أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
3512
التاريخ: 21-6-2019
1482
التاريخ: 5-2-2018
1575
التاريخ: 31-3-2017
1575
|
قال : ( ومنها أوائل المبصرات وهي اللون والضوء ).
أقول : من الكيفيّات المحسوسة المبصرات.
وقد نبّه بقوله : « أوائل المبصرات » على أنّ من المبصرات ما يتناوله
الحسّ البصري أوّلا وبالذات ، وهو ما ذكره هنا من اللون والضوء ، فلا بدّ من جعل
إفراد الضمير وتذكيره باعتبار « البعض » المستفاد من كلمة « من » أو « ما يدرك
أوّلا ».
ومنها : ما يتناوله بواسطته كغيرهما من المرئيّات ؛ فإنّ البصر إنّما
يدركها بواسطة هذين. وهذا كما قال سابقا : « ومنها : أوائل الملموسات » فإنّ فيه
تنبيها على أنّ هناك كيفيّات تدرك باللمس بواسطة غيرها.
قال : ( ولكلّ منهما طرفان ).
أقول : لكلّ واحد من اللون والضوء طرفان ، ففي اللون السواد والبياض ،
وفي الضوء النور الخارق والظلمة ، وما عدا هذه فإنّها متوسّطة ، كالحمرة والخضرة
والصفرة والغبرة وغيرها من الألوان ، وكالظلّ وشبهه من الأضواء.
قال : ( وللأوّل حقيقة ).
أقول : ذهب بعض القاصرين إلى أن الألوان لا حقيقة لها (1) ؛ فإنّ
البياض إنّما يتخيّل عن مخالطة الهواء المضيء للأجسام الشفّافة المنقسمة إلى
الأجزاء الصغار كما في زبد الماء والثلج، والسواد إنّما يتخيّل لعدم غور الهواء
والضوء في عمق الجسم ، وباقي الألوان يتخيّل بسبب اختلاف الشفيف وتفاوت مخالطة
الهواء.
ويستفاد ممّا حكي (2) عن الشيخ أنّ البياض قد يكون ظاهرا باختلاط
الهواء ، وقد يحدث من غير هذا الوجه ، كما في الجصّ فإنّه يبيضّ بالطبخ بالنار ،
ولا يبيضّ بالسحق مع أنّ تفرّق الأجزاء ومداخلة الهواء فيه أظهر (3).
والحقّ أنّه كيفيّة حقيقيّة قائمة بالجسم في الخارج ؛ لأنّه محسوس ،
كما في بياض البيض المسلوق ، فإنّه ليس لنفوذ الهواء فيه ؛ لزيادة ثقله بعد الطبخ
الدالّة على خروج الهواء.
وبالجملة ، فالأمور المحسوسة غنيّة عن البرهان.
قال : ( وطرفاه السواد والبياض المتضادّان ).
أقول : يعني طرفا اللون السواد والبياض ، وقيّدهما بالمتضادّين ؛ لأنّ
الضدّين هما اللّذان بينهما غاية التباعد ، ولا يحصل كون اللون طرفا إلاّ بها ،
فلأجل ذلك ذكر هذا القيد في بيان الطرفين.
وهذا تنبيه على أنّ ما عداهما متوسّط بينهما وليس نوعا قائما بانفراده
، كما ذهب إليه بعض من أنّ الألوان الحقيقيّة خمسة : السواد ، والبياض ، والحمرة ،
والصفرة ، والخضرة (4).
ونبّه بقوله : « المتضادّان » على امتناع اجتماعهما ، خلافا لبعض
الناس ؛ حيث ذهب إلى أنّهما يجتمعان ، كما في الغبرة (5).
وهو خطأ ؛ لاقتضاء الاجتماع البقاء المستلزم لرؤية الجسم في غاية
البياض مثلا.
اللهمّ إلاّ أن يقال بحدوث لون آخر متوسّط من التركيب (6).
وفيه : أنّ الوجدان شاهد على وجود الجسم ابتداء مع لون الغبرة من غير
وجود بياض وسواد حتّى يتصوّر الاجتماع.
قال : ( ويتوقّف على الثاني في الإدراك لا الوجود ).
أقول : ذهب أبو عليّ بن سينا ـ على ما حكي (7) ـ إلى أنّ الضوء شرط
وجود اللون (8) ، فالأجسام الملوّنة حال الظلمة تعدم عنها ألوانها ؛ لأنّا لا
نراها في الظلمة ، فإمّا أن يكون لعدمها ـ وهو المراد ـ أو لحصول المانع ، وهو ما
يقال : إنّ الظلمة كيفيّة قائمة بالمظلم مانعة عن الإبصار ـ وهو باطل ، وإلاّ لمنع
من هو بعيد عن النار عن مشاهدة القريب منها ليلا ، وليس كذلك.
وهو خطأ ؛ لأنّا نقول : إنّما لم تحصل الرؤية ؛ لعدم الشرط وهو الضوء
، لا لانتفاء المرئيّ في نفسه ، فالحصر ممنوع ؛ فإنّ عدم الرؤية قد يكون لعدم
الشرط.
مضافا إلى أنّ الظلمة القائمة بالمرئيّ مانعة لا بالرائي ، كما في
المثال الذي ذكره.
وأيضا لو كان الأمر كما ذكره لزم وجود اللون وعدمه في زمان واحد إذا
تحقّق ضوء ضعيف يدرك به حديد البصر دون ضعيف البصر.
ونبّه المصنّف ; على ذلك بقوله : « وهو » أي اللون « يتوقّف على
الثاني » أي الضوء « في الإدراك لا الوجود ».
قال : ( وهما متغايران حسّا ).
أقول : يريد أنّ اللون والضوء متغايران ، خلافا لقوم غير محقّقين ؛
فإنّهم ذهبوا إلى أنّ الضوء هو اللون ، قالوا : لأنّ الظهور المطلق هو الضوء ،
والخفاء المطلق هو الظلمة ، والمتوسّط بينهما هو الظلّ (9).
والحسّ يدلّ على المغايرة ؛ فإنّ الضوء قائم بالهواء المحيط ، واللون
قائم بالمحاط.
وعدم ظهور الضوء الضعيف كضوء القمر في الضوء القويّ كضوء الشمس ـ مع
أنّه لاستهلاكه بالاختلاط ـ لا يقتضي اتّحاد الضوء واللون ، كما لا يخفى على من له
نار أو نور.
قال : ( قابلان للشدّة والضعف ، المتباينان (10) نوعا ).
أقول : كلّ واحد من هذين ـ أعني اللون والضوء ـ قابل للشدّة والضعف ،
وهو ظاهر محسوس، فإنّ البياض في الثلج أشدّ من البياض في العاج ، وضوء الشمس أشدّ
من ضوء القمر.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الشديد في كلّ نوع مخالف للضعيف منه ومباين
بالنوع ؛ لكون كلّ منهما موجودا مستقلاّ لا مترتّبا ومتفرّعا على الآخر ، والمميّز
جوهريّ لا عرضيّ ، فيكونان نوعين متباينين وإن احتمل كونهما صنفين متباينين أيضا.
وذهب قوم إلى أنّ سبب الشدّة والضعف ليس الاختلاف بالحقيقة ، بل
باختلاط بعض أجزاء الشديد بأجزاء الضدّ فيحصل الضعف ، وإن لم يختلط حصلت الشدّة (11)...
قال : ( ولو كان الثاني جسما لحصل ضدّ المحسوس ).
أقول : ذهب بعض القاصرين إلى أنّ الضوء جسم صغير ينفصل من المضيء
ويتّصل بالمستضيء (12).
وهو غلط ، وسبب غلطه ما يتوهّم من كونه متحرّكا بحركة المضيء.
وإنّما كان ذلك باطلا ؛ لأنّ الحسّ يحكم بافتقاره إلى موضوع يحلّ فيه
، ولا يمكنه تجريده عن محلّ يقوم به ، فلو كان جسما لحصل ضدّ هذا الحكم المحسوس ،
وهو قيامه بنفسه واستغناؤه عن موضوع يحلّ فيه مع أنّ الضوء يتحرّك بتبعيّة المضيء
لا بالذات ، أو يحدث في المستضيء بمقابلة المضيء.
ويحتمل أن يكون معنى قوله : « لحصل ضدّ المحسوس » أنّ الضوء إذا أشرق
على الجسم ، ظهر ، وكلّما ازداد إشراقه زاد ظهوره في الحسّ ، فلو كان جسما لكان
ساترا لما يشرق عليه ، فكان يحصل الاستتار الذي هو ضدّ المحسوس ، أعني الانكشاف ،
ويكون كلّما ازداد إشراقه ازداد ستره ، ولكنّ الحسّ يشهد بضدّ ذلك.
أو نقول : إنّ الحسّ يشهد بسرعة ظهور ما يشرق عليه الضوء ؛ فإنّ الشمس
إذا طلعت على وجه الأرض أشرقت دفعة ، ولو كان الضوء جسما ، افتقر إلى زمان يقطع
هذه المسافة الطويلة، وكان يحصل ضدّ السرعة المحسوسة ، فهذه الاحتمالات كلّها
صالحة لتفسير قوله : «لحصل ضدّ المحسوس ».
قال : ( بل هو عرض قائم بالمحلّ معدّ لحصول مثله في المقابل ).
أقول : لمّا أبطل كونه جسما ثبت كونه عرضا قائما بالمحلّ ؛ لأنّ العرض
لا يقوم بنفسه ، وإذا قام بالمحلّ حصل منه استعداد للجسم المقابل ؛ لتكيّفه بمثل
كيفيّته ، كما في الأجسام النّيرة الحاصل منها النور في المقابل.
قال : ( وهو ذاتيّ وعرضيّ ، أوّل وثان ).
أقول : الضوء ، منه ذاتيّ وهو القائم بالمضيء لذاته كما للشمس ،
ويسمّى ضياء ، وقد يخصّ اسم الضوء به. ومنه عرضيّ وهو القائم بالمضيء بالغير كما
للقمر ، ويسمّى نورا.
والعرضيّ قسمان : ضوء أوّل حاصل من مقابلة المضيء لذاته كضوء القمر ،
وضوء ثان حاصل من مقابلة المضيء بالغير كالأرض قبل طلوع الشمس.
قال : ( والظلمة عدم ملكة ).
أقول : الظلمة عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئا (13) ، ومثل هذا
العدم المقيّد بموضوع خاصّ يسمّى عدم ملكة.
وليست الظلمة كيفيّة وجوديّة قائمة بالمظلم ، كما ذهب إليه من لا
تحقيق له (14) ؛ لأنّ المبصر لا يجد فرقا بين حالتيه عند فتح العين في الظلمة وبين
تغميضها في عدم الإدراك ، فلو كانت كيفيّة وجوديّة لحصل الفرق.
وفي هذا نظر ؛ فإنّه يدلّ على انتفاء كونها كيفيّة وجوديّة مدركة ، لا
على أنّها وجوديّة مطلقة ، كما هو ظاهر قوله تعالى : {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ
وَالنُّورَ} [الأنعام: 1] و {جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا
} [الفرقان: 47] ونحو ذلك ؛ فإنّ المجعول لا يكون إلاّ موجودا.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العدم الصرف غير مجعول ، والعدم الخاصّ
مجعول ، كما هو ظاهر قوله تعالى : {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ
فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس: 37] فالوجدان والقرآن شاهدان مقبولان.
__________________
(1) راجع « الشفاء » 2 : 95 ، الفصل الرابع من المقالة
الثالثة ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 406 ـ 407 ؛ « نهاية المرام في علم الكلام »
1 : 532 ـ 533 ؛ « شرح المواقف » 5 : 234 وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » 2 : 256 ـ
259.
(2) حكاه عنه الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة
» 1 : 407 والعلاّمة في « نهاية المرام» 1 : 523.
(3) انظر : « الشفاء » الطبيعيّات 2 : 256 ، الفصل
الأوّل من المقالة الثانية و 2 : 100 ، الفصل الرابع من المقالة الثالثة.
(4) انظر : « المحصّل » : 232 وقد نسبه إلى المعتزلة ؛ « نهاية المرام
» 1 : 539 ؛ « شرح المواقف » 5 : 242 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 260.
(5) هو الكعبي كما في « نهاية المرام » 1 : 539 ،
ولمزيد الاطّلاع راجع « شرح تجريد العقائد » : 238 ـ 239.
(6) قال به الكعبي أيضا على ما في « نهاية المرام
» 1 : 539.
(7) حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : 218 ؛ « نهاية
المرام » 1 : 541.
(8) انظر : « الشفاء » 2 : 80 ـ 82 و 88 ـ 89 ، الفصل
الأوّل من المقالة الثالثة ، وبه قال بهمنيار في « التحصيل » : 690 و 758 وكذا ابن
الهيثم على ما في « شرح المواقف » 5 : 243.
(9) انظر : « الشفاء » الطبيعيات 2 : 83 ، الفصل الثاني والثالث من
المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقيّة » 1 : 411 ـ 414 ؛ « نهاية المرام » 1 :
544 ـ 548 ؛ « شرح المواقف » 5 : 250 ـ 253 ؛ « شرح المقاصد » 2 : 268 ـ 269 ؛ « شرح
تجريد العقائد» : 239 ـ 240.
(10) كذا في الأصل ، والصحيح : « المتباينين » أو
أن تكون لفظة « المتباينان » خبرا لمبتدإ محذوف تقديره « هما ».
(11) انظر : « نهاية المرام » 1 : 540 ـ 541 ؛ « شرح المقاصد » 2 :
251 ـ 255 ؛ « شرح تجريد العقائد » : 240 ـ 241 ؛ « شوارق الإلهام » 2 : 407 ـ
408.
(12) راجع النفس من « الشفاء » الفصل الثاني من المقالة
الثالثة 2 : 83 ؛ « المباحث المشرقيّة 1 : 409 ـ 411 ؛ « نهاية المرام » : 548 ـ
551 ؛ « شرح المواقف » 5 : 247 ـ 250 ؛ « شرح المقاصد » 3 : 266 ـ 267.
(13) انظر : « الشفاء » 2 : 81 كتاب النفس ؛ « المباحث المشرقيّة »
1 : 417 ؛ « نهاية المرام » 1 : 556 ـ 559 ؛ « شرح المواقف » 5 : 244 ـ 246 ؛ « شرح
المقاصد » 2 : 261 ـ 263.
(14) نسبه في « نهاية المرام » 1 : 556 إلى جماعة
من الأشاعرة ، وفي « شرح المقاصد » 2 : 263 و « شرح تجريد العقائد » 242 و « شوارق
الإلهام » 409 إلى البعض.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|