المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية
آخر المواضيع المضافة
الجهاز التناسلي الذكري في الدجاج الجهاز التنفسي للدجاج محاسبة المسؤولية في المصرف (الإدارة اللامركزية والعلاقات الإنسانية ـــ الإدارة اللامركزية في المصرف) أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون المدني أثر نظرية الظروف الاستثنائية على تحصيل أموال الدولة وتطبيقاتها في القانون الإداري دور التشريعات والسلطات الرقابية في تسعير المنتجات والخدمات المصرفية موضوع الملاحظة في الاستنباط القضائي ملكة الاستنباط القضائي الجهاز الهضمي للدجاج إستراتيجيات تسعير المنتجات والخدمات المصرفية في الاطار الرقابي (انواع المنتجات والخدمات المصرفية) طـرق تـحديـد سعـر الفـائـدة علـى القـروض السـكـنـيـة (العـقاريـة) تـحليـل ربحيـة العميـل من القـروض الاستـهلاكيـة (الشخصيـة) المـقـسطـة الدجاج المحلي العراقي معجزة الدين الاسلامي موضوع الإعجاز

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 5832 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الصراع المصري الحيثي على بلاد الشام  
  
3357   11:10 صباحاً   التاريخ: 6-10-2016
المؤلف : عبد الغني غالي فارس السعدون
الكتاب أو المصدر : التنافس الحيثي - المصري على بلاد الشام إبان العهد الإمبراطوري المصري( 1570 – 1080 ق.م )
الجزء والصفحة : ص72-105
القسم : التاريخ / العصور الحجرية / العصور القديمة في الشام /

بدايات التنافس:

لقد ارتبطوا مصر والحيثيين بعلاقات قديمة مع بلاد الشام وأثروا وتأثروا بها ، ولكن المصريين سبقوا الحيثيين في إقامة مثل هذه العلاقات بحكم وجودهم الأقدم في المنطقة وتكوين دولهم الأسبق ، فيما امتاز الحيثيون عن المصريين في هذا المجال بأمرين أولهما تمثل بالاستيطان الحيثي المبكر في مناطق عدة من بلاد الشام ، في الوقت الذي اقتصر فيه النشاط الاستيطاني المصري في تلك البلاد على السفراء ورجال السياسة الآخرين ، والمعارضين السياسيين من أمثال سنوهي وغيره ، بالإضافة لبعض أرباب التجارة كما الحال في الجالية التجارية في جبيل. أما الأمر الثاني فيتمثل بتبني الحيثيين لسياسة تقوم على محاولة ضم بلاد الشام أو أجزاء منه لنفوذهم السياسي من خلال الحملات العسكرية المتصلة ، التي سبقت الحملات العسكرية المصرية المخصصة لهذا الهدف بنحو قرن من الزمن ، في حين أن المصريين قبل عهد الدولة المصرية الحديثة لم يسيروا إلا عدة حملات كان هدفها تأديب مناوئيهم من البدو وتأمين الطرق التجارية برا لبلاد الشام ، وبناء على هذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن : متى بدأ التنافس الحيثي-المصري على بلاد الشام ؟

هنالك عوامل عدة حالت دون الاحتكاك المبكر بين مصر والدولة الحيثية على بلاد الشام ، إذ رأينا ظروف الصراع السياسي في الأناضول لم تسمح للحيثيين بالظهور كقوة مؤثرة إلا في مطلع القرن السابع عشر قبل الميلاد ، ولم يستطع زعماء الأناضول الجدد عبور ممرات طوروس باتجاه الجنوب إ لا في منتصف القرن المذكور ، أي في الوقت الذي كانت فيه مصر خاضعة خضوعا شبه تام لسيطرة الهكسوس .

وعندما نجح المصريون من طرد الهكسوس من بلادهم أوائل القرن السادس عشر قبل الميلاد ، وأخذوا بملاحقة فلولهم المتقهقرة إلى داخل الأراضي الشامية ، لم يكونوا بدؤوا بعد تنفيذ مخططهم الرامي لضم كامل أجزاء بلاد الشام لنفوذهم المباشر، إذ انصب اهتمام مؤسس الأسرة الثامنة عشره الفرعون احمس الاول (1570 – 1550ق.م)(1) حينذاك على بسط النفوذ المصري  وملاحقة بقايا الهكسوس ومن تحالف معهم من أمراء بلاد الشام ، وذلك في المناطق الجنوبية من بلاد الشام وعلى امتداد الساحل الفينيقي(2)، وهذا ما أعاق إمكانية اصطدامهم بالحيثيين الذين ما زالوا حتى ذلك الوقت يتمتعون بقدرٍ وافر من النفوذ في شمال بلاد الشام(3).

ولما بدأت مصر أيام أمنحوتب الأول (1550- 1525 ق.م) تزحف صوب المنطقة الشمالية في بلاد الشام ، كانت الدولة الحيثية قد فقدت ما لها من ممتلكات هناك لصالح المملكة الميتانية(4)، على أثر موجة الاضطرابات السياسية التي اجتاحتها بعد مقتل مرسليس الأول ، لذا فعند وصول تحتمس الأول (1525- 1500 ق.م) لهذه المنطقة عند منحنى نهر الفرات قرب كركميش ، كان الميتانيون هم الذين ناوءوه السيطرة عليها ، ولم ترد أي إشارة لأي نفوذ يذكر للحيثيين هناك(5) .

على ان المملكة الحيثية من جانب اخر شهدت بالتزامن مع الاحداث الاخيرة تطور سياسي مهم ألقى بظلاله على مجمل أوضاع الدولة الحيثية بصورة عامة ، وعلى سياسة تلك الدولة إزاء بلاد الشام بصورة خاصة ، ونقصد بهذا التطور قيام الملك الحيثي تيليبنيوس (1525- 1500 ق.م)، ولأول مرة في تاريخ الحيثيين السياسي ، بسن قانون ينظم وراثة العرش ، ذلك القانون الذي حد وبشكل كبير من المشاكل التي كانت ترافق انتقال العرش الحيثي من ملك إلى آخر(6).

فأدى ذلك إلى توحيد جهود الحيثيين في الداخل ووجه بالتالي أنظارهم صوب الخارج للقضاء على الأخطار التي كانت تحيط بمملكتهم المضطربة ، ومن ثم العمل على توسيع حدودها إلى أقصى اتساع يمكن الوصول إليه ، وهكذا فأن تيلينيوس بعد إصداره لهذا القانون الشهير التفت إلـى أعدائه في الخارج ، فبدأ أولا بتأمين خطوطه الدفاعية وتقويتها ، ومـن ثم شرع في طرد الأقوام الأناضولية المجاورة التي غزت بلاده وكانت تحيط بالعاصمة الحيثية من الشمال والشرق ، وتوج جهوده تلك بمعاهدة تحالف مع مملكة كيزواتنا(7) الموالية لأعدائه الميتانيين ، والأهم من ذلك فإن تيليبنيوس يعد أول ملك حيثي يندفع صوب بلاد الشام غازيا منذ مقتل مرسيليس الأول، وذلك عبر جبال انتي طوروس ، ومع انه لم يسيطر سوى على مدينتي خاششو ولاوازانتيا(8)، التي تحد بلاده من جهة الجنوب ، فان ذلك كان كافيا على ما يبدو لاعادة توجيه انظار الحيثيين صوب بلاد الشام مرة اخرى .

هذا ومن غير المستبعد أن يكون هنالك صلة غير مباشرة بين النصر الذي حققه تحتمس الأول على الميتانيين ( العدو التقليدي للدولة الحيثية ) وبين التحسن الملحوظ الذي طرأ على النشاط الخارجي للدولة الحيثية أيام تيليبنيوس ، ولاسيما أن الميتانيين كانوا سببا للكثير من المشاكل التي واجهت الدولة الحيثية منذ قيامها، لذا فمن الواضح بأن دخول المصريين إلى ساحة التنافس والصراع على بلاد الشام مع الدولة الميتانية ، في الوقت الذي ابتعدت فيه المملكة الحيثية عن هذا التنافس، كان تطورا خطيرا أفادت منه الأخيرة كثيرا حتى العقود الأخيرة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد عندما بدأ التقارب المصري الميتاني وخفت حدة العداء بينهما ، ومما يرجح صحة هذا الافتراض أن ما آلت إليه أوضاع المملكة الحيثية من تردي واضح بعد وفاة تيليبنيوس(9)، جاءت مترافقة مع السياسة السلمية التي انتهجها الفرعون تحوتمس الثاني (1500-1490 ق.م) والملكة حتشبسوت (1490-1468 ق.م )(10) تلك السياسة التي شجعت الدولة الميتانية أيضا لمعاودة محاولتها بسط نفوذها على شمال بلاد الشام ، ودفعت أمراء بلاد الشام التواقين للتخلص من التسلط المصري على بلادهم ، والأمراء الهكسوس لأعلان الثورة علـى مصر وطرد حاميتها وممثليها هناك(11) .

 وهكذا عندما انفرد تحتمس الثالث بالعرش المصري سنة 1468 ق.م(12)، كانت بلاد الشام خارج السيطرة المصرية تماماً ، ما عدا جنوب فلسطين التي لم تعلن الثورة وظلت خاضعة للفراعنة المصريين ، ولعل قرب هذه المنطقة من أقاليم الدلتا المصرية والضربات القوية التي تلقتها من الفراعنة بعد خروج الهكسوس من مصر وتحصنهم في معاقلها الرئيسة ، أقنعتهم بعدم جدوى التمرد وانتظار ما تأتي به الأيام القادمة(13) .

وقد انبرى تحتمس الثالث حال انفراده بالعرش لاعادة النفوذ المصري إلى بلاد الشام وسحق المعارضين له هناك حيث وجه سبعة عشرة حملة كرست لتحقيق هذا الغرض ، أهمها الحملة الأولى التي وجهت لسحق التحالف الذي تزعمه ضده أمير قادش وضم أكثر من ثلاثمئة أمير من أمراء الشام ، تخندقوا في سهل مجدو الشهير الذي كان متوقعا أن تسلكه الجيوش المصرية المهاجمة ، وقد حققت الحملة أهدافها المرجوة وعادت شمال فلسطين للنفوذ المصري مرة أخرى ، وذلك بفضل البراعة العسكرية لقائد الحملة ( تحتمس الثالث ) التي قادته لأن يسلك بجيشه الممر الضيق الذي يلتف حول جبل الكرمل ، الذي لم يكن أحد من قادة الثورة يتوقع مجيئه عبره ، نظرا لكونه لا يتسع لأكثر من عربة واحدة ولوجود طريقين أخرين يمتازان باتساعهما وقلة وعورتهما(14).

وحال تنامي سماع أخبار الانتصار المصري الساحق هذا سارع حكام الجهات الشمالية من فلسطين إلى تقديم فروض الولاء والطاعة إلى تحتمس الثالث(15)، ولكن مدينة قادش التي قادت لواء الثورة لم تخضع له ، وأصبحت قاعدة لكل الناقمين على الحكم المصري فـي بلاد الشام ، تدعمها وتحرضها دولة ميتاني التي جهدت لأبعاد الخطر المصري عنها بكل وسيلة(16) .

غير أن تحتمس الثالث يدرك تمام الإدراك أن الاستيلاء على قادش ستكون مهمة في غاية الصعوبة دون إخضاع بقية مدن الساحل الفينيقي ، وهذا ما أستطاع تحقيقه في حملته الخامسة على بلاد الشام ، إذ تعاون الأسطول البري مع الأسطول البحري في إخضاع مدن فينيقيا الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط وجعل الطريق سالكة لمدينة قادش الإستراتيجية (17)، التي أخضعها تحتمس الثالث على أثر ذلك في حملته السادسة (18) .

إن الاستيلاء على مدينة قادش ، يعني أن العقبة الأخيرة الني تعترض مصر للوصول إلى أراضي عدوتها اللدودة ومنافستها على بـلاد الشام آنذاك ( المملكة الميتانية ) قـد زالت ، وأن الأخيرة خسرت أبرز حلفاءها في المنطقة ، ومع هذا فإن تحتمس الثالث فضل عدم التسرع ريثما يتأكد من أحوال المدن الفينيقية ، وأن أياً منها لم تطعنه بالظهر إذا ما قرر التوغل في الأرضي الميتانية ، وهذا ما تم تأمينه في حملته السابعة على بلاد الشام ، التي وقعت بعد فتح قادش بنحو سنة(19)، عندئذ وجه تحتمس الثالث أكبر وأهم حملة له على بلاد الشام (الحملة الثامنة) فتمكن من خلالها من مقارعة الدولة الميتانية وإيقاع الهزيمة بها ليس في مناطق نفوذها في شمال بلاد الشام حول حلب وكركميش فحسب ، بل وفي عقر دارها أيضا على الضفة الشرقية لنهر الفرات التي لم يغادرها الفرعون المصري إلا بعد أن دشن بجوارها لوحة تخلد ذكرى انتصاره هذا ، مقابل لوحة جده تحتمس الأول المقامة على الضفة الغربية من الفرات(20).

وقد لاقى الانتصار المصري هذا قبولاً لدى الحيثيين الذين سارعوا بإرسال الهدايا إلى تحتمس الثالث قبيل وصوله الى سواحل بلاد الشام اثناء عودته الى مصر ، وهي تتالف من ثماني حلقات فضية كبيرة مع مقدار كبير من الاحجار الكريمة والاخشاب الثمينة ، وتعتبر هذه اقدم معاملة معروفة بين مصر والدولة الحيثية (21) .

لكن يبدو ان المملكة الميتانية لم تستسلم للهزيمة ، فبعد عامين من هذه الأحداث كون الميتانيون حلفاً ضم الى جانبهم  مملكة حلب وعدداً من الأمراء المحليين في شمال بلاد الشام لمناوأة المصريين ، فسارع تحوتمس الثالث وقضى على الحلف وشتت شمله ، وذلك في حملته العاشرة على بلاد الشام(22) .

وفي خضم تلك الانتصارات المصرية المتلاحقة ، اعتلى العرش الحيثي أحد أبرز الملوك الحيثيين ، ونعني به  تودهيلياس الثاني (1460-1440 ق.م) ، الذي يعد عهده بداية لما يعرف بعصر المملكة الحيثية الحديثة ، أو العصر الإمبراطور الحيثي (1460-1200 ق.م) ، حيث انه أعاد الاستقرار للدولة الحيثية في الداخل وشن حملة ناجحة على مملكة كيزواتنا ، أجبرتها على التخلي عن تبعيتها للميتانيين والانضواء تحت لواء الحيثيين(23) .

وفضلاً عن ذلك فقد استولى على حلب وأنزل فيها الخراب عقوبة لها على تحالفها مع الميتانيين ، ومن ثم أجبر حاكمها على أن يقدم له فروض الولاء والطاعة بموجب المعاهدة المبرمة بينهما ، وليس بعيداً عن هذا فقد غزا ميتاني وأوقع الهزيمة بها ، وأضطرها إلى التنازل له عن كيزواتنا(24).

إن حادثة استيلاء الحيثيين على حلب ، مع إنها تعبر عن التحسن الملحوظ الذي طرأ على أحوال الدولة الحيثية في الداخل آنذاك ، بحيث تطلعت إلى محاولة استعادة نفوذها في الخارج ، وعن التدهور الواضح الذي أصاب النفوذ الميتاني في بلاد الشام جراء حملات تحتمس الثالث الأخيرة ولاسيما الثامنة منها، فإنها مـن غير المستبعد أيضـاً تعد الانطلاقة الأولى للتنافـس الحيثي-المصري على بلاد الشام ، إذ يبدو أن تودهيلياس الثاني بعد أن وطد أركان بلاده في الداخل سعى إلى توسيع دائرة نفوذها في الخارج ولاسيما في الجزء الشمالي من بلاد الشام الذي ما انقطع الملوك الحيثيون الأقوياء عن محاولة السيطرة علية ، ولعله أستشعر الخطر المصري في ذلك الوقت الذي بات يهدد باكتساح بلاد الشام بأ كملها مقابل ضعف الميتانيين فسارع لضمان نفوذه في تلك البلاد بالاستيلاء على حلب ، وذلك على الأرجح بعد وقت قريب من الحملة العاشرة التي شنها تحتمس الثالث على بلاد الشام في حدود سنة (1455 ق.م) .

غير أن جذوة التنافس خمدت بعد هذا الحادث ، فوجود ملك قوي كتحتمس الثالث لم يكن يسمح للحيثيين لأن يتطلعوا لأبعد من حلب القريبة من حدودهم ، كما أنهم لازالوا حينذاك حديثي عهد بحقبة أضطراب عمت بلادهم من أقصاها الى أقصاها ، هذا في وقت أستمرت بلاد الشام ساحة للتنافس والنزاع بين المصريين من جهة وبين الميتانيين ومن تحالف معهم من أمراء الشام من جهة أخرى ، ذلك أن الأخيرين لم يسلموا بالهزيمة وسعوا جاهدين للتخلص من الهيمنة المصرية على البلاد ، مما دفع تحتمس الثالث لأن يرسل سبع حملات أخرى لأراضي الشام ، كرست للحفاظ على السلطة المصرية فيها(25)، وكانت أبرزها الحملة السادسة عشرة ، التي جاءت لقمع الثورة التي أعلنها أمير قادش على المصريين بالتعاون مع مدينة تونيب والميتانيين الذين أرسلوا المئات من جنودهم إلى قادش للإسهام بالدفاع عنها إزاء المصريين ، وقد حققت الحملة الأهداف المرجوة من ورائها واستعاد تحتمس الثالث سيطرته على المدن الثائرة وبالأخص مدينة قادش الإستراتيجية(26) .

ونتيجة لتلك الحملات المصرية المتواصلة ، فقد تم القضاء على كل لون من ألوان المعارضة للسلطان المصري في بلاد الشام ، ولم يجرأ أي طرف ما على إقلاقه طيلة الفترة المتبقية من حكم تحتمس الثالث التي تقدر باثني عشر عاماً ، سواء كانوا من الميتانيين أو الأمراء الشاميين التواقين لنيل حريتهم ، أو حتى الهكسوس الذين لم يعد لهم أي دور سياسي بعد هذه الأحداث(27)، كما أدت هذه الحملات الى ضمان سير عملية التبادل التجاري بين مصر وبلاد الشام وخاصة مع الساحل الفينيقي(28) .

ولكن بعد وفاة تحتمس الثالث وتولي ابنه أمنحوتب الثاني ( 1436-1425 ق.م ) العرش خلفا له، فإن بعض الولايات في بلاد الشام ثارت على الحكم المصري ورفضت دفع الجزية للفرعون الجديد ، وقد لاقت تلك الثورة تأييدا وقبولا كبيرين لدى الميتانيين الساعين دائماً لاستغلال أية فرصة لاستعادة نفوذهم في هذا الجزء الحيوي من البلاد، وكأبيه تحتمس الثالث، فإن امنحتب الثاني نكل بالثائرين(29)، ويبدوا أنه عبر الفرات وهزم الميتانيين وأقام لتخليد ذلك نصبا حجريا على الضفة الشرقية للفرات(30) .

وواجه الفرعون تحتمس الرابع ( 1425-1417 ق.م ) ثورة مشابهة أخمدها بالقوة ، ويرجح أنه قام بغارة تأديبية على مملكة ميتاني في أعالي الفرات لدورها على ما يبدو في التحريض عليه(31)، وقد كان هذا آخر ما واجه تحتمس الرابع من اضطرابات في بلاد الشام ، إذ لم نجد ما يشير لعكس ذلك بتاتا ، وحتى المملكة الميتانية التي اشتهرت بعدائها لمصر ، أصبحت من أكثر الممالك قربا إليها بعد هذه الأحداث ، حيث عقد البلدان معاهدة للسلام ، وضعت حدا نهائيا للتنافس بينهما على بلاد الشام ، وتوجت بزواج الفرعون ( تحتمس الرابع ) من أبنة الملك الميتاني ( أرتاتاما الأول )(32)، وهذه أول مرة يتزوج فيها فرعون مصري امرأة أجنبية غير مصرية(33) لتحل على أثرها ( مواكب الزواج ) محل الحملات العسكرية ، وليسود الهدوء والسلام منطقة الشرق الأدنى القديم لاسيما في عهد أمنحوتب الثالث الذي كان في سياسته الخارجية أميل إلى السلم منه إلى الحرب(34) .

ومن البديهي القول أن هذا التحسن الملحوظ في العلاقات المصرية الميتانية ، لم يحدث فجأة وبدون مقدمات ، فبعد نجاح تحتمس الثالث في فرض سيطرته على أجزاء كبيرة من بلاد الشام وإيقاع الهزيمة بالميتانيين ، ودخول الحيثيين طرفاً ثالثاً في المنافسة ، أدركت الدولة الميتانية حراجة الموقف ، فسعت جاهدة إلى التخلص منه بشتى الوسائل ، لذا نجدها حينذاك تهادن الحيثيين تارة بالتنازل لهم عن مملكة كيزواتنا كما تقدم ، وتسعى للتقرب إلى مصر وكسب صداقتها تارة أخرى ، لا بل أنها لم تجد حرجا في مسايرة باقي ممالك الشرق الأدنى القديم ، وإرسال الهدايا إلى الفرعون (تحتمس الثالث) الذي اقتطع ممتلكاتها في شمال بلاد الشام وغزاها في عقر دارها شرق الفرات(35) .

إلا أن ذلك لا يعني أن الدولة الميتانية تخلت عن مطامعها في بلاد الشام ، بل كانت تخطط وتعمل في الخفاء لاسترجاع ما فقدته هناك، متى وجدت الفرصة سانحة لتحقيق ذلك وأن جهودها الدبلوماسية للتقارب مع مصر قد باءت بالفشل، وهكذا نجدها تعمل على خلق الاضطرابات بوجه الفراعنة في بلاد الشام ، بإثارة ودعم العناصر الموالية لها وغيرها من القوى المناوئة للنفوذ المصري في تلك البلاد عشية مجئ فرعون جديد لعرش مصر، ولكن إذا نجح الفرعون الجديد - وهذا ما كان يحصل على الدوام – في قمع الثائرين وبسط النفوذ المصري مرة أخرى على المناطق الثائرة وشرع بمعاقبة الدولة الميتانية على فعلتها تلك ، كما تقدم ، فإن الأخيرة كانت تغير من برنامج عملها السياسي إزاء مصر ، فتبدأ بالإذعان والخضوع لقوة الفرعون الجديد وتحاول كسب وده ورضاه بالهدايا التي كان المصريون على الدوام يعدونها جزية يرسلها تابع إلى سيده ، وهذا ما رأيناه قد حدث مع تحتمس الثالث ، ثم حصل مع أمنحوتب الثاني وتحتمس الرابع(36)، كما استقبل امنحوتب الثاني في مصر بعثة ميتانية جاءت تناشده السلام (( لم يسمع بمثلها من قبل ))(37) .

وعلى ما يبدو بأن تحتمس الرابع رأى في سياسة الدولة الميتانية تلك ، مع الانتشار الهائل للعناصر الموالية لها في الجزء الشمالي من بلاد الشام ، تأثيراً لا شك فيه على النفوذ المصري هناك، ولا سيما أنه أقرب للديار الميتانية منه الى مصر(38)، هذا في الوقت الذي أراد فيه تحتمس الرابع على ما يبدو أن يكون عهده ، عهد أمان واستقرار ينصرف خلاله إلى إدارة الإمبراطورية المصرية بطابع يختلف عن الطابع الذي تم فيه إدارتها أيام أبيه أمنحتب الثاني وجده تحتمس الثالث ، وعدا هذا وذاك فإن شؤون مصر الداخلية عشية اعتلاء تحتمس الرابع للعرش لم تكن على ما يرام ، فالصراع كان على أشده بين حزب كهنة أمون ونظرائهم كهنة رع ، وقد وقف الفرعون إلى جانب الأخيرين لكونهم ساعدوه في تولي العرش ، مع أنه لم يكن صاحب الحق الشرعي بذلك ، لانه لم يكن الاكبر من بين اخوته(39) .

وإزاء ذلك كله وجد تحتمس الرابع أن أفضل الحلول وأيسرها ، التي ستؤدي لاستقرار الوضع في بلاد الشام لصالحه ويجعله يصرف جانبا من اهتمامه لمعالجة القضايا الداخلية المتأزمة ، يتمثل بالتصالح مع الميتانيين(40)، ولاسيما أنهم كانوا على أتم الاستعداد للتجاوب مع مثل هذه المبادرات لتنظيم العلاقات مع مصر ، وقد لاحظنا كيف أنهم أرسلوا مراراً إلى أسلافه الفراعنة للتفاهم على ترتيبات مشابهة دون الحصول على رد مباشر .

وعليه سارع الملك الميتاني ( أرتاتاما الأول ) للاستجابة للعروض المصرية بالصداقة حال عرض تحتمس الرابع لها ، ولكنه لم يزوجه أبنته إلا بعد أن أرسل الأخير بطلبها سبع مرات، ربما ليحصل لقاء ذلك على هدايا أكثر عدداً وأغلى قيمة(41) .

ويبدو ان الذي دفع الملك الميتاني للتصالح مع مصر كان لإدراكه أن قضية استعادته للنفوذ الميتاني السابق في بلاد الشام مع الهيمنة المصرية المطلقة هناك ، أصبح أمرا صعبا للغاية ويكلف كثيرا ، إن لم يكن مستحيلاً(42)، كما أن الدولة الميتانية التي كانت تخشى قوة الحيثيين المتنامية أرادت من وراء ذلك التفرغ لمواجهتهم ، إن لم نقل أنها أرادت جر مصر إلى جانبها في تلك المواجهة.

وهكذا كل طرف وجد مصلحته تقتضي إحلال التحالف الودي محل العداء القديم بينهما ، غير أن ما يهمنا معرفته الآن موقف الدولة الحيثية من الأحداث في بلاد الشام بعد وفاة تحتمس الثالث ؟ وكيف نظرت هذه الدولة للتطورات العملية التي انتهجها الميتانيون للتقرب إلى مصر، التي توجت بعقد معاهدة الصلح بينهما ؟ وكيف انعكست تلك المعاهدة على أوضاع الدولة الحيثية ؟

الحقيقة أن الدولة الحيثية التي اكتفى حاكمها (تودهيلياس الثاني) بالاستيلاء على حلب للأسباب المبينة سلفاً ركزت جهودها لاحقاً لمراقبة الاوضاع في بلاد الشام ،من جانب ،والعمل على اصلاح علاقتها بالمصريين من جانبٍ اخر ، مستغلين كل مناسبة ليتقربوا بها لفراعنة مصر ، وخاصة عندما تتأزم علاقة الأخيرين مع المملكة الميتانية وتؤدي إلى حدوث الصدام المسلح بينهما ، فبالإضافة للهدايا التي تلقاها تحتمس الثالث من الحيثيين بعد حملته الثامنة على بلاد الشام ، فإنه تلقى منهم هدايا مماثلة بعد حملته السادسة عشرة ، التي اصطدم بها مع الميتانيين أيضاً(43)، والأمر ذاته تكرر مع أمنحوتب الثاني عندما أوقع الهزيمة بالأخيرين في أوائل حكمه(44) .

ولعل السياسة الحيثية تلك كانت ترجمة عملية للضغوط الداخلية القوية التي كانت تواجه الملوك الحيثيين وتغذي الدولة الميتانية جزءاً منها ، كما إنها تعبر عن قلق هؤلاء الملوك وخشيتهم الحقيقية مما يمكن أن يسفر عنه تقارب ميتاني ـ مصري ـ فيما لو حدث ـ من زيادة الضغوط الميتانية على بلادهم ، ولا سيما بعد أن رأينا مبادرة الملوك الميتانيين بالسعي لتحسين علاقاتهم بمصر وطوي صفحة الماضي عبر الهدايا التي كانوا يرسلونها للفراعنة المصريين ، كلما يبادرهم الأخيرون بغزوة أو غارة .

غير أن المصريين على ما يظهر لم يتجاوبوا مع الدوله الحيثية ، ربما لأنهم لم يكون يرونها أنذاك دولة مؤثره ، ومدوا أيديهم لخصمهم العنيد ( المملكة الميتانية ) للأسباب التي تقدم ذكرها ، على أن ذلك لم يكن موجهاً ضد الحيثيين كما يذهب لذلك جل المؤرخين والباحثين(45)، حيث أن الدولة الحيثية لم تكن حينها من القوة إلى حد انها تحمل مصر على مثل هذه الخطوة(46).

ولكن ذلك لا ينفي القول أن هذه الاتفاقية عادت بصورة غير مباشرة بأفدح الأضرار على الدولة الحيثية ، ففراغ الميتانيين من الصراع مع مصر جعلهم يصرفون اهتمامهم الأكبر للتوسع في المناطق الخاضعة للسيطرة الحيثية في شرق الأناضول وشمال بلاد الشام ، التي كانت على الدوام مثارا للنزاع بين الجانبين، وقد حققوا نتائج باهرة في هذا الخصوص جاءت متزامنة مع اعتلاء العرش الحيثي من قبل ملوك لم يكونوا بقدر المهمات الملقاة على عاتقهم بالحفاظ على المكاسب الكبرى التي حققها سلفهم ( تودهيلياس الثاني ) في بناء الإمبراطورية الحيثية .

فمملكة حلب التي تعد الرمز الوحيد للنفوذ الحيثي في بلاد الشام آنذاك ، خلعت تبعيتها للحيثيين وأعلنت ولاءها للميتانيين في عهد الملك الحيثي خاتوشيليش الثاني (1420-1400 ق.م) ، مما انعكس بالتالي انعكاسا سلبيا على الأوضاع الداخلية للمملكة الحيثية ، فعدم قدرة الأخيرة على إعادة نفوذها على بلاد الشام ربما أشعرت شعوب الأناضول التابعة لها بضعف ملوكها ولاسيما تودهيلياس الثالث (1400- 1380 ق.م) الذي لم يكن في حقيقة الأمر بمستوى الموقف المتأزم ، فانحدرت المملكة الحيثية في عهده لحافة الانهيار، إذ نقضت مملكة كيزواتنا ميثاقها معه وأنظمت للميتانيين(47)، وحدثت ثورات كبيرة في شتى أقاليم الإمبراطورية(48)، بعضها بتحريض من الميتانيين ، مما أدى لأن يفقد الحيثيون السيطرة على المناطق الجبلية الواقعة في أعالي نهر الفرات وشرقي بلاد الأناضول(49)، وحتى العاصمة الحيثية ( خاتوشاش ) لم تسلم من النهب والتخريب آنذاك ، فأحد النصوص الحيثية يتحدث عن إحراقها في تلك الاضطرابات بفعل من أسماهم بالأعداء (50) .

ولعل الميتانيين كانوا ضمن هؤلاء الأعداء ، إن لم يكونوا وحدهم من قام بهذا العمل ، حيث أشار الملك الحيثي (شوبيلوليوما) إلى الاعتداءات التي مـارسها الملك الميتاني (توشرتا) ضد بلاده(51)، والتي أتخذ منها ذريعة لغزو المملكة الميتانية والأراضي التابعة لها في شمال بلاد الشام ، ومن ثم التوغل في مناطق النفوذ المصري هناك .

أسباب التنافس ودوافعه:-

كان للتنافس الحيثي ـ المصري على بلاد الشام ، عدة أسباب أدت إلى نشوبه ، ويمكن إجمالها بالنقاط الآتية :

أولا ـ الأسباب الاقتصادية:

مما لاشك فيه أن العامل الاقتصادي كان وما زال العنصر المحرك والفعال للكثير من المشاكل والحروب على وجه هذه المعمورة ، ولا يستثنى موضوع بحثنا هذا من دوافع اقتصادية فعالة ومهمة أسهمت في نشوئه وتأجيجه ، فبلاد الشام ( ساحة التنافس ) تتمتع بمزايا اقتصادية كبيرة جعلتها محط أنظار الغزاة والطامعين منذ أقدم العصور ، فعلى أرضها نمت أقدم المستوطنات الزراعية في أريحا ، ويرجح بعض العلماء أن زراعة القمح والشعير وبعض الأشجار كالتين والزيتون والكرمة قد انتشر من بلاد الشام إلى المناطق المجاورة ، ناهيك عن أن النحاس والخزف عرف لأول العهد في بلاد الشام ، ومن ثم انتشر إلى باقي بلدان الشرق الأدنى القديم ، كما ساد اعتقاد لدى هؤلاء العلماء أن بعض الحيوانات ، كالثور والغنم والماعز والخنزير وبعض الطيور كالحمام ، انتشرت من بلاد الشام إلى المناطق المجاورة (52) .

وعلى سفوح جبال لبنان الغربية نمت غابات الأشجار ، ولاسيما أخشاب الأرز التي شكلت ثروة هائلة بيد سكانها ، لندرتها في باقي أقطار الشرق الأدنى ، مما أدى إلى تهافت تلك الأقطار للحصول عليها وخصوصا مصر التي اعتمدت عليها في بناء مقوماتها الحضارية(53) .

وفضلاً عن ذلك تعد بلاد الشام حلقة وصل رئيسيه للمواصلات التجارية بين أقطار الشرق الأدنى القديم ، بصورة خاصه ، وبين الشرق والغرب بصورته عامه(54)، وبفضل امتدادها الشاسع على الساحل الشرقي للبحر المتوسط مارس سكانها التجارة مع العالم منذ أقدم العصور.

وبالنظر لهذه المزايا ، فقد مر بنا كيف أقام ملوك السلالات المصرية القديمة علاقات وطيده مع أمراء وزعماء القبائل في بلاد الشام ، لاستيراد ما يحتاجه المصريون من بضائعها وسلعها وخاصة أخشابها النادرة ، ولتصدير ما تحتاجه هذه المدن من بضائع مصرية متنوعة ، ولاسيما البردي الذي اشتهرت به مصر قديماً، وللمحافظة على هذا النشاط التجاري المكثف وتعزيزه ، فقد جهد أولئك الملوك لتقوية أواصر الصداقة والتعاون مع المدن الشامية التي تربطها بمصر علاقات تجارية ، لاسيما مع مدينة جبيل ، التي أقامت فيها آنذاك جالية تجارية مصرية لهذا الغرض ، وليس ذلك فحسب، بل إن الفراعنة القدماء اعتبروا مسألة الحفاظ على مصالحهم التجارية مع بلاد الشام أمرا حيويا وضروريا  لبلادهم لا يمكن التهاون فيه ، أو التغاضي عنه ، حتى لو استوجب الأمر استخدام القوة المسلحة للحفاظ على هذه المصالح ، وقد رأينا التعامل الحازم الذي أبداه ملوك الدولة المصرية القديمة وملوك الدولة الوسطى في الرد على الاعتداءات التي كانت تتعرض لها قوافل التجارة المصرية المتجهة براً لبلاد الشام(55) .

وفي فترة الاضطراب والفوضى التي عمت مصر القديمة بعد سقوط الأسرة السادسة ، تحسر المصريون كثيرا على فقدهم صلاتهم التجارية مع بلاد الشام لاسيما خسارتهم لأخشاب الأرز، فهذا أحد النصوص المصرية يعكس هذا الشعور ويبين لنا أهمية تلك الأخشاب في حياة المصريين القدماء (( والآن وقد أصبح ولا أحد يمكنه أن يبحر إلى بيلوص فكيف يمكننا أن نجلب لمومياتنا خشب الأرز الذي كنا نصنع منه لتوابيت الكهنة والذي كان يستعمل صمغه لتحنيط العظماء ))(56)، وتدل قصة سنوهي في هذا الخصوص على وفرة خيرات بلاد الشام وتنوعها ودهشة المصريين لما شاهدوه منها(57).

ولما اندفع المصريون للسيطرة على بلاد الشام في القرن السادس عشر قبل الميلاد ، كان أهم دوافع توجهم يتمثل بالرغبة في الاستحواذ على خيراته وخصوصا أخشاب الأرز النادرة(58)، ولتأمين طرق التجارة معه، أو التي تمر عبره إلى البلدان المجاورة له ، وذلـك من اعتداءات الهكسـوس(59)، وغيرهم ممن اعتادوا التعرض لقوافل التجارة المصرية سابقـا ، وهكذا فـإن  الفرعون أحمس الأول (1575- 1555 ق.م) توجه لبلاد الشام في أواخر أيامه ((لجلب الغنائم من فينيقيا))(60)، فأحضر منها كميات كبيرة من أخشاب الأرز ، وصنع منها سفينة لمعبودة أمون ، وكذلك الحال بالنسبة لتحتمس الأول(61)، الذي شرع أيضا بفرض الجزية على سكان بلاد الشام وضمنها أخشاب الأرز بالمقام الأول(62) .

ولم يرسل تحتمس الثالث كبار قواده إلى بلاد الشام ليعلموا المواطنين أسرار الحضارة المصرية ،بل ليجمعوا الجزية ويرسلوها لمصر سنوياً نزولاً عند رغبات رجالات البلاط المصري(63)، ولم يعزل أياً من الأمراء الذين ثاروا عليه في مطلع حكمه بل أبقاهم في مناصبهم شريطة أن يؤدوا له  الجزية(64).

وليس ذلك الأمر فحسب بل إن هذا الفرعون فرض على الأراضي المثمرة المحيطة بمدينة مجدو أن تمون الجيش المصري المرابط فيها بما يحتاجه من مؤن وأغذية(65)، وكذلك الحال بالنسبة الى المدن الفينيقية(66)، ووضع غابات أخشاب الأرز تحت تصرفه الخاص ، فيرسل منها لمعابد مصر وأبنيتها الأخرى ما يشاء بدعوى أن أمون يحبها(67)، ويرسل ما يشاء إلى دار الصناعة في جبيل لتصنع منها سفنا حربية، تعينه في مشاريعه التوسعية في المنطقة ، كما حصل في حملته الثامنة التي استخدم فيها هذه السفن لغزو الاراضي الميتانية الواقعة على الضفة الشرقية لنهر الفرات(68) .

وحتى النباتات والأشجار التي لم ير لها مثيل فـي مصر فأن تحتمس الثالث اقتلعها مـن جذورها وجلبها لمصر محتجا بتنفيذ رغبات أمون(69)، ولم يستطع هذا الفاتح العظيم أن يخفي لهفته وشوقه للأرض التي تفيض عسلا ولبنا ، فأخذ يتحدث بعجب بالغ عن فواكهها اللذيذة ، ونبيذها الذي يتدفق من معاصره كالمياه ، وهاله ما رأى من كثرة حبوبها حتى عدها (( أكثر من رمال الشاطئ ))(70) .

ولم يكن امنحوتب الثاني بأفضل حال من والده ، فالجزية أولاً وقبل كل شئ وكل من تحدثه نفسه بالتمرد والعصيان ، أو يمتنع عن أدائها ، سيكون مصيره كمصير أمراء نخسى ، لا بل أن هذا الفرعون العظيم لم ترق له نفسه أن يحتفل بعيد جلوسه الأول على العرش إلا وهو يغزو إحدى المدن الشامية (أنو خرات)(71)، فيقتل أهلها ويسبي أمراءها ووجهاءها ونساءها ويستولي على ممتلكاتهم ليقدمها هدية لمعبوده أمون(72) .

وكذلك الحال بالنسبة لتحتمس الرابع الذي استهل حكمه بالتنكيل بسكان الشمال الذين رفضوا دفع الجزية له ، وبإجبار أمراء لبنان لأن يقتلعوا له خشب الأرز اللازم لبناء سفينة لأمون(73).

ولم يكن الحيثيون أقل طمعا بموارد بلاد الشام وخيراتها من نظرائهم المصريين ، فهذه المزايا لابد أنها كانت عامل جذب قوي للجماعات الحيثية التي هاجرت إلى بلاد الشام واستقرت في بعض أجزائه في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد .

وحالما تأسست المملكة الحيثية ، تطلع ملوكها الأوائل لتوثيق علاقاتهم التجارية ببلاد الشام، وما اتخاذهم لحاتوشاش عاصمة ، وهي التي يمر بها الطريق التجاري الواصل بين سواحل البحر الأسود وشمال بلاد الشام عبر الأبواب الكليكية، إلا أبرز دليل على ذلك(74)، هذا إلى أن مقتنيات بـلاد الشـام وأخشابها النادرة شكلت آنذاك سلعاً ضرورية تهافت عليها قاطبة ملوك الشرق الأدنى القديم بدون استثناء(75) .

كما أن الملوك الحيثيين سعوا للاستيلاء على المناطق المتاخمة لحدودهم في شمال بلاد الشام ، لما تمتاز به من ثراء ، ولكونها عقدة رئيسية للمواصلات التجارية بين ممالك الشرق الأدنى القديم(76)، مما يحقق لهم في حالة السيطرة عليها التحكم بعصب الاقتصاد آنذاك ويجعلهم في موقع أفضل إزاء منافسيهم على بلاد الشام ، ولأجل ذلك فقد وجه أولئك الملوك عدة حملات صوب هذه المناطق ، التي كان الجزء الأكبر منها خاضعا لنفوذ مملكة يمخد الأمورية الشهيرة بتجارتها الرابحة(77)، وعادة ما كان يترافق مع إعلانهم الاستيلاء على الأراضي التابعة ليمخد ، اعتراف صريح منهم بما اقترفوه من أعمال سلب ونهب لخيراتها ومقتنياتها الأثرية وسوقها للعاصمة الحيثية ( حاتوشاش )(78) .

وقد كانت الدوافع الاقتصادية تلك ، حاضرة لدى جميع الملوك الحيثيين الذين غزو بلاد الشام لاحقا، ولاسيما شوبيلوليوما (1380- 1340ق.م) الذي استولى على الجهات الشمالية من بلاد الشام، وشرع بفرض الجزية على ممالكها آنذاك، ليحرم مصر من مورد مهم اعتمدت عليه كثيرا لبناء حضارتها الإنسانية وتقدمها العمراني ورخائها الاقتصادي ،فأشعل بذلك نار المنافسة الحقيقية بين بلاده والدولة المصريه الحديثة.

وهكذا يتضح بأن كلا البلدين المتنافسين كانت له في بلاد الشام مصالح اقتصادية سعى للحفاظ عليها ، وأهداف اقتصادية أراد تحقيقها ، وقد قادتهما هذه المصالح والأهداف إلى التسابق في فرض الهيمنة السياسية على البلاد أولا وإلى التطاحن والتقاتل لاحقاً .

ثانيا- العوامل السياسية: 

إن الدوافع السياسية للتنافس متشعبة ومتعددة، منها ما له صلة بظروف بلاد الشام وأخرى بظروف مصر وثالثة بظروف الحيثيين في الأناضول ، وهي كالآتي :

أ‌- اضطراب الأوضاع السياسية في بلاد الشام :

إن الظروف السياسية التي عاشتها بلاد الشام في العصور القديمة ، من ضعف وانقسام وصراع دائم بين ممالكها المحلية للاستئثار بالسيادة والنفوذ وتغليب لمصالحها الشخصية على المصالح العليا للبلاد في الاتحاد والقوة ،مع ازدهار اقتصادي ورفاه مادي وموقع جغرافي متميز ، جعلت منها صيدا سهلا للغزاة والطامعين على حد سواء وساحة للتنافس والصراع بينهما ، كما أن هذه الظروف أيضا جعلت من الممالك الشامية ، ولاسيما الساحلية منها ألعوبة بيد الأقوى من بين البلدان المتنافسة على أرضها حينذاك ، فتسير في ركابها وتدفع لها مبالغ مالية طائلة ومواداً عينية باهضة ، مقابل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية واستقلالها الذاتي(79).

وكانت المملكتان (الحيثية والمصرية الحديثة) من بين الممالك التي وجدت في ظروف بلاد الشام تلك ما يؤهلها لان تمد نفوذها السياسي عليه ،مما أدى لتنافسهما عليها لاحقا ، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد استغل الملك الحيثي (خاتوشيلش الأول) الخلاف السياسي بين ملك يمخد (باريم-ليم الثالث) وتابعه حاكم الألاخ (عمي – تاقوم) ليخضع الأخير لنفوذه(80)، والحال ينطبق كذلك على الفرعون (تحتمس الأول) الذي استغل تشتت الممالك الشامية وضعفها، ليجتاح البلاد من الجنوب إلى الشمال (( وفي سرعة غريبة ودون معارضة كبيرة حتى بلغ أرض نهرينا في أرض الميتان ))(81).

ولما بدأت الدولة الحيثية تنتعش من جديد في عهد تودهيلياس الثاني ، فإن تفتت الممالك الشامية وتناحرها ،ساعدها الى حد كبير انذاك لكي تستفرد بمملكة حلب وتخضعها لنفوذها ،بموازاة مصر التـي كانـت تستغل أيضا ظروف بـلاد الشام تلك ، لتشرع بإرسال الحملات المتتالية له ، لاعادة السيطرة عليه تارة أخرى ، مما ادى لنشوب التنافس فيما بينهما .

كما سيكون لأوضاع بلاد الشام تلك الأثر الفاعل لمعاودة الحيثيين التغلغل في بلاد الشام مطلع القرن الرابع عشر قبل الميلاد آنذاك ، وهذا ما شكل سببا رئيسيا لتجدد التنافس الحيثي المصري على تلك البلاد (82).

ب‌- أهمية السيطرة على بلاد الشام بمفهوم السياسة الخارجية للدولة المصرية الحديثة :-

أحدث اندفاع الهكسوس من بلاد الشام إلى مصر واحتلالهم لها ،تغييرا جذريا في نظرة المصريين تجاه بلاد الشام ،مقارنة بما كان عليه الحال قبله، وذلك لأن هذا الاحتلال لقن المصريين درسـا قاسيا شـعروا مـن خلاله لأول مـرة في تاريخهم ،بالإهانة الحقيقية وأسـقط مراهناتهم على الحماية الطبيعية التي توفرها لهم الصحراء(83) .

ومن هنا أدرك فراعنة الدولة المصرية الحديثة – بعد طرد الهكسوس من بلادهم – أهمية السيطرة على بلاد الشام ، لملاحقة وضرب فلول الهكسوس أينما وجدوا هناك(84)، ولحماية مصر من أي اعتداء قد تتعرض له في المستقبل من جهة حدودها الشمالية الشرقية(85)، وقد جاءت حملات أحمس وأمنحوتب الأول وتحتمس الأول تجسيداً حقيقياً لهذه القناعات(86).

غير أن الحملات الناجحة التي شنها تحتمس الثالث على بلاد الشام ،التي مدت حدود مصر السياسية إلى أقصى اتساع لها منذ نشوء الأسر المصرية الحاكمة ، جعـلت السيطرة على بلاد الشام في مفهوم الساسة المصريين لا تقتصر على تحقيق ما تقدم(87)، بل وتمثل ركنا من أركان الإمبراطورية المصرية يضمن لمصر عظمتها وتفوقها على باقي أقطار الشرق الأدنى القديم ، بحيث يجعل غالبية ملوك تلك الأقطار يتهافتون فـي طلب ودهـا وصداقتهـا ،ويرسلون لفراعنتها بأثمن الهدايا وأفخرها(88).

وإزاء ما تقدم ،فلم يقف ملوك الدولة المصرية الحديثة مكتوفي الأيدي ،إزاء أية قوة أخرى تحاول أن تشاركهم أو تنقص عنهم هذا الشرف والسؤدد ، ولاسيما أن أولئك الملوك كانوا يرون أنفسهم ذوات مقدسة ، أما أعداءهم وخصومهم فهم خاسئون تعساء يأتون لمصر حاملين جزيتهم على ظهورهم ، لكي يمنحهم الفرعون نسمة الحياة ، على حد تعبير النصوص المصرية القديمة(89).

جـ – تطلع الحيثيين لاستعادة نفوذهم السياسي على بلاد الشام :-

منذ السنين الأولى لنشوء الدولة الحيثية في قلب الأناضول اتضح إن سياسة ملوكها كانت تهدف لتوسيع رقعتها الضيقة بضم بقع جديدة إليها ، وبالنظر إلى أن هذا لم يكن من السهل تحقيقه إلا جنوباً باتجاه بلاد الشام(90)، فمن البديهي أن يعد الحيثيون هذه البلاد مجالا حيويا للتوسع ، وينازعوا أي طرف كان يحاول أن يشاركهم السيطرة عليها ، ولا سيما اجزاءها الشمالية التي تجعل الدولة الحيثية ايضا في حالة السيطرة عليها بمنأى عن أي غزو محتمل قد تتعرض له من جهة الجنوب ،كما يجعلها بمصاف الدول الكبرى في منطقة الشرق الادنى القديم ، ولكن إذا ما حصل العكس ،أو أنهم تخلوا عن بلاد الشام كليا ،فإن ذلك يحدث لظروف قاهرة لا يمكنهم معها إلا الانكماش داخل حدود بلادهم ،كما حصل بعد مقتل مرسيليس الأول ،وقبيل تولي شوبيلوليوما للعرش الحيثي .

وهذا ما تصادم مع توجهات المملكة المصريه الحديثة الرامية لفرض هيمنتها المطلقة على بلاد الشام كما نوهنا أعلاه .

ثالثا : الموقع الجغرافي المتميز لبلاد الشام :-

بالإضافة لما تقدم من أسباب التنافس ، فإن العامل الجغرافي كان له أهمية بالغة في هذا الحدث التاريخي ، فبلاد الشام يتحكم بموقع استراتيجي حساس جعله حلقة اتصال رئيسة بين القارات التاريخية الثلاث ، إذ يحده من الجنوب مصر(الأفريقية) (91)، ومن الشمال الأناضول (الآسيوية) التي لا يفصلها عن أوربا سوى بحر مرمره الذي يضيق في مضيق الدردنيل جنوباً والبوسفور شمالاً(92)، فيما يحده من الشرق بلاد الرافدين صاحبة أقدم حضارة في تاريخ الإنسانية جمعاء ، ومن الغرب تطل بلاد الشام بمساحة كبيرة على السواحل الشرقية للبحر المتوسط تقدر بنحو ( 440 ميلاً )(93) .

أن موقع بلاد الشام هذا مكن سكان البلاد من لعب دور مهم في التبادل التجاري ونشر الكثير من المظاهر الحضارية بين أقطار الشرق الأدنى القديم(94)، وذلك عبر الطرق التي ربطته بتلك الأقطار لاسيما بما يعرف بـ( الطريق الدولي القديم ) الذي يربط أقطار الشرق الأدنى القديم بعضها ببعض عبر بلاد الشام ، وسلكه الغزاة والفاتحون كما سلكه المهاجرون وفيما بعد الحجاج على حد سواء(95) .

ومما لا ريب فيه بأن هذا الموقع الحساس وبما له من أهمية اقتصادية وسياسية سيجعل المتحكم فيه صاحب الكلمة الطولى في منطقة الشرق الأدنى القديم من بين البلدان الأخرى المتنافسة على الزعامة فيها ، وفضلاً عن هذا فأن المملكة المصرية الحديثة والمملكة الحيثية كانت تنظران أيضا إلى موقع بلاد الشام من زوايا أخرى .

وبالنسبة لمصر، فإن موقع بلاد الشام المحاذي لحدودها الشمالية الشرقية اتخذ قاعدة انطلاق لاحتلال أراضيها من قبل الهكسوس ، مما ترتب عليه إدراك فراعنة الدولة المصرية الحديثة (1570 – 1080 ق.م) ،بأن تامين حدودهم المتاخمة لبلاد الشام لن يكون كافيا بالسيطرة علـى مداخل صحراء سيناء ومخارجها كما كـان يحصل قبل الاحتلال ،بل الأمر يستوجب أيضا التوغل في العمق الشامي ، وصولاً الى وديان الاورنت والاردن (( ووضع قوة لمنع الاحتكاك عند ممر الغزو في اقليم حلب )) بين نهري الفرات والاورنت (96)، أي بالاستيلاء على مداخل الهجرات في شمال بلاد الشام واطراف بلاد الرافدين (97).

وبعد الحملات الناجحة التي قام بها الفرعون (تحتمس الثالث) على بلاد الشام ، أدرك المصريون أهمية موقع بلاد الشام وضرورة المحافظة عليه ليس لتأمين أمن دولتهم وكيانها السياسي فحسب ، بل وللمحافظة كذلك على المكاسب والمنجزات المتحققة جراء تلك الحملات ، التي أدت إلى مد حدود مصر إلى نهر الفرات شمالا وجعلها على تماس مباشر مع معظم ممالك الشرق الأدنى القديم الأخرى ، مما أرهب الأخيرة ودفع بملوكها وأمرائها إلى خطب ود مصر والسعي لمحالفتها(98) .

أما المملكة الحيثية، فإن بلاد الشام تمثل بالنسبة لها البوابة الرئيسية للاتصال بأمم الشرق الأخرى، ولاسيما إذا تعلق الأمر بإنشاء إمبراطورية ضخمة تمتد لتشمل بابل، كما حدث في أوائل المملكة الحيثية القديمة(99). وهكذا يتضح أن كلا الطرفين المتنافسين وجد في مزايا بلاد الشام الجغرافية ما لا يمكن التفريط به، مما قاد إلى اصطدامهما لاحقاً.                                           

مر التنافس الحيثي المصري على بلاد الشام بمرحلتين رئيسيتين اتسمت كل منهما بجملة من الأحداث والتطورات التي تميزها عن الأخرى ، وهما مرحلة التنافس السياسي ومرحلة الصراع العسكري ، وقد استمرت الأولى منهما مدة تزيد على القرن من الزمن ، أما الثانية فقد استغرقت مدة زمنية اقل بقليل من سابقتها .

وبطبيعة الحال فإن حدة التنافس في كلتا المرحلتين لم تكن على وتيرة واحدة، بل كانت تتأجج أحيانا وتخفت ومن ثم تزول في أحيان أخرى تبعا لظروف المواجهة وظروف كلا الطرفين المتنافسين الداخلية منها والخارجية أيضا.

مرحلة التنافس السياسي:

تشكل حادثة احتلال الحيثيين لحلب – المارة الذكر – في أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد الانطلاقة الأولى للتنافس الحيثي – المصري على بلاد الشام بصفة عامة ،ولهذه المرحلة التي نحن بصددها بصفة خاصة .

إلا أن الظروف الصعبة التي عاشتها المملكة الحيثية بعد وفاة ملكها القوي (تودهلياس الثاني) وجاءت متزامنة مع التحالف المصري الميتاني ، كادت أن تودي بها إلى الانهيار التام(100) .

ولم تبدأ المملكة الحيثية بالنهوض ثانية إلا في عهد أشهر ملوكها على الإطلاق ، ونقصد به شوبيلوليوما (1380ـ1340 ق.م) الذي يعد مجيئه للحكم إيذانا ببدء عهد جديد في تاريخ منطقة الشرق الأدنى القديم عامة ، وتاريخ الحيثيين السياسي خاصة ، وتاريخ التنافس بالأخص، نظرا للأحداث الجسام التي شهدتها سنوات حكمه الطويل ،التي قلبت الموازين رأسا على عقب لصالح الحيثيين في بلاد الشام وغيرت كثيرا من مسار التحالفات السياسية في الشرق الأدنى القديم وعلاقات ممالكة مع بعضها البعض وأثرت على مكانة البعض منها .

لقد بدأ شوبيليوليوما في الأعداد والتحضير لإعادة هيبة الحكومة الحيثية وسلطتها المطلقة على رعاياها في الداخل منذ أن كان قائدا أعلى للجيوش الحيثية في السنين الأخيرة من حكم والده المريض (تودهيلياس الثالث) ، إذ نجح يومئذ في استعادة بعض الأقاليم والمقاطعات الحيثية في الجهات الشمالية والشمالية الشرقية والشمالية الغربية(101) .

وعندما ارتقى  شوبيلوليوما العرش الحيثي قضى عدة سنين من حكمه لتنفيذ إجراءاته الرامية لتقوية سلطته المركزية على بلاده(102)، وتعزيز وسائل الدفاع عنها(103)،فلما اطمأن لذلك ، وجه أنظاره لإعادة النفوذ الحيثي على شمال بلاد الشام ، الذي كانت مصر قد فقدت السيطرة على أجزاء كبيرة منه لصالح الدولة الميتانية(104)، تمتد من الفرات شمالاً حتى مدينة قطنة جنوباً(105) فأجتاز شوبيلوليوما بقواته ممرات طوروس لإنجاز مشروعه هذا ، غير أن محاولته تلك باءت بالفشل وتكبدت قواته خسائر فادحة(106)، لأن القوات الحيثية عندما نزلت في مدينة نوخاشي الواقعة بين حلب ونهر الأورونت تعرض جناحها الأيمن لهجمات مكثفة من القوات التابعة لمملكتي كركميش وحلب التابعتين للدولة الميتانية أقنعته بعدم جدوى الاستمرار في المعركة ، مما حدا به لأن ينسحب منها(107).

ويبدو أن هذه المحاولة الفاشلة جعلت شوبيلوليوما يكتشف أن خطته لاقتحام بلاد الشام عبر ممرات طوروس كانت خطأ كبيراً ، لأن الخطوط الكبرى للدفاع عن المملكة الميتانية كانت في شمال بلاد الشام ، وعليه فقد رأى اعتماد خطة عسكرية جديدة تقضي بتغيير مسار الحملة المقبلة ،بحيث تتجه في أول الآمر لضرب الدولة الميتانية في عقر دارها بعبور الفرات عند ملطية ومهاجمة المملكة الميتانية من الخلف ، ولكن المشكلة الرئيسية التي تعترض تنفيذ هذه الخطة تكمن في قبائل الكاسكا التي كانت تسكن الجبال الشمالية المطلة على هذا الطريق ، ومملكة تدعى ( أزي –هاياسا) كانت تقطن المناطق الشمالية الشرقية من البلاد ، وقد اختار شوبيلوليوما الحل العسكري لمعالجة قبائل الكاسكا (108)، واتجه وجهةً سياسية مع المملكة الأخيرة، حيث عقد معاهدة سلام مع ملكها (هوكانا) وزوجه من أخته ليقوي من أواصر الصداقة بينهما (109).

ومع ذلك فضل شوبيلوليوما عدم الإسراع في البدء بعملياته العسكرية ريثما يتسنى له تعزيز موقفه السياسي والعسكري إزاء المملكة الميتانية ، التي تعد العقبة الرئيسية في وجه مشاريعه التوسعية في بلاد الشام ، وقد أسفرت ضغوطاته في هذا الخصوص على مملكة كزواتنا السالفة الذكر عن انضمام الأخيرة لدائرة النفوذ الحيثي وفكها لارتباطاتها السياسية مع المملكة الميتانية ، وذلك بموجب المعاهدة التي أبرمها الجانبان وتعهدت كزواتنا فيها أيضاً بدفع الجزية للحيثيين وتجهيزهم بجيوش عند الحاجة(110)، واستغل شوبيلوليوما الخلاف الدائر على العرش الميتاني بين الملك (توشراتا) وشقيقه (أرتاتاما الثاني)(111)، فأبرم اتفاقاً مع الأخير ، يرجح أن الأمير الميتاني تعهد بموجبه بالوقوف على الحياد في الصراع الميتاني الحيثي آنذاك ، وفي تلك الحقبة أيضا تبادل شوبيلوليوما التهاني مع أمنحوتب الثالث(112) .

وبعد كل هذه الاستعدادات ، بدأت القوات الحيثية بتنفيذ مخططها الرامي للوصول إلى بلاد الشام عبر الأراضي الميتانية(113)، فعبرت نهر الفرات واستولت على أيشوا(114)، ثم زحفت نحو الشرق ،ومنه باتجاه الجنوب وصولاً إلى العاصمة الميتانية(واشوكاني)(115) التي دخلها الحيثيون على حين غرة وبدون أن يبدي الميتانيون أية مقاومة تذكر للدفاع عنها ، وذلك لأن توشراتا تجنب ذلك على ما يبدو(116)، أما لكونه كان غائبا في بلاد الشام آنذاك ، أو لأنه أنسحب منها قبل الزحف الحيثي(117) .

ومن ثم قاد شوبيلوليوما جيوشه وعبر بهم الفرات ثانية إلى بلاد الشام ، فنزل جنوبي كركميش على الأرجح ، ونجح في عزلها عن باقي المدن الشامية الأخرى(118)، ثـم تقدم نحو حلب فأخضعها ، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مملكة الألاخ ، فسارع حاكم نيا (تاكوا) الواقعة على نهر الأورنت الى تقديم فروض الولاء والطاعة للفاتح الحيثي ، غير أن أخيه (توشيب) والنبلاء الميتانيين في المدينة رفضوا ذلك وأنحاز الى جانبهم حاكم مملكة أوراختي (أكيا) الواقعه على الأورنت وقرروا مواجهة شوبيلوليوما ، فنجح الأخير في أيقاع الهزيمة بهم وأسر حاكم أوراختي وحليفه توشيب وحاشيتهم واستولى على كل ما يملكونه ، وأثناء زحفه الى وديان الأورنت أخضع مملكة نوخاشي(119) .

ويبدو أن شوبيلوليوما بعد إكماله أخضاع غالبية مدن بلاد الشام التابعة للميتانيين ، قرر التوغل في المناطق الخاضعة للنفوذ المصري هناك سواء كان هذا بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، فقد أشار الى قيامه بالهجوم على مدينة قطنة وأخذه غنائم كبيرة منها(120)، وهذه ما أكدته أحدى الرسائل التي بعثها حاكم قطنه (أكيززي) الى الفرعون أمنحوتب الثالث(121) .

وعندما حاول حاكم قادش ( شوتارتا) الموالي للمصريين أعاقة تقدم الحيثيين عن المدن المطلة على وديان الأورنت ، أكتسحته العربات الحيثية ، ووقع أسيراً في قبضتهم مع أبنه (أيتاكاما) وكبار رجال حاشيته(122) ، والظاهر أن شوبيلوليوما نجح في أستمالة أيتاكاما وأطلق صراحة ، فتولى الحكم في قادش بدلاً عن أبية الذي لا تفصح المصادر شيء عن مصيرة بعد وقوعه في الاسر ،ووفقاً لما جاء في أحدى رسائل العمارنة فأن ايتاكاما تمرد على مصر وأنحاز للجانب الحيثي ، وقد نحا منحاه عدد من الأمراء المحليين في أقليم أبو القريب من دمشق ، كما أنه حاول أقناع أمير قطنه السالف ذكره للدخول في حلف مع ملك الحيثيين(123).  

وفضلاً عن ذلك أستمال الحيثيون حاكم مملكة أمورو (عبد عشرتا) المطلة على الأورنت، وأخذ يساعدهم على غزو المناطق الكائنة مابين أنطاكيا وجبال الأمانوس(124)، ويفهم من رسالة موجهة من حاكم أوغاريت (أميشتامروا) الى الفرعون أمنحوتب الثالث أن الملك الحيثي أخذ بالضغط عليه لفك تحالف بلاده القديم مع مصر وربطه بالمملكة الحيثية(125)، وحافظ ولده (نيقمادو الثاني) على الولاء لمصر في بادئ الأمر، ثم استجاب لشوبيلوليوما وخضع له(126) .

ويبدو أن أمنحوتب الثالث لم يبد أية ردة فعل مضادة إزاء التجاوزات الحيثية ، كما لم يحرك ساكناً لإيقاف التدهور الحاصل لسلطانه في الأجزاء الشمالية والوسطى من بلاد الشام ، ومبعثه بعض الأمراء المحليين الطامحين بالأستقلال ، أو المتحالفين مع الحيثيين ، لأنه كـان منشغلاً باللهو والترف وما الـى ذلك من الأمور الأخرى التي صرفته عـن الاهتمام بالشؤون الخارجية(127)، إلى الحد الذي جعله لا يخرج لبلاد الشام إلا في حملة واحدة، كانت للتنزه والصيد أكثر من كونها حملة حربية(128)، وهذا ما أتاح للحيثيين التحرك بحرية ومواصلة الزحف حتى مدينة أبينا (هويا في التوراة) الواقعة بالقرب من مملكة دمشق ، وادعى شوبيلوليوما أنه جعل لبنان حدوداً له‘(129) .

وعموما فقد أسفرت الحملة الحيثية على بلاد الشام ، عن تعرض هيبة مصر لضربة قاصمة وسارع الكثير من مواليها ومؤيديها للانخراط تحت المظلة الحيثية(130)، وأصبحت حليفتها ميتاني على وشك الانهيار ، ولا سيما بعد أن استولى الحيثيون على الكثير من مناطق نفوذها في شمال بلاد الشام وفصلوها عن بقية أجزاء المملكة الميتانية شرقي الفرات(131) ، ولم يعد يدين لها بالتبعية هناك سوى مدينة كركميش الإستراتيجية والمنطقة المعروفة لدى الحيثيين باسم (أستانا) الممتدة على الفرات من كركميش حتى مصب نهر الخابور ، إذ أن هاتين المنطقتين اللتين تقطنهما أغلبية حورية ظلتا معاديتين للحيثيين في انتظار مساعدة قوات توشراتا التي فقدت كثيرا من هيبتها آنذاك(132) .

ولعله في هذا الوقت بالذات أبرم شوبيلوليوما مع الجانب المصري أول المعاهدات المصرية ـ الحيثية ، كما جاء في نص المقدمة الحيثية لمعاهدة قادش الموقعة بين الملك المصري (رعمسيس الثاني) ونظيرة الحيثي (خاتوشيليش الثالث )(133)، وبالرغم أن نص المقدمة المذكور لا يشير الى الموقع عن الجانب المصري، ولكن أحتمالية أن يكون أمنحوتب الثالث قوية جداً ، فبالإضافة لما أشتهر عنه من ميل للسلم والسعي لتوثيق علاقاته مع القوى الخارجية(134)، فأن الرسائل الودية والهدايا التي تبادلها مع شوبيلوليوما(135)، لأبرز دليل على ذلك ،ناهيك عن العلاقات الاقتصادية والتجاريــة الوثيقة التي ربطتهما ،بالرغم من المشاكل على بلاد الشام، والتي وصلت إلى الحد الذي تخوف فيه ملك آلاشيا (قبرص حالياً) على مركزه التجاري أن يتدهور، مما دفعه لأن يكتب لأمنحوتب الثالث ليخبره عن استعداده التام لإرسال أضعاف ما كان يرسله من هدايا وسلع إذا امتنع عن الدخول في حلف مع الحيثيين(136) . ووفقاً لأحد النصوص الحيثية تم بموجب هذه الأتفاقية نقل سكان مدينة كوروشتاما(137) إلى إحدى المناطق الخاضعة للسيطرة المصرية فـي بلاد الشام ، يرجح أنها فلسطين(138)، ولا يستبعد أن أمنحوتب الثالث أعترف بموجب هذه الاتفاقية أيضاً بالسيادة الحيثية على المناطق المنتزعة من حلفائه الميتانيين في شمال بلاد الشام ، ولا سيما أن شوبيلوليوما كان يرى أن هجومه على شمال بلاد الشام أمر طبيعي بدعوى عدم وجود سيد لها ، فيما اعتبر نفسه صاحب الحق الشرعي بذلك لأن جده الاكبر(مرسيليس الاول) كان قد استولى سلفا على اعظم الممالك الشمالية (حلب)(139) .

وعلى أية حال فلم يكن مقدرا لشبيلوليوما لأن يصل في غزوته تلك لبلاد الشام ، لأكثر مما وصل إليه فقد استدعي لوطنه لمعالجة مشاكله الداخلية ، تلك المشاكل التي اضطرته لأن يقضي عشرين سنة في معالجتها ، أهمل خلالها شؤون بلاد الشام تاركا إدارة دفة الصراع فيه لرجالاته المخلصين(140)، ولكنه قبل ذلك شرع بوضع الترتيبات النهائية لأدارة الأقاليم الشامية المفتوحة ، فقد عين ولده الأكبر ( تيليبنيوس ) حاكما على مدينة كومماني المقدسة لحماية مدخل بلاد الشام ،وعقد معاهدة تحالف مع حاكم مملكة نوخاشي (شاررويشا) قدم فيها الأخير فروض الولاء والطاعة له(141)، وحول حلب والألاخ إلى دويلات تابعة لبلاده ،ويرجح أنه عقد معاهدة مع كل منهما(142).

ترافق مع غياب شوبيلوليوما عن بلاد الشام ، جملة من الأحداث والتطورات السياسية في ذلك البلد ، أثرت تأثيرا مباشرا على أحداث التنافس اللاحقة ، فقد أزدادت الأوضاع السياسية المضطربة ضراوةً ، ولعل أبرز ما طغى على الأحداث الداخلية في بلاد الشام أنذاك الجهود الحثيثة التي بذلها حاكم مملكة أمورو (عبد عشرتا) لتوسعة نفوذه نحو ساحل البحر المتوسط ، بالاستعانة بجماعات الخابيرو(143)، التي كانت تثير الرعب والدمار في شتى أرجاء بلاد الشام ، فسيطر على سيميرا وهدد جبيل ، كما أنه حاول مد سلطانه إلى الداخل حتى دمشق(144)، عندئذ تدخل أمنحوتب الثالث لتدارك الموقف ، فقبل وفاته بقليل أرسل قوة عسكرية بآمرة قائده (ينخام) ضد عبد عشرتا ، أجبرته على الأنسحاب من جميع المدن التي أستولى عليها وقضت مؤقتا على مكائده ومؤامراته(145) .

ولكن بعد وفاة امنحوتب الثالث واعتلاء ابنه إخناتون للعــــرش المصري (1367-1350 ق.م) خلفا له تعرض سلطان مصر على بلاد الشام لانتكاسة خطيرة تشبه إلى حد كبير ما كان عليه الحال عشية انفراد تحتمس الثالث بعرش مصر، لأن الفرعون الجديد لم يعر أي اهتمام يستحق الذكر لأي شأن خارجي كـان ، بـل صرف جـل اهتمامه الشـخصي واهتمام حكومته لثورته الدينية (الدعوة لعبادة قرص الشمس أتون)(146)، كما أن سكان بلاد الشام لم يروا لسنوات طويله شيء يذكرهم بقوة البلد الذي يرسلون اليه الجزية في كل عام(147)، فاندلعت الثـورات ضد مصر فـي كافة أنحاء بـلاد الشام ، بما فيه أقسامه الجنوبية المتاخمة للحـدود المصرية ، ويبدو أن الحيثيين كانوا ضالعين ضلوعا مباشرا في جانب كبير منها ،ذلك أن انشغال شوبيلوليوما بشؤون الأناضول لم يمنع رجاله من القيام بالدسائس ضد الملوك والأمراء الموالين لمصر ، وقد أعرب هؤلاء الحكام وخاصة حاكم جبيل ( رب-عدي) في رسائل موجهة للفرعون ( إخناتون) عن خشيتهم من ازدياد النفوذ الحيثي في بلادهم وكثرة مؤامراتهم(148). وهذا ما يفسر لنا إحجام إخناتون عن مراسلة شوبيلوليوما ، بالرغم من أن الأخير بعث له برسالة تهنئة غداة توليه العرش، كما أرسل له بهدايا ثمينة لدى انتقاله لعاصمة ملكه الجديدة (إختاتون)(149).

وكان من أبرز المستجيبين للتحريضات الحيثية ، ملك أمورو الجديد (عزيرو) وحاكم قادش (أيتاكاما) ، وقد نجح الأول في السيطرة على مرافئ فينيقيا وحصل لاحقاً على تفويض من إخناتون بحكمها وحكم سائر الأراضي التي كان قد انتزعها من مصر ، التي سرعان ما امتدت لتشمل جبيل ، وبالنتيجة اعترف الفرعون بالأمر الواقع وتظاهر باعتبار زعيم الأموريين مولى له، أما ملك قادش فقد استولى من جانبه ،بمساعدة الحيثيين ،على السهل السوري في الشمال(150) .

وفي جنوب بلاد الشام ، كان الوضع يسير من سيئ إلى أسوء بسبب اشتعال نيران الاضطراب والثورة كالتي التهمت الأجزاء الشمالية والوسطى من البلاد ،وكان عبد عشرتا الجنوب أمير سشم ( لابايا ) وابنه ( تاجي ) من بعده ، أما دور الولاة المخلصين ،فمثله أمير أورشليم (عبدي خيبا ) وأمير مجدو ( بريديا ) ، وكان لقبائل الخابيرو الدور ذاته الذي نهض به الحيثيون في الشمال بإثارة الولاة وتحريضهم على مصر(151)، كما كانوا يغيرون على المدن الآمنة المستقرة بقصد السلب والنهب ويقطعون سبل قوافل التجارة ويستولون على ما في داخلها من بضائع وأمتعة ، وقد لوحظ وجود متطوعين منهم ضمن جنود ولاة فلسطين(152).

ومن جانب أخر فقد الحيثيون بعض المناطق في الأرجاء الشمالية من بلاد الشام ، حيث أعلنت ممالك الألاخ ونيا ونوخاشي الثورة على شوبيلوليوما(153)، ولعل ذلك كان بتأثير الدولة الميتانية التي ما كان بمقدورها عمل أكثر من هذا لاستعادة نفوذها السابق على بلاد الشام ، لأن الخلافات الداخلية أضعفتها(154)، وسرعان ما قتل الملك الميتاني (توشراتا) على يد أحد أبناءه(155)، يعتقد أنه (ماتيوازا) الذي اعتلى العرش بعده ، غير أن الأمور لم تصفُ للأخير، إذ قام عمه (أرتاتاما) ينازعه الحكم كما نازع أباه من قبله فحدثت بين الجانبين حرب أهلية ، انتهت بانتصار أرتاتاما الثاني واعتلاء أبنه (شوتارنا الثالث) للعرش الميتاني ،فأضطر ماتيوازا للجوء إلى شوبيلوليوما لطلب العون منه لاستعادة عرشه(156) .

وهكذا فأن تخلخل موازين القوى في منطقة الشرق الأدنى القديم ساعد شوبيلوليوما على العودة لبلاد الشام ،لإخضاع المدن التي بدأت تخرج من سيطرته ولأكمال ما قد بدأه في الحملة السابقة، ويبدو أنه توجه في أول الآمر للقضاء على التحالف الذي ضم نوخاشي وألالاخ ونيا وحاول أن يضم إلى جانبه أوغاريت بالضغط والتهديد ،فنجح الملك الحيثي في مهمته تلك وتم أعادة إخضاع المدن الثائرة وأبعاد الخطر عن أوغاريت مما ترتب عليه حضــور حاكم اوغاريت (نيقمادا الثاني) الى الالاخ لتقديم فروض الولاء والطاعة للعاهل الحيثي وقبوله بتأدية الجزية لــه وتزويده بجيوش عند الحاجة ،حسـب الأتفاق المعقود بينهما(157)، كمـا أسـتولى شوبيلوليوما على بقية المدن التابعة للميتانيين في شمال بلاد الشام ، بما فيها كركميش والمناطق المعروفة باسم (أستاتا) ، واستعان بحليفه (أتياكاما) للتوسع على حساب مصر نحو الجنوب إلى وادي البقاع ، ونحو الشرق إلى دمشق(158)، حيث نجح الأخير بمشاركة قوة حيثية من الاستيلاء على مدينتي قطنه وأبينا(159).

وبالرغم من انشغال إخناتون بإصلاحاته الدينية فقد سجلت له بعض المحاولات المتواضعة لإيقاف تدهور سلطانه في بلاد الشام ، ولكن بدون جدوى ، فالوحدات الصغيرة التي أرسلها إلى ذلك البلد لم يكن بمقدورها تأدية المهام الملقاة على عاتقها ، مما فاقم الوضع وزاده سوءا ، لأدراك الأمراء الشاميين عدم قدرة الفرعون على التعاطي مع الأحداث(160)، وذهبت تحذيراته إلى عزيرو وأمثاله من الولاة المتمردين أدراج الرياح ، ومع أن عزيرو استجاب لهذه التحذيرات وحضر لبلاط الفرعون وبدا كأنه من أخلص الولاة المصريين ، فإنه حال عودته إلى بــلاده خضع لسلطة شوبيلوليوما وأدى جزية له قدرها ثلاثمئة شيكل(161) من خالص الذهب(162)، وبذلك أصبحت المنطقة الممتدة ما بين الفرات ولبنان ولاية حيثية (163).

ولضمان نفوذه في هذه المناطق والتحسب لأي طارئ في المستقبل ،عقد شوبيلوليوما سلسلة من المعاهدات السياسية مع حكام نوخاشي وأمورو وتونيب(164)، تعهد الأخيرون بموجبـها بالوقوف لجانب المملكة الحيثية ضد أي خطر يتهدد نفوذها في بلادهم، مقابل تعهد الملك الحيثي بتقديم المساعدة لهؤلاء الأمراء إذا أعلنت الحرب على أي منهم(165)، كما أشار العاهل الحيثي فـي أحد نصوصه المكتشفة ، لإبرامه اتفاقيات أخرى مع مملكتي ألالاخ ونيا ،لـم يتم العثور عليها حتى هذا الوقت(166)، ولكن يعتقد أن بنودها كانت على غرار سابقتها ، وربط شوبيلوليوما مملكتي كركميش وحلب ببلاده ربطا مباشرا ، إذ عين أبنه ( تيليبينوس) ملكا على حلب ، وابنه الآخر ( بياسيل ) ملكا على كركميش(167) .

ولكن قبل أن يتمكن شوبيلوليوما من أخضاع كركميش ، وهي أخر قلاع الميتانيين غرب الفرات وأثناء ما كان يفرض طوق من الحصار على كركميش ، أرسل باثنين من كبار قادته (لوباكيش ، تيوب ـ والماش) على رأس قوةً إلى سهل العمق الواقع بين جبلي لبنان ، فذعر المصريون وولوا هاربين ،وبذلك انفصمت عرى الصداقة التي كان العاهل الحيثي يحرص على دوامها بينه وبين مصر (( فأصبح البلدان في حالة حرب علنية ))(168) .

ويرجح أن أخناتون توفي بعد هذه الأحداث مباشرة ، حيث أن آخر خطاب وصل للعمارنة حمل خبر الغزوة الحيثية تلك(169) .

   وعلى أية حال، فإن تغلغل الحيثيين بإقليم العمق واصطدامهم بالمصريين ،أدى لدخول التنافس على بلاد الشام طور جديد ، ألا وهو طور الصراع المسلح .

___________

(1) Aldred,C. , The Egyptians. London, 1966, P.51.

(2) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص148 .

(3) مورتكات ، انطوان ، المصدر السابق ، ص220 .

(4) الأحمد ، سامي سعيد ، أحمد ، جمال رشيد ، المصدر السابق ، ص218 .

(5) إبراهيم ، نجيب ميخائيل ، مصر والشرق الأدنى القديم ، جـ1 ، مصر ، 1958 ، ص30 .

(6) جرني ، المصدر السابق ، ص44 ؛ وحول القانون الحيثي ، يراجع :

Neufeld, E., Notes on Hittite laws, London, 1951; Goetze A., The Hittite Laws, (in Pritchard, J., Ancient Near East Text, NewJersey, 1969), PP.188-197.

(7) وهي احدى الممالك الحورية التي نشأت في بلاد الاناضول منذ القرن السابع عشر قبل الميلاد على اقل تقدير، وتضم المناطق الواقعة الى الشرق من سهول كليكيا ، وقد كانت احد المحاور الرئيسية للصراع بين الحيثيين والميتانيين ،ينظر:-

Macqueen, J.G., OP.Cit, p. 44.

(8) الأحمد ، سامي سعيد الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص249 .

(9) حيث نقضت مملكة كيزواتنا تحالفها مع الحيثيين وانظمت للميتانيين ، وعصفت بالبلاد الحيثية ثورات شتى كادت أن تقوض دعائمها، للمزيد من التفاصيل، ينظر :- المصدر نفسه ، صص250-251 .

(10) وذلك لانشغال مصر أنذاك في المشاكل الداخلية والتركيز على حماية مصالحها في النوبة وكوش ، ينظر :- صالح ، عبد العزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص208 .

(11) يويوت ، جان ، مصر الفرعونية ، ترجمة سعد زهران ، مراجعة عبدالمنعم ابو بكر ، القاهرة ، 1966، ص116 .

(12) أعتلى تحوتمس الثالث العرش المصري سنة 1490 ق.م بعد وفاة أبيه (تحوتمس الثاني) ، وكان حينها صغيراً فوضع تحت وصاية زوجة أبيه (حتشبسوت) التي أخذت تدير شؤن البلاد بأسمه لمدة ثمانية سنوات ، ثم نحته جانباً وأعلنت نفسها ملكة على مصر ، فانتحلت ألقاب الفرعون المصري كاملةً وظهرت بزي الرجال ، ولأثبات شرعيتها في الحكم أدعت لنفسها مولداً ألهياً من الأله أمون ، وعندما توفيت سنة 1468ق.م رفض تحوتمس الثالث الاعتراف بشرعية حكمها ، واعتبر حكمه أنما يبدا منذ وفاة أبيه ، ينظر:- عبدالحليم ، نبيله محمد ، مصر القديمة – تاريخها وحضارتها ، الإسكندرية ، 1977 ، صص147-148 .

(13) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص187 .

(14) ) للمزيد من التفاصيل عن معركة مجدو ، يراجع :-

Baike, J, The Ancient East and Its story, London, PP.234-240.                                                      

(15) Ibid, PP. 237-238 Faulkner,R.O.,”The Battle of Megiddo”, JNES, Vol.28, 1942, PP.2 – 15.            

(16) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص199 .

(17) تتحكم قادش في المدخل الشمالي لسهل البقاع المؤدي إلى وسط بلاد الشام ، كما أنها تشرف على نهر الوادي الكبير الذي يفضي لساحل البحر المتوسط ، وتسيطر بشكل غير مباشر على الطريق التجاري بين بلاد الشام وبلاد الرافدين ، ينظر :- فرحان ، وليد محمد صالح ، الصراع الدولي في الشرق الأدنى القديم في القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد ، مجلة آداب الموصل ، عدد13 ، 1979 ، ص220 . .                                                      

(18) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص199 .

(19) المصدر نفسه ، صص199-200 .

(20) للمزيد من التفاصيل عن الحملة والطرق التي سلكها الجيش المصري أثنائها ، يراجع :- أبو عساف ، علي ، خلوف ، لوزيه ، " مسار حملة تحوتمس الثالث الثامنة على بلاد الشام " ، الحوليات السوريه ، مج26 ، ج1 ، ج2 ، 1976 ، صص167-191 .

 (21) Breasted, J..H. OP.Cit, Vol.11, P.207.                                                                                                

(22) إبراهيم ، نجيب ميخائيل ، مصر ، جـ1 ، ص80 .

(23) Macqueen , J.G., OP. Cit, P.45.                                                                                                    

(24) Gurney , R.O. , “Anatolia 1600 – 1380 ” , CAH , Vol.11 , Part .1 , p 676 ;  Macqueen , J.G. , OP. Cit ,  P.45 .                                                                                                        

(25) للإطلاع على هذه الحملات ونتائجها، ينظر:- Breasted, J. H., OP.Cit, Vol. 11, PP. 209 – 215.          

(26) بدوي، أحمد، المصدر السابق، جـ2، ص495.

(27) حسن، سليم، مصر، جـ4، ص452.                                                                                               

(28) فرحان، وليد محمد صالح، الصراع الدولي، ص221.

(29) أفرط أمنحتب الثاني في القساوة والشدة عندما جاء بسبعه من أمراء ولاية نحسى الشامية القريبة من دمشق وهم معلقون أحياء على مقدمة سفينة ، ولدى وصوله لطيبه قام بإعدام سته من هؤلاء في حفل جماهيري ، بينما أرسل السابع إلى النوبة وأعدم هناك ليكون عبرة لمن تحدثه نفسه بالثورة على سلطة الفرعون ، ينظر :-

Breasted, J.H., OP.Cit, Vol. 11, P. 305.                                                                                              

(30) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص214 .

(31) Giveon , R , "Thatmosis IV and Asia" , JNES , Vol. 28, 1969, P.58.                                            

(32) فخري، أحمد، مصر، ص294؛ Gelb, J. I. Hurrians and Subarians, Chicago, 1944, P.77

(33) حسن، سليم، مصر، جـ5، ص27.

(34) فرحان، وليد محمد صالح، الصراع الدولي، ص223.

(35)  برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص201 .                

(36) حسن، سليم، مصر، جـ4، ص666، جـ5، ص19.

(37) Gurney ,O. R., OP.Cit, Vol.11, P.680.       

(38) يويوت ، جان ، المصدر السابق ، ص115 .

(39) بدوي ، أحمد ، المصدر السابق ، جـ2 ، صص535-536 .                                                                                

(40) فرحان، وليد محمد صالح، الصراع الدولي، ص223.  

(41) دريوتن ، آتيين ، فانديبه ، جاك ، المصدر السابق ، ص459 .

(42) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص345 .

(43) أبراهيم ، ميخائيل نجيب ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص81 .

(44) جاردنر ، ألن ، المصدر السابق ، ص228 .

(45) دريوتون ، آتين ، فانديبه ،جاك ، المصدر السابق ، ص460 ؛ صالح ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1، ص216؛ برستد ،جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص216 ؛ Hallo , W.W., and Simpson, W. K., OP. Cit, P.465         

(46) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص345 ؛Givon  ,R , OP.Cit, P.58.      

(47) Gurney ,O.R., OP.Cit, Vol.11, p 681.                                                                                          

(48) حول هذه الثورات، ينظر:- جرني، المصدر السابق، ص48.                                                            

(49) حسن، سليم، مصر، جـ5، ص33.

(50) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص475 .

(51) Luckenbill, D.D., Hittite Treaties and Letters, A J S L, Vol.XXII, No.3, 1921, P. 164.  

(52) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، صص388 ، 395 .

(53) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص321 .

(54) توينبي ، أرنولد ، تاريخ البشرية ، جـ1 ، ترجمة نيقولا زياده ، بيروت ، 1981 ، ص45 .

(55) للمزيد من التفاصيل عن علاقات ملوك الدولة المصرية القديمة مع بلاد الشام ،والإجراءات المصرية للحفاظ عليها ، ينظر:- الفصل الأول ، المبحث الثاني .

(56) حسن، سليم، مصر، جـ2، ص251.

(57) فخري، أحمد، المصدر السابق، ص96.

(58) عصفور ، محمد أبو المحاسن ، معالم حضارات الشرق ، ص121 .

(59) صالح ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص205 .

(60) يويوت ، جان ، المصدر السابق ، ص110 .

(61) حسن ، سليم ، مصر ، جـ4 ، صص209، 269 .

(62) خليفة، أمين، المصدر السابق، ص50.

(63) بودج ، واليس ، الساكنون على النيل ، ترجمة نوري محمد حسين ، ط1 ، بغداد ، 1989 ، ص112 .

(64) زايد ، عبدالحميد ، مصر ، ص552 .

(65) جاردنر ، ألن ، المصدر السابق ، ص216 .

(66) ابراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص79 .

(67) ولسون ، جون ، الحضارة المصرية ، ترجمة أحمد فخري ،القاهرة ، 1955، ص301 .

(68)Wilson, A,J., Op.cit, P. 240.                                                                                                            

(69) إبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص75 .

(70) ولسون ، جون ، المصدر السابق ، ص299 .

(71) لايعرف موقع هذه البلدة بالضبط ، وقد ذكر ت في حروب ( تحتمس الثالث ) ، ينظر :- بدوي ، أحمد ، المصدر السابق ، جـ2 ، ص524 الهامش .

(72) المصدر نفسه، جـ2، ص524.

(73) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص216 .

(74) برستد ، جيمس هنري ، أنتصار الحضارة ، ص244 .

(75) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص321 .

(76) موسكاني ، المصدر السابق ، ص40 .

(77) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص474 .

(78) تحدث الملك الحيثي ( خاتوشيلش الأول ) في أحد نصوصه بزهو وفخر عن الغنائم التي ساقها من حاضرة يمخد ( حلب ) أثناء غزوه لها ، والشيء ذاته فعله مرسيليس الأول لدى احتلاله لها. للمزيد من التفاصيل ، ينظر :- روست ، لياناجاكوب ،المصدر السابق ص12-.14

(79) حول مجمل الوضع السياسي لبلاد الشام، ينظر:- المبحث الأول من هذا الفصل.

(80) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص245 .

(81) صالح ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص207 .

(82) للمزيد من التفاصيل عن موقف الممالك الشامية من التنافس، ينظر:- الفصل الرابع، المبحث الأول.

(83) دريوتون ، أتين ، فانديبه ، جاك ، المصدر السابق ، ص376 .

(84) زايد ، عبدالحميد ، مصر ، ص507 .

(85) فخري، أحمد، مصر، ص228.

(86) صالح ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ،  ص205 .

(87) تلقب تحتمس الثالث وأبنه أمنحوتب الثاني بلقب ( ضارب الهكسوس الذين هاجموه ) مما يوحي بأن جزءاً من الحروب التي خاضاها في بلاد الشام  أستهدفت بقايا الهكسوس ، ينظر :- حسن ، سليم ، مصر، جـ4 ، ص152 .

(88) Lehman , J., the Hittites, Newyork, 1929, P.219.                                                                                          

(89) Giveon,R., Op. Cit, P54.                                                  

(90) وذلك لأن قبائل ( الكاسكا ) التي تستوطن جبال البنننس في الشمال واللولوييس في الغرب والحوريين في الشرق ، وقفوا حائلاً أمام الطموحات الحيثية للتوسع من هذه الجهات ، فيما كان لنجاحات لابارانا الأول في الوصول لمقاطعة كليكيا الأثر الفاعل في جعل الطريق سالكة لبلاد الشام ، ينظر :- رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص330 .

(91) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، ص64 .

(92) غلاب، محمد السيد، الجوهري، يسري، المصدر السابق، ص453.

(93) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، ص32 .

(94) عصفور، محمد أبو المحاسن، موجز تاريخ الشرق، ص191.

(95) حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، ص95 .

(96) سليم ، احمد امين ، المصدر السابق ، ص144 .

(97) صالح، عبد العزيز، المصدر السابق، جـ1، ص205.

(98) حسن، سليم، مصر، جـ4، ص435.

(99) أنطوان مورتكات ، المصدر السابق ، ص219 .

(100) ينظر:- ص83 من هذا الكتاب.

(101)  Macqueen , J.G., OP.Cit, P.45

(102) حيث قام بتعيين حكام موالين له لأدارة أقاليم الدولة المختلفة ، وربطهم بالعائلة المالكة برباط المصاهرة ، وعزز أجهزة حكومته بموظفين يتسمون بالإخلاص والوفاء ، ينظر:- زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص479 .

(103) إذ شرع في بناء السور العظيم الذي يحمي جنوب العاصمة والتحصينات الدفاعية الأخرى ، ينظر:-

Ceram, C.W., the Secret of the Hittites, New York, 1956, P. 159.

(104) لم يعين تحتمس الثالث حكاماً من قبلهُ لأدارة الجزء الشمالي من بلاد الشام البعيد نسبياً عن بلاده ، كما أنه لم يترك حاميات عسكرية للمراقبة الدائمية فيه ، كما هو الحال في بقية أنحاء البلاد ، بل أعتمد في السيطرة عليه وجمع الجزية من حكامه على الرهبة التي أدخلها في قلوب الأخرين ، التي تلاشى أثرها بعد وفاته ، ولاسيما في عهد أمنحوتب الثالث الذي انصرف للهو والترف وأهمل شؤون السياسة والحرب ، فبدأت الممالك الشمالية ذو الأكثرية الحورية تدين بالولاء والطاعة للمملكة الميتانية ، ينظر:- حسن ، سليم ، مصر ، جـ5 ، صص182-183 .

(105) كولماير ، كاي ، " العصر السوري الوسيط " ، الأثار السوريه ، سوريه ملتقى الشعوب والحضارات ، ترجمة نايف بللوز ، النمسا ، 1985 ، ص126 .

(106) جرني، المصدر السابق، ص49.

(107) هامرتن ، جون ، المصدر السابق ، مج2 ، ص24 .

(108) جرني ، المصدر السابق ، صص49-50 .

(109) Lehmann , J. , OP. Cit, P.221.           

(110)Ibid , PP.223-224.                                                                                                                              

(111) عندما توفي الملك الميتاني ( شوتارنا ) خلفه في الحكم أبنه ( أرتاشوارا ) ، آلا أن أحد كبار الضباط الميتانيين أقدم على قتل الأخير ، فتولى أخوه الصغير ( توشراتا ) العرش الميتاني ، فلم يعترف شقيق له يدعى (أرتاتاما ) بحكمه ، وأعلن نفسه ملكاً مستقلاً على بعض الأراضي الميتانية جنوب بحيرة وان ، وبدأ يقيم اتصالات مع البلدان الأخرى لتدعيم موقفة السياسي ، كالمملكتين الحيثية والآشورية ، ينظر:- رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص349 .

(112) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص253 .

(113) Gelb , G.I., 0P.Cit, P.78.                                                                                                                     

(114) وتقع في اعالي نهر الفرات الى الشرق من المنعطف الكبير للنهر ، ينظر :-

   Smith, S., OP.Cit, P. 244.                                                                                                                                                 

(115) لا يعرف موقع هذه المدينة بالتحديد ، ولكنها قد تكون واقعة بالقرب من نهر الخابور العلوي ، ينظر :- رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص344 ؛ حتي ، فيليب ، لبنان ، ص96 .

(116) جرني ، المصدر السابق ، صص49-50 ؛Luckenbill, D.D. , Hittite Treaties, P. 164 

(117) هامرتن ، جون ، المصدر السابق ، مج2 ، ص25 .

(118) المصدر نفسه، مج2، ص25.

(119) Goetze, A. , Hitttite Historical Texts (in, Pritchard, J., Ancient near East Text, NewJersey, 1969.P.318; Luckenbill, D.D., Hittite Treaties, P. 164.                                                   

 (120) Goetze, A. , OP. Cit, P. 318; Luckenbill, D.D., Hittite Treaties, P.164.                                     

(121) للاطلاع على الرسالة ، ينظر :-  Mercer ,S.A.B., OP.Cit, Vol .1, Letter. 55, P. 239.

(122) Goetze, A., OP. Cit, P.318; Luckenbill, DD., Hittite Treaties, P.164.                                               

(123) حول نص الخطاب، يراجع:- Mercer, S.A.B.OP .Cit, Vol.1, letter.53, P.229.

(124) حتي ، فيليب ، تاريخ سورية ، ج1 ، ص76 .

(125) عن نص الرسالة، ينظر:- Mercer, S.A.B.OP .Cit, Vol.1, letter.45, P.217.

(126) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص482 .

(127) وربما أيضاً لأعتقاده أن تبادل رسائل المودة مع أمراء بلاد الشام كافية لحفظ إمبراطوريته ، ينظر :- فخري ، أحمد ، مصر ، ص301 .

(128) إبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص174 .

(129) جرني، المصدر السابق، ص50.

(130) هامرتن ، جون ، المصدر السابق ، مج2 ، ص25 .

(131) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص477 .

(132) جرني، المصدر السابق، ص50.

(133) ألن ، جاردنر ، المصدر السابق ، ص293؛ أبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، ج1 ، ص225 .

(134) أبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق، ج4 ، ص343 .

(135) جاء ذكر الرسائل والهدايا التي تبادلها شوبيلوليوما مع امنحوتب الثالث في احد خطابين ارسلهما شوبيلوليوما الى اخناتون ، حول نص هذا الخطاب، يراجع:-

 Mercer, S. A. B., OP.Cit, Vol. 1, Letter. 41, PP.  207 –209.

(136) الزيباري ، اكرم سليم ، المصدر السابق ، ص146 ، حول نص الرسالة ، ينظر :-

Mercer, S. A. B., OP.Cit, Vol. 1, Letter .35, PP.195-199.                                                                

(137) وتقع في القطاع الشمالي الشرقي من المملكة الحيثية، ينظر:- جرني، المصدر السابق، ص85.

(138) المصدر نفسه، ص85.

(139) حسن، سليم، مصر، جـ5، ص365.

(140) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص347 ؛ عثمان ، عبد العزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص 477 .

(141) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص254 .

(142) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص482 .

(143) وهم جماعات من الرحل والاجانب الذين أجبرتهم ظروفهم المعيشية الصعبة الى ترك مواطنهم بحثاً عن العيش في مكاناً أخر ، وغالباً ما كانوا  يتحولون نتيجة لذلك إلى قطاع طرق ولصوص ، أو ينخرطوا في صفوف أي جيش لقاء اجر معين، او بدافع الحصول على الغنائم وقد ورد ذكرهم لأول مرة في نصوص ماري ، كما ذكروا في السجلات الحيثية في عهد مرسيليس الاول الذي استأجرهم للخدمة في جيشه ، وكان لهم دور فعال في أثارة الاضطرابات والقلاقل في بلاد الشام اثناء حقبة العمارنة ، وأخر مره جاء ذكرهم في المصادر المسمارية في القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، للمزيد من التفاصيل ، ينظر :- Nadav, A., "Habiru and Hebrews ", JENS, Vol.45, 1986, PP.271-278 .                            

حتي ، فيليب ، تاريخ سوريه ، جـ1 ، صص172 –173 ؛ داود ، أحمد يوسف ، الميراث العظيم ، ط1 ، دمشق ، 1991 ، صص373-385 .

(144) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص483 .

(145) M.L.W Laistner, Asurvey of Ancient History to the Death of Constantine, U.S.A, 1929, P.59

(146) عن ثورة أخناتون الدينية وتأثيراتها ، ينظر :- جاردنر ، الن ، المصدر السابق ، صص244-258 ؛ برستد ، جيمس هنري، العصور القديمة ، ترجمة داود قربان ، ط2 ، بيروت ، 1930 ، ص77 .

(147) ميدروكوفت ، لاند لامونت ، هبة النيل تاريخ مصر القديمة ، ترجمة علي فخري ، القاهرة ، 1937 ، ص160 .

(148) عثمان ، عبدالعزيز ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص477 .

(149) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص252 ، وعن نص الرسالة ، يراجع :-

Mercer, S.A.B., OP. Cit, Vol.11, Letter. 41, PP.207 –209.                                                                

(150) فركتوز ، جان ، المصدر السابق ، ص81 .

(151) إبراهيم ، نجيب ميخائيل ، المصدر السابق ، جـ1 ، ص184 .

(152) برستد ، جيمس هنري ، تاريخ مصر ، ص257 .

(153) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص484 .

(154) رو ، جورج ، المصدر السابق ، ص349 .

(155)  Goetze , A. , OP. Cit, P. 318

(156) رو ، جورج ، المصدر السابق ، صص349-350 .

(157) سعاده ، جبرائيل ، المصدر السابق ، صص37-39 .

(158) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، صص484-485 ، 486 .

(159) الأحمد ، سامي سعيد ، الهاشمي ، رضا جواد ، المصدر السابق ، ص256 .

(160) للمزيد من التفاصيل عن محاولات إخناتون المتواضعة لأستعادة السيطرة على بلاد الشام ونتائجها ، ينظر :- زايد ، عبدالحميد ، مصر ، صص638-639 .

(161) وحدة وزن قديمة ، تساوي حالياً 13,8 غراماً ، ينظر :- الزيباري ، أكرم سليم ، المصدر السابق ، ص155 .

(162) حسن ، سليم ، مصر ، جـ5 ، صص369 ، 380 ، 383 .

(163) جرني، المصدر السابق، ص51.

(164)  وهي مدينه سوريه حصينه لايعرف موقعها بالدقة ، ولكنها بالتأكيد قريبه من مدينة قادش ونهر الأورنت ، يراجع :- دريوتن ، أتين ، فانديبه ، جاك ، المصدر السابق ، ص456 .

(165) حسن، سليم، مصر، جـ5، ص384.

(166) زايد ، عبدالحميد ، الشرق الخالد ، ص486 .

(167) جرني، المصدر السابق، ص51.

(168) حسن ، سليم ، مصر ، جـ5 ، صص351،386 .

(169) المصدر نفسه، جـ5، ص386.

 

 

 

 

        

 

 

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).





العتبة العباسية تطلق مسابقة فن التصوير الفوتوغرافي الثانية للهواة ضمن فعاليات أسبوع الإمامة الدولي
لجنة البرامج المركزيّة تختتم فعاليّات الأسبوع الرابع من البرنامج المركزي لمنتسبي العتبة العباسيّة
قسم المعارف: عمل مستمر في تحقيق مجموعة من المخطوطات ستسهم بإثراء المكتبة الدينية
متحف الكفيل يشارك في المؤتمر الدولي الثالث لكلية الآثار بجامعة الكوفة