التفسير بالمأثور/الامامة/الإمام الصادق (عليه السلام)
محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، ومحمد بن يحيى، عن
أحمد ابن محمد جميعا، عن الحسن العباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني عليه السلام
قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :
بينا أبي عليه السلام يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر قد قيض له فقطع عليه أسبوعه حتى ادخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل إلي فكنا ثلاثة فقال:
مرحبا يا ابن رسول الله ثم وضع يده على رأسي وقال بارك الله فيك يا امين الله بعد
أبائه يا أبا جعفر ان شئت فأخبرني وأن شئت فأخبرتك وان شئت سلني وان شئت سألتك وان
شئت فأصدقني وان شئت صدقتك؟ قال: كل ذلك أشاء، قال:
فإياك ان ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره قال: إنما يفعل ذلك من في
قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه وان الله عز وجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف
قال: هذه مسألتي وقد فسرت طرفا منها.
أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف، من يعلمه؟ قال: أما جملة العلم
فعند الله جل ذكره، وأما ما لا بد للعباد منه فعند الأوصياء، قال: ففتح الرجل
عجيرته واستوى جالسا وتهلل وجهه، وقال: هذه أردت ولها أتيت زعمت أن علم ما لا
اختلاف فيه من العلم عند الأوصياء، فكيف يعلمونه؟ قال: كما كان رسول الله صلى الله
عليه وآله يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرى، لأنه
كان نبيا وهم محدثون، وأنه كان يفد إلى الله عز وجل فيسمع الوحي وهم لا يسمعون،
فقال: صدقت يا ابن رسول الله سآتيك بمسألة صعبة.
أخبرني عن هذا العلم ماله لا يظهر؟ كما كان يظهر مع رسول الله صلى الله عليه
وآله؟ قال فضحك أبي عليه السلام وقال: أبى الله عز وجل أن يطلع على علمه إلا
ممتحنا للإيمان به كما قضى على رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصبر على أذى
قومه، ولا يجاهدهم، إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له: اصدع بما
تؤمر وأعرض عن المشركين وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا، ولكنه إنما نظر في الطاعة، وخاف
الخلاف فلذلك كف، فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الأمة، والملائكة بسيوف آل داود
بين السماء والأرض تعذب أرواح الكفرة من الأموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من
الاحياء .
ثم أخرج سيفا ثم قال: ها إن هذا منها، قال: فقال: أبي إي والذي اصطفى محمدا
على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره وقال: أنا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبي منه
جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لأصحابك و سأخبرك بآية أنت تعرفها إن
خاصموا بها فلجوا .
قال: فقال له أبي: إن شئت أخبرتك بها؟ قال: قد شئت، قال: إن شيعتنا إن قالوا
لأهل الخلاف لنا: إن الله عز وجل يقول لرسوله صلى الله عليه وآله:
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}
[القدر: 1] - إلى آخرها - فهل كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعلم من العلم -
شيئا لا يعلمه - في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيل عليه السلام في غيرها؟ فإنهم
سيقولون: لا، فقل لهم:
فهل كان لما علم بد من أن يظهر؟ فيقولون: لا، فقل لهم: فهل كان فيما أظهر
رسول الله صلى الله عليه وآله من علم الله عز ذكره اختلاف؟ فان قالوا: لا، فقل
لهم: فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف فهل خالف رسول الله صلى الله عليه وآله؟
فيقولون: نعم - فإن قالوا: لا، فقد نقضوا أول كلامهم - فقل لهم: ما يعلم تأويله
إلا الله والراسخون في العلم.
فإن قالوا: من الراسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه، فإن قالوا فمن
هو ذاك؟ فقل: كان رسول الله صلى الله عليه وآله صاحب ذلك، فهل بلغ أولا؟ فإن
قالوا: قد بلغ فقل: فهل مات صلى الله عليه وآله والخليفة من بعده يعلم علما ليس
فيه اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل: إن خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله مؤيد ولا
يستخلف رسول الله صلى الله عليه وآله إلا من يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلا
النبوة، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيع من
في أصلاب الرجال ممن يكون بعده.
فإن قالوا لك فإن علم رسول الله صلى الله عليه وآله كان من القرآن فقل: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 1 - 3] [{إِنَّا كُنَّا
مُنْذِرِينَ * فِيهَا} [الدخان: 3، 4]] - إلى قوله -: { إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } [الدخان: 5] فإن قالوا لك: لا يرسل الله عز
وجل إلا إلى نبي فقل:
هذا الامر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء
إلى سماء، أو من سماء إلى أرض؟ فإن قالوا: من سماء إلى سماء، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية، فإن قالوا: من سماء إلى أرض - وأهل الأرض أحوج
الخلق إلى ذلك - فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا: فإن الخليفة هو
حكمهم فقل: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ } [البقرة: 257] - إلى قوله -: {خَالِدُونَ} [البقرة: 257] لعمري
ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا و هو مؤيد، ومن أيد لم يخط، وما في
الأرض عدو لله عز ذكره إلا وهو مخذول، ومن خذل لم يصب، كما أن الامر لا بد من
تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض، كذلك لابد من وال، فإن قالوا: لا نعرف هذا
فقل: [لهم] قولوا ما أحببتم، أبى الله عز وجل بعد محمد صلى الله عليه وآله أن يترك
العباد ولا حجة عليهم.
قال أبو عبد الله عليه السلام: ثم وقف فقال: ههنا يا أبن رسول الله باب غامض
أرأيت إن قالوا: حجة الله: القرآن؟ قال: إذن أقول لهم: إن القرآن ليس بناطق يأمر
وينهى، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون، وأقول: قد عرضت لبعض أهل الأرض مصيبة ما هي
في السنة والحكم الذي ليس فيه اختلاف، وليست في القرآن، أبى الله لعلمه بتلك
الفتنة أن تظهر في الأرض ، وليس في حكمه راد لها ومفرج عن أهلها.
فقال: ههنا تفلجون يا أبن رسول الله، أشهد أن الله عز ذكره قد علم بما يصيب
الخلق من مصيبة في الأرض أو في أنفسهم من الدين أو غيره، فوضع القرآن دليلا قال:
فقال الرجل: هل تدري يا ابن رسول الله دليل ما هو؟ قال أبو جعفر عليه السلام: نعم فيه جمل الحدود، وتفسيرها عند الحكم فقال أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة
في دينه أو في نفسه أو [في] ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة.
قال: فقال الرجل: أما في هذا الباب فقد فلجتهم بحجة إلا أن يفتري خصمكم على
الله فيقول: ليس لله جل ذكره حجة ولكن أخبرني عن تفسير { لِكَيْلَا تَأْسَوْا
عَلَى مَا فَاتَكُمْ } [الحديد: 23] ؟ مما خص به علي عليه السلام {وَلَا
تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ } [الحديد: 23] قال: في أبي فلان وأصحابه واحدة مقدمة
وواحدة مؤخرة " لا تأسوا على ما فاتكم " مما خص به علي عليه السلام
" ولا تفرحوا بما آتاكم " من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله صلى
الله عليه وآله، فقال الرجل: أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه ثم قام الرجل وذهب فلم
أره.
المصدر : أصول الكافي
المؤلف : ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 242 - 247
تاريخ النشر : 2024-04-08