أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/الامامة/مواضيع متفرقة
وجدت في كتاب
سليم بن قيس الهلالي برواية أبان بن أبي عياش عنه موافقا لما رواه الطبرسي ره عنه
في الاحتجاج : سليم بن قيس قال : سمعت
سلمان الفارسي ـ ره ـ قال : لما أن قبض النبي صلى الله عليه وآله وصنع الناس ما
صنعوا ، جاء أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح
فخاصموا الانصار فخصومهم بحجة علي فقالوا يا معشر الانصار قريش أحق بالأمر منكم ،
لان رسول الله صلى الله عليه وآله من قريش ، والمهاجرون خير منكم ، لان الله
بدء بهم في كتابه وفضلهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الائمة من قريش.
وقال سلمان : فأتيت
عليا وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد كان رسول الله صلى الله
عليه وآله أوصى عليا عليه السلام أن لا يلي غسله غيره ، فقال : يا رسول الله
(ص) من يعينني على ذلك؟ فقال : جبرئيل ، فكان علي عليه السلام لا يريد عضوا إلا
قلب له ، فلما غسله وحنطه وكفنه أدخلني وأدخل أباذر والمقداد وفاطمة والحسن والحسين
عليهم السلام فتقدم وصففنا خلفه ، وصلى عليه ، والعائشة في الحجرة لا تعلم ، قد أخذ
الله ببصرها ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الانصار فكانوا يدخلون ويدعون
ويخرجون ، حتى لم يبق أحد شهد من المهاجرين والانصار إلا صلى عليه.
قال سلمان
الفارسي فأخبرت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله بما
صنع القوم ، وقلت إن ابا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله ما
يرضون أن يبايعوا له بيد واحدة ، وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله؟ فقال
علي عليه السلام : يا سلمان وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله؟ قلت :
لا إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الانصار وكان أول من بايعه المغيرة بن
شعبة ثم بشير ابن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي
حذيفة ومعاذ بن جبل.
قال : لست أسألك
عن هؤلاء ، ولكن تدرى من أول من بايعه حين صعد المنبر؟ قلت : لا ، ولكن رأيت شيخا كبيرا يتوكأ
على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير ، صعد المنبر أول من صعد وخر وهو يبكي
ويقول « الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان ، أبسط يدك » فبسط يديه
فبايعه ، ثم قال : « يوم كيوم آدم » ثم نزل فخرج من المسجد.
فقال علي عليه السلام
: يا سلمان أتدري من هو؟ قلت : لا ، ولقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله
صلى الله عليه وآله ، قال علي عليه السلام : فان ذلك إبليس لعنه الله ، أخبرني
رسول الله صلى الله عليه وآله أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله (ص) إياي
يوم غدير خم بما أمره الله ، فأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم ، وأمرهم أن يبلغ
الشاهد الغائب فأقبل إلى إبليس أبالسته ومردة أصحابه ، فقالوا إن هذه الامة أمة
مرحومة معصومة فما لك ولا لنا عليهم سبيل ، وقد أعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيهم ،
فانطلق إبليس كئيبا حزينا.
وقال أمير
المؤمنين عليه السلام : فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن لو قبض أن
الناس سيبايعون ابا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا ، ثم يأتون
المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا
، ثم يخرج فيجمع شياطينه وأبا لسته فيخرون سجدا ويقولون يا سيدهم يا كبيرهم أنت
الذي أخرجت آدم من الجنة ، فيقول أي امة لم تضل بعد نبيها؟ كلا زعمتم أن ليس لي
عليهم سبيل ، فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته ،
وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وذلك قوله تعالى « ولقد صدق عليهم إبليس ظنه
فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ».
قال سلمان :
فلما أن كان الليل ، حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيد
ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام ، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا
من الانصار إلا أتاه في منزلة ، فذكرهم حقه ، ودعاهم إلى نصرته ، فما استجاب له
منهم إلا أربعة وأربعون رجلا ، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم ، معهم سلاحهم
، ليبايعوه على الموت ، فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة فقلت لسلمان : من الاربعة؟ فقال : أنا وأبو ذر والمقداد
والزبير بن العوام ، ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة ، فناشدهم
فقالوا نصبحك بكرة ، فما منهم أحد أتاه غيرنا ، ثم أتاهم الليلة الثالثة : فما
أتاه غيرنا.
فلما رأى علي
عليه السلام غدرهم ، وقلة وفائهم له ، لزم بيته ، وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه
، فلم يخرج من بيته حتى جمعه ، وكان في الصحف والشظاظ والاكتاف والرقاع ، فلما
جمعه كله وكتبه بيده : تنزيله وتأويله ، والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر
اخرج فبايع ، فبعث إليه علي عليه السلام أني مشغول وقد آليت على نفسي يمينا أن لا
أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أولف القرآن وأجمعه.
فسكتوا عنه
أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه ، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد
رسول الله (ص) ، فنادى علي عليه السلام بأعلى صوته : أيها الناس إني لم أزل منذ
قبض رسول الله صلى الله عليه وآله مشغولا بغسله ، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في
هذا الثوب الواحد ، فلم ينزل الله على رسوله آية منه إلا وقد جمعتها وليست منه آية
إلا وقد أقرأنيها رسول الله (ص) وعلمني تأويلها ثم قال علي عليه السلام لئلا
تقولوا غدا أنا كنا عن هذا غافلين.
ثم قال لهم علي
عليه السلام : لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ، ولم أذكركم حقي ،
ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته ، فقال له عمر : ما أغنانا بما معنا
من القرآن عما تدعونا إليه ، ثم دخل علي عليه السلام بيته وقال عمر لابي بكر :
أرسل إلى علي فليبايع ، فانا لسنا في شيء حتى يبايع ، ولو قد بايع أمناه ، فأرسل
إليه أبو بكر أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه الرسول فقال
له ذلك فقال له علي (ع) : سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه
وآله إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري ، وذهب الرسول
فأخبره بما قال له ، ، فقال : اذهب فقل له أجب أمير المؤمنين ابا بكر ، فأتاه
فأخبره بما قال : فقال علي عليه السلام : سبحان الله! ما ـ والله طال العهد فينسى
، والله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي ، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه
وآله وهو سابع سبعة فسلموا على بإمرة المؤمنين فاستفهم هو وصاحبه من بين السبعة
فقالا : أمر من الله ورسوله؟
فقال لهم رسول
الله صلى الله عليه وآله : نعم حقا من الله ورسوله ، إنه أمير المؤمنين ، وسيد المسلمين
، وصاحب لواء الغر المحجلين يقعده الله عزوجل يوم القيامة على الصراط فيدخل
أولياءه الجنة وأعداءه النار فانطلق الرسول فأخبره بما قال فسكتوا عنه يومهم ذلك.
قال : فلما كان
الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن
والحسين عليهما السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله (ص) إلا أتاه في منزله فناشدهم
الله حقه ، ودعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة فانا حلقنا رؤوسنا
وبذلنا له نصرتنا ، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته ، فلما أن رأى علي عليه السلام
خذلان الناس إياه وتركهم نصرته ، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إياه ، لزم
بيته.
فقال عمر لابي
بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع ، فانه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير
هؤلاء الاربعة ، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا،
والاخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما ، فقال له أبو بكر : من نرسل إليه؟ فقال عمر نرسل
إليه قنفذا فهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء ، أحد بني عدي بن كعب ، فأرسله وأرسل
معه أعوانا ، وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام فأبى أن يأذن لهم فرجع أصحاب
قنفذ إلى أبي بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما ، فقالوا : لم يؤذن
لنا.
فقال عمر :
اذهبوا فان أذن لكم وإلا فادخلوا بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام
أحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير اذن ، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون ، فقالوا : ان
فاطمة قالت كذا وكذا ، فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير اذن.
فغضب عمرو قال
مالنا وللنساء ثم أمرا ناسا حوله بتحصيل الحطب وحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه
حول منزل علي (ع) وفيه علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام ثم نادى عمر حتى أسمع
عليا وفاطمة : والله لتخرجن يا علي ولتبايعين خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك
النار ، فقامت فاطمة عليها السلام فقالت : يا عمر مالنا ولك؟ فقال افتحي الباب
وإلا أحرقنا عليكم بيتكم ، فقالت : يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ فأبى أن ينصرف
ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل.
فاستقبلته فاطمة
عليها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله! فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به
جنبها ، فصرخت يا أبتاه ، فرفع السوط فضرب به ذارعها ، فنادت يا رسول الله لبئس ما
خلفك أبو بكر وعمر ، فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته ،
وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به، فقال : والذي
كرم محمدا (ص) بالنبوة يا ابن صهاك لولا كتاب من الله سبق ، وعهد عهد إلي رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلمت أنك لا تدخل بيتي.
فأرسل عمر
يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار ، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ
إلى ابي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدته
، فقال أبو بكر لقنفذ ارجع فان خرج فاقتحم عليه بيته ، فان امتنع فأضرم عليهم
بيتهم النار فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي عليه السلام
إلى سيفه فسبقوه اليه وكاثروه ، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه ، فألقوا في عنقه حبلا
وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط
، فماتت حين ماتت وان في عصدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله ثم انطلقوا بعلي
عليه السلام يتل حتى انتهى به إلى أبي بكر ، وعمر قائم بالسيف على رأسه ، وخالد
بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن
شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وساير الناس حول أبي بكر عليهم السلاح.
قال : قلت
لسلمان : أدخلوا على فاطمة بغير اذن؟ قال اي والله ، وما عليها خمار فنادت يا
أبتاه يا رسول الله فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر ، وعيناك لم تتفقأ في قبرك ، تنادي
بأعلى صوتها، فلقد رأيت ابا بكر ومن حوله يبكون ما فيهم الا باك غير عمر وخالد بن
الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول : انا لسنا من النساء ورأيهن في شيء ، قال :
فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبي بكر وهو يقول : أما والله لو وقع سيفي في يدي
لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا أبدا ، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم ، ولو كنت
استمسك من أربعين رجلا لفرقت جماعتكم ، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني.
ولما أن بصر به
أبو بكر صاح : خلوا سبيله ، فقال علي عليه السلام : يا ابا بكر ما أسرع ما توثبتم
على رسول الله صلى الله عليه وآله بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك؟ ألم
تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله؟ وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها
السلام بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل اليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة
فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعا من جنبها فألقت جنينا من بطنها
فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت ـ صلى الله عليها ـ من ذلك شهيدة.
قال : ولما
انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال له بايع ودع عنك هذه
الاباطيل فقال له علي عليه السلام : فان لم أفعل فما أنتم صانعون؟ قالوا نقتلك ذلا
وصغارا ، فقال اذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله صلى الله عليه وآله قال أبو بكر
أما عبد الله فنعم وأما أخو رسول الله (ص) فما نقر لك بهذا ، قال أتجحدون أن رسول
الله صلى الله عليه وآله آخى بيني وبينه؟ قال : نعم ، فأعاد ذلك عليه ثلاث مرات.
ثم أقبل عليهم
علي عليه السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والانصار! أنشدكم الله
أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا
وكذا ، فلم يدع علي عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله (ص) علانية للعامة الا ـ
ذكرهم اياه ، فقالوا اللهم نعم ، فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم
، فقال : كلما قلت حق قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا ولكن قد سمعت رسول الله صلى الله
عليه وآله يقول : بعد هذا إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا ، واختار لنا الاخرة
على الدنيا ، وان الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فقال علي عليه السلام
: هل أحد من أصحاب رسول الله (ص) شهد هذا معك؟ فقال عمر : صدق خليفة رسول الله ،
قد سمعنا هذا منه كما قال وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل قد
سمعنا ذلك من رسول الله (ص) ، فقال علي عليه السلام لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي
قد تعاقدتم عليها في الكعبة : ان قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الامر عنا أهل
البيت ، فقال أبو بكر : فما علمك بذلك ما أطلعناك عليها؟ فقال علي عليه السلام :
أنت يا زبير وأنت يا سليمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد أسألكم بالله
وبالإسلام أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك وأنتم تسمعون أن
فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على
ما صنعوا؟
فقالوا اللهم
نعم ، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول ذلك لك : إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا
على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أو مت أن يزووا عنك هذا يا علي فقلت :
بأبي أنت يا رسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك أن افعل؟ فقال لك : ان وجدت عليهم
أعوانا فجاهدهم ونابذهم ، وان لم تجد أعوانا فبايعهم واحقن دمك ، فقال علي عليه السلام
: أما والله لو أن اولئك الاربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله ،
ولكن أما والله لا ينالها أحد من عقبكما إلى يوم القيمة ، وفيما يكذب قولكم على
رسول الله صلى الله عليه وآله قول الله « أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من
فضله فقد آتينا آل ابراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما » فالكتاب النبوة،
والحكمة السنة ، والملك الخلافة ، ونحن آل إبراهيم، فقام المقداد فقال : يا علي
بما تأمر؟ والله ان أمرتني لأضربن بسيفي وان أمرتني كففت ، فقال علي عليه السلام
: كف يا مقداد واذكر عهد رسول الله (ص) وما أوصاك به.
ثم قمت وقلت :
والذي نفسي بيده لو أني أعلم اني أدفع ضيما واعز لله دينا لوضعت سيفي على عنقي ،
ثم ضربت به قدما أتثبون على أخي رسول الله (ص) ووصيه وخليفته في أمته وأبي ولده؟
فأبشروا بالبلاء ، واقنطوا من الرخاء. وقام
أبو ذر فقال أيتها الامة المتحيرة بعد نبيها ، المخذولة بعصيانها ، إن الله يقول :
« إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من
بعض والله سميع عليم » وآل محمد (ص) الاخلاف من نوح وآل ابراهيم من ابراهيم
والصفوة والسلالة من إسماعيل ، وعترة النبي صلى الله عليه وآله محمد أهل بيت
النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، وهم كالسماء المرفوعة ، والجبال
المنصوبة ، والكعبة المستورة ، والعين الصافية ، والنجوم الهادية ، والشجرة المباركة
، أضاء نورها ، وبورك زيتها ، محمد خاتم الانبياء ، وسيد ولد آدم وعلي وصي
الاوصياء ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ، وهو الصديق الاكبر والفاروق
الاعظم ، ووصي محمد صلى الله عليه وآله ووارث علمه وأولى الناس بالمؤمنين من
أنفسهم كما قال الله تعالى « النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه امهاتهم
واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله » فقدموا من قدم الله ، وأخروا من
أخر الله واجعلوا الولاية والوزارة لمن جعل الله.
فقام عمر فقال لابي
بكر وهو جالس فوق المنبر : ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك؟
أو تأمر به فنضرب عنقه ، والحسن والحسين عليهما السلام قائمان ، فلما سمعا مقالة
عمر بكيا فضمهما إلى صدره فقال : لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما ،
وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا ابا بكر ما أسرع ما
أبديتم حسدكم ونفاقكم ، فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد وقال: ما لنا وللنساء.
وقام بريدة الأسلمي
وقال : يا عمر أتثب على أخي رسول الله وأبي ولده؟ وأنت الذي نعرفك في قريش بما
نعرفك؟ ألستما اللذين قال لكما رسول الله صلى الله عليه وآله : انطلقا إلى علي عليه السلام وسلما عليه بإمرة
المؤمنين فقلتما أعن أمر الله وأمر رسوله؟
فقال : نعم؟
فقال أبو بكر : قد كان ذلك ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله قال بعد ذلك : لا
يجتمع لأهل بيتي الخلافة والنبوة ، فقال : والله ما قال هذا رسول الله صلى الله عليه
وآله ، والله لا سكنت في بلدة أنت فيها أمير ، فأمر به عمر فضرب وطرد.
ثم قال قم يا بن
أبي طالب فبايع فقال عليه السلام : فان لم أفعل قال : إذا والله نضرب عنقك ،
فاحتج عليهم ثلاث مرات ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك
منه ، فنادى علي عليه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه « يا ابن ام إن القوم
استضعفوني وكادوا يقتلونني».
وقيل للزبير :
بايع ، فأبى فوثب عمر وخالد والمغيرة بن شعبة في اناس فانتزعوا سيفه فضربوا به
الارض حتى كسروه ، ثم لببوه فقال الزبير وعمر على صدره يا ابن صهاك أما والله لو
أن سيفي في يدي لحدث عني فبايع.
قال سلمان : ثم
أخذوني فوجأوا عنقي حتى تركوها كالسلعة ، ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها ثم
بايع أبو ذر والمقداد مكرهين ، وما بايع أحد من الامة مكرها غير علي وأربعتنا ،
ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير ، فانه لما بايع قال يا ابن صهاك أما والله لولا
هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم علي ومعي سيفي ، لما أعرف من جبنك ولؤمك ،
ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول فغضب عمر وقال أتذكر صهاكا؟ فقال : ومن صهاك وما
يمنعني من ذكرها ، وقد كانت صهاك زانية ، أوتنكر ذلك؟ أوليس قد كانت أمة حبشية
لجدي عبدالمطلب فزنا بها جدك نفيل فولدت أباك الخطاب ، فوهبها عبد المطلب له بعد
ما زنا بها ، فولدته، وإنه لعبد جدي ، ولد
زنا فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه.
قال سليم : فقلت
لسلمان : فبايعت ابا بكر يا سلمان ولم تقل شيئا؟ قال : قد قلت بعد ما بايعت : تبا
لكم ساير الدهر ، أوتدرون ما صنعتم بأنفسكم؟ أصبتم وأخطأتم ، أصبتم سنة من كان
قبلكم من الفرقة والاختلاف ، وأخطأتم سنة نبيكم صلى الله عليه وآله حتى
أخرجتموها من معدنها وأهلها ، فقال عمر يا سلمان أما إذ بايع صاحبك وبايعت ، فقل
ما شئت ، وافعل ما بدا لك ، وليقل صاحبك ما بدا له ، قال سلمان : فقلت إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب
امته إلى يوم القيامة ، ومثل عذابهم جميعا ، فقال : قل ما شئت أليس قد بايعت؟ ولم
يقر الله عينك بأن يليها صاحبك ، فقلت أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة
أنه باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم ، فقال لي : قل ما شئت أليس قد أزالها
الله عن أهل البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله فقلت له : أشهد أني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : وسألته عن هذه الآية « فيومئذ لا يعذب
عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد » فأخبرني أنك أنت هو ، فقال لي عمر : اسكت أسكت
الله نأمتك ، أيها العبد ابن اللخناء فقال لي علي عليه السلام : أقسمت عليك يا
سلمان لما سكت ، فقال سلمان : والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبرته
بكل شيء نزل فيه ، وكل شيء سمعته من رسول الله فيه ، وفي صاحبه ، فلما رآني عمر قد
سكت قال إنك له لمطيع مسلم.
فلما أن بايع
أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر : يا سلمان ألا تكف كما كف صاحباك ، والله
ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما ، ولا أشد تعظيما لحقهم منهما وقد كفا كما
ترى وبايعا ، قال أبو ذر أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد (ص) وتعظيمهم؟ لعن الله ـ
وقد فعل ـ من أبغضهم ، وافترى عليهم وظلمهم حقهم ، وحمل الناس على رقابهم ، ورد
هذه الامة القهقرى على أدبارها ، فقال عمر : آمين ، لعن الله من ظلمهم حقوقهم ، لا
والله مالهم فيها حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء ، قال أبو ذر : فلم خاصمتم
الانصار بحقهم وحجتهم؟ فقال علي عليه السلام لعمر : يا ابن صهاك فليس لنا فيها حق
وهي لك ولابن آكلة الذبان؟ قال عمر : كف الان يا أبا الحسن إذ بايعت ، فان العامة
رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي ، قال علي عليه السلام : ولكن الله ورسوله لم
يرضيا إلا بي فأبشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه ،
ويلك يا ابن الخطاب لو تدري مما خرجت وفيما دخلت وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك؟
فقال أبو بكر :
يا عمر أنا إذ قد بايعنا وأمنا شره وفتكه وغائلته ، فدعه يقول : ما شاء.
فقال علي عليه السلام
: لست بقائل غير شيء واحد اذكركم الله أيها الاربعة قال لسلمان وأبي ذر والزبير
والمقداد : أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن في النار لتابوتا من
نار ارى فيه إثنا عشر رجلا ستة من الاولين ، وستة من الاخرين ، في جب في قعر جهنم
، في تابوت مقفل ، على ذلك الجب صخرة ، فاذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك
الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره ، قال علي (ع) فسألت
رسول الله (ص) عنهم وأنتم شهود ، فقال صلى الله عليه وآله أما الاولون فابن آدم
الذى قتل أخاه ، وفرعون الفراعنة ، والذي حاج إبراهيم في ربه ، ورجلان من بني
إسرائيل بدلا كتابهم ، وغيرا سنتهم ، أما أحدهما فهود اليهود ، والاخر نصر النصارى
، وإبليس سادسهم ، والدجال في الاخرين ، وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة الذين
تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي ، وتظاهروا عليك بعدي، هذا وهذا حتى سماهم
وعدهم لنا.
قال سلمان
:فقلنا صدقت نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عثمان يا
أبا الحسن أما عند أصحابك هؤلاء حديث في؟ فقال له علي عليه السلام : بلى سمعت
رسول الله صلى الله عليه وآله يلعنك ثم لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك فغضب
عثمان ، ثم قال ما لي وما لك لا تدعني على حالي على عهد النبي صلى الله عليه وآله
وسلم ولا بعده.
فقال الزبير :
نعم فأرغم الله أنفك ، فقال عثمان : فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول إن الزبير يقتل مرتدا على الاسلام.
قال سلمان :
فقال لي علي عليه السلام فيما بيني وبينه : صدق عثمان وذلك أن الزبير يبايعني بعد
قتل عثمان فينكث بيعتي ، فيقتل مرتدا قال سليم ثم أقبل على سلمان فقال : إن الناس
كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله غير أربعة ، إن الناس صاروا بعد
رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون ومن تبعه ، ومنزلة العجل ومن تبعه
فعلي في سنة هارون ، وعتيق في سنة العجل ، وعمر في سنة السامري.
وسمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول لتجيء قوم من أصحابي من أهل العلية والمكانة مني
ليمروا على الصراط ، فاذا رأيتهم ورأوني ، عرفتهم وعرفوني ، اختلجوا دوني ، فأقول
يا رب أصحابي أصحابي ، فيقال لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم
حيث فارقتهم ، فأقول : بعدا وسحقا.
وسمعت رسول الله
صلى الله عليه وآله يقول : لتركبن امتي سنة بني اسرائيل حذو النعل بالنعل ،
وحذو القذة بالقذة ، شبرا بشبر ، وذراعا بذراع ، وباعا بباع ، إذ التوراة والقرآن كتبته يد واحدة ، في رق بقلم
واحد ، وجرت الامثال والسنن سواء.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 28 / صفحة [ 281 ]
تاريخ النشر : 2025-07-26