أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-7-2016
1435
التاريخ: 24-6-2021
1918
التاريخ: 2024-03-12
809
التاريخ: 21-7-2016
1957
|
رابع خطوة ذكرها العلماء والسالكون في هذا المجال، هي: «المحاسبة» للنفس، في كلّ يوم أو كلّ شهر أو كلّ سنة، فَلْينظر الإنسان ماذا قدّم من أعمالٍ حسنةٍ، أو ارتكب من أعمالٍ قبيحةٍ، ويُفكر فيما بَدَر منه، من طاعةٍ أو عصيانٍ للَّه تعالى، أو لهوى النّفس. فيحاسب نفسه حساباً عسيراً، كالتّاجر الذي يحسب فوائده وعوائده من تجارته التي اتّجر بها، وهل عادت عليه بالنّفع أم الضرر؟
فكذلك السّائر إلى اللَّه تعالى في خطّ الإيمان والتوبة، عليه أن يُحاسب نفسه بأدقّ ممّا يفعله التاجر مع أمواله وتجارته.
والمحاسبة للدين أو للدنيا، لا تخلو من فائدتين: إذا بيّنت الفاتورة، الرّبح الوفير، فَهو دليلٌ على صحّةِ العمل والدّوام عليه، وإذا ما بيّنت العكس، فهو الدّليل على الخطأ والخطر، فربّما تلاعب أحد موظّفيه، أو خانه بالاختلاس وما شابهها من الأمور، فعليه الإسراع في التثبّت والتّفحّص والإصلاح.
وتخبرنا الآيات الكريمة، عن وجود النّظم والحسابات الدقيقة في عالم الوجود، وتدعو الإنسان للتّفكر فيها جيّداً، ومنها: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 7 - 9].
ونقرأ في آيةٍ أخرى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8].
وكذلك: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 21].
ومن جهةٍ اخرى، نجد أنّ القرآن الكريم، قد أخبر في آياتٍ متعددةٍ، عن وجود حسابٍ دقيقٍ في يوم القيامة، كما ذكر على لسان لُقمان الحكيم لابنه: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16].
وكذلك: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284].
ومسألة الحساب هذه مهمّةٌ، لدرجة أنّ أحد أسماء يوم القيامةِ، هو: «يوم الحِساب»: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص: 26]
ويكون الإنسان هو الحَسيب على نفسه: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14].
وبالنّظر لهذه الأمور والظّروف، فإنّ كلّ شيءٍ في الدنيا والآخرة يكون بِحساب، فكيف يمكن لإنسان أن يغفل عن مُحاسبة نفسه، ومن وراءه يومٌ ثقيلٌ، وكلّ شيءٍ بميزانٍ ومقدارٍ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8] فكلّ ما ذكر آنفاً، يحمل إلينا رسالةً ودعوة، لإثارة عناصر الانتباه وعدم الغفلة عن الحساب والمحاسبة، فأنت إذا أردت أن تكون مُخفّاً في يوم الحساب، عليك الإسراع بمحاسبة نفسك هنا في الدنيا، قبل أن تحاسب في الأخرى، و يقال فيها: {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3].
أمّا الروايات، فقد أشبعت الأمر بحثاً، ومنها:
1ـ ما ورد عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، في حديثه المعروف: "حاسِبُوا أَنْفُسَكُم قَبلَ أَنْ تُحاسَبُوا، وَزِنوها قَبْلَ أَنْ تُوزَنوا وَتَجَهَّزُوا للعَرضِ الأَكْبَرِ" (1).
2 ـوعنه (صلى الله عليه وآله) مخاطباً أبا ذر (رضي الله عنه وأرضاه): "يا أَباذَر حاسِبْ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ تُحاسَبُ فَإِنَّهُ أَهونُ لِحِسابِكَ غَداً وَزِنُ نَفْسَكَ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُ" (2).
3 ـ وَوَرد عن علي (عليه السلام) أنّه قال: "ما أَحَقُّ للإنسانِ أَنْ تَكُونَ لَهُ ساعَةٌ لا يَشْغُلُهُ شاغِلٌ يُحاسِبُ فِيها نَفْسَهُ، فَيَنظُرِ فِيما اكتسبَ لَها وَعَلَيها في لَيلِها وَنَهارِه " (3).
فهذا الحديث يبيّن لنا بوضوح، مسألة المحاسبة في ساعات الفراغ، وهي من الأمور الجديرة بالإنسان الكامل، الذي يعيش همّ المسؤوليّة، في دائرة حركته المنفتحة على اللَّه تعالى.
4 ـ ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام)، بنفس المعنى ولكن بشكلٍ آخر، فيقول (عليه السلام): "حَقٌ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْرِفُنا، أَنْ يُعْرِضَ عَمَلَهُ في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ عَلى نَفْسِهِ، فَيَكُونَ مُحاسِبَ نَفْسِهِ، فَإنّ رَأَى حَسَنَةً استَزادَ مِنْها وَ إِنْ رأَى سَيِّئَةً استغفرَ مِنْها لِئلّا يُخْزى يَومَ القِيامَةِ" (4).
5 ـ ما نُقل عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): «يا هُشامُ لَيسَ مِنّا مَنْ لَمْ يُحاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَومٍ، فإنْ عَمِلَ حَسَنَةً استَزَادَ مِنْها وَإِنْ عَمِلَ سَيِّئَةً استغفرَ اللَّهُ مِنْها وَتابَ"(5).
فالروايات جمّةٌ في هذا المجال ومن أراد الإكثار، عليه مراجعة مستدرك الوسائل: كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس (6).
هذه الرّوايات كلّها تبيّن أهميّة المسألة في الإسلام، وأنّ مَنْ لم يحاسب نفسه فهو ليس من أتباع الأئمّة (عليهم السلام) الحقيقيين!
وكما أشارت الرّوايات إلى فلسفة وحكمة هذا الأمر، فهو يزيد من الحسنات، ويمنع الإنسان من السّقوط في وادي الهلاك والقبائح، ويُساعده في إنقاذه من بحر الغفلة والضّياع، وهَلّا ساوينا الأمور الماديّة بالمعنويّة الروحيّة، ففي الماديّات يُحسب حساب كلّ شيءٍ، ولكلٍّ دفتره الخاص به، دفترٌ: يومي، وسنوي، وشهري، وللمخزن.
ولسنا مُستعدّين من وضع ولو ورقةٍ واحدةٍ نحاسب فيها أنفسنا، على ما فعلت في دائرة الطّاعة والمعصية، للَّهِ تعالى!
هذا مع وجود فرق كبير بين الأمرين، ولا يُقاس أحدهما بالآخر، أو كما يقال شَتّان ما بين الثَّرى والثُّريّا، فنقرأ حديثاً عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، يقول: "لا يَكُونَ العَبدُ مُؤمناً حتّى يُحاسِبَ نَفْسَهُ أَشد مِنْ مُحاسَبَةِ الشّريكِ شَرِيكَهُ، وَالسَّيِّدِ عَبْدَه"(7).
فهذا الموضوع مهم لِلغاية، إلى درجةٍ أنّ العلماء كتبوا فيه كتباً عديدةً، ومنهم السيد ابن طاووس الحلي رحمه الله المتوفي فى سنة «664 للهجرة» في كتابه محاسبة النّفس، و كتاب محاسبة النّفس في إصلاح عمل اليوم والاعتذار من الأمس، للمرحوم الحاج ميرزا علي الحائري المرعشي، (المتوفى في سنة 1344 للهجرة)، و محاسبة النّفس للسيّد علي المرعشي، المتوفى في سنة (1080 للهجرة (8)).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار، ج 97، ص 73.
(2) أمالي الطوسي، (مطابقاً لما نقل عن ميران الحكمة) ج 8، ص 609.
(3) مستدرك الوسائل، ج 12، ص 154.
(4) تحف العقول، ص 221.
(5) مستدرك الوسائل، ج 12، ص 153.
(6) المصدر السابق، ج 12، ص 152- 156؛ أصول الكافي، ج 2، باب محاسبة العمل، ص 453، ح 2.
(7) محاسبة النّفس، لابن طاووس رحمه الله، ص 14؛ بحار الأنوار، ج 67، ص 72، ح 22.
(8) الذّريعة، ج 2.
|
|
كيف نحافظ على المستوى الطبيعي للكولسترول في الدم ؟
|
|
|
|
|
سر جديد ينكشف.. أهرامات الجيزة خدعت أنظار العالم
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|