المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
الجهاز التناسلي الذكري في الدجاج الجهاز التنفسي للدجاج محاسبة المسؤولية في المصرف (الإدارة اللامركزية والعلاقات الإنسانية ـــ الإدارة اللامركزية في المصرف) أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون المدني أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون الإداري دور التشريعات والسلطات الرقابية في تسعير المنتجات والخدمات المصرفية موضوع الملاحظة في الاستنباط القضائي ملكة الاستنباط القضائي الجهاز الهضمي للدجاج إستراتيجيات تسعير المنتجات والخدمات المصرفية في الاطار الرقابي (انواع المنتجات والخدمات المصرفية) طـرق تـحديـد سعـر الفـائـدة علـى القـروض السـكـنـيـة (العـقاريـة) تـحليـل ربحيـة العميـل من القـروض الاستـهلاكيـة (الشخصيـة) المـقـسطـة الدجاج المحلي العراقي معجزة الدين الاسلامي موضوع الإعجاز

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16365 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الآية (46-52) من سورة الزمر  
  
2062   07:04 صباحاً   التاريخ: 1-5-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الزاي / سورة الزمر /

قال تعالى : {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) وَلَو أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (48) فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الزمر : 46 ، 52]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

لما قدم سبحانه ذكر الأدلة فلم ينظروا فيها والمواعظ فلم يتعظوا بها أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن يحاكمهم إليه ليفعل بهم ما يستحقونه فقال {قل} يا محمد ادع بهذا الدعاء {اللهم فاطر السماوات والأرض} أي يا خالقهما ومنشئهما {عالم الغيب والشهادة} أي يا عالم ما غاب علمه عن جميع الخلق وعالم ما شهدوه وعلموه {أنت تحكم بين عبادك} يوم القيامة {فيما كانوا فيه يختلفون} في دار الدنيا من أمر دينهم ودنياهم وتفصل بينهم بالحق في الحقوق والمظالم أي فاحكم بيني وبين قومي بالحق وفي هذا بشارة للمؤمنين بالظفر والنصر لأنه سبحانه إنما أمره به للإجابة لا محالة وعن سعيد بن المسيب أنه قال إني لأعرف موضع آية لم يقرأها أحد قط فسأل الله شيئا إلا أعطاه قوله {قل اللهم فاطر السماوات والأرض} الآية .

ثم أخبر سبحانه عن وقوع العقاب بالكفار بأن قال {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه} زيادة عليه {لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة} وقد مضى تفسيره {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} أي ظهر لهم يوم القيامة من صنوف العذاب ما لم يكونوا ينتظرونه ولا يظنونه واصلا إليهم ولم يكن في حسابهم قال السدي ظنوا أعمالهم حسنات فبدت لهم سيئات وقيل إن محمد بن المنكدر جزع عند الموت فقيل له أ تجزع قال أخذتني آية من كتاب الله عز وجل {وبدا لهم} الآية أخذتني أن يبدو لي من الله ما لم أحتسب .

{وبدا لهم} أي وظهر لهم أيضا {سيئات ما كسبوا} أي جزاء سيئات أعمالهم {وحاق بهم} أي نزل بهم {ما كانوا به يستهزءؤن} وهو كل ما ينذرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مما كانوا ينكرونه ويكذبون به ثم أخبر عن شدة تقلب الإنسان من حال إلى حال فقال {فإذا مس الإنسان ضر} من مرض أو شدة {دعانا} واستغاث بنا مسلما مخلصا في كشفه علما بأنه لا يقدر غيرنا عليه .

{ثم إذا خولناه نعمة منا} أي أعطيناه نعمة من الصحة في الجسم والسعة في الرزق أو غير ذلك من النعم {قال إنما أوتيته على علم} قيل فيه وجوه ( أحدها ) قال إنما أوتيته بعلمي وجلدي وحيلتي عن الحسن والجبائي فيكون هذا إشارة إلى جهلهم بمواضع المنافع والمضار ( وثانيها ) على علم على خبر علمه الله عندي عن قتادة ومقاتل ( وثالثها ) على علم يرضاه عني فلذلك أتاني ما أتاني من النعم ثم قال ليس الأمر على ما يقولونه {بل هي فتنة} أي بلية واختبار يبتليه الله بها فيظهر كيف شكره أو صبره في مقابلتها فيجازيه بحسبها وقيل معناه هذه النعمة فتنة أي عذاب لهم إذا أضافوها إلى أنفسهم وقيل معناه هذه المقالة التي قالوها فتنة لهم لأنهم يعاقبون عليها .

{ولكن أكثرهم لا يعلمون} البلوى من النعمي وقيل لا يعلمون أن النعم كلها من الله وإن حصلت بأسباب من جهة العبد {قد قالها} أي قد قال مثل هذه الكلمة وهذه المقالة {الذين من قبلهم} مثل قارون حيث قال إنما أوتيته على علم عندي {فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} أي فلم ينفعهم ما كانوا يجمعونه من الأموال بل صارت وبالا عليهم .

وقوله تعالى : {فَأَصابهُمْ سيِّئَات مَا كَسبُوا والَّذِينَ ظلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سيُصِيبهُمْ سيِّئَات مَا كَسبُوا ومَا هُم بِمُعْجِزِينَ (51) أَولَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسط الرِّزْقَ لِمَن يَشاءُ ويَقْدِرُ إِنَّ فى ذَلِك لاَيَت لِّقَوْم يُؤْمِنُونَ} :

 

ثم أخبر سبحانه عن حال هؤلاء الكفار فقال {فأصابهم سيئات ما كسبوا} أي أصابهم عقاب سيئاتهم فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه وقيل إنما سمي عقاب سيئاتهم سيئة لازدواج الكلام كقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها {والذين ظلموا من هؤلاء} أي من كفار قومك يا محمد {سيصيبهم سيئات ما كسبوا} أيضا {وما هم بمعجزين} أي لا يفوتون الله تعالى وقيل لا يعجزون الله بالخروج من قدرته {أ ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} أي يوسع الرزق على من يشاء ويضيق على من يشاء بحسب ما يعلم من المصلحة {إن في ذلك لآيات} دلالات واضحات {لقوم يؤمنون} يصدقون بتوحيد الله تعالى لأنهم المنتفعون بها .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص405-406 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) 

 

{قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ والأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ والشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} . ترتبط هذه الآية بقوله تعالى في الآية السابقة : {وما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} والمعنى واضح ، وملخصه قل يا محمد بعد أن بلغت ونصحت :

اللهمّ أنت خالق الخلق ومالك الملك ، وعالم بما كان مني ومن المكذبين ، ولك وحدك الحكم والقول الفصل في كل اختلاف وصراع بين عبادك في هذه الحياة .

{ولَو أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ومِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} . كانوا يتكالبون على حطام الدنيا ، ويجمعون المال على المال غافلين عن لقاء اللَّه وحسابه ، وحين وقفوا بين يديه لنقاش الحساب وتكشف لهم ما كانوا يأمنون عضوا يد الندامة ، وتمنّوا لو ملكوا أضعاف ما في الأرض وقبل منهم فدية عن عذاب الحريق ، ولكن هيهات أن يفدى لجهنم أسير . . وتقدم مثله في الآية 91 من سورة آل عمران ج 2 ص 106 والآية 54 من سورة يونس ج 4 ص 169 والآية 18 من سورة الرعد .

{وبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} . كانوا إذا قيل لهم : اتقوا يوما ترجعون فيه إلى اللَّه سخروا من هذا القول وقائله ، ولما أحضروا في اليوم الموعود بدت لهم الحقيقة ، ونزل بهم العذاب جزاء وفاقا على موقفهم الساخر منه وممن أنذر به .

عذر أقبح من ذنب :

{فَإِذا مَسَّ الإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ} .

المراد بالإنسان هنا كل من ينطبق عليه هذا الوصف ، يستغيث باللَّه عند الشدة ، وينساه عند الرخاء ، ويقول في جهل وغرور : ان نعمتي من صنع تدبيري وفطنتي .

تذكرت وأنا أكتب هذه الكلمات سياسة الولايات المتحدة التي أعلنها {رأسك} حين كان وزيرا للخارجية ، أعلنها بقوله : {لا بد للولايات المتحدة أن تظهر اهتمامها بالكرة الأرضية كلها بجميع أراضيها ومياهها وجوّها وفضائها الخارجي المحيط بها} .

أي ان للولايات المتحدة أن تسيطر على الأرض بمن فيها وما فيها ، وكان هذا الإعلان سنة 1966 ، أي قبل أن ترسل الولايات المتحدة روادها ليطئوا أرض القمر ، أما اليوم فينبغي أن تعطف القمر وغيره من الكواكب على الأرض .

وبعد أن نشرت الصحف العالمية هذه السياسة الاستعمارية التي أعلنها وزير خارجية الولايات المتحدة كتب مأجور في إحدى الصحف العميلة مقالا يبرر فيه هذه السياسة ويدافع عنها بقوله : ان الولايات المتحدة أقوى دولة علما وثراء ، وقد حققت انتصارات ضخمة في ميدان العلم والصناعة ، فلها - إذن - كل الحق أن تتدخل في شؤون العالم بمختلف الصور ، وان تستولي على كل ما تريد الاستيلاء عليه ، وان تغير ما شاءت من قوانين الدول والشعوب ، وتوجه اقتصادها ، وتضع هي ميزانتها ، وتحدد ما تصدره وتستورده . . وأيضا للولايات المتحدة كل الحق أن تستعمل سياسة العصا الغليظة مع كل بلد يدافع عن حريته واستقلاله ، فتقتل وتدمر بكل أسلوب ، بالانقلابات العسكرية ، وتدعيم الحركات الانفصالية والقضاء على الانتفاضات الوطنية ، بل لها الحق أيضا أن تتدخل تدخلا مباشرا ومسلحا ان اقتضى الأمر . . لها الحق في ذلك وأكثر من ذلك لأن هذا الحق في واقعه للعلم أولا ، وثانيا للولايات المتحدة التي خرج العلم من مصانعها العسكرية ، وتمثّل في أسلحتها الجهنمية . . وكل من ملك هذا السلاح كان له الحق في السيطرة على الكرة الأرضية بمن فيها وما فيها . وكل ما جاء على لسان كاتب المقال هو بيان للسياسة الأمريكية كما هي في واقعها . . ومن أراد التثبت من هذه الحقيقة فليدرس سياسة أمريكا في فيتنام وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية ، وموقفها العدائي من العرب ، وانتصارها غير المحدود لعدوان إسرائيل ومعارضتها الحل السلمي البنّاء لمشكلة فلسطين ولكل مشكلة قائمة في الشرق والغرب .

ونسأل ذاك الأفاك الأثيم الذي تطوع للدفاع عن أمريكا وبارك سياستها ، وقال إن لها كل الحق في أن تشبع شهوتها العدوانية إلى أقصى ما تصل إليه الشهوات والنزوات . . بارك وبرر لا لشيء إلا لأن أمريكا تمتلك مصانع الخراب والدمار ، نسأل هذا الأفاك : إذا كان العلم يبرر التقتيل والتدمير والسلب والنهب فمعنى هذا ان العلم للشر لا للخير ، وللفساد لا للصلاح ، وان للعالم أن يستخدم علمه للقرصنة واللصوصية والكذب والتزوير ، وان المجرم الحاذق مشكور ومأجور . . وانه كلما تفوق في الإجرام وكثر منه الضلال والفساد استحق الاحترام والتقدير . . وأيضا إذا كان العلم يبرر العدوان فلما ذا ترفع الولايات المتحدة شعارات العدل والإنسانية ، وتحاول جاهدة أن تقنع الناس بأنها العابدة الزاهدة وتحارب الشيوعية باسم الإيمان باللَّه واليوم الآخر ؟

وبعد ، فقد ذهل ذاك الكاتب الأثيم انه يكشف عن ضلاله وخيانته ، وهو يدافع بمنطقه المفضوح عن شهوة الولايات المتحدة وشقوتها ، ويعتذر عنها بما هو أقبح من ذنبها .

{بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} المراد بالفتنة هنا النعمة ، والمعنى ان اللَّه سبحانه ينعم على العبد من فضله ليبلوه أيشكر أم يكفر ؟ فإن شكر زاده اللَّه نعمة في الدنيا وأجرا في الآخرة ، وان كفر فإن جهنم أعدت للكافرين {ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} ان اللَّه يختبر عباده لتظهر الأفعال التي يستحقون بها الثواب والعقاب .

{قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ} . ضمير قالها يعود إلى مقالة القائل : {أوتيته على علم} والمعنى ان لهذا القائل الجهول أمثالا في التاريخ ، ولكن المال لم يرد عنهم غضب اللَّه ونقمته ، ولم يدفع عنهم العذاب الموعود حين نزوله بهم . أنظر تفسير الآية 78 وما بعدها من سورة القصص .

{فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء - أي الذين كذّبوا محمدا - سيصيبهم سيئات ما كسبوا} . من يعمل سوءا يجز به ولا يجد من دون اللَّه وليا ولا نصيرا ، وهذا الحكم ثابت في حق الجميع لا يقبل الاستثناء والتخصيص بالأمم السابقة أو اللاحقة ، سنّة اللَّه في خلقه ولن تجد لسنّة اللَّه تبديلا {وما هُمْ بِمُعْجِزِينَ} . وهل يعجز المخلوق خالقه ؟ .

{أَولَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهً يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . تقدم مثله في الآية 26 من سورة الرعد و30 من سورة الإسراء و82 من سورة القصص و62 من سورة العنكبوت و37 من سورة الروم و36 و39 من سورة سبأ . وتكلمنا عن هذا الموضوع مفصلا في المجلد الثالث ص 94 فقرة (الرزق وفساد الأوضاع) ، وص 131 فقرة (هل الرزق صدفة أو قدر) ، وفي المجلد الرابع ص 401 فقرة (الإنسان والرزق) ، وعند تفسير الآية 60 من سورة العنكبوت فقرة (الرزق والثقة بالمخلوق دون الخالق) .

__________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص421-424 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

قوله تعالى : {قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم} إلخ لما بلغ الكلام مبلغا لا يرجى معه فيهم خير لنسيانهم أمر الآخرة وإنكارهم الرجوع إليه تعالى حتى كانوا يشمئزون من ذكره تعالى وحده أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذكره تعالى وحده ويذكرهم حكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه في صورة الالتجاء إليه تعالى على ما فيه من الإقرار بالبعث وقد وصف الله تعالى بأنه فاطر السماوات والأرض أي مخرجها من كتم العدم إلى ساحة الوجود ، وعالم الغيب والشهادة فلا يخفى عليه شيء ، ولازمه أن يحكم بالحق وينفذ حكمه .

قوله تعالى : {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة} إلخ المراد بالذين ظلموا هم الذين ظلموا في الدنيا فالفعل يفيد مفاد الوصف ، والظالمون هم المنكرون للمعاد كما قال : {أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ} [الأعراف : 44 ، 45] .

والمعنى : ولو أن للظالمين المنكرين للمعاد ضعفي ما في الأرض من أموال وذخائر وكنوز لجعلوه فدية من سوء العذاب .

وقوله : {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} البداء والبدو بمعنى الظهور والحساب والحسبان العد ، والاحتساب الاعتداد بالشيء بمعنى البناء على عده شيئا وكثيرا ما يستعمل الحسبان والاحتساب بمعنى الظن كما قيل ومنه قوله : {ما لم يكونوا يحتسبون} أي ما لم يكونوا يظنون لكن فرق الراغب بين الحسبان والظن حيث قال : والحسبان أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله ويكون بعرض أن يعتريه فيه شك ، ويقارب ذلك الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما على الآخر . انتهى .

ومقتضى سياق الآية أن المراد بيان أنهم سيواجهون يوم القيامة أمورا على صفة هي فوق ما تصوروه وأعظم وأهول مما خطر ببالهم لا أنهم يشاهدون أمورا ما كانوا يعتقدونها ويذعنون بها وبالجملة كانوا يسمعون أن لله حسابا ووزنا للأعمال وقضاء ونارا وألوانا من العذاب فيقيسون ما سمعوه - على إنكار منهم له - على ما عهدوه من هذه الأمور في الدنيا فلما شاهدوها إذ ظهرت لهم وجدوها أعظم مما كان يخطر ببالهم من صفتها فهذه الآية في وصف عذابه نظير قوله في وصف نعيم أهل الجنة : {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة : 17] .

وأيضا مقتضى السياق أن البدو المذكور من قبيل الظهور بعد الخفاء والانكشاف بعد الاستتار كما يشير إليه قوله تعالى : {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق : 22] .

قوله تعالى : {وبدا لهم سيئات ما كسبوا} إلى آخر الآية أي ظهر لهم سيئات أعمالهم بعد ما كانت خفية عليهم فهو كقوله : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران : 30] .

وقوله : {وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون} أي ونزل عليهم وأصابهم ما كانوا يستهزءون به في الدنيا إذا سمعوه من أولياء الدين من شدائد يوم القيامة وأهواله وأنواع عذابه .

قوله تعالى : {فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم} إلخ الآية في مقام التعليل البياني لما تقدم من وصف الظالمين ولذا صدرت بالفاء لتتفرع على ما تقدم تفرع البيان على المبين .

فهو تعالى لما ذكر من حالهم أنهم أعرضوا عن كل آية دالة على الحق ولم يصغوا إلى الحجج المقامة عليهم ولم يسمعوا موعظة ولم يعتدوا بعبرة فجحدوا ربوبيته تعالى وأنكروا البعث والحساب وبلغ بهم ذلك أن اشمأزت قلوبهم إذا ذكر الله وحده .

بين أن ذلك مما يستدعيه طبع الإنسان المائل إلى اتباع هوى نفسه والاغترار بما زين له من نعم الدنيا والأسباب الظاهرية الحافة بها فالإنسان حليف النسيان إذا مسه الضر أقبل إلى ربه وأخلص له ودعاه ثم إذا خوله ربه نعمة نسبه إلى علم نفسه وخبرته ونسي ربه وجهل أنها فتنة فتن بها .

فقوله : {فإذا مس الإنسان ضر} أي مرض أو شدة {دعانا} أي خصنا بالدعاء وانقطع عن غيرنا .

وقوله : {ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم} التخويل الإعطاء على نحو الهبة ، وتقييد النعمة بقوله : {منا} للدلالة على كون وصف النعمة محفوظا لها والمعنى خولناه نعمة ظاهرا كونها نعمة .

وضمير {أوتيته} للنعمة بما أنه شيء أو مال والعناية في ذلك بالإشارة إلى أنه لا يعترف بكونها نعمة منا بل يقطعها عنا فيسميها شيئا أو مالا ونحوه ولا يسميها نعمة حتى يضطره ذلك إلى الاعتراف بمنعم والإشارة إليه كما قال : {أوتيته} فصفح عن الفاعل لذلك والتعبيران أعني {نعمة منا} {إنما أوتيته} من لطيف تعبير القرآن ، وقد وجهوا تذكير الضمير في {أوتيته} بوجوه أخر غير موجهة من أرادها فليرجع إلى المفصلات .

والملائم لسياق الآية أن يكون معنى {على علم} على علم مني أي أوتيت هذا الذي أوتيت على علم مني وخبرة بطرق كسب المعاش واقتناء الثروة وجمع المال .

وقيل : المراد إنما أوتيته على علم من الله بخير عندي أستحق به أن يؤتيني النعمة ، وقيل : المراد على علم مني برضا الله عني ، وأنت خبير بأن ما تقدم من معنى قوله : {ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته} لا يلائم شيئا من القولين .

وقوله : {بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون} أي بل النعمة التي خولناه منا فتنة أي ابتلاء وامتحان نمتحنه بذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون بذلك .

وقيل : معناه بل تلك النعمة عذاب لهم ، وقيل : المعنى بل هذه المقالة فتنة لهم يعاقبون عليها والوجهان بعيدان سيما الأخير .

قوله تعالى : {قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا} ضمير {قد قالها} راجع إلى القول السابق باعتبار أنه مقالة أو كلمة .

والآية رد لقولهم وإثبات لكونها فتنة يمتحنون بها بأنهم لو أوتوها على علم منهم واكتسبوها بحولهم وقوتهم لأغنى عنهم كسبهم ولم يصبهم سيئات ما كسبوا وحفظوها لأنفسهم وتنعموا بها ولم يهلكوا دونها وليس كذلك فهؤلاء الذين قبلهم قالوا هذه المقالة فما أغنى عنهم كسبهم وأصابهم سيئات ما كسبوا .

والظاهر أن الآية تشير بقوله : {قد قالها الذين من قبلهم} إلى قارون وأمثاله وقد حكي عنه قول {إنما أوتيته على علم عندي} في قصته من سورة القصص .

قوله تعالى : {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين} الإشارة بهؤلاء إلى قومه (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعنى أن هؤلاء الذين ظلموا من قومك سبيلهم سبيل من قبلهم سيصيبهم سيئات كسبهم ووبالات عملهم وما هم بمعجزين لله .

قوله تعالى : {أ ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} إلخ جواب آخر عن قول القائل منهم : {إنما أوتيته على علم} وقد كان الجواب الأول {قد قالها الذين من قبلهم} إلخ جوابا من طريق النقض وهذا جواب من طريق المعارضة بالإشارة إلى دلالة الدليل على أن الله سبحانه هو الذي يبسط الرزق ويقدر .

بيان ذلك : أن سعي الإنسان عن علم وإرادة لتحصيل الرزق ليس سببا تاما موجبا لحصول الرزق وإلا لم يتخلف ومن البين خلافه فكم من طالب رجع آيسا وساع خاب سعيه .

فهناك علل وشرائط زمانية ومكانية وموانع مختلفة باختلاف الظروف خارجة عن حد الإحصاء إذا اجتمعت وتوافقت أنتج ذلك حصول الرزق .

وليس اجتماع هذه العلل والشرائط على ما فيها من الاختلاف والتشتت والتفرق من مادة وزمان ومكان ومقتضيات أخر مرتبطة بها مقارنة أو متقدمة وعلل العلل ومقدماتها الذاهبة إلى ما لا يحصى ، اجتماعا وتوافقا على سبيل الاتفاق فإن الاتفاق لا يكون دائميا ولا أكثريا وقانون ارتزاق المرتزقين الشامل للموجودات الحية بل المنبسط على أقطار العالم المشهود وأرجائه ثابت محفوظ في نظام جار على ما فيه من السعة والانبساط ولو انقطع لهلكت الأشياء لأول لحظة ومن فورها .

وهذا النظام الجاري بوحدته وتناسب أجزائه وتلاؤمها يكشف عن وحدانية ناظمه وفردانية مدبره ومديره الخارج عن أجزاء العالم المحفوظة بنفس النظام الباقية به وهو الله عز اسمه .

على أن النظام من التدبير والتدبير من الخلق كما مر مرارا فخالق العالم مدبره ومدبره رازقه وهو الله تعالى شأنه .

ويشير إلى هذا البرهان في الآية قوله : {لمن يشاء} فإنه إذا كان بسط الرزق وقدره بمشيئته تعالى لم يكن بمشيئة الإنسان الذي يتبجح بعلمه وسعيه ولا بمشيئة شيء من العلل والأسباب وإيجابه كما هو ظاهر وليس من قبيل الاتفاق بل هو على نظام جار فهو بمشيئة جاعل النظام ومجريه وهو الله سبحانه .

وقد تقدم كلام في معنى الرزق في ذيل قوله تعالى : {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران : 27] وسيأتي كلام فيه في تفسير قوله : { فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات : 23] إن شاء الله تعالى .

________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص221-224 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

 

عندما يصل الأمر إلى درجة أنّ مجموعة من اللجوجين والجهلة المغرورين ينفرون ويشمئزون حتى من سماع اسم الله ، يوحي الباريء عزّوجلّ إلى نبيّه الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتركهم ويتوجه الى الباري عزوجل ويشتكي إليه من هؤلاء بلحن مليء بالعواطف الرفيعة والعشق الإلهي لكي يبعث على تسكين قلبه المليء بالغم من جهة ، وعلى تحريك العواطف الهامدة عند اُولئك من جهة اُخرى : {قل الّلهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون} (2) .

نعم أنت الحاكم المطلق في يوم القيامة الذي تنتهي فيه الاختلافات وتظهر فيه كلّ الحقائق المخفية ، لانك خالق كلّ شيء في الوجود وعالم بكل الأسرار فتنتهي الاختلافات بحكمك العادل ، وهناك يدرك المعاندون مدى خطئهم ، ويفكرون في إصلاح ما مضى ، ولكن ما الفائدة ؟

الآية التالية تقول : {ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لا فتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة} ولكن هذا الامر غير ممكن .

«الظلم» : هنا له معان واسعة تشمل الشرك أيضاً وبقية المظالم .

ثم تضيف الآية {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} .

وسيرون العذاب بأعينهم ، العذاب الذي لم يكن يتوقعه أحد منهم ، لأنّهم كانوا مغرورين بلطف الله ، في حين كانوا في غفلة عن غضبه وقهره . وأحياناً كانوا يقومون بأعمال يتصورونها حسنة ، في حين أنّها كانت من الذنوب الكبيرة .

على أيّة حال ، تظهر لهم في ذلك اليوم أُمور لم يكن يتصور أحد ظهورها .

ذلك الوعيد يأتي في مقابل الوعود الطيبة التي قطعت للمؤمنين ، قال تعالى : { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة : 17] .

وقد نقل أنّ أحد المسلمين جزع عند الموت ، فقيل له : أتجزع ، فقال : أخذتني هذه الآية {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} (3) .

الآية التالية توضيح أو تتمة لموضوع طرحته الآية السابقة ، إذ تقول : {وبدا لهم سيئات ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون} .

في الحقيقة هناك أربعة مواضيع تتعلق بالمشركين والظالمين طرحت في هذه الآيات :

أوّلا : إنّ هول ورهبة العذاب الإلهي في ذلك اليوم ستكون من الشدّة بحيث تجعلهم يتمنون لو أنّ لديهم في تلك الساعة ضعف الثروات والأموال التي كانوا يمتلكونها في عالم الدنيا ليفتدوا بها من سوء العذاب ، ولكن من المستحيل أن يحدث مثل هذا الأمر في يوم القيامة .

ثانياً : تظهر أمامهم أنواع من العذاب الإلهي الذي لم يكن أحد يتوقعه ولا يتصوره .

ثالثاً : حضور أعمالهم السيئة أمامهم وتجسيدها لهم .

رابعاً : مشاهدتهم حقيقة المعاد الذي لم يأخذوه مأخذ الجد ، ومن ثمّ انغلاق كلّ أبواب النجاة أمامهم .

الآية التي تقول : {بدا لهم سيئات ما كسبوا} والتي وردت آنفاً ، هي دليل آخر على مسألة تجسيد الأعمال .

وقوله تعالى : {فَإِذَا مَسَّ الاْنسَنَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوْتِيتُهُ عَلَى عَلْم بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (49) قدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاَءِ سَيُصيِبُهُمْ سَيِّئَاتِ مَا كَسَبُوا ومَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَولَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ ويَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لاََيَتِ لِّقَوْمِ يُؤْمِنُونَ} :

في الشدائد يذكرون الله ، ولكن . . .

الآيات هنا تتحدث مرّة اُخرى عن المشركين والظالمين ، وتعكس صورة اُخرى من صورهم القبيحة .

في البداية يقول {فإذا مس الإنسان ضرّ دعانا} فذلك الإنسان الذي كان ـ وفق ما جاء الآيات السابقة ـ يشمئز من ذكر اسم الله . نعم ، هو نفسه يلجأ إلى ظلّ الله عندما يصيبه الضرّ ويتعرض للشدائد . لكن هذا اللجوء مؤقت ، إذ ما إن يتفضّل عليه الباريء عزّوجلّ ويكشف عنه الضر والشدائد ، حتى يتبجح ناكراً لهذه النعم ، وزاعماً بأنّه هو الذي أنقذ نفسه من ذلك الضر {ثم إذا خولناه نعمة منّا قال إنّما أوتيته على علم} (4) .

نظير هذا الكلام نقله القرآن في الآية (78) من سورة القصص عن لسان «قارون» عندما نصحه علماء بني إسرائيل بأن ينفق ممّا منّ الله به عليه في سبيل الله ، إذ قال : {إنّما أوتيته على علم عندي} .

إنّ أمثال هؤلاء الغافلين لا يتصورون أنّ العلوم والمعارف التي يمتلكها الإنسان إنّما هي نعمة إلهية ، فهل أنّ هؤلاء اكتسبوا العلم الذي كان يدرّ عليهم الأموال الطائلة من ذاتهم؟ أم أنّه كان في ذاتهم منذ الأزل ؟

بعض المفسّرين ذكروا احتمالا آخر لتفسير هذه العبارة ، وقالوا : إنّ النعم التي منّ بها الباريء عزّوجلّ علينا إنّما منّ بها علينا لعلمه بلياقتنا واستحقاقنا لها .

ومع أنّ هذا الاحتمال وارد بشأن الآية مورد بحثنا ، لكنّه غير وارد بشأن الآية الآنفة التي تحدثت عن قارون ، خاصة مع وجود كلمة (عندي) وهذه أحد القرائن لترجيح التّفسير الأوّل للآية التي هي مورد البحث .

ثم يجيب القرآن الكريم على أمثال هؤلاء المغرورين ، الذين ينسون أنفسهم وخالقهم بمجرّد زوال المحنة وتوفّر النعمة ، قائلا : {بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون} .

فالهدف من إبتلائهم بالحوادث الشديدة والصعبة ، ومن ثمّ إغداق النعم الكبيرة عليهم هو اظهار خباياهم والكشف عن بواطنهم .

هل ييأس الإنسان عند المصيبة ويغترّ ويطغى عند النعمة ؟

هل أنّه يزداد تفكيراً بالله عزّوجلّ عندما يحاط بهذه النعم ، أم أنّه يغرق في ملذات الدنيا ؟

هل ينسى ذاته ، أو أنّه يلتفت إلى نقاط ضعفه ويعود إلى ذكر الله أكثر؟

ممّا يؤسف له أنّ أكثر الناس مبتلون بالنسيان ، وغير مطلعين على الحقائق التي تكررت مرات عديدة في آيات القرآن المجيد ، وهي أنّ العزيز الحكيم يجعل الإنسان أحياناً محاطاً بالمشاكل والإبتلاءات الشديدة ، وأحياناً يغدق عليه النعم ، وذلك ليمتحنه ويرفع من شأنه وليعرفه بأن كلّ شيء في هذه الحياة هومن ا لله سبحانه وتعالى .

ومن الطبيعي أنّ الشدائد تهيء الأرضية لتفتتح الفطرة ، كما أنّ النعم مقدمة للمعرفة (وفي هذا الخصوص أوردنا بحثاً آخر في تّفسيرنا الأمثل في نهاية الآية (65) من سورة العنكبوت) .

وممّا يدعوا إلى الإنتباه تأكيد الآية على كلمة (إنسان) التي عرفته بأنّه كثير النسيان والغرور ، وهذه إشارة إلى الذين لم يتربوا وفق ما جاء في الشرائع والسنن الإلهية ، والذين لم يكن لهم أيّ مربّ ومرشد . . الذين أطلقوا لشهواتهم العنان واستسلموا لأهوائهم ، نعم فهؤلاء هم الذين يلجؤون إلى الباريء عزّوجلّ كلّما مسّهم الضرّ وكلمّا ابتلوا بالشدائد والمحن ، ولكن عندما تهدأ أعاصير الحوادث ويشملهم لطف الباريء وعنايته ، ينسونه وكأنّهم لم يدعوه إلى ضرّ مسّهم . ولمزيد من الإطلاع راجع موضوع : الإنسان في القرآن الكريم . في نهاية الآية (12) من سورة يونس .

وتضيف الآية التالية {قد قالها الذين من قبلهم فما اغنى عنهم ما كانوا يكسبون} (5) .

نعم ، فقارون وأمثاله من المغرورين يتصورون أنّهم حصلوا على الأموال بسبب لياقتهم وغفلوا عن أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي منّ بهذه النعم عليهم وأنّه المصدر الأصل للنعم والواهب الحقيقي لها ، وأنّهم كانوا ينظرون فقط للأسباب الظاهرية ، لكن التاريخ بيّن أنّه عندما خسف الباريء عزّوجلّ الأرض بأُولئك لم يسرع أحد إلى مساعدتهم ، ولم تنفعهم أموالهم ، كما ورد في سورة القصص الآية (81) { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ } [القصص : 81] .

وليس قارون ـ وحده ـ ابتلي بهذا العذاب ، وإنّما أقوام عاد وثمود وسبأ وأمثالهم ابتلوا ـ أيضاًـ وكان لهم نفس المصير .

ثم يقول : {فأصابهم سيئات ما كسبوا} .

فكل واحد منهم ابتلي بنوع من العذاب الإلهي وهلك ، كابتلائهم بالطوفان والسيل والزلزال والصيحة السماوية .

ويضيف : إنّ هذا المصير لا ينحصر باُولئك الاقوام وحسب بل إنّ مشركي مكّة سيبتلون في القريب العاجل بعواقب أعمالهم السيئة ، ولا يستطيع أحد منهم أن يفرّ من قبضة العذاب الإلهي الذي سينزل بهم جميعاً {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين} .

وسينال هذا العذاب والإبتلاء كلّ الطغاة والمغرورين والمشركين ، وفي كلّ العصور والقرون .

ومن جهة اُخرى ورد احتمالان في هل أنّ المراد من عبارة {سيصيبهم سيئات ما كسبوا} هو العذاب الدنيوي أم العذاب الاُخروي ، ولكن بقرينة {فأصابهم سيئات ما كسبوا} فإنّ التّفسير الأوّل أنسب .

القرآن الكريم أجاب على ادعاءات الذين يزعمون أنّهم حصلوا على النعم الدنيوية بعلمهم وقدرتهم ، عندما دعاهم إلى مراجعة تأريخ الأولين للإطلاع على أنواع الإبتلاءات والعذاب الذي ابتلوا به بسبب مزاعمهم الباطلة ، وهذا هو ردّ تأريخي وواقعي .

ثمّ يرد القرآن الكريم عليهم بردّ عقلي ، إذ يقول : {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} .

فالكثير من الأشخاص الكفوئين نراهم يعيشون حياة المستضعفين والبسطاء ، في حين نرى أنّ الكثير من الأشخاص غير الكفوئين يعيشون أثرياء ومتنعمين من كلّ النواحي ، فلوكان الظفر الماديّ كلّه يأتي عن طريق جهد وسعي الإنسان إضافة إلى كفاءته ، لما كنّا نرى مثل هذه المشاهد . إذن فمن هنا يستدل على وجود يد قوية اُخرى خلف عالم الاسباب تدير الشؤون وفق منهج محسوب .

صحيح أنّه يجب على الإنسان أن يبذل الجهد والسعي في حياته ، وصحيح أنّ الجهاد والسعي هما مفتاح حلّ الكثير من المشاكل ، ولكن إغفال مسبب الأسباب والنظر إلى الأسباب فقط ، واعتبار الكفاءة هي المؤثر الوحيد يعد خطأً كبيراً .

فإحدى أسرار إحاطة الفقر والحرمان بمجموعة من العلماء المقتدرين ، وإحاطة الغنى بمجموعة من الجهلة غير الأكفاء هو تنبيه لكلّ الناس التائهين في عالم الأسباب بأن لا يعتمدوا فقط على قواهم الذاتية . لذا تضيف الآية {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} .

الآيات التي وضحها أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال : «عرفت الله بفسخ العزائم وحل العقود الهمم» (6) . وهي كلمة سامية تدلّ على ضعف وعجز الإنسان كي لا يتيه ولا يبتلى بالغرور والتكبر .

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص532-538 .

2 ـ «فاطر السموات» منصوب بعنوان منادى مضاف .

3 ـ تفسير مجمع البيان وتفسير القرطبي ذيل آية البحث .

4 ـ «خول» : من مادة (تخويل) وتعني الإعطاء على نحو الهبة ، وقد شرحت بالتفصيل في ذيل الآية الثامنة من هذه السورة (الزمر) ، ضمير (أوتيته) رغم أنّه يعود على (نعمة) فقد جاء بصيغة المذكر ، لأنّ المقصود منه (شيء من النعمة) أو(قسم من النعمة) .

5 ـ ضمير (قد قالها) راجع إلى القول السابق باعتبار أنّه مقالة أو كلمة ، والمراد منها عبارة (إنّما أوتيته على علم) .

6 ـ نهج البلاغة ، قصار الكلمات ، الكلمة 250 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



العتبة العباسية تطلق مسابقة فن التصوير الفوتوغرافي الثانية للهواة ضمن فعاليات أسبوع الإمامة الدولي
لجنة البرامج المركزيّة تختتم فعاليّات الأسبوع الرابع من البرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسيّة
قسم المعارف: عمل مستمر في تحقيق مجموعة من المخطوطات ستسهم بإثراء المكتبة الدينية
متحف الكفيل يشارك في المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآثار بجامعة الكوفة