أحاديث وروايات المعصومين الاربعة عشر/النبوة/قصص الأنبياء وما يتعلق بهم/قصص الانبياء في كتب التفسير/تفسير العياشي
عن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام، عن أبيه،
عن آبائه، عن علي عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: إنما كان لبث آدم وحواء في الجنة حتى خرج
منها سبع ساعات من أيام الدنيا حتى أكلا من الشجرة، فأهبطهما الله إلى الارض من يومهما
ذلك، قال: فحاج آدم ربه فقال: يا رب أرأيتك قبل أن تخلقني كنت قدرت علي هذا الذنب
وكل ما صرت وأنا صائر إليه، أو هذا شئ فعلته أنا من قبل لم تقدره علي، غلبت علي
شقوتي فكان ذلك مني وفعلي لا منك ولا من فعلك ؟ قال له: يا آدم أنا خلقتك وعلمتك
أني اسكنك وزوجتك الجنة، وبنعمتي وما جعلت فيك من قوتي قويت بجوارحك على معصيتي،
ولم تغب عن عيني، ولم يخل علمي من فعلك ولا مما أنت فاعله، قال آدم: يا رب الحجة
لك علي، يا رب فحين خلقتني وصورتني ونفخت في من روحي، وأسجدت لك ملائكتي، ونوهت
باسمك في سماواتي، وابتدأتك بكرامتي، وأسكنتك جنتي، ولم أفعل ذلك إلا برضى مني
عليك أبلوك بذلك من غير أن تكون عملت لي عملا " تستوجب به عندي ما فعلت بك، قال
آدم: يا رب الخير منك والشر مني. قال الله: يا آدم أنا الله الكريم، خلقت الخير قبل
الشر، وخلقت رحمتي قبل غضبي، وقدمت بكرامتي قبل هواني، وقدمت باحتجاجي قبل عذابي،
يا آدم ألم أنهك عن الشجرة ؟ واخبرك أن الشيطان عدو لك ولزوجتك ؟ واحذركما قبل
أن تصيرا إلى الجنة، واعلمكما أنكما إن أكلتما من الشجرة كنتما ظالمين لأنفسكما عاصيين
لي ؟ يا آدم لا يجاورني في جنتي ظالم عاص لي، قال: فقال: بلى يا رب الحجة لك علينا،
ظلمنا أنفسنا وعصينا وإلا تغفر لنا وترحمنا نكن من الخاسرين، قال: فلما أقرا لربهما
بذنبهما وأن الحجة من الله لهما تداركهما رحمة الرحمن الرحيم فتاب عليهما ربهما
إنه هو التواب الرحيم. قال الله: يا آدم اهبط أنت وزوجك إلى الأرض، فإذا أصلحتما
أصلحتكما، وإن عملتما لي قويتكما، وإن تعرضتما لرضاي تسارعت
إلى رضاكما، وإن خفتما مني آمنتكما من سخطي،
قال: فبكيا عند ذلك وقالا: ربنا فأعنا على صلاح أنفسنا وعلى العمل بما يرضيك عنا،
قال الله لهما: إذا عملتما سوءا فتوبا إلي منه أتب عليكما وأنا الله التواب الرحيم.
قال: فأهبطنا برحمتك إلى أحب البقاع إليك، قال: فأوحى الله إلى جبرئيل: أن أهبطهما
إلى البلدة المباركة مكة، قال: فهبط بهما جبرئيل فألقى آدم على الصفا، وألقى
حواء على المروة، قال: فلما القيا قاما على أرجلهما ورفعا رؤوسهما إلى السماء وضجا
بأصواتهما بالبكاء إلى الله تعالى وخضعا بأعناقهما، قال: فهتف الله بهما: ما يبكيكما
بعد رضاي عنكما ؟ قال: فقالا: ربنا أبكتنا خطيئتنا، وهي أخرجتنا عن جوار ربنا،
وقد خفي عنا تقديس ملائكتك لك ربنا، وبدت لنا عوراتنا واضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا
ومطعمها ومشربها، ودخلتنا وحشة شديدة لتفريقك بيننا، قال: فرحمهما الرحمن الرحيم
عند ذلك وأوحى إلى جبرئيل: أنا الله الرحمن الرحيم، وأني قد رحمت آدم وحواء لما
شكيا إلي فاهبط عليهما بخيمة من خيام الجنة، وعزهما عني بفراق الجنة، واجمع بينهما
في الخيمة فإني قد رحمتهما لبكائهما ووحشتهما ووحدتهما، وانصب لهما الخيمة على
الترعة التي بين جبال مكة، قال: والترعة مكان البيت وقواعده التي رفعتها الملائكة
قبل ذلك، فهبط جبرئيل على آدم بالخيمة على مقدار أركان البيت وقواعده فنصبها،
قال: وأنزل جبرئيل آدم من الصفا وأنزل حواء من المروة وجمع بينهما في الخيمة،
قال: وكان عمود الخيمة قضيب ياقوت أحمر فأضاء نوره وضوؤه جبال مكة وما حولها،
قال: وامتد ضوء العمود فجعله الله حرما فهو مواضع الحرم اليوم، كل ناحية من حيث
بلغ ضوء العمود فجعله الله حرما لحرمة الخيمة والعمود لأنهما من الجنة، قال: ولذلك
جعل الله الحسنات في الحرم مضاعفة والسيئات فيه مضاعفة، قال: ومدت أطناب الخيمة
حولها فمنتهى أوتادها ما حول المسجد الحرام، قال:
وكانت أوتادها من غصون الجنة، وأطنابها من ظفائر
الارجوان، قال. فأوحى الله إلى جبرئيل: اهبط على الخيمة سبعين ألف ملك يحرسونها
من مردة الجن، ويؤنسون آدم وحواء، ويطوفون حول الخيمة تعظيما " للبيت والخيمة،
قال: فهبطت الملائكة فكانوا بحضرة الخيمة يحرسونها من مردة الشياطين والعتاة،
ويطوفون حول أركان البيت والخيمة كل يوم وليلة كما كانوا يطوفون في السماء حول
البيت المعمور، قال وأركان البيت الحرام في الأرض حيال البيت المعمور الذي في السماء.
قال: ثم إن الله أوحى إلى جبرئيل بعد ذلك: أن اهبط إلى آدم وحواء فنحهما عن مواضع
قواعد بيتي فإني اريد أن أهبط في ظلال من ملائكتي إلى أرضي فأرفع أركان بيتي لملائكتي
ولخلقي من ولد آدم، قال: فهبط جبرئيل على آدم وحواء فأخرجهما من الخيمة ونحاهما
عن ترعة البيت الحرام ونحى الخيمة عن موضع الترعة، قال: ووضع آدم على الصفا،
حواء على المروة، ورفع الخيمة إلى السماء، فقال آدم وحواء: يا جبرئيل بسخط من الله
حولتنا وفرقت بيننا أم برضى تقديرا " من الله علينا ؟ فقال لهما: لم يكن ذلك
سخطا من الله عليكما، ولكن الله لا يسأل عما يفعل، يا آدم: إن السبعين ألف ملك الذين
أنزلهم الله إلى الأرض ليؤنسوك ويطوفون حول أركان البيت والخيمة سألوا الله أن يبني
لهم مكان الخيمة بيتا " على موضع الترعة المباركة حيال البيت المعمور فيطوفون
حوله كما كانوا يطوفون في السماء حول البيت المعمور، فأوحى الله إلي: أن انحيك
وحواء وأرفع الخيمة إلى السماء، فقال آدم: رضينا بتقدير الله ونافذ أمره فينا،
فكان آدم على الصفا وحواء على المروة، قال: فدخل آدم لفراق حواء وحشة شديدة وحزن
قال: فهبط من الصفا يريد المروة شوقا " إلى حواء وليسلم عليها وكان فيما بين الصفا
والمروة واد وكان آدم يرى المروة من فوق الصفا، فلما انتهى إلى موضع الوادي غابت
عنه المروة فسعى في الوادي حذرا لما لم ير المروة مخافة أن يكون قد ضل عن طريقه،
فلما أن جاز الوادي وارتفع عنه نظر إلى المروة فمشى حتى انتهى
إلى المروة فصعد عليها فسلم على حواء، ثم أقبلا
بوجههما نحو موضع الترعة ينظر ان هل رفع قواعد البيت ويسألان الله أن يردهما إلى
مكانهما حتى هبط من المروة فرجع إلى الصفا فقام عليه وأقبل بوجهه نحو موضع الترعة
فدعا الله، ثم إنه اشتاق إلى حواء فهبط من الصفا يريد المروة ففعل مثل ما فعله
في المرة الاولى، ثم رجع إلى الصفا ففعل عليه مثل ما فعل في المرة الاولى، ثم إنه
هبط من الصفا إلى المروة ففعل مثل ما فعل في المرتين الاوليين، ثم رجع إلى الصفا
فقام عليه ودعا الله أن يجمع بينه وبين زوجته حواء، قال: فكان ذهاب آدم من الصفا
إلى المروة ثلاث مرات ورجوعه ثلاث مرات فذلك ستة أشواط، فلما أن دعيا الله وبكيا إليه
وسألاه أن يجمع بينهما استجاب الله لهما من ساعتهما من يومهما ذلك مع زوال
الشمس، فأتاه جبرئيل وهو على الصفا واقف يدعو الله مقبلا " بوجهه نحو الترعة فقال
له جبرئيل عليه السلام: انزل يا آدم من الصفا فالحق بحواء، فنزل آدم من الصفا إلى
المروة ففعل مثل ما فعل في الثلاث المرات حتى انتهى إلى المروة فصعد عليها وأخبر
حواء بما أخبره جبرئيل عليه السلام ففرحا بذلك فرحا " شديدا " وحمدا الله وشكراه،
فلذلك جرت السنة بالسعي بين الصفا والمروة، ولذلك قال الله: " إن الصفا والمروة
من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ". قال: ثم إن
جبرئيل أتاهما فأنزلهما من المروة وأخبرهما أن الجبار تبارك و تعالى قد هبط إلى
الأرض فرفع قواعد البيت الحرام بحجر من الصفا، وحجر من المروة وحجر من طور سيناء،
وحجر من جبل السلام وهو ظهر الكوفة، فأوحى الله إلى جبرئيل أن ابنه وأتمه، قال:
فاقتلع جبرئيل الأحجار الأربعة بأمر الله من مواضعهن بجناحيه فوضعهما حيث أمره الله
في أركان البيت على قواعده التي قدرها الجبار ونصب أعلامها، ثم أوحى الله إلى جبرئيل:
أن ابنه وأتممه بحجارة من أبي قبيس، واجعل له بابين: باب شرقي، وباب غربي، قال:
فأتمه جبرئيل، فلما أن فرغ منه طافت الملائكة حوله، فلما
نظر آدم وحواء إلى الملائكة يطوفون حول البيت انطلقا فطافا بالبيت سبعة أشواط، ثم خرجا
يطلبان ما يأكلان وذلك من يومهما الذي هبط بهما فيه.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 11 / صفحة [ 182 ]
تاريخ النشر : 2024-07-29