بحث الحكيم السبزواريّ في الردّ على شبهة الثنويّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص89-93
2025-08-06
530
للحكيم الباحث السبزواريّ قدّس سرّه بحث موجز وشامل حول شبهة الثنويّين في كيفيّة تأثير الموجودات الخبيثة والمضرّة والتي يُعبّر عنها ب- «الشرور» فهو يقول:
غُرَرٌ في دَفْعِ شُبْهَةِ الثَّنَوِيَّةِ، بِذِكْرِ قَواعِدَ حِكْمِيَّةٍ:
ثُمَّ الوُجُودَ اعْلَمْ بِلَا التِبَاسِ *** خَيْراً هُوَ النَّفْسِيّ والقِيَاسِي
وَالخَيْرُ كَالشَّرِّ احْتِمَالًا حَوِيَا *** المَحْضَ والكَثِيرَ والمُسَاوِيَا
فَالمَحْضُ كَالعُقُولِ والذي كَثُرْ *** خَيْرَاتُهُ مِثْلُ المَعَالِيلِ الاخَرْ
إذِ الكَثِيرُ الخَيْرِ مَعْ شَرٍّ أقَلْ *** في تَرْكِهِ شَرٌّ كَثِيرٌ قَدْ حَصَلْ
تَرْجِيحُ مَرْجُوحٍ ومَا تَمَاثَلَا *** شَرّاً كَثِيراً مَعْ مُسَاوٍ أبْطَلَا
وَالشَّرُّ أعْدَامٌ فَكَمْ قَدْ ضَلَّ مَنْ *** يَقُولُ بِاليَزْدَانِ ثُمَّ الأهْرِمَنْ
وَأن عَلَيْكَ اعْتَاصَ تَأثِيرُ العَدَمْ *** مِزْ سَلْبَ قَرْنٍ مِنْكَ عَنْ سَلْبِ النِّعَمْ
وفيما يلي موجز ما ورد في شرح هذه الأبيات والتعليق عليها: «و نذكر هذا البحث لدفع شبهة الثنويّة (القائلين بأصلين وعبادة الأزل). فهم يقولون: إنّنا نرى الخيرات والشرور في عالم الوجود مثل الجدب والقحط والغلاء والوباء والأمراض والفتن والمحن ونحو ذلك، ولا يُجيز لنا عقلنا أن نعتبر هذه الشرور نابعة من مبدأ الخير المحض الذي يوصف بالسلامة والرحمة والغني عن العالمين؛ وعلى هذا يجب القول إنّه نابع من مبدأ شرّير غير مبدأ الخيرات وناشئ عنه. ويدعون ذلك ب- «أهريمَنْ».
ويعتقد القائلون بأصلين وإلهين أنّه «اي أهريمَنْ» قديم وفعّال ويمتلك حرّيّة واستقلالًا تامّين لإيجاد الشرور وخلقها. وبواسطة عقيدة القِدَم والاستقلال هذه انفصل أرباب الشرائع والملل الإلهيّة عن مذهبهم. وذلك، لأنّ الشيطان لا هو قديم ولا هو يمتلك استقلالًا في العمل، بل هو مخلوق من مخلوقات الله لا يمتلك فاعليّة استقلاليّة، لأنّ الوجودات الإمكانيّة، بشكل عامّ وكلّيّ، مجعولة ومخلوقة من قِبل الله تعالى.
لكنّ الوجود في ذاته وبالنسبة إلى الغير هو خير من الناحيتين. فالوجود الذاتيّ هو الوجود الذي يمكن ملاحظته في حدّ نفسه ويطلقون عليه اسم الوجود النفسيّ. والوجود النسبيّ هو الوجود الذي لا يمكن ملاحظته إلّا بإضافته ونسبته إلى الغير، ويسمّونه بالوجود الإضافيّ.
وعلينا أن نعلم أن الوجود خيرٌ على الإطلاق، سواء أكان وجوداً نفسيّاً أم وجوداً إضافيّاً. ولا يمكن تصوّر الشرّ في الوجود النفسيّ، وأمّا في الوجود الإضافيّ يمكن ملاحظة شرٌّ قليل في بعض الأشياء التكوينيّة التي تقبل الفساد، وذلك عند مقارنتها مع الموجودات التي تكون من نفس طبقتها وصنفها ومقايستها بها.
وأمّا قولنا عند مقارنة تلك الموجودات مع موجودات أخرى من نفس طبقتها، فالسبب في ذلك هو أنّنا نقوم في بعض الأحايين بقياس الموجودات الإضافيّة مع عللها، وفي هذه الحالة لا نرى انعدام الشرّ فيها وحسب، بل نرى أن جميع المعلولات متطابقة مع عللها التي أوجدتها ومنسجمة معها.
وهناك الموجودات الإضافيّة والنسبيّة قياساً إلى الموجودات الأخرى من نفس الطبقة، حيث تصدر عنها أحياناً بعض الشرور. وهنا يبقى أمامنا أن نجيب ونبرهن على أن تلك الشرور هي خير وأن وجودها فرض، اي أنّها أمر عدميّ ولا وجود لها في عالم الكينونة أصلًا.
فاختار أرسطوطاليس الجواب الأوّل في حين آثر أفلاطون الجواب الثاني.
فأمّا جواب أرسطو المنقول عن كتب الحكمة فهو: أنّنا ننيط الشبهة في ذلك إلى الخير والشرّ في تقسيمنا للوجود، ونتّخذ من هذا النمط من التقسيم نفسه لدفع الشبهة.
على أساس أنّ: كلًّا من الخير والشرّ يمكنه أن يكون محضاً أو كثيراً أو مساوياً من جهة الاحتمال العقليّ، وذلك لأنّ الشّيء الخارجيّ أو الخير هو محضٌ مَثَلُهُ كَمَثل العقول؛ لأنّها لا تمتلك قابليّة ولا تأهّباً، بل هي فعليّة محضة وكلمات إلهيّة تامّة لَا تَنفَدُ ولَا تَبِيدُ؛ وهي أيضاً كالفلكيّات. وعلى هذا فإنّ هذا النوع من الموجودات هي خير محض بالمعنيين النفسيّ والنسبيّ، وهي موجودة في الخارج ومنوطة بالحقّ تعالى وتقدّس ومربوطة ومعلولة به.
فإذا تغلّب خيرها على شرّها فهي كثيرة الخير مع شرٍّ قليل مثل باقي المعلولات والموجودات في عالم الكون والفساد والطبيعة. وفي هذه الصورة يجب أن تكون موجودة حتماً لأنّ الخير والشرّ نقيضان: الخير/ اللاشرّ؛ والشرّ/ اللاخير. ولمّا كان رفع هذين النقيضين أمراً محالًا فإنّ عدم وجود كثير الخير وقليل الشرّ/ وجود كثير الشرّ وقليل الخير.
أي أن عدم وجود موجود كثير الخير أو قليل الشرّ يلزم وجود موجود قليل الخير وكثير الشرّ. ولمّا كنّا نعلم أن هكذا موجود محال وجوده من جانب العلّة الأوّليّة، اي الحقّ تعالى، وذلك بواسطة لزوم ترجيح المرجوح؛ فعلى هذا محال أن يوجد هكذا موجود، ومن جانب آخر يكون نقيضه، اي المعلولات الكثيرة الخير والقليلة الشرّ، لازم الوجود. كان على افتراض أن يكون خيرها كثيراً وشرّها قليلًا.
وأمّا إذا كان كِلا خيرها وشرّها متساويين ومتناظرين، لزم أن يكون ذلك ممتنع التحقّق في الخارج كذلك بسبب استحالة الترجيح من دون مرجّح. اي أن إيجادها وخَلقها من لدن الحقّ تعالى محال، لأنّ خيرها وشرّها في كفّتين متساويتي الوزن والاعتبار.
وأمّا إذا كان شرّها كثيراً وخيرها قليلًا أو كانت شرّاً محضاً، ففي كلتا الصورتين يكون إيجادها من لدن المبدأ تعالى مستحيلًا. ففي الصورة الاولى سوف يكون ذلك بسبب ترجيح المرجوح، في حين يرجع السبب في الصورة الثانية إلى الأولويّة في عدم الإيجاد، وذلك لأنّنا إذا اعتبرنا صورة قليل الخير وكثير الشرّ مُحالة، وأن صدورها من المبدأ الفيّاض صاحب الرحمة غير ممكن، فمن باب أولى أن يكون إيجاد موجود هو شرٌّ محض مستحيلًا.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة