أخبرنا محمد بن
محمد، قال: أخبرني أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني، قال: حدثني محمد بن
إبراهيم، قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة، قال: حدثنا المدائني، عن رجاله : أن
المختار بن أبي عبيد الثقفي (رحمه الله) ظهر بالكوفة ليلة الأربعاء لأربع عشرة
ليلة بقيت من شهر ربيع الاخر سنة ست وستين، فبايعه الناس على كتاب الله وسنة رسول
الله (صلى الله عليه وآله) والطلب بدم الحسين بن علي (عليهما السلام) ودماء أهل
بيته (رحمة الله عليهم) والدفع عن الضعفاء، فقال الشاعر في ذلك :
ولما دعا
المختار جئنا لنصره * على الخيل تردى من كميت وأشقرا
دعا يا لثارات
الحسين فأقبلت * تعادى بفرسان الصباح لتــــــــــثأرا .
ونهض المختار
إلى عبد الله بن مطيع، وكان على الكوفة من قبل ابن الزبير فأخرجه وأصحابه منها
منهزمين، وأقام بالكوفة إلى المحرم سنة سبع وستين، ثم عمد على إنفاذ الجيوش إلى
ابن زياد وكان بأرض الجزيرة، فصير على شرطه أبا عبد الله الجدلي وأبا عمرة كيسان
مولى عرينة، وأمر إبراهيم بن الأشتر (رحمه الله) بالتأهب للمسير إلى ابن زياد
(لعنه الله)، وأمره على الاجناد، فخرج إبراهيم يوم السبت لسبع خلون من المحرم سنة
سبع وستين في ألفين من مذحج وأسد، وألفين من تميم وهمدان، وألف وخمس مائة من قبائل
المدينة، وألف وخمس مائة من كندة وربيعة، وألفين من الحمراء.
وقال بعضهم:
كان ابن الأشتر في أربعة آلاف من القبائل، وثمانية آلاف من الحمراء، وشيع المختار
إبراهيم بن الأشتر (رحمهما الله) ماشيا، فقال له إبراهيم: اركب رحمك الله، فقال:
إني لأحتسب الاجر في خطاي معك، وأحب أن تغبر قدماي في نصر ال محمد (عليهم السلام)،
ثم ودعه وانصرف.
فسار ابن
الأشتر حتى أتى المدائن، ثم سار يريد ابن زياد، فشخص المختار عن الكوفة لما أتاه
ان ابن الأشتر فد ارتحل من المدائن، وأقبل حتى نزل المدائن، فلما نزل ابن الأشتر
نهر الخازر بالموصل أقبل ابن زياد في الجموع، ونزل على أربعة فراسخ من عسكر ابن
الأشتر، ثم التقوا فحض ابن الأشتر أصحابه وقال: يا أهل الحق وأنصار الدين، هذا ابن
زياد قاتل الحسين بن علي وأهل بيته (عليهم السلام) قد أتاكم الله به وبحزبه حزب
الشيطان، فقاتلوهم بنية وصبر، لعل الله يقتله بأيديكم، ويشفي صدوركم.
وتزاحفوا ونادى
أهل العراق: يا لثارات الحسين، فجال أصحاب ابن الأشتر جولة، فناداهم: يا شرطة الله
الصبر الصبر، فتراجعوا فقال لهم عبد الله بن يسار بن أبي عقب الدؤلي: حدثني خليلي
أنا نلقى أهل الشام على نهر يقال له الخازر، فيكشفونا حتى نقول: هي هي، ثم نكر
عليهم فنقتل أميرهم، فأبشروا واصبروا فإنكم لهم قاهرون.
ثم حمل ابن
الأشتر (رحمه الله) عشيا فخالط القلب، وكسرهم أهل العراق فركبوهم يقتلونهم، فانجلت
الغمة وقد قتل عبيد الله بن زياد وحصين بن نمير وشرحبيل ابن ذي الكلاع وابن حوشب
وغالب الباهلي وعبد الله بن إياس السلمي وأبو الأشرس الذي كان على خراسان وأعيان
أصحابه (لعنهم الله).
فقال ابن الا
شتر: إني رأيت بعدما انكشفت الناس طائفة منهم قد صبرت تقاتل، فأقدمت عليهم، وأقبل
رجل اخر في كبكبة كأنه بغل أقمر ، يفري الناس، لا يدنو منه أحد إلا صرعه، فدنا مني
فضربت يده فأبنتها، وسقط على شاطئ النهر، فشرقت يداه وغربت رجلاه، فقتلته ووجدت
منه ريح المسك، وأظنه ابن زياد فاطلبوه، فجاء رجل فنزع خفيه وتأمله، فإذا هو ابن
زياد (لعنه الله) على ما وصف ابن الأشتر، فاحتز رأسه، واستوقدوا عامة الليل بجسده،
فنظر إليه مهران مولى زياد وكان يحبه حبا شديدا، فحلف ألا يأكل شحما أبدا، وأصبح الناس فحووا ما في
العسكر وهرب غلام لعبيد الله إلى الشام، فقال له عبد الملك بن مروان: متى عهدك
بابن زياد؟
فقال: جال
الناس وتقدم فقاتل، وقال: ائتني بجرة فيها ماء، فأتيته فاحتملها فشرب منها وصب
الماء بين درعه وجسده، وصب على ناصية فرسه فصهل ثم أقحمه، فهذا آخر عهدي به.
قال: وبعث ابن
الأشتر برأس ابن زياد إلى المختار وأعيان من كان معه، فقدم بالرؤوس والمختار
يتغدى، فألقيت بين يديه، فقال: الحمد لله رب العالمين، وضع رأس الحسين بن علي
(عليه السلام) بين يدي ابن زياد (لعنه الله) وهو يتغدى، وأتيت برأس ابن زياد وأنا
أتغدى.
قال: رأينا حية
بيضاء تخلل الرؤوس حتى دخلت في أنف ابن زياد وخرجت من أذنه، ودخلت في أذنه وخرجت
من أنفه، فلما فرغ المختار من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمى بها إلى
مولى له وقال: اغسلها فإني وضعتها على وجه نجس كافر.
وخرج المختار
إلى الكوفة، وبعث برأس ابن زياد ورأس حصين بن نمير ورأس شرحبيل بن ذي الكلاع مع
عبد الرحمن بن أبي عمير الثقفي وعبد الله بن شداد الجشمي والسائب بن مالك الأشعري
إلى محمد بن الحنفية بمكة وعلي بن الحسين (عليه السلام) يومئذ بمكة، وكتب إليه
معهم: " أما بعد، فإني بعثت أنصارك وشيعتك إلى عدوك يطلبونه بدم أخيك المظلوم
الشهيد، فخرجوا محتسبين محنقين آسفين، فلقوهم دون نصيبين فقتلهم رب العباد، والحمد
لله رب العالمين الذي طلب لكم الثأر، وأدرك لكم رؤساء أعدائكم، فقتلهم في كل فج
وغرقهم في كل بحر، فشفى بذلك صدور قوم مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم ".
وقدموا بالكتاب
والرؤوس عليه، فبعث برأس ابن زياد إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) فأدخل عليه
وهو يتغدى، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): أدخلت على ابن
زياد وهو يتغذى ورأس أبي بين يديه، فقلت: اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد
وأنا أتغدى، فالحمد لله الذي أجاب دعوتي. ثم أمر فرمي به، فحمل إلى ابن الزبير،
فوضعه ابن الزبير على قصبة، فحركتها الريح فسقط، فخرجت حية من تحت الستار فأخذت
بأنفه، فأعادوا القصبة فحركتها الريح فسقط، فخرجت الحية فأزمت بأنفه، فعل ذلك ثلاث
مرات، فامر ابن الزبير فالقي في بعض شعاب مكة .
قال: وكان
المختار (رحمه الله) قد سئل في أمان عمر بن سعد بن أبي وقاص، فأمنه على أن لا يخرج
من الكوفة فإن خرج منها فدمه هدر. قال: فأتى عمر بن سعد رجل فقال: إني سمعت
المختار يحلف ليقتلن رجلا، والله ما أحسبه غيرك. قال: فخرج عمر حتى أتى الحمام
فقيل له: أترى هذا يخفى على المختار؟ فرجع ليلا فدخل داره، فلما كان الغد غدوت
فدخلت على المختار، وجاء الهيثم بن الأسود فقعد، فجاء حفص ابن عمر بن سعد، فقال
للمختار: يقول لك أبو حفص: أنزلنا بالذي كان بيننا وبينك.
قال: اجلس،
فدعا المختار أبا عمرة، فجاء رجل قصير يتخشخش في الحديد فساره، ودعا برجلين فقال:
اذهبا معه، فذهب فوالله ما أحسبه بلغ دار عمر بن سعد حتى جاء برأسه، فقال المختار
لحفص: أتعرف هذا؟ فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، نعم. قال: يا أبا عمرة ألحقه
به؟ فقتله. فقال المختار (رحمه الله): عمر بالحسين، وحفص بعلي بن الحسين، ولا
سواء.
قال: واشتد أمر
المختار بعد قتل ابن زياد وأخاف الوجوه وقال : لا يسوغ لي طعام ولا شراب حتى أقتل
قاتلة الحسين بن علي (عليه السلام) وأهل بيته، وما من ديني أترك أحدا منهم حيا.
وقال: أعلموني من شرك في دم الحسين وأهل بيته، فلم يكن يؤتونه برجل فيقولون هذا من
قتلة الحسين أو من أعان عليه إلا قتله، وبلغه أن شمر ابن ذي الجوشن
(لعنه الله) أصاب مع الحسين إبلا فأخذها، فلما قدم الكوفة نحرها وقسم لحومها. فقال
المختار: احصوا لي كل دار دخل فيها شئ من ذلك اللحم، فأحصوها فأرسل إلى من كان أخذ
منها شيئا فقتلهم وهدم دورا بالكوفة.
وأتي المختار
بعبد الله بن أسيد الجهني ومالك بن الهيثم البدائي من كندة وحمل بن مالك المحاربي،
فقال: يا أعداء الله، أين الحسين بن علي؟ قالوا: أكرهنا على الخروج إليه. قال:
أفلا مننتم عليه وسقيتموه من الماء، وقال للبدائي: أنت صاحب برنسه لعنك الله. قال:
لا. قال: بلى. ثم قال: اقطعوا يديه ورجليه، ودعوه يضطرب حتى يموت، فقطعوه، وأمر
بالآخرين فضربت أعناقهما، وأتى بقراد بن مالك وعمرو بن خالد وعبد الرحمن البجلي
وعبد الله بن قيس الخولاني فقال لهم: يا قتلة الصالحين، ألا ترون الله بريئا منكم،
لقد جاءكم الورس بيوم نحس، فأخرجهم إلى السوق فقتلهم.
وبعث المختار
معاذ بن هانئ الكندي وأبا عمرة كيسان إلى دار خولي بن يزيد الأصبحي - وهو الذي حمل
رأس الحسين (عليه السلام) إلى ابن زياد - فأتوا داره فاستخفى في المخرج، فدخلوا
عليه فوجدوه قد أكب على نفسه قوصرة ، فأخذوه وخرجوا يريدون المختار، فتلقاهم في
ركب، فردوه إلى داره، وقتله عندها وأحرقه.
وطلب المختار
شمر بن ذي الجوشن فهرب إلى البادية، فسعي به إلى أبي عمرة، فخرج إليه مع نفر من
أصحابه فقاتلهم قتالا شديدا فأثخنته الجراحة، فأخذه أبو عمرة أسيرا، وبعث به إلى
المختار فضرب عنقه، وأغلى له دهنا في قدر وقذفه فيها فتفسخ، ووطئ مولى لآل حارثة
بن مضرب وجهه ورأسه، ولم يزل المختار يتتبع قتلة الحسين (عليه السلام) وأهله حتى
قتل منهم خلقا كثيرا، وهرب الباقون فهدم دورهم، وقتلت العبيد
مواليهم الذين قاتلوا الحسين (عليه السلام)، فأتوا المختار فأعتقهم.
المصدر : الأمالي
المؤلف : شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي
الجزء والصفحة : ص 240
تاريخ النشر : 2024-01-03