التفسير بالمأثور/تأويل الآيات والروايات/الإمام الصادق (عليه السلام)
عن أبي عبد الله
عليه السلام قال : كان علي عليه السلام كثيرا ما يقول : ما اجتمع التيمي والعدوي
وساق الحديث نحو ما مر إلى قوله : إلا الحج والعمرة والجوار. قال : وقال رجل لابي
جعفر عليه السلام : يابن رسول الله لا تغضب علي! قال : لماذا؟ قال : لما اريد أن
أسألك عنه ، قال : قل ، قال : ولا تغضب ، قال : ولا أغضب قال : أرأيت قولك في ليلة
القدر : وتنزل الملائكة والروح فيها إلى الاوصياء، يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله
صلى الله عليه وآله قد علمه ، أو يأتونهم بأمر كان رسول الله صلى الله عليه
وآله يعلمه؟ وقد علمت أن
رسول الله (صلى الله عليه وآله) مات وليس من علمه شئ إلا وعلي عليه السلام له واع.
قال أبو جعفر
عليه السلام : ما لي ولك أيها الرجل؟ ومن أدخلك علي؟ قال : أدخلني القضاء لطلب الدين ، قال : فافهم ما
أقول لك ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أسري به لم يهبط حتى
أعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون ، وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي
تفسيرها في ليلة القدر ، وكذلك كان علي بن أبي طالب عليه السلام قد علم جمل العلم
، ويأتي تفسيره في ليالي القدر كما كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال السائل :
أوما كان في الجمل تفسير؟ قال : بلى ، ولكنه إنما يأتي بالامر من الله تبارك
وتعالى في ليالي القدر إلى النبي صلى الله عليه وآله وإلى الاوصياء : افعل كذا وكذا لأمر قد
كانوا علموه ، امروا كيف يعملون فيه ، قلت : فسر لي هذا ، قال : لم يمت رسول الله
صلى الله عليه وآله إلا حافظا لجملة العلم وتفسيره ، قلت : فالذي كان يأتيه في
ليالي القدر علم ما هو؟ قال : الامر واليسر فيما كان قد علم.
قال السائل :
فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟ قال : هذا مما امروا بكتمانه ولا
يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله عزوجل ، قال السائل : فهل يعلم الاوصياء ما لم
يعلم الانبياء؟ قال : لا ، وكيف يعلم وصي غير علم ما أوصى إليه؟
قال السائل :
فهل يسعنا أن نقول : إن أحدا من الاوصياء يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال : لا ، لم يمت نبي إلا وعلمه في جوف وصيه ، وإنما
تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد.
قال السائل :
وما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال : بلى قد علموه ، ولكنهم لا يستطيعون إمضاء شئ منه
حتى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة قال السائل : يا أبا جعفر
لا أستطيع إنكار هذا. قال أبو جعفر عليه السلام : من أنكره فليس منا.
قال السائل :
يابا جعفر أرأيت النبي صلى الله عليه وآله هل كان يأتيه في ليالي القدر شيء لم
يكن علمه؟ قال : لا يحل لك أن تسألني عن هذا ، أما علم ما كان وما سيكون فليس يموت
نبي ولا وصي إلا والوصي الذي بعده يعلمه ، أما هذا العلم الذي تسأل عنه فإن الله
عز وعلا أبى أن يطلع الاوصياء عليه إلا أنفسهم.
قال السائل :
يابن رسول الله كيف أعرف إن ليلة القدر تكون في كل سنة؟ قال : إذا أتى شهر رمضان
فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة ، فإذا أنت ليلة ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى
تصديق الذي سألت عنه.
وقال : قال أبو
جعفر عليه السلام : لما يزور من بعثه الله عزوجل للشقاء على أهل الضلالة من أجناد
الشياطين وأرواحهم أكثر مما أن يزور خليفة الله الذي بعثه للعدل والصواب من
الملائكة ، قيل : يابا جعفر وكيف يكون شئ أكثر من الملائكة؟ قال : كما شاء الله
عزوجل.
قال السائل :
يابا جعفر إني لو حدثت بعض الشيعة بهذا الحديث لأنكروه قال : كيف ينكرونه؟ قال : يقولون : إن الملائكة عليهم
السلام أكثر من الشياطين ، قال : صدقت افهم عني ما أقول، إنه ليس من يوم ولا ليلة
إلا وجميع الجن والشياطين تزور أئمة الضلالة ويزور إمام الهدى عددهم من الملائكة
حتى إذا أتت ليلة القدر فيهبط فيها من الملائكة إلى ولي الامر خلق الله ، أو قال :
قيض الله عزوجل من الشياطين بعددهم ثم زاروا ولي الضلالة فأتوه بالافك والكذب حتى
لعله يصبح فيقول : رأيت كذا وكذا ، فلو سأل ولي الامر عن ذلك لقان : رأيت شيطانا
أخبرك بكذا وكذا حتى يفسر له تفسيرها ويعلمه الضلالة التى هو عليها.
وأيم الله إن من
صدق بليلة القدر لعلم أنها لنا خاصة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي
صلوات الله عليه حين دنا موته : هذا وليكم من بعدي فان أطعتموه رشدتم» ولكن من لا يؤمن بما في ليلة القدر منكر ومن
آمن بليلة القدر ممن على غير رأينا فإنه لا يسعه في الصدق إلا أن يقول : إنها لنا
، ومن لم يقل فإنه كاذب ، إن الله عزوجل أعظم من أن ينزل الامر مع الروح والملائكة
إلى كافر فاسق.
فإن قال : إنه
ينزل إلى الخليفة الذي هو عليها فليس قولهم ذلك بشئ ، و إن قالوا : إنه ليس ينزل
إلى أحد فلا يكون أن ينزل شئ إلى غير شئ ، وإن قالوا وسيقولون : ليس هذا بشئ ، فقد
ضلوا ضلالا بعيدا.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 25 / صفحة [ 80 ]
تاريخ النشر : 2025-03-20