الشرّ أمر عدميّ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص93-95
2025-08-06
502
ما يقوله الحكماء: أن الوجود خيرٌ بذاته، فذلك لأنّ ديدن الوجود طرد العدم ونفيه، ورفع القوّة والاستعداد وإزالتهما وإضفاء الفعليّة، وهو النور الصريح والظهور البيّن وعين الحبّ المطلوب.
ألا ترَ إلى النملة كيف تنقبض وتنكمش فوراً إذا ما نَخَستَ رأسها بطرف الشوكة المدبّب؛ فتولّي هاربة خوفاً من مفارقة معشوقها الذي هو وجودها والذي هو مقوّم وجودها وقيّوم حقيقتها.
وسبب ربطنا عنوان الشرّ ببعض الأشياء الكونيّة القابلة للفساد في أوقات قصيرة هو أن لا وجود للشرّ في الأفلاك والفلكيّات، فما بالك بوجوده في عالم الفعليّات والعقليّات.
وذلك إمّا أن يكون الشرّ معدوم الذات، أو غير مكتمل الذات؛ كفقدان أصل البدن أو فقدان صحّته، وكعدم وجود الفاكهة أو كعدم وجود اللون والطعم المتوقّع منها بسبب عروض البرد وغيره. ولهذا فلا مجال لتحقّق الشرّ في العالم العلويّ الذي لا يأتيه الفساد من بين يديه ولا من خلفه.
نعم، يمكن توقّع النقص وتحقّقه في جميع ما سوى الله، إلّا أنّنا يجب أن نعلم أن النقص غير الشرّ إلّا إذا استخدمنا الشرّ مجازاً في الناقصات.
وأمّا سبب قولنا بالأوقات القصيرة، وذلك مثلًا إذا قسنا تضرّر زيد في بدنه وأمواله بسبب مجاورته للنار مع مقدار انتفاعه بها سواء من ناحية قوام وجوده الأصليّ أم من ناحية تكامله؛ سنرى أن نسبة ذلك مع المنافع التي لا تُحصى والتي يمكنه استغلالها قليلة جدّاً، فما بالك بمقارنة تضرّره مع المنافع التي تحصل عليها جميع الموجودات في عالم التركيب وغيرها من النار.
وأمّا اقتصار الموجودات في العالم بالخير المحض وبكثير الخير فلأنّ كلّ واحد من هذين العنوانين (الخير والشرّ) ينقسم إلى أربع صور باعتبار تجويز العقل هي: المحض، الأكثر بالنسبة إلى العنوان المقابل، والأقلّ بالنسبة إلى العنوان المقابل، (و أخيراً) المساوي. ومن الصور الثمان هذه فإنّ صورة الأكثريّة لكلّ واحد بالنسبة إلى المقابل تستلزم الأقليّة لكلّ واحد بالنسبة إلى ذلك؛ وعلى هذا تسقط تلك الصورتان. ويضحي عنوان (المساوي) كذلك الذي هو مكرّر واحداً، فيكون الباقي خمس صور فقط. صورتان موجودتان في الخارج هما صورة الخير المحض وكثير الخير.[1] وثلاث صور أخرى هي صورة الشرّ المحض وكثير الشرّ والمساوي المُمتَنِع.
لا ريب أن تقسيم الخير والشرّ في الوجود على هذه الشاكلة يتمّ بحسب الفرض العقليّ واحتماله؛ وإلّا فقد علمنا أن ما هو متحقّق في الخارج لا يتعدّى أن يكون إحدى صورتين فقط.
هذا هو منهج أرسطو في حلّ المسألة بهذه الطريقة، وذكروا أنّه كان يفتخر في دفع الشبهة بهذه الطريقة، لأنّه جعل مناط دفع الشبهة هو نفسه مناط الشبهة التي تمثّل تقسيم الوجود إلى الخير والشرّ؛ ولكن مع هذا فإنّ المنهج الذي انتهجه أفلاطون يبدو أكثر استقامة وسلاسة وحلاوة.
[1] وليس مناسباً أن يُهمل الخالِق الحكيم كثير الخير وقليل الشرّ في حالة وجوده ولا يخلقه. فلا يجب إهمال وجود النار في الخارج أو حذفها من قائمة المخلوقات لمجرّد شرّها القليل الذي لا يمكن إعارته أهمّيّة تُذكَر مع كلّ ما تحمله في طيّاتها من خيرات لا تحصى ولا تُعَدّ.
و مضافاً إلى ذلك فهي مجعولة بالعَرَض لكونها مؤدّية إلى شرور قليلة، ومجعولة بالذات لكونها ملزومة بالخيرات الكثيرة. ولهذا فخصومة العدوّ الجزئيّة لا للخوف من الميّت أو خشية عدم وصول الرزق، إلّا بالعَرَض. ويمكن قياس باقي أمثلة الشرور على هذه الأمثلة أيضاً.( التعليقة)
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة