كتب التفسير/التفسير المنسوب للامام العسكري (عليه السلام)/الامامة
قال الحسين بن
علي عليهما السلام : إن الله تعالى لما خلق آدم وسواه وعلمه أسماء كل شيء وعرضهم
على الملائكة جعل محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين أشباحا خمسة في ظهر آدم ،
وكان أنوارهم تضيئ في الافاق من السماوات والحجب والجنان والكرسي والعرش ، فأمر
الله الملائكة بالسجدة لآدم تعظيما له أنه قد فضله بأن جعله وعاء لتلك الاشباح
التي قد عم أنوارها الآفاق.
فسجدوا إلا
إبليس أبى أن يتواضع لجلال عظمة الله وأن يتواضع لأنوارنا أهل البيت ، وقد تواضعت
لها الملائكة كلها فاستكبر وترفع فكان بآبائه ذلك وتكبره من الكافرين.
قال علي بن
الحسين صلوات الله عليهما : حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله (ص) قال : قال : يا
عباد الله إن آدم لما رأى النور ساطعا من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة
العرش إلى ظهره رأى النور ولم يتبين الاشباح ، فقال : يا رب ما هذه الانوار؟ قال
الله عزوجل : أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك ولذلك أمرت الملائكة
بالسجود لك إذ كنت وعاء لتلك الاشباح.
فقال آدم : يا
رب لو بينتها لي ، فقال الله تعالى : انظر يا آدم إلى ذروة العرش فنظر آدم عليه
السلام ووقع نور أشباحنا من ظهر آدم على ذروة العرش فانطبع فيه صور أشباحنا كما
ينطبع وجه الانسان في المرآة الصافية فرأى أشباحنا.
فقال : ما هذه
الاشباح يا رب؟ فقال : يا آدم هذه الاشباح أفضل خلائقي وبرياتي ، هذا محمد وأنا
الحميد المحمود في أفعالي ، شققت له اسما من اسمي ، وهذا علي ، وأنا العلي العظيم
، شققت له اسما من اسمي ، وهذه فاطمة وأنا فاطر السماوات والارضين، فاطم أعدائي عن
رحمتي يوم فصل قضائي ، وفاطم أوليائي عما يعتريهم ويشينهم ، فشققت لها اسما من
اسمي ، وهذا الحسن وهذا الحسين وأنا المحسن المجمل، شققت لهما اسما من اسمي.
هؤلاء خيار
خليقتي وكرام بريتي ، بهم آخذ وبهم اعطي وبهم اعاقب وبهم اثيب ، فتوسل إلي بهم يا
آدم ، وإذا دهتك داهية فاجعلهم إلي شفعاءك ، فإني آليت على نفسي قسما حقا لا اخيب
بهم آملا ولا أرد بهم سائلا ، فلذلك حين زلت منه الخطيئة دعا الله عزوجل بهم فتاب
عليه وغفر له.
ـ إن موسى عليه
السلام لما أراد أن يأخذ عليهم عهد الفرقان وفرق ما بين المحقين والمبطلين لمحمد
(ص) بنبوته ولعلي عليه السلام بإمامته وللائمة الطاهرين بإمامتهم ، قالوا : لن
نؤمن لك أن هذا أمر ربك حتى نرى الله جهرة عيانا يخبرنا بذلك ، فأخذتهم الصاعقة
معاينة وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم ، وقال الله عزوجل : يا موسى إني أنا
المكرم أوليآئي والمصدقين بأصفيائي ولا ابالي أنا المعذب لأعدائي الدافعين حقوق أصفيائي
ولا أبالي.
فقال موسى
للباقين الذين لم يصعقوا : ماذا تقولون؟ أتقبلون وتعترفون؟ وإلا فأنتم بهؤلاء
لاحقون ، قالوا : يا موسى لا ندري ما حل بهم لماذا أصابهم ، كانت الصاعقة
ما أصابتهم لأجلك
إلا أنها كانت نكبة من نكبات الدهر تصيب البر والفاجر فان كانت إنما أصابتهم لردهم
عليك في أمر محمد وعلي وآلهما فسأل الله ربك بمحمد وآله هؤلاء الذين تدعونا إليهم
أن يحيي هؤلاء المصعوقين لنسألهم لماذا أصابهم ما أصابهم.
فدعا الله عزوجل
لهم موسى فأحياهم الله عزوجل ، فقال لهم موسى : سلوهم لماذا أصابهم ، فسألوهم
فقالوا : يا بني إسرائيل أصابنا ما أصابنا لإبائنا اعتقاد نبوة محمد مع اعتقاد
إمامة علي ، لقد رأينا بعد موتنا هذا ممالك ربنا من سماواته وحجبه وكرسيه وعرشه
وجنانه ونيرانه ، فما رأينا أنفذ أمرا في جميع تلك الممالك وأعظم سلطانا من محمد
وعلي وفاطمة والحسن والحسين.
وإنا لما متنا
بهذه الصاعقة ذهب بنا إلى النيران فناداهم محمد وعلي عليهما السلام : كفوا عن
هؤلاء عذابكم ، فهؤلاء يحيون بمسألة سائل ربنا عزوجل بنا وبآلنا الطيبين وذلك حين
لم يقذفوا في الهاوية فأخرونا إلى أن بعثنا بدعائك ياموسى بن عمران بمحمد وآله
الطيبين.
فقال الله عزوجل
لأهل عصر محمد صلى الله عليه وآله : فاذا كان بالدعاء بمحمد وآله الطيبين نشر
ظلمة أسلافكم المصعوقين بظلمهم ، أفما يجب عليكم أن لا تتعرضوا لمثل ما هلكوا به
إلى أن أحياهم الله عزوجل؟
ـ قال رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم لليهود : معاشر اليهود تعاندون رسول الله صلى الله
عليه وآله وتأبون الاعتراف بأنكم كنتم تكذبون ، ولستم من الجاهلين بأن الله لا
يعذب بها أحدا ولا يزيل عن فاعل هذه عذابه أبدا ، إن آدم عليه السلام لم يقترح
على ربه المغفرة لذنبه إلا بالتوبة ، فكيف تقترحونها أنتم مع عنادكم؟
قيل : وكيف كان
ذلك يا رسول الله؟ فقال رسول الله (ص) : لما وقعت الخطيئة من آدم واخرج من الجنة
وعوتب ووبخ قال : يا رب إن تبت وأصلحت أتردني إلى الجنة؟
قال : بلى ، قال
آدم : فكيف أصنع يا رب حتى أكون تائبا تقبل توبتي؟ فقال الله تعالى : تسبحني بما
أنا أهله ، وتعترف بخطيئتك كما أنت أهله ، وتتوسل إلي بالفاضلين الذين علمتك أسماءهم
وفضلتك بهم على ملائكتي وهم محمد وآله الطيبون وأصحابه الخيرون.
فوفقه الله
تعالى فقال : يا رب لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي
فارحمني وأنت أرحم الراحمين بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين ،
سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم
، بحق محمد وآله الطيبين وخيار أصحابه المنتجبين.
فقال الله لقد
قبلت توبتك ، وآية ذلك أن انقي بشرتك فقد تغيرت وكان ذلك لثلاث عشر من شهر رمضان ،
فصم هذه الثلاثة الايام التي تستقبلك ، فهي أيام البيض ينقي الله في كل يوم بعض
بشرتك ، فصامها فنقى في كل يوم منها ثلث بشرته.
فعند ذلك قال
آدم : يا رب ما أعظم شأن محمد وآله وخيار أصحابه؟ فأوحى الله إليه : يا آدم إنك لو
عرفت كنه جلال محمد عندي وآله وخيار أصحابه لأحببته حبا يكون أفضل أعمالك ، قال:
يا رب عرفني لأعرف.
قال الله تعالى
: يا آدم إن محمدا لو وزن به جميع الخلق من النبيين والمرسلين والملائكة المقربين
وسائر عبادي الصالحين من أول الدهر إلى آخره ومن الثرى إلى العرش لرجح بهم ، وإن
رجلا من خيار آل محمد لو وزن به جميع آل النبيين لرجح به، وإن رجلا من خيار أصحاب
محمد لو وزن به جميع أصحاب المرسلين لرجح بهم.
يا آدم لو أحب
رجل من الكفار أو جميعهم رجلا من آل محمد وأصحابه الخيرين لكافأه الله عن ذلك بأن
يختم له بالتوبة والايمان ثم يدخله الله الجنة ، إن الله ليفيض على كل واحد من
محبي محمد وآل محمد وأصحابه من الرحمة ما لو قسمت على عدد كعدد كل ما خلق الله من
أول الدهر إلى آخره وكانوا كفارا لكفاهم ولاداهم إلى عاقبة محمودة الايمان بالله
حتى يستحقوا به الجنة.
ولو أن رجلا ممن
يبغض آل محمد وأصحابه الخيرين أو واحدا منهم لعذبه الله عذابا لو قسم على مثل عدد
ما خلق الله لأهلكهم الله أجمعين.
المصدر : بحار الأنوار
المؤلف : العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي
الجزء والصفحة : جزء 26 / صفحة [ 327 ]
تاريخ النشر : 2025-05-24