كلّ الناس سوى العارفين يرون الله رؤية مزدوجة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص63-65
2025-08-04
573
لا جَرَم أن الثنويّة وكلّ السائرين على هديها، سواء أ كانوا حشويّين من الإخباريّين كالشيخيّة والميرزائيّة والقشريّين المنكبّين على الظواهر والمتشبّثين بها، أم كلّ مَن يعتقد بالأصل والأصالة للماهيّة في مقابل الوجود، وسواء أقرّوا بوحدانيّة الحقّ سبحانه وتعالى لفظاً أم بغير لفظ؛ فهم جميعاً مصابون بعقيدة الثنويّة والازدواجيّة بصورة عمليّة في الإسلام سواء في العمل أم في حقيقة العقيدة التي يحملونها. وهؤلاء يرون الله بأعين حولاء ونظرة مزدوجة وهم مطاردون وبشدّة، من قِبَل الآيات والروايات، خلافاً لأهل التوحيد، بكلّ ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، الذين يؤمنون عمليّاً بأنّ الله هو المؤثّر في جميع عالَم الوجود، ولا يقرّون لغيره بالاستقلال والأصالة على الإطلاق؛ الذين بلغوا واقع معنى كلمة لا إله إلا الله فاستقرّت حقيقةُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ ولَا هُوَ إلَّا هُو ومفادها في لبّ روحهم وفؤادهم.
ولتوضيح هذا الأمر نكتفي بذكر برهان واستدلال الحكيم المعروف الحاجّ الملّا هادي السبزواريّ قدّس الله تربته كدليل عقليّ فقط:
يقول السبزواريّ في الفصل الموسوم ب- «غُرَرٌ في أصالةِ الوجود» ما نصّه: «اعْلَمْ أن كُلَّ مُمْكِنٍ زَوْجٌ تَرْكِيبِيّ لَهُ مَاهِيَّةٌ ووُجُودٌ. والمَاهِيَّةُ التي يُقَالُ لَهَا الكُلِّيّ الطَّبِيعِيّ، مَا يُقَالُ في جَوَابِ مَا هُوَ. ولَمْ يَقُلْ أحَدٌ مِنَ الحُكَمَاءِ بِأصَالَتِهِمَا مَعاً.
إذْ لَوْ كَانَا أصِيلَيْنِ لَزِمَ أن يَكُونَ كُلُّ شَيءٍ شَيْئَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ، ولَزِمَ التَّرْكِيبُ الحَقِيقِيّ في الصَّادِرِ الأوَّلِ، ولَزِمَ أن لَا يَكُونَ الوُجُودُ نَفْسَ تَحَقُّقِ المَاهِيَّةِ وكَوْنِهَا؛ وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ التَّوَالِي الفَاسِدَةِ.»
ثمّ قال في تعليقته: «و يلزم وجود شيئين متباينين لأيّ شيء، وذلك من جهة أنّه لمّا كان علينا مثلًا أن ندعو البياض والعاج شيئين متباينين- إذ أن أحدهما ينتمي إلى مقولة «كيف» والآخر إلى مقولة «الجوهر»- مع وجود أصل بينهما بحسب الوجود؛ فكيف لا يتحقّق إذاً التباين بين «الماهيّة» والتي هي من أصل عدم الإباء من الوجود والعدم، وبين «الوجود» الذي هو من أصل الإباء من العدم؟».
وقال موضّحاً معنى ولم يقل أحد من الحكماء بأصالتهما معاً: «و ممّن نعاصرهم، من الذين لا يستندون إلى قواعد الحكمة، مَن يقول بأصالتهما (أي أصالة الوجود والماهيّة)؛ فهو يقول في بعض مؤلَّفاته: إن الوُجُودَ مَصْدَرُ الحَسَنَةِ والخَيْرِ، والمَاهِيَّةُ مَصْدَرُ السَّيِّئَةِ والشَّرِّ؛ وهَذِهِ الصَّوَادِرُ امُورٌ أصِيلَةٌ؛ فَمَصْدَرُهَا أوْلَى بِالأصَالَةِ.
وهنا يقول المرحوم الحاجّ: «و أنت تعلم أن الشرور إنّما هي عبارة عن إعدام المَلَكة؛ وعلّة العدم هي العدم؛ فأنّى للماهيّة الاعتباريّة أن تكون كافية لتحقّق ذلك؟!».
وفي شرح «لزم أن لا يكون الوجود نفس تحقّق الماهيّة» قال: «وذلك من جهة أنّه في هذه الصورة لزم أن يكون ما اشرِبَت معه الماهيّة واشبِعَت وتغذّت فيه كون وتحقّق الماهيّة نفسها لا الوجود؛ وأن يكون للوجود كونٌ وتحقّقٌ خاصّ به».
وفي بيانه لعبارة «و غير ذلك من التوالي الفاسدة»، يقول: «مثل عدم انعقاد الحمل بين ذانك الشيئين، وكمثل لزوم ثَنويّةٍ خارجيّة واقعيّة. ففي هذه الصورة يكون الوجود الحقيقيّ نوراً والماهيّة ظُلمة، والحال وجوب كونهما معاً موجودينِ أصيلين»[1].
[1] يقول:« أن تُطهّره من كل دنس؛ ثمّ اجعَلْ مثواه القبر». « ديوان أسرار» ص 117 و118.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة