أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2014
1945
التاريخ: 2024-05-11
781
التاريخ: 16-4-2022
2493
التاريخ: 2023-09-23
999
|
السنة الإلهية في عقاب مرضى القلوب
عد بعض المفسرين(1) أن جملة {فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [البقرة: 10] هي في مقام الإنشاء لا الإخبار وخالوها لعنا ودعاء إلهياً على المنافقين، بحيث يشمل الحاضر والمستقبل مضافاً إلى الماضي، واعتبروه على غرار الأنواع الأخرى من الأدعية مثل: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] ، و {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: 127].
إلا أن الفاء في «فزادهم» لا تتناسب مع هذا التركيب، لذا فالجملة المذكورة خبرية لا إنشائية، وإن التعبير بالفعل الماضي «زاد» لا يدل على أن الله زاد على مرض المنافقين في الماضي فحسب ولن يزيد عليه في المستقبل، بل بما أن المنافقين سيتصرفون في المستقبل كتصرفهم في الماضي، فإن مرضهم سيزداد أيضاً وسيستمر في تزايده حتى ساعة الموت ولقاء الجلال والقهر الإلهيين: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77]. إن العقاب القاسي للبعض هو ابتلاؤهم بالنفاق المستمر. كما أن الاستشهاد بالآية : {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} غير تام أيضاً؛ إذ من المحتمل أن يكون المراد فيها أيضاً هو الإخبار، لا الإنشاء واللعن.
مهما كان، فليس من ديدن السنة الإلهية أن تمرض قلب امرئ ابتداء، أو أن تزيد في مرضه، بل، من أجل الوقاية من إصابة الناس بآفة مرض القلب، فإنها ابتداء تأمر بالإيمان والتقوى والتورع عن بيع الدين: {وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: 41]. بالضبط كما تأمر نساء النبي (صلى الله عليه واله وسلم)بالتزام العفة والطهارة كي تسحب ذريعة المعصية والاستغلال السيئ من يد مرضى القلوب: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32] . فإذا أمرض أحد نفسه بسوء اختيار منه، ولما كانت أمراض القلب مستورة والإنسان في غفلة عنها، فإن الله سبحانه وتعالى ينبه المرء ، في المرحلة التالية، إلى أصل مرضه، ويعطيه علامة على هذا المرض؛ إذ أنه في المسائل الأخلاقية يعتبر سبحانه الطمع في غير المحارم إشعارا بمرض القلب لدى الإنسان، كما أنه عز وجل - في المسائل السياسية والاجتماعية - يعد الميل إلى الكفار في زمن الحرب ناشئاً من مرض القلب أيضاً: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} [المائدة: 52].
وفي المرحلة الثالثة، إذا أخذ المرض من قلبهم مأخذاً واحتله، فإن الله سبحانه يدلهم على طريقة العلاج والعودة إلى السلامة: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90]. وإن أغفلوا وصفة القرآن الشافية، هددهم بإفشاء أسرارهم، فإن المرء لا يخشى من كشف بعض علله الجسدية، لكنه يعاني ويتأذى من افتضاح أمراضه الباطنية كالنفاق، فيرجع إلى ذاته، ويقلع عنها: { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } [محمد: 29، 30] ، فإن لم ينفع هذا الإنذار، هددهم بالنفي أو القتل: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 60] فإن لم يؤوبوا رغم ذلك، أوكلهم لأفهم. وبما أن أوان علاجهم قد فات فهو يقول لهم: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40].
من هذا المنطلق فإن مرض المنافق وجرمه في تزايد متواصل، وليس أنه لا ينتفع من الكتاب الإلهي الشافي فحسب، بل كلما نزلت آيات أكثر، ازداد مرض القلب عنده: كما هو الحال بالنسبة للطعام السليم والفاكهة الحلوة الناضجة إذ تكون سبباً للنمو والصحة عند ذوي الجسم السليم، لكنها تكون مدعاة للآلام والمشاكل لدى المصابين بأمراض الجهاز الهضمي؛ بحيث إذا م تكن الفاكهة حلوة المذاق لم تؤد إلى ظهور الألم لديه، وبما أنه لا يمتلك القدرة على هضمها، وأن جهازه الهضمي غير سليم، فإن تناوله للفاكهة الطرية الريانة يسبب له الألم والمغص. لقد ورد ما يشبه هذا الموضوع في الآية : {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} [نوح: 5، 6] ؛ مع العلم أن دعوة نوح ع وهداي ته لم تكن أبداً عاملاً لفرارهم أو ازدياد فرارهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. راجع التبيان، ج 1، ح72: والتفسير الكبير، مج 1، ج 2، (صلى الله عليه واله وسلم)72.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ندوات وأنشطة قرآنية مختلفة يقيمها المجمَع العلمي في محافظتي النجف وكربلاء
|
|
|