أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير العياشي
عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام
عاد إلى الحديث الاول قال: واشتد حزنه -
يعني يعقوب - حتى تقوس ظهره، وأدبرت الدنيا عن
يعقوب وولده حتى احتاجوا حاجة شديدة وفنيت ميرهم، فعند ذلك قال يعقوب لولده:
" اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا
تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم
الكافرون " فخرج منهم نفر وبعث معهم بضاعة يسيرة وكتب معهم كتابا إلى عزيز مصر
يعطفه على نفسه وولده، وأوصى ولده أن يبدوا بدفع كتابه قبل البضاعة فكتب: بسم الله
الرحمن الرحيم إلى عزيز مصر ومظهر العدل وموفي الكيل من يعقوب ابن
إسحاق بن إبراهيم خليل الله صاحب نمرود الذي جمع لإبراهيم الحطب والنار ليحرقه بها
فجعل الله عليه بردا وسلاما وأنجاه منها، اخبرك أيها العزيز أنا أهل بيت قديم لم
يزل البلاء إلينا سريعا من الله ليبلونا بذلك عند السراء والضراء، وأن مصائب تتابعت
علي منذ عشرين سنة، أولها أنه كان لي ابن سميته يوسف، وكان سروري من بين ولدي،
وقرة عيني، وثمرة فؤادي، وإن إخوته من غير أمه سألوني أن أبعثه معهم يرتع ويلعب
فبعثته معهم بكرة، وإنهم جاؤوني عشاء يبكون وجاؤوني على قميصه بدم كذب فزعموا أن
الذئب أكله، فاشتد لفقده حزني، وكثر على فراقه بكائي حتى ابيضت عيناي من الحزن، وإنه
كان له أخ من خالته وكنت به معجبا وعليه رفيقا، وكان لي أنيسا، وكنت إذا ذكرت
يوسف ضممته إلى صدري فيسكن بعض ما أجد في صدري، وإن إخوته ذكروا لي أنك أيها العزيز
سألتهم عنه وأمرتهم أن يأتوك به وإن لم يأتوك به منعتهم الميرة لنا من القمح من
مصر فبعثته معهم ليتماروا لنا قمحا فرجعوا إلي فليس هو معهم، وذكروا أنه سرق مكيال
الملك، ونحن أهل بيت لا نسرق، وقد حبسته وفجعتني به، وقد اشتد لفراقه حزني حتى
تقوس لذلك ظهري، وعظمت به مصيبتي مع مصائب متتابعات علي، فمن علي بتخلية سبيله
وإطلاقه من محبسه وطيب لنا القمح، واسمح لنا في السعر، وعجل سراح آل يعقوب.
فلما مضى ولد يعقوب من عنده نحو مصر بكتابه نزل جبرئيل على يعقوب فقال له: يا
يعقوب إن ربك يقول لك: من ابتلاك بمصائبك التي كتبت بها إلى عزيز مصر ؟ قال يعقوب:
أنت بلوتني بها عقوبة منك وأدبا لي، قال الله: فهل كان يقدر على صرفها عنك أحد
غيري ؟ قال يعقوب: اللهم لا، قال: أفما استحييت مني حين شكوت مصائبك إلى غيري ولم
تستغث بي وتشكو ما بك إلي ؟ ! فقال يعقوب: أستغفرك يا إلهي وأتوب إليك وأشكو بثي
وحزني إليك، فقال لله تبارك وتعالى: قد بلغت بك يا يعقوب وبولدك الخاطئين الغاية
في أدبي، ولو كنت يا يعقوب شكوت مصائبك إلي عند نزولها بك واستغفرت وتبت إلي من
ذنبك لصرفتها عنك بعد تقديري إياها عليك، ولكن الشيطان أنساك ذكري فصرت إلى القنوط
من رحمتي، وأنا الله الجواد الكريم، احب عبادي المستغفرين التائبين الراغبين إلى
فيما عندي ; يا يعقوب أنا راد إليك يوسف وأخاه، ومعيد إليك ما ذهب من مالك ولحمك
ودمك، وراد إليك بصرك، ويقوم لك ظهرك، فطب نفسا، وقر عينا، وإن الذي فعلته بك
كان أدبا مني لك فاقبل أدبي. ومضى ولد يعقوب بكتابه نحو مصر حتى دخلوا على يوسف في
دار المملكة فقالوا: يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا
الكيل وتصدق علينا بأخينا ابن يامين، وهذا كتاب أبينا يعقوب إليك في أمره يسألك أن
تمن به عليه، قال: فأخذ يوسف كتاب يعقوب فقبله ووضعه على عينيه وبكى وانتحب حتى بلت
دموعه القميص الذي عليه، ثم أقبل عليهم فقال: هل علمتم ما فعلتم بيوسف من قبل وأخيه
من بعد ؟ قالوا: أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ؟ قال: أنا يوسف وهذا أخي قد من الله
علينا، وقالوا: تالله لقد آثرك الله علينا فلا
تفضحنا ولا تعاقبنا اليوم واغفر لنا، قال: لا
تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 12 / صفحة [312]
تاريخ النشر : 2024-08-05