أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2019
4569
التاريخ: 4-10-2016
1756
التاريخ: 6-10-2016
3875
التاريخ: 10-10-2016
3221
|
بابل – أوغاريت عبر ماري ، ايمار:
ارتبطت اوغاريت ارتباطاً تجارياً ملحوظاً بمدينتين فراتيتين مهمتين ألا وهما مدينتا ماري ( تل الحريري ) وايمار ( تل مسكنة )(1) وكما أشارت إلى ذلك النصوص والوثائق التي تم اكتشافها من خلال التنقيبات التي جرت في تلك المدينتين وخصوصاً أرشيف مدينة ماري الواقعة على الضفة اليمنى لنهر الفرات والتي شكلت مع مدينة ايمار الواقعة عند منعطفه نحو الشرق نقطتين تجاريتين حيويتين للعلاقات التجارية ما بين الرافدين والشام(2) ، فبفضل انعطافة الفرات الكبيرة صوب الغرب في أقسامه الوسطى ، فأنه يقترب كثيراً من مناطق الجبال اللبنانية والساحل السوري فعبر مسافة أرضية قصيرة يمكن الانتقال من مدن الفرات العلوية نحو وادي نهر العاصي الذي يقترب بدوره من مدن الساحل ومنها أوغاريت ، كما ان استمرار نهر الفرات في وسط وجنوب العراق يوصل معظم المدن الرئيسية في هذين القسمين الهامين من العراق ومنها بابل (3)، وصولاً إلى دلمون في الخليج العربي ، فكانت ماري بمثابة محطة رئيسة على امتداد هذا الطريق إذ تولى أهلها تجارة القصدير الذي كان مادة أساسية في الصناعة بعد إن كان حكراً على الآشوريين كما ذكرت ذلك نصوص أرشيفها الملكي التي تعود للفترة من (1800-1600 ق. م)(4) والتي أشارت كذلك إلى أوغاريت بوصفها مركزاً للتجارة بين منطقة الفرات ومناطق عديدة من العالم القديم ، كما ذكرت قيام زمري – لم ( 1778-1761ق.م.) حاكم ماري بزيارة إليها لأهميتها الستراتيجية وكان بصحبته ياريم – لم ملك يمخد الذي أراد ان يوطد صلاته التجارية معها (5)، وتتحدث النصوص على أن أوغاريت كانت ملتقى لتجار ماري لعقد صفقات تجارية مع غيرهم من التجار من كريت وقبرص بمساعدة عدد من المترجمين(6) ، ويذكر أحد النصوص ان كمية من القصدير أرسلها الملك حمورابي ( 1792-1750 ق.م.) من بابل أودعت في يمخد ،بينما اودعت كميات اخرى من هذا المعدن في أوغاريت من قبل تاجرين من ماري(7) ، وهناك نص يعود إلى السنة التاسعة من حكم زمري – لم يشير إلى أن كميات من القصدير أرسلت من ماري إلى يارم – لم ملك يمخد وإلى أسرتــه ووزيره طاب بلاطي (8) Tab – (Bladi) وإلى أشخاص آخرين يقيمون جميعاً في حلب ، وأعطي القصدير أيضاً إلى أشخاص آخرين يقيمون في أوغاريت وإلى رجل من كريت كان يعمل مترجماً (9)، وتشير المعطيات إلى ان اوغاريت في فترة حكم زمري – لم ملك ماري كانت عبارة عن مدينة صغيرة تندرج في الاكتمال لخلق فاعليتها التاريخية والحضارية مع منتصف الألف الثاني ق.م.(10) ، ويبدو أنها كانت من ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة يارم – لم الأول ملك يمخد إذ إن نصوصاً عديدة من ماري تشير إلى وجود زوجته في أوغاريت(11) ، وقد تميز عهده بنشاط تجاري دبلوماسي معها شرقاً ومع أوغاريت غرباً وكانت المواد المسجلة في هذه النصوص هي : هدايا ذهبية وفضية وبرونزيه ومحاصيل زراعية وزيوت وخمور ومعادن وخاصة القصدير(12) ، ويرى كلينغل ان أوغاريت قد حكمت من قبل حاكم محلي لبضعة قرون إذ يستشف ذلك من رسالة بعث بها حمورابي الأول ملك يمخد إلى زمري – لم ملك ماري إشارة إلى ( حاكم ) اوغاريت الذي يرغب في زيارة قصر زمري – لم الشهير في ماري(13) ، ومن المحتمل أن تكون زيارة زمري – لم التي قام بها إلى أوغاريت في وقت سابق قد أنشأت علاقات شخصية طيبة وأعطت دافعاً لقيام حاكم أوغاريت برد الزيارة(14) ، وقد طلب من حمورابي الأول أن يكون وسيطاً في ذلك لأن له علاقات طيبة مع ماري وربما لأنه كان سيداً على أوغاريت(15) ، وهناك وثيقة تاريخية تذكر أنه كان لزمري- لم ملك ماري ممثل في أوغاريت أسمه داريش – ليبور (16) Darish- Libuur)) ، وعموماً فقد كانت لأوغاريت في عهد زمري – لم أهمية خاصة كونها محطة لتجارة القصدير القادم لماري من بلاد عيلام ، في حين كان النحاس يستورد من قبرص عن طريق أوغاريت ثم ينتقل عبر الطريق البري ( قوافل الحمير ) إلى ماري في طريقه إلى بابل(17) ، كما استوردت بابل الأخشاب عبر ماري التي أوصلت إليها ايضاً النبيذ المستورد من كركميش ( جرابلس الحالية ) (18)، ولابد هنا من الإشارة إلى أن ماري كانت تستورد الخيول من أوغاريت وهذا ما نستشفه من رسالة بعثها أحد تجار ماري إلى تاجر أوغاريتي يطلب فيها منه الإسراع لأرسال الخيول التي دفع ثمنها مسبقاً له ، إذ عرف عن أوغاريت انها كانت تهتم بتربية الخيول لتصديرها إذ شكلت تلك التجارة أحد مواردها الاقتصادية(19)، وعموماً فالمدينتان مثلتا مركزين للتجارة المتبادلة ، ماري كونها محطة مهمة من محطات التجارة مع بلاد الرافدين وصولاً إلى بلاد عيلام والخليج العربي ، وأوغاريت محطة تجارية لعالم البحر المتوسط وبحر إيجه ولكن ماري لم تكن حلقة الوصل التجارية مع وسط وجنوب بلاد الرافدين فقط ، إذ تشير الوثائق التاريخية إلى أن زمري – لم كان يتمتع بعلاقات طيبة مع حاكم مدينة كرانا(20) في شمال العراق المدعو أشكر – ادو ( Ashkur- Addu ) إذ أصدر أوامره إلى أحد الحكام التابعين له والذي قام بغزو كرانا ونهب بعض ممتلكاتها بإعادة تلك المسروقات إليها ، ويمكن القول انه يبغي بعمله هذا ضمان الطرق التجارية بين مملكته وأقاليم أعالي النهرين إذ كانت التجارة تشكل عصب الاقتصاد في هذه المملكة(21) .
ومع الدور التجاري المتميز الذي لعبته ماري بين أوغاريت وبلاد الرافدين فأن ايمار كانت واحدة من أهم مدن الفرات التي لعبت دوراً حيوياً في منطقة حوض الفرات منذ الألف الثالث ق.م. ، إذ ورد ذكرها في نصوص أيبلا وبقيت تتمتع بنفس الأهمية في الألف الثاني ق.م. كونها ميناءاً على الفرات تفرغ فيه البضائع المنقولة من بلاد الشام ثم تحمل على الدواب باتجاه بلاد الرافدين ، كما كان الطريق البري القادم من جنوب بلاد الرافدين عبر بابل ثم ماري يلتقي قرب ترقا(22) ، بطريقين قادمين من أشور وشوبات انليل(23) ثم يستمرا إلى أيمار وحلب ومنها إلى أوغاريت عبر ألالاخ(24) ، لذا فأن أيمار واحدة من المدن التي سهلت انسيابية العملية التجارية بيـن مدن بلاد الرافدين وأوغاريت وتشير النصوص المسمارية إلى أن هناك تجاراً مـن أيمار يحمـلون من مـاري الحبـوب إذ كانـت أيمـار مـركزاً مهمـاً لتجارتـه ، ومـن دلائل أهميـة أيمار التجارية وجود مركز تجاري وهيئة قضائية مشرفة فيها إذ يوصف أحد الأشخاص بأنه( الرجل القاضي في الكـــار) (25) awil supiti kari )).
ولم تقتصر علاقة أوغاريت على بابل ومدن العراق الجنوبية ، فهناك وثيقة تشير إلى وجود علاقات منتظمة دائمية بينها أو بين أشور ويعود تاريخ هذه الوثيقة إلى القرن الثالث عشر ق.م. ، وهي عبارة عن رسالة موجهة من أحد الأشخاص في بلاد آشور إلى شريكه المدعو ايلشارو ( Ilsharu ) الذي كان يدير بعض العمليات التجارية في أوغاريت لصالح عائلته ولصالح جماعة من الممولين في أشور(26).
استمرت العلاقات التجارية بين بابل وأوغاريت في العهد الكاشي ( 1595-1157ق.م. ) ويبدو ان تجار بابل في هذا العهد كانوا يتعرضون إلى سلب قوافلهم التجارية وقتلهم وهذا ما نستشفه من الرسالة التي بعثها كدشمن انليل الثاني ( 1279-1265 ق.م.) ملك بابل إلى الملك الحثي حاتوسليس ( 1257-1250 ق.م. ) يخبره فيها عن الممارسات التي كان يقوم بها ملكا أوغاريت وأمورو مما تطلب التدخل لوضع مواثيق تحرم اقتراف مثل هذه الممارسات بحق التجار الأجانب وتحمي أرواحهم وممتلكاتهم(27) ، ويبدو أن مثل هذه الاعتداءات لم تطل تجار بابل فقط إذ وجدت وثيقة تخص حماية تجار كركميش الذين تعرضوا أيضاً إلى الاعتداء الذي أسفر عن مقتل أحدهم في منطقة تابعة لأوغاريت وتتحدث الوثيقة عن كيفية تنظيم التعويضات في حالة وقوع اعتداء على أحد رعايا كركميش في أوغاريت وبالعكس ، كما إن هناك نصوصاً تتحدث عن تدخل كركميش وتقديم الدعم العسكري لأوغاريت ان تعرضت لخطر وكل تلك دلائل على العلاقات الوثيقة بين المملكتين الأكثر أهمية في الشمال السوري أوغاريت وكركميش.(28) ونستشف من الوثيقتين السابقتين إن هناك قوانين وأنظمة ومواثيق تحمي التجار والطرق التجارية من أجل ديمومة عملية التجارة لأنها تمثل ركيزة اقتصاد تلك المدن.
_______________
(1) ذكرت هذه المدينة في نصوص ماري وعثر فيها على مجموعة من الرقم الطينية وجاء ذكرها في العصر الروماني والبيزنطي باسم باربا ليسوس ( Barbalissos) وفي العصر الإسلامي باسم باليس ( Balis ) وهجرت نهائياً عام 1259م زمن الغزو المغولي . انظر :
غولفن ، ل وآخرون ، " مسكنة باليس " ، معرض الآثار الأوربي ، دمشق ، 1996 ، ص182 . وكذلك RLA. 8. 1993. p.85.
(2)الجاموس ، يسام ، مملكة ايمار في عصر البرونز الحديث ، دمشق ، 2004 ، ص11.
(3) الهاشمي ، رضا جواد ، "التجارة " ، حضارة العراق ، ج2 ، بغداد ، 1985 ، ص206.
(4) الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر نفسه ، ص207.
(5) كلينغل ، هورست ،تاريخ سورية السياسي ، ص85.
(6) كلينغل ، هورست ، تاريخ سورية السياسي ، ص81.
(7) ARM, xx111, 556.
(8) ARM, xx111, 448, 449.
(9) كلينغل ، هورست ، تاريخ سورية السياسي ، ص86.
(10) خليف ، بشار ، مملكة ماري وفق احدث الكشوفات الآثارية ، دمشق ، 2005 ، ص 171.
(11) كلينغل ، هورست ، تاريخ سورية السياسي ، ص87.
(12) عبدالله ، فيصل ، دور السلالة الحلبية الأولى في تجارة الشرق وشمال سورية في القرنين الثامن عشر والسابع عشر ق.م.، الحوليات السورية ، م43 ، دمشق ، 1999 ، ص115-116.
(13) كلينغل ، هورست ، تاريخ سورية السياسي ، ص87.
(14) بوتيرو ، جين ، وآخرون ، الشرق الأدنى الحضارات المبكرة ، ترجمة عامر سليمان ، الموصل ، 1986 ، ص198.
(15) كلينغل ، هورست ، تاريخ سورية السياسي ، ص87.
(16) ARM xxv, 46.
(17) خليف ، بشار ، المصدر السابق ، ص219.
(18) خليف ، بشار ، المصدر نفسه ، ص222.
(19) الشواف، قاسم ، أخبار اوغاريتية ، دمشق ، 1999، ص71.
(20) تقع بقايا هذه المدينة اليوم على بعد 17كم جنوبي مدينة تلعفر الحالية في محافظة نينوى .أنظر : دالي ، ستيفان ، ماري وكرانا مدينتان بابليتان قديمتان ، ترجمة كاظم سعد الدين ، بغداد ، 2008 ، ص44.
(21) Muun- Rankin J.m ., Diplomacy in Westeren Asia in the Early scond Millennium B. C. Iraq, vol.18, part 1, London, 1956, pp.64-76.
(22) تقع هذه المدينة على ضفة الفرات اليمنى على مسافة 80 كم جنوب دير الـــزور . انظر (23) Groneberg B. Rep ,. Geogr . Band 3 , p.235 . تعرف بقاياها اليوم باسم ( تل ليلان ) ويقع على بعد 25 كم إلى الجنوب من بلدة القامشلي السورية . أنظر : RLA, Boad 6 , p.594.
(24) مدينة على نهر العاصي في الطريق ما بين حلب واوغاريت تعرف بقاياها اليوم باسم ( تل عطشانة )عمل في تنقيباتها السير يوناردو وولي . أنظر: بوستغيت ، نيكولاس ، حضارة العراق وآثاره ، ترجمة سمير عبد الرحيم الجلبي ، بغداد ، 1991 ، ص126.
(25) اسماعيل ، فاروق ، المركز التجاري كاروم Karum)) في الألف الثاني ق.م. ، الحوليات السورية ، م43 ، دمشق ،1999، ص109.
(26) شيفمان ، أ. ش ، مجتمع اوغاريت ، ص84-85.
(27) شيفمان ، أ. ش، المصدر نفسه ، ص87.
(28) كلينغل ، هورست ، تاريخ سورية السياسي ، ص154.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|