أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/سيرة وتاريخ/الإمام الكاظم (عليه السلام)
علي بن إبراهيم وأحمد بن مهران جميعا، عن محمد بن علي، عن الحسن بن راشد، عن
يعقوب بن جعفر قال: كنت عند أبي إبراهيم عليه السلام وأتاه رجل من أهل نجران اليمن
من الرهبان ومعه راهبة، فاستأذن لهما الفضل بن سوار، فقال له: إذا كان غدا فأت
بهما عند بئر أم خير، قال: فوافينا من الغد فوجدنا القوم قد وافوا فأمر بخصفة
بواري، ثم جلس وجلسوا فبدأت الراهبة بالمسائل فسألت عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبها،
وسألها أبو إبراهيم عليه السلام عن أشياء، لم يكن عندها فيه شئ، ثم أسلمت ثم أقبل
الراهب يسأله فكان يجيبه في كل ما يسأله، فقال الراهب: قد كنت قويا على ديني وما
خلفت أحدا من النصارى في الأرض يبلغ مبلغي في العلم ولقد سمعت برجل في الهند، إذا
شاء حج إلى بيت المقدس في يوم وليلة، ثم رجع إلى منزله بأرض الهند فسألت عنه بأي
أرض هو؟ فقيل لي: إنه بسبذان وسألت الذي اخبرني فقال: هو علم الاسم الذي ظفر به
آصف صاحب سليمان لما أتى بعرش سبأ وهو الذي ذكره الله لكم في كتابكم ولنا معشر
الأديان في كتبنا، فقال له أبو إبراهيم عليه السلام: فكم لله من اسم لا يرد؟ فقال
الراهب: الأسماء كثيرة فأما المحتوم منها الذي لا يرد سائله فسبعة، فقال له أبو
الحسن عليه السلام: فأخبرني عما تحفظ منها، قال الراهب لا والله الذي أنزل التوراة
على موسى وجعل عيسى عبرة للعالمين وفتنة لشكر اولي الألباب وجعل محمدا بركة ورحمة وجعل عليا عليه السلام عبرة وبصيرة وجعل
الأوصياء من نسله ونسل محمد ما أدري، ولو دريت ما احتجت فيه إلى كلامك ولا جئتك
ولا سألتك، فقال له أبو إبراهيم عليه السلام: عد إلى حديث الهندي، فقال له الراهب:
سمعت بهذه الأسماء ولا أدري ما بطانتها ولا شرايحها ولا أدري ما هي ولا كيف هي ولا
بدعائها، فانطلقت حتى قدمت سبذان الهند، فسألت عن الرجل، فقيل لي: إنه بنى ديرا في
جبل فصار لا يخرج ولا يرى إلا في كل سنة مرتين وزعمت الهند أن الله فجر له عينا في
ديره وزعمت الهند انه يزرع له من غير زرع يلقيه ويحرث له من غير حرث يعمله،
فانتهيت إلى بابه فأقمت ثلاثا، لا أدق الباب ولا أعالج الباب، فلما كان اليوم
الرابع فتح الله الباب وجاءت بقرة عليها حطب تجر ضرعها، يكاد يخرج ما في ضرعها من
اللبن فدفعت الباب فانفتح فتبعتها ودخلت، فوجدت الرجل قائما ينظر إلى السماء فيبكي
وينظر إلى الأرض فيبكي وينظر إلى الجبال فيبكي، فقلت: سبحان الله ما أقل ضربك في
دهرنا هذا، فقال لي: والله ما أنا إلا حسنة من حسنات رجل خلفته وراء ظهرك، فقلت
له: أخبرت أن عندك اسما من أسماء الله تبلغ به في كل يوم وليلة بيت المقدس وترجع
إلى بيتك، فقال لي: وهل تعرف بيت المقدس؟ قلت: لا أعرف إلا بيت المقدس الذي
بالشام؟ قال: ليس بيت المقدس ولكنه البيت المقدس وهو بيت آل محمد صلى الله عليه
وآله، فقلت له: أما ما سمعت به إلى يومي هذا فهو بيت المقدس، فقال لي: تلك محاريب الأنبياء، وإنما كان يقال لها: حظيرة المحاريب، حتى جاءت الفترة
التي كانت بين محمد وعيسى صلى الله عليهما وقرب البلاء من أهل الشرك وحلت النقمات
في دور الشياطين فحولوا وبدلوا ونقلوا تلك الأسماء وهو قول الله تبارك وتعالى -
البطن لآل محمد والظهر مثل -: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا
أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23]
فقلت له: إني قد ضربت إليك من بلد بعيد، تعرضت إليك بحارا وغموما وهموما وخوفا
وأصبحت وأمسيت مؤيسا إلا أكون ظفرت بحاجتي، فقال لي: ما أرى أمك حملت بك إلا وقد
حضرها ملك كريم ولا أعلم أن أباك حين أراد الوقوع بأمك إلا وقد اغتسل وجاء ها على
طهر ولا أزعم إلا أنه قد كان درس السفر الرابع من سحره ذلك، فختم له بخير، ارجع من
حيث جئت، فانطلق حتى تنزل مدينة محمد صلى الله عليه وآله التي يقال لها: طيبة
وقد كان اسمها في الجاهلية يثرب، ثم اعمد إلى موضع منها يقال له: البقيع، ثم سل عن
دار يقال لها: دار مروان، فانزلها وأقم ثلاثا ثم سل [عن] الشيخ الأسود الذي يكون
على بابها يعمل البواري وهي في بلادهم، اسمها الخصف، فالطف بالشيخ وقل له: بعثني
إليك نزيلك الذي كان ينزل في الزاوية في البيت الذي فيه الخشيبات الأربع، ثم سله
عن فلان بن فلان الفلاني وسله أين ناديه وسله أي ساعة يمر فيها فليريكاه أو يصفه
لك، فتعرفه بالصفة وسأصفه لك، قلت: فإذا لقيته فاصنع ماذا؟ قال: سله عما كان وعما هو كائن
وسله عن معالم دين من مضى ومن بقي، فقال له أبو إبراهيم عليه السلام: قد نصحك
صاحبك الذي لقيت، فقال الراهب ما اسمه جعلت فداك؟ قال: هو متمم بن فيروز وهو من
أبناء الفرس وهو ممن آمن بالله وحده لا شريك له وعبده بالاخلاص والايقان وفر من
قومه لما خافهم، فوهب له ربه حكما وهداه لسبيل الرشاد وجعله من المتقين وعرف بينه
وبين عباده المخلصين وما من سنة إلا وهو يزور فيها مكة حاجا ويعتمر في رأس كل شهر
مرة ويجيئ من موضعه من الهند إلى مكة، فضلا من الله وعونا وكذلك يجزي الله
الشاكرين، ثم سأله الراهب عن مسائل كثيرة، كل ذلك يجيبه فيها وسأل الراهب عن
أشياء، لم يكن عند الراهب فيها شئ، فأخبره بها، ثم إن الراهب قال: أخبرني عن
ثمانية أحرف نزلت فتبين في الأرض منها أربعة وبقي في الهواء منها أربعة، على من
نزلت تلك الأربعة التي في الهواء ومن يفسرها؟ قال: ذاك قائمنا، ينزله الله عليه
فيفسره وينزل عليه ما لم ينزل على الصديقين والرسل والمهتدين، ثم قال الراهب،
فأخبرني عن الاثنين من تلك الأربعة الأحرف التي في الأرض ما هي؟ قال: أخبرك
بالأربعة كلها، أما أولهن فلا إله إلا الله وحده لا شريك له باقيا، والثانية محمد
رسول الله صلى الله عليه وآله مخلصا، والثالثة نحن أهل البيت، والرابعة شيعتنا منا
ونحن من رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله من الله بسبب، فقال له الراهب،
أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن ما جاء به من عند الله حق وأنكم
صفوة الله من خلقه وأن شيعتكم المطهرون المستبدلون ولهم عاقبة الله رب العالمين، فدعا أبو إبراهيم عليه السلام بجبة خز وقميص
قوهي وطيلسان وخف وقلنسوة، فأعطاه إياها وصلى الظهر وقال له: اختتن، فقال: قد
اختتنت في سابعي.
المصدر : أصول الكافي
المؤلف : ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني
الجزء والصفحة : ج1 ، ص 481
تاريخ النشر : 2024-09-03