فَحَقُّ أُمِّكَ،
فَــأَنْ تَعْلَمَ أَنَّهَا حَمَلَتكَ حَيْثُ لا يَحْمِلُ أَحَدٌ أَحَدًا
وَأَطْعَمَتكَ مِنْ ثَمَرَةِ قَلْبها مَا لا يُطْعِمُ أَحَدٌ أَحَدًا، وَأَنَّهَا
وَقَتكَ بسَمْعِهَـــا وبَصَرِهَــا ويَدِهَـا وَرِجْلهــا وَشَعْرِهَا
وبَشَرِهَا وَجَمِيعِ جَوَارِحِهَــا مُسْتَبشِرَةً بذَلِكَ،
فَرِحَــةً مُوَابلَةً، مُحْتَمِلَةً لِمَـا فِيهِ مَكْرُوهُهــا
وأَلَمُهـــا وثِقْلُهـــا وَغَمُّهَا حَتَّى دَفَعَتهَا عَنْكَ يَدُ
الــقُدْرَةِ وَأَخرَجَتكَ إلَى الأَرضِ فَرَضِيَتْ أَنْ
تَشْبَــعَ وتجـــُوعُ هِيَ، وَتَكْسُوكَ وَتعْرَى، وَتُرْوِيكَ
وَتَظْمَــأُ، وَتُظِلُّكَ وتَضْحَى، وَتُنَعِّمَـكَ
ببُؤْسِهَـــا، وَتُلَذِّذُكَ بالنَّوْمِ بأَرَقِهَا، وَكَانَ
بَطْنُهَـــا لَكَ وِعَاءً، وَحِجْرُهَـــا لَكَ حِوَاءً، وثَدْيُهَا لَكَ
سِقَاءً، ونَفْسُهَـــا لَكَ وِقَـــاءً، تُبَاشِرُ حَرَّ الدُّنيَا وبَرْدِهَــــا
لَكَ وَدُونَكَ، فَتَشْكُرَهَا عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ وَلا تَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاّ
بعَونِ اللَّهِ وَتَوفِيقِه.
تاريخ النشر : 2023-06-01