشكّ في أنّ كلّ واحد من الكلامين مستبدّ بحظّ من الفصاحة ، وإن زاد في أحدهما ونقص في الآخر ، حتّى يقع في ذلك الخلاف والتّنازع ، ويعتقد فيه المذاهب ، ويصنّف فيه الكتب ، كما جرى كلّ ما ذكرناه في التّطبيق والمفاضلة بين النظيرين.
فقد وضح أنّ التحدّي لم يقع إلّا بأمر يصحّ العلم به والقطع عليه ، دون ما يغلب في الظنّ ، ولا يؤمن ثبوت الخلاف فيه .
فإن قال : فيجب على مذهبكم هذا أن يكون القرآن في الحقيقة غير معجز ، وأن يكون المعجز هو الصّرف عن معارضته ! قيل له : هذا سؤال من قد عدل عن الحجاج إلى الشّناعة (47) ، واستنفار من يستبشع الألفاظ من غير معرفة معانيها من العامّة والمقلّدين. وقلّ ما يفعل ذلك إلّا عند انقطاع الحجّة ونفاد الحيلة. وما أولى أهل العلم والمتحرّمين (48) به ، بتنكّب هذه السّجيّة وبتجنّبها! ونحن نكشف عمّا في هذا الكلام.
أمّا «المعجز» في أصل اللّغة ووضعها ، فهو (49) : أن يكون من جعل غيره عاجزا ، كما أنّ «المقدر»- الّذي هو في وزنه- من جعل غيره قادرا ، و«المكرم» من جعله كريما وفعل له كرامة.
فإن كانوا قد استعملوا لفظة «مقدر» فيمن مكّن غيره من الأسباب والآلات من غير أن يفعل له قدرة في الحقيقة ، فكذلك (50) استعملوا لفظة «معجز» فيمن فعل ما يقدر معه [على] الفعل ، من سلب آلة وما جرى مجراها وإن لم يكن فعل عجزا ، غير أنّ التعارف والاصطلاح قد ينقل (51) هذه اللّفظة- أعني لفظة «معجز»- عن أصل وضعها ، وجعلوها مستعملة فيما تعذّر على العباد مثله ، سواء كان التعذّر لأنّهم غير قادرين على جنسه ، أو لأنّهم غير متمكّنين من فعل مثله في صفته.
وكذلك كان نقل الجبال عن أماكنها ، ومنع الأفلاك من حركاتها معجزا ، كما كان إحياء الموتى ، وإعادة جوارح العمي والزّمنى معجزا ، وإن كان جنس الأوّل مقدورا لهم ، وجنس الثّاني غير مقدور.
وإذا صحّ هذا لم يمتنع القول بأنّ القرآن معجز ، من حيث كان وجود مثله في فصاحته وطريقة نظمه متعذّرا على الخلق ، لا اعتبار بما له تعذّر؛ فإنّ ذلك وإن كان مردودا عندنا إلى الصّرف ، فالتّعذّر حاصل. كما لم يختلف ما تعذّر فعل جنسه ، وما تعذّر فعل مثله في بعض صفاته في الوصف بالإعجاز ، وإن كان سبب التعذّر مختلفا.
فإن قال : الأمر وإن كان في لفظة «معجز» أو أصلها وما انتقلت إليه ، على ما ذكرتموه؛ فإنّ المعجز من شرطه- في الاصطلاح- أن يكون خارقا للعادة ، وإلّا لم يكمل له الوصف بأنّه معجز. وليس القرآن عندكم خارقا للعادة ، اللّهمّ إلّا أن تحملوا نفوسكم على ادّعاء ذلك ، وتتأوّلوا أنّ مثله في الفصاحة والنّظم لمّا لم يقع يجب أن يكون خارقا للعادة. وهذا من التأويل البعيد؛ لأنّ فصاحته عندكم معتادة فلا كلام فيها ، وطريقته في النّظم- وإن لم تعهد- فهي كالمعهودة من حيث كان النّاس قبل التحدّي والصّرف متمكّنين من السّبق إليها ، وغير ممنوعين منها.
وكلّ شيء وقع التمكّن منه فهو في حكم المعتاد المعهود وإن لم يوجد ، فكيف يصحّ الجواب مع ما ذكرناه ؟
قيل له : إذا أجبناك إلى جميع ما اقترحته في سؤالك فقد أسقطنا شناعتك الّتي قصدتها؛ لأنّ أكثر ما في كلامك أن يكون القرآن على مذهبنا غير خارق للعادة من حيث فصاحته ونظمه . وأن يكون خرق العادة راجعا إلى الصّرف عن معارضته . والعامّة وأصحاب الجمل لا يعرفون ما المراد بهذا اللّفظ ، أعني : «خرق العادة» ، ولا يعهدون استعماله ، فكيف يستشنعون بعض المذاهب فيه؟ وإنّما ينكر أمثال هؤلاء ما قد عرفوه وألفوه ، إذا قيل فيه بخلاف قولهم.
فإن سامجتنا في هذا الموضع ومنعتنا من إطلاق لفظة «معجز» على القرآن ، مع قولنا : إنّه غير خارق للعادة من حيث شرطت في «المعجز» أن يكون خارقا للعادة ، جاز أن نستفسرك في أوّل الكلام ، فنقول لك : ما تريد بقولك : فيجب أن يكون القرآن غير معجز؟
أ تريد : يجب أن يكون الخلق- أو بعضهم- متمكّنين من معارضته ومساواته ، أو يكون (52) ممّا يستدلّ به على نبوّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وصدق دعوته؟
أم تريد أنّه يجب أن لا يكون خارقا للعادة بفصاحته ونظمه ، ولا علما على النبوّة بنفسه ، لكنّ قصور الفصحاء عنه يدلّ على الصّرف الّذي هو العلم في الحقيقة؟
وإن أردت الأوّل : فقد ظلمت؛ لأنّا قد دللنا على أنّ معارضة القرآن متعذّرة على سائر الخلق ، وأنّ ذلك ممّا قد انحسمت (53) عنه الأطماع ، وانقطعت فيه الآمال.
ودللنا أيضا على أنّ التحدّي بالقرآن وقعود العرب عن المعارضة يدلّان على تعذّرها عليهم ، وأنّ التعذر لا بدّ أن يكون منسوبا إلى صرفهم عن المعارضة؛ فالاستدلال به من هذا الوجه على النبوّة صحيح مستقيم.
وإن أردت القسم الثّاني : فهو قولنا ، وما يأبى ما (54) رسمناه إذا قيّدناه هذا التّقييد ، وفسّرناه بهذا التّفسير.
وقد زالت الشّناعة على كلّ حال؛ لأنّ القوم الّذين قصدت إلى تقبيح مذهبنا في نفوسهم ، إنّما ينكرون أن يكون القرآن غير معجز ، ويشنّعون من يضاف مثل ذلك إليه . على تأويل أن يكون ممّا يتمكّن البشر من مساواته ومعارضته ، أو يكون لا حظّ له في الدّلالة على النبوّة ، ونحن بريئون من ذلك ومن قائليه .
فأمّا ما بعد هذا من التفصيل فموقوف على المتكلّمين وغيرهم ، لا ما تتخيّله ، فضلا عن أن تبطله ولا تصحّحه! فإن قال : الشّناعة باقية؛ لأنّ المسلمين بأسرهم ينكرون قول من نفى كون القرآن علما للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، كما تنكرون ما ذكرتموه وتبرّأتم منه من نفي دلالته جملة ، والقول بأنّه ممكن غير متعذّر ؟! (55)
قيل له : من هؤلاء المسلمون الّذين ينكرون ما ادّعيته ؟
فإن قال : هم النظّارون والمتكلّمون.
قيل له : معاذ اللّه أن ينكر هؤلاء إلّا ما أقاموا البرهان على بطلانه وقطعوا العذر في فساده؛ فإن كانوا منكرين لذلك- حسب ما ادّعيت- فهات حجّتهم في دفعه ، لنسلّم لها بعد الوقوف على صحّتها. وما نراك إلّا أن تسلك طريق الاحتجاج.
وإن قال : هم الفقهاء ، وأصحاب الحديث ، والعامّة ، ومن جرى مجراهم.
قيل له : وكيف ينكر هؤلاء ما لا يفهمونه؟! ولعلّه لم يخطر قطّ لأحدهم ببال.
والإنكار للشيء والتصحيح له إنّما يكون بعد المعرفة به والتبيين لمعناه . فإن أنكر هذا- ممّن ذكرته- منكر؛ فلأنّه يستغربه ويستبدع (56) الخوض فيه ، لا لأنّه يعتقده كفرا وضلالا ، كما ينكر أكثر الفقهاء وجميع العامّة ذكر الجوهر والعرض والحدوث والقدم ، وإن كان كثير منهم يتسرّع إلى الحكم في كلّ ما لا يعرفه ويألفه بأنّه كفر وضلال! إلّا أنّنا ما نظنّ أنّك تقاضينا إلى أمثال هؤلاء وتحاجّنا بإنكارهم ، فإنّنا لو رجعنا إليهم أو صغينا إلى أقوالهم لخرجنا (57) عن الدّين والعقل معا ، وحصلنا على محض العناد والتجاهل! وبعد ، فمتى قيل لمنكر هذا من الفقهاء والعامّة- ما نريد بقولنا : «إنّ القرآن ليس بعلم» إخراجه من الدّلالة على النبوّة ، ولا أنّ معارضته يمكن أحدا من البشر أن يأتي بها (58) ، وإنّما أردنا كذا وكذا- رجع عن إنكاره ، وعلم أنّ الّذي نقوله بعد ذلك فيه ليس ممّا يهتدي أمثاله إلى تصحيحه أو إبطاله ، وأنّ غيره أقوم به منه . اللّهمّ إلّا أن يكون مستحكم الجهل قليل الفطنة ، فهذا من لا ينجع فيه تفهيم ولا تعليم ، ولا اعتبار بأمثاله حسب ما قدّمناه .
فإن قال : ما عنيت إلّا العلماء النظّارين ؛ فإنّهم بأسرهم يعترفون بأنّ القرآن علم على النبوّة ، وينكرون قول من أبى ذلك.
وأمّا التماسكم ذكر حجّتهم في ذلك فحجّتهم هي الإجماع الّذي هو أكبر الحجج. والفقهاء المقتصرون على الفقه ، وأصحاب الحديث والعامّة ، وإن لم يعرف في ذلك أقوالهم متجرّدة ، فهم تابعون للعلماء والمتكلّمين.
ولو ذهبنا إلى اعتبار أقوال العوامّ ومن جرى مجراهم في الإجماع طال علينا ، ولم نتمكّن- نحن ولا أنتم- من تصحيح دلالة الإجماع في باب واحد! قيل له : كيف يسوغ لك ادّعاء إجماع أهل النظر ، والنّظّام (59) وجميع من وافقه ، وعبّاد بن سليمان (60) ، وهشام بن عمرو الفوطيّ (61) وأصحابهما خارجون عنه .
فأمّا النّظّام فمذهبه في ذلك معروف. وأمّا هشام وعبّاد ، فكانا يذهبان إلى أنّ الأعراض لا تدلّ على شيء ؛ فالقرآن- على مذهبهما- لا يصحّ أن يكون دالّا على النّبوّة ولا غيرها. وقد صار هشام وعبّاد إلى الموضع المستشنع الذي رمت أيّها السّائل أن تنحله أصحاب الصّرفة. وإذا خرج هؤلاء عن الجملة لم يعدّ القول إجماعا من المتكلّمين.
وبعد ، فلو لم يخرج من ذكرنا لم يكن إجماعا أيضا؛ لأنّ المتكلّمين ليس هم الأمّة بأسرها. وإذا كنّا قد بيّنا أنّ من عدا المتكلّمين لا يعرف هذا ، وربّما لم يفهمه ، وأنّ فيهم من إذا سمع الخفض (62) في هذا القرآن- علم أو ليس يعلم- استبدع أيّ قول قيل في ذلك ، واعتقد أنّ من قوّة (63) الدّين وصحّة العزيمة فيه الإضراب عن تكلّف أمثال هذه الأقوال. وفيهم من إذا فهمه رضي بعض المذاهب فيه ، وسخط بعضا. فكان من ليس بمتكلّم من سائر المسلمين لا قول له في هذا الباب ، ولا اتّباع ولا رضى.
وإنّما لم تحصل أقوال العامّة وأصحاب الجمل في مسائل الإجماع كما حصلنا أقوال الخاصّة وآراءها ، لعلمنا بتسليمهم ذلك للخاصّة ، واتّباعهم فيه؛ فيكون هذا الاتّباع والانقياد قائما مقام القول الموافق لأقوالهم. وليس هذه حالهم فيما سأل عنه السّائل. وكلّ إجماع لم يكن هكذا ، فهو غير صحيح.
ومن صار إلى ادّعاء الإجماع في مسائل الكلام اللّطيفة الّتي تخفى عن كثير من العقول كمسألتنا هذه ، فعجزه ظاهر.
ثمّ يقال له (64) : أنت أيّها السّائل وأصحابك ، تقولون : إنّ القرآن ليس بمعجز ، ولا علم على النبوّة؛ لأنّه موجود قبل مولد النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله في السّماء. وإنّما المعجز عندكم بنزول جبرئيل عليه السّلام به إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، فالتّشنيع الذي ذكرته لازم لمذهبك.
فإن قال : نحن وإن قلنا إنّ القرآن لم يكن علما ومعجزا قبل إنزاله واختصاص النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، فإنّا نصفه بعد النزول والاختصاص بأنّه علم ومعجز.
قيل له : قد علمنا ذلك من قولك : إنّ الّذين أردت التّشنيع علينا عندهم لا يرتضون القول بأنّ القرآن لم يكن علما ومعجزا ، ثمّ صار كذلك. وهو موجود في الحالين ، وعندهم أنّ في ذلك تصغيرا من شأنه وحطّا عن قدره .
فإن قلت : إنّني إذا فهّمتهم المراد بهذا القول كان المعجز يجب أن يكون ناقضا للعادة ، ومن شرطه كذا وكذا. ولمّا كان القرآن موجودا في السّماء لم تنتقض به عادة ، ولم يحصل له شروط الأعلام والآيات ، وأنّه إنّما صار كذلك بعد النزول؛ أزلت الشّناعة.
قيل لك : ونحن أيضا إذا أوقفناهم على الفرض في قولنا ، وكشفناه الكشف الّذي قدّمناه ، زال ما خامر قلوبهم من أنّ ذلك كالطّعن في دلالة القرآن ، وأنسوا به .
وربّما اعتقده منهم من فهمه .
ويقال له : على أيّ وجه يصحّ قولكم : إنّ القرآن لم يكن علما معجزا قبل نزول جبرئيل عليه السّلام به ، ثمّ صار كذلك ؟! والمعجز- في الحقيقة- هو الحادث عند دعوى النبوّة ليكون متعلّقا بها تعلّق التصديق ، ولهذا لا يكون ما حدث قبل نبوّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله- بالمدد الطويلة ، أو تأخّر عنها- علما له ولا معجزا ، فكيف يكون القرآن على هذا معجزا ، ووجوده متقدّم للنّبوّة ؟! فإن قال : القرآن- وإن تقدّم وجوده- فإنّما يصير معجزا لنزول جبرئيل عليه السّلام به ، واختصاصه بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله على وجه لم تجر العادة بمثله؛ فتحلّ في هذا الباب ، وإن كان محكيّا منقولا على المبتدأ للحدوث. كما أنّ القديم تعالى لو خلق حيوانا في جبل أصمّ ، وجعل بعض الأنبياء علمه ظهور ذلك الحيوان من الجبل ، فصدع اللّه تعالى الجبل وأظهر الحيوان ، لكان ذلك معجزا ، وإن كان خلق الحيوان متقدّما.
ولم يكن بين ظهوره على هذا الوجه وبين ابتداء خلقه في الحال فرق في باب الإعجاز؛ فكذلك القول في القرآن.
قيل له : إذا كان نزول جبرئيل عليه السّلام بالقرآن لم يجعله مبتدأ الحدوث ، لأنّه وإن كان حادثا عند الحكاية من قبل أنّ البقاء لا يصحّ عليه ، فليس بمبتدإ الحدوث.
والحكاية له قائمة مقام نفس المحكيّ ، حتّى لو أنّه ممّا يبقى لم يسمع إلّا كما سمعت بحكايته ، فيجب أن لا يكون هو العلم في الحقيقة؛ لأنّه لم يبتدأ حدوثه عند الدّعوى فيتعلّق بها.
ويجب على هذا المذهب أن يكون العلم المعجز هو نزول جبرئيل عليه السّلام به؛ لأنّ ذلك متجدّد مبتدأ الحدوث. وليس الأمر في صدع الجبل عن الحيوان المتقدّم خلقه كما وقع لك ؛ لأنّ المعجز في ذلك يجب أن يكون صدع الجبل؛ لأنّه الحادث عند الدّعوى ، والمتعلّق بها تعلّق التّصديق. فأمّا خلق الحيوان إذا كان معلوما تقدّمه ، فلا يجوز أن يكون هو المعجز.
وفي نزول جبرئيل عليه السّلام بالقرآن ، وهل يصحّ أن يكون معجزا أو لا يصحّ ؟
وهل يكون العجز من فعل غير اللّه تعالى ، كما تكون من فعله؟ كلام ستراه مستقصى فيما بعد ، بمشيئة اللّه تعالى. وإنّما أوردنا هذا الكلام هاهنا لأنّ مذهب الخصوم يقتضيه .
فإن قال : كيف يكون نزول جبرئيل عليه السّلام بالقرآن علما لنا على النبوّة ، وهو ممّا لا نعلمه ولا نقف على تجدّد حدوثه؟! وإنّما يصحّ أن يكون نزول جبرئيل عليه السّلام علما له عند النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، نستدلّ به على صدقه فيما يؤدّيه عن ربّه تعالى ، فأمّا أن يكون علما للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله في تكليفنا العلم بنبوّته- وهو ممّا لا نقف عليه- فلا يصحّ! قيل له : لنا سبيل إلى الوقوف عليه؛ لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله إذا تحدّى بالقرآن فصحاء العرب فلم يعارضوه ، وصرفت أنت وأهل مذهبك تعذّر المعارضة إلى خروج القرآن عن العادة في الفصاحة ، لم تخل الحال عند النّاظر المستدلّ على النّبوّة من وجوه :
إمّا أن يكون اللّه تعالى ابتدأ حدوث القرآن على يده وخصّه به؛ فيكون المعجز حينئذ نفس القرآن. أو يكون أحدثه قبل نبوّته ، وأمر بعض الملائكة بإنزاله إليه ، ليتحدّى به البشر فيكون المعجز نزول الملك به لا نفس القرآن الّذي تقدّم حدوثه .
أو يكون خصّه بعلوم تأتّى معها فعل القرآن ، فيكون المعجز هو العلوم التي أبين (65) بها من غيره .
فالمرجع في القطع على أحد هذه الوجوه إليه صلّى اللّه عليه وآله؛ لأنّ العلم بصدقه حاصل بتعذّر المعارضة. وهي لا تتعذّر إلّا لأحد هذه الوجوه الّتي كلّ واحد منها يدلّ على صدقه صلّى اللّه عليه وآله .
وإذا تقدم العلم بصدقه معرفة المعجز بعينه ، قطع عليه بخبره . وقد خبّر صلّى اللّه عليه وآله بأنّ القرآن نزل به جبرئيل عليه السّلام ، وإن كان حادثا قبل الرّسالة فيجب عليك وعلى أهل مذهبك القول بأنّ القرآن ليس بعلم في الحقيقة ولا معجز! وهذا يعيد الشّناعة إليك.
ثمّ يقال له : عرف العامّة ما تقوله أنت وأصحابك ، بل أكثر محصّلي المتكلّمين ، من أنّ جميع الخلق قادرون على مثل القرآن ، وغير عاجزين عنه .
واسمع قولهم في ذلك ، فإنّه أشنع عندهم وأفحش من كلّ شيء! فإن قال : هذا لا أطلقه؛ لأنّه يوهم أنّهم يتمكّنون من فعل مثله ، وأنّه يتأتّى منهم متى راموه .
قيل له : قد أصبت في هذا الاحتراز والتقييد ، إلّا أنّ المعنى مفهوم ، وإن لم تطلق اللّفظ ، ونحن أيضا لا نطلق أنّ القرآن ليس بمعجز ولا علم؛ لأنّه يوهم أنّ معارضته ممكنة غير متعذّرة ، وأنّه لا دلالة فيه على النبوّة ، فلا تسمنا (66) ذلك.
واقنع منّا بما أقنعت به من طالبك بأنّ القرآن ... (67).
ثمّ يقال لهم : ألست أنت وأصحابك كنتم تجيزون- لو لا إخبار الرّسول صلّى اللّه عليه وآله بأنّ القرآن من كلام ربّه تعالى- أن يكون فعلا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ؟
فإذا قال : نعم.
قيل له : فلو لم يعلم ذلك من جهة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، وبقي الجواز على حاله ، ما الّذي كان يكون المعجز في الحقيقة ؟
فإن قال : القرآن هو المعجز على كلّ حال ، ولا فرق بين أن يكون من فعل اللّه تعالى ، وبين (68) أن يكون من فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله .
قيل له : فكيف يصحّ كونه علما للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ومعجزا ، وهو من فعله ؟ والعلم هو الواقع موقع التّصديق ، والتّصديق يجب أن يقع ممّن تعلّقت الدّعوى به ، وهو اللّه تعالى. وإذا كان من فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، كان هو المصدّق نفسه ، وهذا ظاهر الفساد .
فإن قال : إذا قدّرنا ارتفاع حصول العلم لنا من دين النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله بأنّ القرآن من كلام اللّه تعالى ، جوّزنا أن يكون القرآن هو المعجز ، بأن يكون اللّه تعالى تولّى فعله .
وجوّزنا أن يكون من فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، ويكون المعجز إذ ذاك العلوم التي خصّ بها ، فتأتّى معها فعل القرآن.
قيل له : أ فكان تجويزكم أن يكون القرآن غير معجز ، وأن يكون المعجز في الحقيقة غيره- مع علمكم بصدق الرّسول صلّى اللّه عليه وآله من جهة القرآن- يدخلكم في شناعة ! فإذا قال : لا.
قيل : فعلى أيّ وجه ألزمتم أصحاب الصّرفة الشّناعة ، وما قالوا أكثر من هذا الّذي اعترفتم بأنّه لا شناعة فيه ؟! فإن قال : لو جرى الأمر على ما قدّمتموه ، لما حصل الإجماع على أنّ القرآن علم معجز. ولهذا لم يكن في القول بذلك شناعة. وإنّما ألزمنا أصحاب الصّرفة الشناعة الآن ، بعد حصول الإجماع.
قيل له : ولا الآن حصل إجماع ذلك ، كما ظننت ، وقد مضى في ادّعاء الإجماع ما لا طائل في إعادته .
فإن قال : إذا كان فصحاء العرب- على مذهبكم- قادرين على ما يماثل القرآن في الفصاحة والنّظم. أو على ما إن لم يماثله في الفصاحة قاربه مقاربة تخرجه من أن يكون خارقا للعادة ، فقد كانوا لا محالة عالمين بذلك من أنفسهم؛ لأنّه لا يجوز أن تعلموا أنتم ذلك ويخفى عليهم! فإذا علموه ، فأحدهم إذا رام المعارضة فلم يتأتّ له الكلام الفصيح الّذي يعهده من نفسه ، حتّى إذا عدل عنها عدل إلى طبعه وجرى على عادته ، لا بدّ أن يقف على سبب تلبّسه (69) ، والوجه الّذي منه وهي (70) ، ويعلم أنّ ذلك هو تعاطي المعارضة ، لا سيّما إذا جرّب نفسه مرّة بعد أخرى فوجد التعذّر مستمرّا عند القصد إلى المعارضة ، والتسهّل حاصلا عند الانصراف عنها ، فحينئذ لا يعارضه شك في ذلك ، ولا يخالجه (71) ريب.
وإذا وجب هذا فأيّ شكّ يبقى لهم في النبوّة ؟ وهل يعدل عنها منهم- وحالهم هذه- إلّا معاند مكابر لنفسه وعقله؟! وقد علمنا أنّ من انحرف عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله من العرب الفصحاء لم يكونوا بهذه الصّفة ، بل قد كان منهم من يتديّن بمذهبه ، ويتقرّب إلى اللّه تعالى بعبادته .
والأظهر من حالهم [أنّ] عدولهم عن تصديقه إنّما كان لتمكّن الشّبه من قلوبهم ، ولتقصيرهم في النّظر المفضي مستعمله إلى الحقّ. وهذا يكشف عن فساد ما ادّعيتموه .
قيل له (72) : العرب وإن كانوا لا بدّ أن يعرفوا مبلغ ما يتمكّنون منه من الكلام الفصيح ومراتبه ، فليس يجب- إذا امتنع عليهم عند القصد إلى المعارضة ما كان متأبّيا ثمّ عاد إلى التأتّي والتّسهّل مع العدل عنها- أن تعلموا أنّ سبب ذلك هو القصد إلى المعارضة. وإن علموا ذلك فليس يجب أن يعلموا أنّ المنع عنها من قبل اللّه تعالى ، فإذا علموه فلا يجب أن يعلموا أنّ اللّه فعله تصديقا للمدّعي للنّبوّة؛ لأنّهم قد يجوز أن ينسبوا ما يجدونه من التعذّر ثمّ التسهّل إلى الاتّفاق ، أو إلى غيره من الأسباب.
فإذا عرفوا أنّه من أجل المعارضة جاز أن ينسبوه إلى السّحر ، فقد كان القوم- إلّا قليلا منهم- يصدّقون به ويعتقدون فيه أنّه يبغّض الحبيب ، ويحبّب البغيض ، ويسهّل الصّعب ، ويصعّب السّهل. ولهم في ذلك وفي الكهانة مذاهب معروفة وأخبار مأثورة ، وقد رموا النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله بشيء من ذلك ، ونطق به القرآن ، فأكذبهم اللّه تعالى فيه ، كما أكذبهم في غيره من ضروب القرف (73) والتخرّص.
فإذا وصلوا إلى أنّه من فعل اللّه تعالى وزالت الشّبهة في أنّه من فعل غيره ، جاز أن يعتقدوا أنّه لم يكن للتّصديق ، بل للجدّ والدّولة والمحنة للعباد؛ فأكثر النّاس يرى أنّ اللّه تعالى إذا أراد إدالة (74) بعض عباده ، والإشادة بذكره ، والرّفع لقدره ، سخّر له القلوب ، وذلّل له الرّقاب ، وقبض الجوارح ليتمّ أمره ، وينتظم حاله .
ولا فرق في هذا بين الضالّ والمهتدي ، والصادق والكاذب. وللّه تعالى أن يمتحن عباده على رأيهم بكلّ ذلك.
والشّبه الّتي تعترض في كلّ قسم من الأقسام الّتي ذكرناها كثيرة جدّا. وقد استقصى الجواب عنه المتكلّمون في كتبهم ، وإنّما أشرنا بما ذكرناه منها إلى ما هو أشبه بأن يقع للعرب ، وأقرب إلى أفهامهم وعقولهم.
وإذا كان العلم بأنّ القرآن معجز وعلم على النّبوّة لا يخلص إلّا بعد العلم بما ذكرناه- وفيه من النّظر اللطيف ما فيه- فكيف يلزم أن يعرف العرب ذلك ببادي أفكارهم ، وأوائل نظرهم ؟! ثمّ يقال للسّائل (75) : إذا كان العرب عندك قد علموا مزيّة القرآن في الفصاحة على سائر الكلام ، وعرفوا أيضا أنّ هذه المزيّة خارجة عن العادة ، وأنّها لم تقع بين شيء من الكلام؛ فقد استقرّ إذا عندهم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله مخصوص من بينهم بما لم تجر العادة به ، فكيف لم يؤمن جميعهم مع هذا ، وينقد سائرهم ، سيّما ولم يكن القوم معاندين ، ولا في حدّ من يظهر خلاف ما يبطن؟! فإن قال : ليس يكفي في ذلك العلم بمزيّة القرآن وخروجه عن العادة؛ لأنّهم يحتاجون إلى أن يعلموا أنّ اللّه تعالى هو الخارق للعادة ، وأنّه إنّما خرقها تصديقا للمدّعي للنّبوّة. وفي هذا نظر طويل يقصر عنه أكثرهم.
قيل له : الأمر على ما ذكرت ، وهذا بعينه جوابك عن سؤالك ، فتأمّله! فإن قال (76) : لو كان اعجاز القرآن وقيام الحجّة به من قبل الصّرفة عنه لا لمزيّته في الفصاحة لوجب أن يجعل في أدون طبقات الفصاحة ، بل كان الأولى أن يسلبها جملة ، ويجعل كلاما ركيكا متقاربا ؛ لأنّه مع الصّرف عن معارضته ، كلّما بعد عن الفصاحة وقرب ممّا (77) يتمكّن من مماثلته فيه المتقدّم والمتأخّر والفصيح [وغير الفصيح] ، لكانت (78) حاله في الإعجاز أظهر ، والحجّة به آكد ، وارتفعت في أمره كلّ شبهة ، وزال كلّ ريب. وفي إنزال اللّه تعالى له على غاية الفصاحة دليل على بطلان مذهبكم ، وصحّة قولنا.
قيل له : (79) : هذا من ضعيف الأسئلة ؛ لأنّ الأمر وإن كان لو جرى على ما قدّرته ، لكانت الحجّة أظهر والشّبهة أبعد ؛ فليس يجب القطع على أنّ المصلحة تابعة لذلك! وغير ممتنع أن يعلم اللّه تعالى أنّ في إنزال القرآن على هذا الوجه من الفصاحة المصلحة واللّطف للمكلّفين ما ليس حاصلا عنده لو قلّل من فصاحته وليّن من ألفاظه ، فينزله على هذا الوجه . ولو علم أنّ المصلحة في خلاف ذلك لفعل ما فيه المصلحة وهذا كاف في جوابك.
ثمّ يقال للسائل (80) : أما يقدر القديم تعالى على كلام أفصح من القرآن ؟
فإن قال : لا ، لأنّ فصاحة القرآن هي نهاية ما يمكن في اللّغة العربيّة .
قيل له : ومن أين لك هذا ؟ وما الدّليل على أنّه لا نهاية بعدها ؟
فإن رام أن يذكر دليلا على ذلك ، لم يجد. وكلّ من له أدنى معرفة وإنصاف يعلم تعذّر الدّليل في هذا الموضع.
وإن قال : القديم تعالى يقدر على ما هو أفصح من القرآن.
قيل : فألّا فعل ذلك؟! فإنّا نعلم أنّه لو فعله لظهرت الحجّة وتأكّدت ، وزالت الشّبهة وانحسمت ، ولم يكن للرّيب طريق على أحد في أنّ القرآن غير مساو لكلام العرب ولا مقارب ، وأنّه خارق لعاداتهم ، خارج عن عهدهم.
فإن قال : قد يجوز أن يعلم تعالى أنّه لا مصلحة في ذلك ، وأنّ المصلحة فيما فعله . ولو علم في خلافه المصلحة لفعله .
قيل له : فبمثل هذا أجبناك.
على أنّا لو سلّمنا للسّائل ما يدّعيه من أنّ فصاحة القرآن قد بلغت النّهاية ، وأنّ القديم تعالى لا يوصف بالقدرة على ما هو أفصح منه ، لكان الكلام متوجّها أيضا ، لأنّه ليس يمتنع أن يسلب اللّه تعالى الخلق في الأصل ، العلوم التي يتمكّنون بها من الفصاحة الّتي نجدها ظاهرة في كلامهم وأشعارهم ، ولا يمكّنهم منها. وإن مكّنهم فمن الشيء النزر اللّطيف الّذي لا يعتدّ بمثله ، وينسب فاعله فصحاؤنا العيّ (81) والبعد عن مذهب الفصاحة؛ فتظهر إذن مزيّة القرآن وخروجه عن العادة ظهورا يرفع الشّك ، ويوجب اليقين. وليس هذا ممّا لا يمكن أن يوصف اللّه تعالى بالقدرة عليه ، كما أمكن ادّعاء ذلك في الأوّل.
ثمّ يقال له : خبّرنا ، لو أنشر اللّه تعالى عند دعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، جميع الأموات أو أكثرهم ، أو أمات أكثر الأحياء أو سائرهم ، وأهبط الملائكة إلى الأرض تنادي بتصديقه وتخاطب البشر بنبوّته . بل لو فعل- جلّ وعزّ- ما اقترح على نبيّه عليه وآله السّلام من إحياء عبد المطّلب ، ونقل جبال مكّة من أماكنها ، إلى غير ذلك من ضروب ما استدعوه واقترحوه ، أما كان ذلك أثبت للحجّة وأنفى للشّبهة ؟! (82) فلا بدّ من : نعم ، وإلّا عدّ مكابرا.
فيقال له : فكيف لم يفعل ذلك أو بعضه ؟
فإن قال : لأنّه تعالى علم المصلحة في خلافه ! أو قال : لأنّه لو فعل ذلك لكان الخلق كالملجئين إلى تصديق الرّسول صلّى اللّه عليه وآله ، وخرجوا من أن يستحقّوا بذلك الثّواب الّذي أجرى بالتّكليف إليه ! قيل له : هذا صحيح ، وهو جوابنا لك.
فإن قال : لو كان فصاحة القرآن غير خارجة عن العادة ، وكان إعجازه من قبل الصّرف عنه- على ما ذهبتم إليه- لم يشهد الفصحاء المبرّزون بفضله وتقدّمه في الفصاحة ، ولا قال الوليد بن المغيرة (83) وقد اجتمعت إليه قريش وسألته عن القرآن ، فقال : قد سمعت الخطب والشّعر وكلام الكهنة ، وليس هذا منه في شيء.
ثمّ فكّر ونظر ، وعبس وبسر (84) وقال : {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [المدثر : 24]! فاعترف بفضيلته ، وأقرّ بمزيّته .
وقوله : {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} ، يشهد بذلك؛ لأنّه لمّا فرط استحسانه كلّه ، وأعجب (85) به ، وأحسّ من نفسه بالقصور عن مثله ، نسبه إلى أنّه سحر ، كما يقال فيما يستحسن ويستبدع من الكلام الحسن والصّنائع الغريبة : هذا هو السّحر! وقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : «إنّ من الشّعر لحكما ، وإنّ من البيان لسحرا» (86) .
وكيف يكون الأمر على ما ذهبتم إليه ، وقد انقاد للنّبيّ صلّى اللّه عليه وآله جلّة الشّعراء وأمراؤهم ، كلبيد بن ربيعة (87) ، والنّابغة الجعديّ (88) ، وكعب بن زهير؟! (89) وقد كان الأعشى (90) - أحد الأربعة الّذين جعلهم العلماء أوّل الطّبقات- وقد إلى مكّة ، وعمل على قصد النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، والإيمان به ، وإنشاده القصيدة الّتي قالها فيه ، وأوّلها :
أ لم تغتمض عيناك ليلة أرمدا (91) |
فعاقه من ذلك ما هو معروف؛ وذلك أنّه لمّا أتى مكّة ، نزل على عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس (92) ، فسمع بخبره أبو جهل بن هشام (93) ، فأتاه في فتية من قريش ، وأهدى إليه هدايا ، ثمّ سأله : ما الّذي جاء به ؟
فقال : جئت إلى محمّد لأنظر ما يقول ، وإلى ما يدعو.
فقال أبو جهل : إنّه يحرّم عليك الأطيبين : الخمر والزّنا! قال : كبرت وما لي في الزّنا من حاجة ! قال : إنّه يحرّم عليك الخمر! قال : فما الذي يحلّ ؟
فجعلوا يخبرونه بأسوإ الأقاويل. ثمّ قال له : أنشدنا ما قلت فيه .
فأنشدهم ، حتّى أتى على آخرها ، فقالوا له :
إنّك إن أنشدته لم يقبله منك ! فلم يزالوا به حتّى يصدّوه ، حتّى قال : إنّي منصرف عنه عامي هذا ، ومتلوّم (94) ما يكون. فانصرف إلى اليمامة ، فلم يلبث إلّا يسيرا حتّى مات.
وليس يدّعي هؤلاء- ومنزلتهم (95) في الفصاحة والعقل منزلتهم- أنّهم (96) يتمكّنون من مساواته في حجّته ، ويقدرون على إظهار مثل معجزته ، ولو لم يبهرهم أمره ، ويعجزهم ما ظهر على يده لما فارقوا أديانهم ، وأعطوا بأيديهم ! (97)
قيل له : إنّما تكون الشّهادة بفضل القرآن في الفصاحة وعلوّ مرتبته فيها ردّا على من نفى فصاحته جملة ، أو من لم يعترف بأنّه منها في الذّروة العليا والغاية القصوى ، وليس هذا مذهب أصحاب الصّرفة.
وإنّما أنكر القوم- مع الاعتراف له بهذا الفضل والتقدّم في الفصاحة- أن يكون بينه وبين فصيح كلام العرب ما بين المعجز والممكن ، والمعتاد والخارق للعادة .
وليس يحتاج - ولا كلّ من له حظّ من العلم بالفصاحة وإن قلّ- في المعرفة بفضل القرآن وعلوّ مرتبته في الفصاحة إلى شهادة الوليد بن المغيرة وأضرابه ، وإن كان قد يظهر لهم (98) من فضله ما لا يظهر لنا ؛ لتقدّمهم في العلم بالفصاحة ، إلّا أنّهم لو كتموا ما عرفوه من أمره ولم يشهدوا به ، لم يخلّ ذلك بالمعرفة الّتي ذكرناها (99).
فأمّا قول الوليد بن المغيرة : «قد سمعت الخطب والشّعر وكلام الكهنة ، وليس هذا منه في شيء» فيحتمل أن يكون مصروفا إلى أنّه مباين لما سمع في طريقة النّظم؛ لأنّه لم يعهد بشيء من الكلام مثل نظم القرآن.
وقوله {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} [سورة المدّثر : 24] إنّما عنى به ما وجد [في] نفسه من تعذّر المعارضة إذا رامها ، مع تمكّنه من التّصرّف في الكلام الفصيح ، وقدرته على ضروبه ؛ لأنّه لمّا تعذّر عليه ما كان مثله على العادة ممكنا متأتّيا ، ظنّ أنّه قد سحر! ويكون قوله : {إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ} ، إشارة إلى حاله وامتناع ما امتنع عليه ، لا إلى القرآن.
وهذا أشبه بالقصّة ممّا تأوّله السّائل ، وإن كان جواب ما ذكرناه واحتمال القول له يكفي في الجواب.
وأمّا دخول الشّعراء الّذين ذكرهم في الدّين ، وتصديقهم للرّسول صلّى اللّه عليه وآله ، فإنّما يقتضي أنّ ذلك لم يقع منهم- مع إبائهم وعزّة نفسهم- إلّا لآية ظهرت ، وحجّة عرفت. وأيّ آية أظهر! أو حجّة أكبر من وجدانهم ما يتسهّل عليهم من التصرّف في ضروب الفصاحة والنّظوم- إذا لم يقصدوا المعارضة- متعذّرا إذا قصدوها ، وممتنعا إذا تعاطوها! وهذا أبهر لهم ، وأعظم في نفوسهم ، وأحقّ بإيجاب الانقياد والتّسليم ممّا يظنّه السائل وأهل مذهبه! وإن قال : إذا كان الخلق عندكم مصروفين عن معارضة القرآن ، فكيف تمكّن مسيلمة (100) منها ، وكلامه وإن لم يكن مشبها للقرآن في الفصاحة ولا قريبا فهو مبطل لدعواكم أنّ الصّرف عامّة لجميع النّاس ؟ (101)
قيل له : تمكين مسيلمة الكذّاب ممّا ادّعى أنّه معارضة من أدلّ دليل على صحّة مذهبنا في الصّرفة؛ لأنّه لم يمكّن من المعارضة إلّا من لا يشتبه على عاقل- فضلا على فصيح- بعد ما أتى به عن الفصاحة ، وشهادته بجهله أو اضطراب عقله .
وإنّما منع من المعارضة عندنا من الفصحاء من يقارب كلامه ، وتشكل حاله .
ولو لم يكن الأمر على ما ذكرناه ، وكانت [حال] الفصحاء بأسرهم ، في التّخلية بينهم وبين المعارضة ، حال مسيلمة وأمثاله؛ لوجب أن يقع منهم أو من بعضهم المعارضة ، إمّا بما يقارب أو بما يدّعى فيه المقاربة المبطلة للإعجاز. وأنت تجد هذا المعنى مستوفى في الدّليل التالي لهذا الكلام ، بمشيئة اللّه تعالى (102) .
ثمّ يقال له : أ لست تعترف بأنّ معارضة القرآن لم تقع من أحد ، وعلى هذا يبني جماعتنا دلالة إعجاز القرآن على اختلاف طرقهم ؟
فإذا قال : نعم .
قيل له : فكيف تقول في معارضة مسيلمة : لا اعتراض بمثلها ؟! وإنّما تبغي وقوع المعارضة المؤثّرة ، وهي المماثلة أو المقاربة على وجه يوجب اللّبس والإشكال! قيل له : وعن هذه المعارضة المؤثّرة صرف اللّه تعالى الخلق ، فقد زال الطّعن بمسيلمة.
فإن قال : فأجيزوا على هذا المذهب أن يكون في كلام العرب ما هو أفصح من القرآن !
قيل له : هذا لو أجزناه لم يقدح في إعجازه من الوجه الّذي ذكرناه ، بل كان أدخل له في الإعجاز ، غير أنّا قد علمنا بالامتحان والاستقراء أنّه ليس في عالي فصيح العرب ما يتجاوز فصاحة القرآن ، بل لم نجد في جميع كلامهم ما يساوي كثيرا من القرآن ، ممّا يظهر الفصاحة فيه خلاف ظهورها في غيره . وهذا موقوف على السّبر والاختبار. وكلّ من كان في معرفة الفصاحة أقوى كان بما ذكرناه أعرف.
________________
1. الماجن : الهازل ، والجمع مجّان ومجنة.
2. هو محمّد بن إسحاق بن إبراهيم الصّيمريّ ، أبو العنبس الكوفيّ ، ولي قضاء الصّيمرة فنسب إليها ، نديم المتوكّل والمعتمد العبّاسيّين. كان أديباً ظريفا ، وشاعرا هجّاء خبيث اللسان. وله مناظرة مع البحتريّ. توفّى سنة 275 هـ .
3. هو جعفر بن محمّد العبّاسيّ ، أبو الفضل ، الخليفة العبّاسيّ العاشر ، ولد ببغداد عام 261 هـ ومات غيلة عام 247 هـ . كان فاسقا فاجرا يعادي أمير المؤمنين عليه السّلام وأهل بيته الطاهرين عليهم السّلام.
4. انظر ما وقع بينهما في معجم الأدباء 18/ 12- 14.
5. في الأصل : الطرميّ ، والظاهر أنّه الصّيمريّ المتقدّم ذكره.
6. أبو العبر ، محمّد بن أحمد العباسيّ ، الهاشميّ ، القرشيّ ، البغداديّ ( توفّي سنة 250 هـ) ، نديم شاعر ، أديب ، حافظ للأخبار ، كان يمدح الخلفاء ، من كتبه : جامع الحماقات وحاوي الرقاعات ، والمنادمة ، وأخلاق الخلفاء والأمراء. كان في أوّل أمره يسلك في شعره الجدّ ، ثمّ عدل الى الهزل والحماقة فنفق بذلك نفاقا كثيرا.
7. في الأصل : ويستحيله ، والمناسب ما أثبتناه .
8. كذا في الأصل ، والظاهر : ما يتأتّى .
9. في الأصل : ممّا ، والمناسب ما أثبتناه .
10. ورد البيت هكذا منسوبا إلى بعض الشعراء . قاله في الفضل بن يحيى البرمكيّ. لاحظ : وفيات الأعيان 4/ 35.
11. في الأصل : الضّنّ ، وما أثبتناه مناسب للسياق .
12. في الأصل : من ، والمناسب ما أثبتناه .
13. هكذا تقرأ هذه الكلمة ، وهي محشورة بين السطرين السادس والسابع ، وفوق الحرف كلمة : « منه» بحبر خفيف. وقد تقرأ : يراعى أو يدّعى.
14. في الأصل : فيما ذا ، ولعلّها سهو من الناسخ.
15. أي مغايرة.
16. في الأصل : ما ، والمناسب ما أثبتناه.
17. سامه الأمر : أي كلّفه إيّاه ، وألزمه به.
18. هكذا في الأصل ، ولعلّه : بمعتاد.
19. أي يبرز ويتشخّص عن غيره.
20. الإسراء 90- 93.
21. أكثرها تفوّقا وغلبة.
22. أي فاقد العقل ومسلوبه.
23. في الأصل : وإنّما ، والمناسب ما أثبتناه.
24. في الأصل : فاعلها ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
25. في الأصل : محكما ، والمناسب ما أثبتناه.
26. في الأصل : الفصل ، والمناسب ما أثبتناه.
27. في الأصل : يرو ، والصحيح ما أثبتناه.
28. في الأصل : الوجود ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
29. في الأصل : الأشكال ، والمناسب ما أثبتناه.
30. في الأصل : إتيان بمثله ، والمناسب ما أثبتناه.
31. هكذا تقرأ الكلمة في الأصل ، وقد تقرأ : « الفرق».
32. أي اعتنى واجتهد وتكلّف العمل له.
33. في الأصل : من ، والمناسب ما أثبتناه.
34. في الأصل : ودعاؤك.
35. في الأصل : وطريق.
36. أي أهل نظر وجدل واحتجاج.
37. أي إيقاعهم الأذى به صلّى اللّه عليه وآله.
38 أي الذين قسّموا الشعراء إلى طبقات ..
39. هو ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة ، يعدّ من شعراء الطبقة الأولى في الجاهليّة ، وأحد أصحاب المعلّقات ، ولقّب بالأعشى الأكبر ، وأعشى بكر بن وائل.
توفّي سنة 7 هـ .
40. هو عمرو بن العبد بن سفيان البكريّ الوائليّ ، شاعر جاهليّ من الطبقة الأولى ، ومن أصحاب المعلّقات.
41. هو زهير بن أبي سلمى ، ربيعة بن رياح المزنيّ المضريّ ، وصف بأنّه حكيم الشعراء في الجاهليّة ، وفي أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافّة ، ولد ببلاد مزينة بنواحي المدينة ، لكنّه أقام بديار نجد ، وسيرته وأشعاره ومعلّقته مشهورة معروفة. توفّي سنة 13 قبل الهجرة.
41. النّابغة الذّبيانيّ ، زياد بن معاوية الذبيانيّ المضريّ ، شاعر جاهليّ ، من الطبقة الأولى ، وهو من أهل الحجاز ، كانت تضرب له قبّة بسوق عكاظ فتقصده الشعراء فتعرض عليه أشعارها. ويعدّ من الأشراف في الجاهليّة ، وكان حظيّا عند النعمان بن المنذر ، وله شعر كثير. عاش طويلا ، وتوفّي نحو سنة 18 قبل الهجرة.
شريف مرتضى ، الموضح عن جهة إعجاز القرآن - مشهد ، چاپ : اوّل ، 1382 ش.
42. أي أحكمهم صناعة للشّعر.
43. في الأصل : يقدم ، والظاهر ما أثبتناه.
44. كذا في الأصل ، ولعلّها : ومتكلّف.
45. كذا في الأصل ، ولعلّها : العربيّة.
46. أي التشنيع والتقبيح.
47. تحرّم بحرمة : تمنّع وتحمّى.
48. في الأصل : فهي ، والمناسب ما أثبتناه.
49. في الأصل : كذلك ، والمناسب ما أثبتناه.
50. في الأصل : يقال ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
51. كذا في الأصل ، ولعلّه : فلا يكون.
52. انحسم : انقطع وامتنع.
53. في الأصل : إذا ، والمناسب للسياق ما أثبتناه.
55. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة/ 382 : « فإن قيل : هذا المذهب يقتضي أنّ القرآن ليس بمعجز على الحقيقة ، وأنّ الصّرف عن معارضته هو المعجز ، وهذا خلاف الإجماع.
قلنا : لا يجوز ادّعاء الإجماع في مسألة فيها خلاف بين العلماء المتكلّمين! ولفظة« معجز» وإن كان لها معنى معروف في اللغة ، فالمراد بالمعنى في عرفنا ما له حظّ في دلالة صدق من اختصّ به. والقرآن على مذهب أهل الصرفة بهذه الصفة ، فيجوز أن يوصف بأنّه معجز. وإنّما تنكر العامّة وأصحاب الجمل القول بأنّ القرآن ليس بمعجز ، إذا أريد به أنّه لا يدلّ على النبوّة ، وأنّ البشر يقدرون على مثله. فأمّا كونه معجزا ، بمعنى أنّه في نفسه خارق للعادة دون ما هو مسند إليه ودالّ عليه من الصّرف عن معارضته ، فممّا لا يعرفه من يراد الشناعة عندهم. والكلام في ذلك وقف على المتكلّمين».
56. أي ينسبه إلى البدعة.
57. في الأصل : يخرجنا ، والمناسب ما أثبتناه.
58. في الأصل : أو يأتي به ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
59. هو أبو اسحاق إبراهيم بن سيّار البصريّ النظّام ، من أئمّة المعتزلة ورءوسها ، نشأ بالبصرة ثمّ رحل إلى بغداد واشتهر ، وصارت له مدرسة وتلامذة وأتباع. كان نابها فطنا فحارب الدهريّة والأشاعرة والحشويّة وأهل الحديث والمرجئة والمجبرة. كان يقول بأنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أفضل الخلق بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ، فحاربته المذاهب السنّية واتّهموه ووصفوه باقترافه الموبقات. كان شاعرا فقيها جدليّا. توفّي ببغداد ما بين سنتي 220- 230 هـ . له مصنّفات عديدة.
60. عبّاد بن سليمان من أعلام المعتزلة ومنظّريها ، وكان من أصحاب هشام بن عمرو الفوطيّ. له كتاب باسم« الأبواب».
61. هشام بن عمرو الفوطيّ البصريّ ، من أصحاب أبي الهذيل العلّاف ، ولد بالبصرة ونشأ بها ثمّ سافر إلى بلدان عديدة ، وكان معتزليّا من دعاة الاعتزال ، وله آراء يختصّ بها. له مصنّفات عديدة على مذهب الاعتزال.
62. أي التنقيص والتقليل من شأنه.
63. في الأصل : مرفوعة ، والظاهر ما أثبتناه.
64. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة/ 382 : « ومن ذهب إلى أنّ القرآن موجود في السّماء قبل النبوّة ، لا يمكنه أن يجعل القرآن هو العلم المعجز القائم مقام التصديق ؛ لأنّ العلم على صدق الدّعوى لا يجوز أن يتقدّمها ، بل لا بدّ من حدوثه مطابقا لها».
65. في الأصل : أتين ، والظاهر ما أثبتناه.
66. أي لا تجعله مزيّة وعلامة لنا.
67. يبدو أن نسخة الأصل كان فيها بياض بمقدار كلمتين ، فأضاف اليها من قام بمقابلة النسخة كلمتين هما : معذّبون عليه ، ولعلّ المناسب : مقدور عليه.
68. في الأصل : من ، والمناسب ما أثبتناه.
69. اللفظة غير مقروءة في الأصل ، ولعلّها ما أثبتناه.
70. هكذا في الأصل ، ولعلّها : دهي .
71. في الأصل : ولا عالجه ، والمناسب ما أثبتناه .
72. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 383 : « قلنا لا يبعد أن يعلموا تعذّر ما كان متأتّيا ، ويجوز أن ينسبوه إلى الاتفاق ، أو إلى أنّه سحرهم ، فقد كانوا يرمونه بالسّحر ، وكانوا يعتقدون للسّحر تأثيرا في أمثال هذه الأمور ، ومذاهبهم في السحر وتصديقهم لتأثيراته معروفة ، وكذلك الكهانة.
ولو تخلّصوا من ذلك كلّه ونسبوا المنع إلى اللّه تعالى ، جاز أن يدخل عليهم شبهة في أنّه فعل للتصديق ، ويعتقدوا أنّه ما فعله تصديقا ، بل لمحنة العباد كما يعتقده كثير من المبطلين ، أو فعل للجدّ والدولة».
73. هكذا في الأصل : يقال : قرفه بكذا : نسبه إليه وعابه به. ولعلّ العبارة : من ضروب القذف ؛ ففي الذخيرة 371 : واستعمال السبّ والقذف.
74. أدال فلانا على فلان : نصره وغلبه عليه ، وأظفره به.
75. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 383 : « قلنا : إذا كانت العرب علماء بخرق فصاحة القرآن لعاداتهم ، وأنّ أفصح كلامهم لا يقاربه ، فأيّ شبهة بقيت عليهم في أنّه من فعل اللّه تعالى صدّق ( التصديق) نبيّه صلّى اللّه عليه وآله. فإذا قالوا : قد يتطرّق عليهم في هذا العلم شبهات كثيرة ، لأنّهم يجب أن يعلموا أنّ اللّه تعالى هو الخارق لهذه العادة بفصاحة القرآن ، وأنّ وجه خرقه لها تصديق الدعوة للنّبوّة. وفي هذا من الاعتراض ما لا يحصى».
76. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 383- 384 : « فإن قيل : إن كان الصّرف هو المعجز ، فألّا جعل القرآن من أركّ كلامه وأبعده من الفصاحة ليكون الصّرف عن معارضته أبهر؟».
77. في الأصل : ما ، والمناسب ما أثبتناه.
78. في الأصل : ولو كانت ، وما أثبتناه مناسب للسياق.
79. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 384 : « قلنا : لا بدّ من مراعاة المصلحة في هذا الباب ، فربّما ما كان ما هو أظهر دلالة وأقوى في باب الحجّة من غيره ، وأصلح منه في باب الدين ، فما المنكر من أن يكون إنزال القرآن على هذه الرتبة من الفصاحة أصلح في باب الدين ، وإن كان لو قلّلت فصاحته عنه لكان الأمر أظهر فيه وأبهر».
80. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 384 : « فيقال له : اللّه تعالى قادر على ما هو أفصح من القرآن عندنا كلّنا. فألّا فعل ذلك الأفصح ليظهر مباينة القرآن لكلّ فصيح من كلام العرب ، وتزول الشبهة عن كلّ أحد في أنّ القرآن يساوى ويقارب ؟! فلا بدّ من ذكر المصلحة التي ذكرناها ، فإن ارتكب بعض من لا يحصّل أمره أنّ القرآن قد بلغ أقصى ما في المقدور من الفصاحة ، فلا يوصف تعالى بالقدرة على ما هو أفصح منه ! قلنا : هذا غلط فاحش ، لأنّ الغايات التي ينتهي الكلام الفصيح إليها غير محصاة ولا متناهية. ثمّ لو انحصرت على ما ادّعى لتوجّه الكلام ، لأنّ اللّه تعالى قادر بغير شبهة على أن يسلب العرب- في أصل العادة- العلوم التي يتمكّنون بها من الفصاحة التي نراها في كلامهم وأشعارهم ، لا يمكنهم من هذه الغاية التي هم الآن عليها ، فيظهر حينئذ مزيّة القرآن وخروجه عن العادة ، ظهورا تزول معه الشبهات ، ويجب معه التسليم. فألّا فعل ذلك إن كان الغرض ما هو أظهر وأبهر؟!».
81. العيّ : العجز عن التعبير اللفظيّ والبيان.
82. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة/ 384 : « فألّا فعل ذلك إن كان الغرض ما هو أظهر وأبهر ، وألّا أحيى اللّه تعالى عند دعوته الأموات أو أكثرهم وأمات الأحياء أو أكثرهم ، وألّا أحيى عبد المطّلب عليه السّلام ونقل جبال مكّة عن أماكنها ، كما اقترح القوم عليه. فذلك كلّه أظهر وأبهر».
83. هو أبو عبد شمس ، الوليد بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ ، هو أبو خالد بن الوليد وعمّ أبي جهل ، كان من كبراء قريش وزعمائها ودهاتها قبل البعثة. جمع المتناقضات من صفات الخير والشرّ ، كان من ألدّ أعداء النبيّ والإسلام ، ولم يزل على عناده حتى مات كافرا. ودفن بالحجون بمكّة وعمره 95 سنة.
84. إشارة إلى قوله تعالى في سورة المدّثّر : الآية 17 : { إِنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ واسْتَكْبَرَ* فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}.
85. في الأصل : وأعجبه ، والمناسب ما أثبتناه.
86. بحار الأنوار 71/ 415 ، 79/ 290؛ سنن أبي داود : كتاب الأدب ، باب ما جاء في الشعر.
87. هو لبيد بن ربيعة بن مالك العامريّ ، أحد الشعراء الفرسان الأشراف في الجاهليّة ، وأحد أصحاب المعلّقات ، كان من أهل نجد وأسلم ، وكان من المؤلّفة قلوبهم. سكن الكوفة ، وعاش عمرا طويلا ، وتوفّي سنة 41 هـ .
88. هو قيس بن عبد اللّه العامريّ ، صحابيّ وشاعر مفلق ومخضرم ، وكان ممّن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الإسلام ، أسلم وصحب النبيّ ثمّ شارك مع أمير المؤمنين عليه السّلام بصفّين ، ثمّ سكن الكوفة ، وهاجر أخيرا إلى أصفهان مع أحد ولاتها ، ومات بها نحو سنة 50 هـ ، وقد كفّ بصره وكان قد جاوز المائة.
89. هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المازنيّ ، شاعر من الطبقة العالية. كان مشهورا في الجاهليّة ، ولمّا ظهر الإسلام هجا النبيّ والمسلمين فهدر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله دمه ، لكنّه استأمن النبيّ وتاب وأسلم وأنشده لاميّته المشهورة : « بانت سعاد ...» فعفا النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وخلع عليه بردته. توفّي سنة 26 هـ .
90. هو ميمون بن قيس بن جندل ، من بني قيس بن ثعلبة الوائليّ اليماميّ ، من شعراء الطبقة الأولى في الجاهليّة ، وأحد أصحاب المعلّقات ، توفّي سنة 7 هـ .
91. خزانة الأدب 1/ 177.
92. أبو الوليد ، من شخصيّات قريش وساداتها في الجاهليّة ، كان خطيبا مفوّها وعرف بالحلم والدّهاء. أدرك الإسلام ولم يسلم ، بل طغى وتجبّر وأصبح من أعداء الإسلام والمسلمين ومن المستهزئين بهم ، شارك في وقعة بدر في السنة الثانية للهجرة فقتله أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام. اجتمع برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وتأثّر حينما سمع سورة« حم» ، وأثنى على رسول اللّه في قصّة مشهورة.
93. هو أبو الحكم عمرو بن هشام القرشيّ ، الذي كنّاه المسلمون بأبي جهل ، كان من رؤساء قريش بمكّة وزعمائها ، معروفا بالشجاعة والدهاء والمكر. كان من ألدّ أعداء الإسلام وخصومه ، أكثر الكفّار إيذاء لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والمسلمين . شارك في جميع المؤامرات التي حيكت ضدّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله ، وكان يعذّب المسلمين ، وهو الذي تولّى قتل سميّة أمّ عمّار بن ياسر . ولم يزل على كفره وشكره حتّى قتل بوقعة بدر الكبرى. وكان عمره يوم هلك 70 سنة .
94. أي متمكّث ومتمهّل.
95. في الأصل : منزلهم ، وما أثبتناه مناسب للسياق .
96. في الأصل : لم ، والمناسب ما أثبتناه .
97. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة/ 384 : « فإن قيل : إذا لم يكن القرآن خارقا للعادة بفصاحته ، كيف شهد له بالفصاحة متقدّمو العرب فيها كالوليد بن مغيرة وغيره؟ وكيف انقاد له صلّى اللّه عليه وآله وأجاب دعوته كبراء الشعراء ، كالنابغة الجعديّ ، ولبيد بن ربيعة ، وكعب بن زهير؟
ويقال : إنّ الأعشى الكبير توجّه ليدخل في الإسلام ، فغاظه أبو جهل بن هشام ، وقال : إنّه يحرّم عليك الأطيبين : الخمر والزنا. وصدّه عن التوجّه. وكيف يجيب هؤلاء الفصحاء إلّا بعد أن بهرتهم فصاحة القرآن وأعجزتهم».
98. في الأصل : لها ولا ، والمناسب ما أثبتناه.
99. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 385 : « قلنا : ما شهد الفصحاء من فصاحة القرآن وعظم بلاغته إلّا بصحيح ، وما أنكر أصحاب الصرفة علوّ مرتبة القرآن في الفصاحة ، قالوا : ليس بين فصاحته- وإن علت على كلّ كلام فصيح- قدر ما بين المعجز والممكن ، والخارق للعادة والمعتاد ، فليس في طرب الفصحاء بفصاحته ، وشهادتهم ببراعته ، ردّ على أصحاب الصرفة».
100. هو أبو ثمامة الحنفيّ- نسبة إلى بني حنيفة- المشهور بمسيلمة الكذّاب ، وذلك بعد ما ادّعى النبوّة. ولد باليمامة ونشأ بها ، وفي أواخر سنة 10 هـ قدم على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وهو شيخ كبير ، وحينما عاد ادّعى النبوّة وأنّه شريك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في دعوته ونبوّته . وبعد أن توفّي النبيّ صلّى اللّه عليه وآله أعلن عن دعوته باليمامة واستفحل أمره ، فحاربه المسلمون سنة 11 أو 12 للهجرة ، فقتل في المعركة وكان عمره حينذاك 150 سنة .
101. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 385 : « فإن قيل : كيف لم يصرف مسيلمة عمّا أتى به من المعارضة ؟».
102. قال المصنّف رحمه اللّه في كتابه الذخيرة / 385 : « قلنا : لا شيء أبلغ في دلالة القرآن على النبوّة من تمكين مسيلمة من معارضته السخيفة ، لأنّه لو لم يكن غيره من الفصحاء الذين يقارب كلامهم ويشكل حالهم مصروفا ، لعارض كما عارض مسيلمة ؛ فتمكين مسيلمة من معارضته دليل واضح على ما نقوله في الصرفة».
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
اللجنتان العلمية والتحضيرية تناقش ملخصات الأبحاث المقدمة لمؤتمر العميد العالمي السابع
|
|
|