بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين، واله الطاهرين.
الإمام أبو الحسن، موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، سابع أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين تجسدت في شخصياتهم جميع مقومات العظمة، فكانوا مثالها الرائع ومنهلها الأصيل.
2- سلوكه الأخلاقي والإنساني:
والأخلاق عُنصر من عناصر الشخصية المُهمة، التي تكشف عن طَوية الذات وتدلل على مدى أصالتها عندما تجسد الإيمان عملاً.
ولقد أمتاز الإمام الكاظم عليه السلام بَخُلق رائع، اجتذب به محبة العامة والخاصة، وإنسانية فذة استمدها من رُوح الرَّسالة، التي كان أحد حفظتها، والأُمناء عليها، والوارثين لأسرارها.
قال الذهبي في السير: أجَلّ آل جعفر وأشرفهم ابنه موسى الكاظم، الإمام القدوة السيد أبو الحسن العلوي والد الإمام علي بن موسى الرضا، مدني نزل ببغداد. 1
وقال في العبر: كان صالحاً عابداً جواداً حليماً كبير القدر.2
وقال في ميزانه: وقد كان موسى من أجود الحكماء ومن العبّاد الأتقياء، وله مشهد معروف ببغداد. 3
وروى الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد في سيرة الامام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، "أنه كان مثالاً للعبادة والكرم"، قال: أخبرنا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، حدثني جدي قال: "كان موسى بن جعفر يدعي العبد الصالح من عبادته واجتهاده".
وروى أصحابنا أنه دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فسجد سجدة في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: "عظيم الذنب عندي فليحسن العفو عندك. يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة". فجعل يرددها حتى أصبح.
و كان سخيا كريما، و كان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، و كان يصر الصرر ثلاثمائة دينار ، و أربعمائة دينار ، و مائتي دينار ، ثم يقسمها بالمدينة .
وكان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغنى.4
ان الكثير من أصحاب السير الذين دونّت أقلامهم سيرته ذكروا كرمه وسخاؤه مما يبين انه كان للإمام في ذلك غايتان:
الأولى: إن الإمام أراد من هذا تشجيع إفراد المجتمع المسلم على التكافل لئلا يبقى في المجتمع فقير، خصوصاً إذا علمنا ان بني العباس جعلوا السواد الأعظم من الناس في فقر مدقع، بينما أموال المسلمين تصرف على ملذاتهم والجواري والمغنين والغلمان.
الثانية: الإمام عليه السلام كان يحمل كل ما يستطيع حمله من صرر وجراب فيها طعام في سواد الليل طيلة حياته ولم يخبر أحداً، ولكن أهل المدينة علموا بذلك بعد حبسه لانقطاعها.
أذن صدقة السر كانت غايته امتثالا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}5، ولحفظ كرامة الفقراء والمحتاجين.
وروى الخطيب في تاريخه عن إدريس بن أبي رافع عن محمد بن موسى قال: "خرجت مع أبي إلى ضياعه بساية6، فأصبحنا في غداة باردة وقد دنونا منها، وأصبحنا على عين من عيون ساية، وخرج إلينا من تلك الضياع عبد زنجي فصيح اللسان، على رأسه قدر فخار يفور، فوقف على الغلمان فقال: أين سيدكم؟ قالوا: هو ذاك، قال: أبو من يكنى؟ قالوا له أبو الحسن، قال: فوقف عليه، فقال: يا سيدي يا أبا الحسن هذه عصيدة أهديتها إليك، قال: ضعها عند الغلمان، فأكلوا منها، قال: ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج على رأسه حزمة حطب، حتى وقف فقال له يا سيدي هذا حطب أهديت إليك. قال: ضعه عند الغلمان وهب لنا نارا. فذهب فجاء بنار.
قال: وكتب أبو الحسن اسمه واسم مولاه فدفعه إلي وقال: يا بني احتفظ بهذه الرقعة حتى أسألك عنها. قال: فوردنا إلى ضياعه، وأقام بها ما طاب له، ثم قال: امضوا بنا إلى زيارة البيت، قال: فخرجنا حتى وردنا مكة، فلما قضى أبو الحسن عمرته دعا صاعدا فقال اذهب فاطلب لي هذا الرجل فإذا علمت بموضعه فأعلمني حتى أمشي إليه، فإني أكره أن أدعوه والحاجة لي.
قال لي صاعد: فذهبت حتى وقفت على الرجل، فلما رآني عرفني - وكنت أعرفه، وكان يتشيع - فلما رآني سلم علي، وقال: أبو الحسن قدم؟ قلت: لا، قال: فإيش أقدمك؟ قلت: حوائج؟ وقد كان علم بمكانه بساية، فتتبعني وجعلت أتقصى منه ويلحقني بنفسه، فلما رأيت أني لا أنفلت منه، مضيت إلى مولاي ومضى معي حتى أتيته، فقال [عليه السلام] لي:
ألم أقل لك لا تعلمه؟ فقلت جعلت فداك لم أعلمه، فسلم عليه فقال له أبو الحسن غلامك فلان تبيعه؟ قال له جعلت فداك الغلام لك والضيعة وجميع ما أملك، قال: أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها وقد حدثني أبي عن جدي أن بائع الضيعة ممحوق، ومشتريها مرزوق. قال: فجعل الرجل يعرضها عليه مُدلا بها، فاشترى أبو الحسن الضيعة والرقيق منه بألف دينار وأعتق العبد ووهب له الضيعة.
قال إدريس بن أبي رافع: فهو ذا ولده في الصرافين بمكة"7.
حرره الأحقر السيد عبدالله مرتضى محمد تقي، 24 رجب الاصب 1444ه
المصادر
1- سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي: ج 6ص270.
2- العبر في خبر من غبر، الذهبي: ج 1ص222.
3- ميزان الاعتدال، الذهبي: ج 4ص202.
4- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي: ج 13 ص 29.
5- سورة البقرة، الآية 264.
6- يقع ما بين مكة والمدينة، وهو أقرب إلى مكة وطوله حوالي سبعين كيلو متر تقريبا.
7- تاريخ بغداد: ج13ص31-32.







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN