المطلب الثالث: مكانة الطفولة.
1- الطفل ذو فاعلية متميزة في الوجود.
أنّ الأولاد بالإضافة إلى كونهم هدفاً لتأسيس بيت الزوجية، ونعمة إلهية، هم مددٌ وعونٌ لوالديهم ، ولذا جاء الخطاب الإلهي موجهاً لهما في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾31، وانما جعل الله الاحسان بالوالدين تالياً لعبادته كما في هذه الآية الكريمة، وشكرهما تالياً لشكره كما في قوله تعالى: ﴿أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾32، لانهما سبب وجود الولد كما انهما سبب التربية، وغير الوالدين قد يكون سبباً لتربيته فقط، فلا إنعام بعد إنعام الله سبحانه وتعالى أفضل من إنعام الوالدين.
2- بقاء النوع الإنساني وديمومة النسل البشري، صرّحت الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام بأنّ أهم أهداف الوالدين وجود الولد في حياتهما، وأن يكون عضداً لهما، وأصل العضد في اللغة 33: ما بين المرفق إلى الكتف، ويدلّ على العضو الذي يستعار في موضع القوّة والمعين، وجمعه: أعضاد، و"أعضاد كلّ شيء ما يشدّ من حاليه من البناء وغيره". وقد شبّه الولد بأنّه عضد لوالديه لأنّه العامل الذي يفترض أن يستندون إليه ويعتمدون عليه في الحياة بكافّة جوانبها ومجالاتها، فعندما تشتدّ الظروف يجد الوالدان في الولد العنصر الذي يقف إلى جانبهم ويُعينهم على تجاوز صعابها، ففي المروي عن الحسن العسكري عليه السلام، انه سأل عيسى بن صبيح وهو في الحبس: "هل رُزقتَ من ولد"؟ قُلتُ: لا، قال: "اللهم ارزقه ولداً يكون له عضداً. فنعم العضد الولد". ثم تمثّل عليه السلام:
"من كان ذا عضد يُدرك ظلامته ***إنّ الذليل الذي ليست له عضد"34.
قُلتُ: ألك ولد؟ قال عليه السلام: "أي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، فأمّا الآن فلا"35.
هذا وقد روي عن الحسن البصريّ أنّه قال: بئس الشيء الولد، إن عاش كدّني، وإن مات هدّني. فبلغ ذلك الإمام زين العابدين عليه السلام، فقال: "كذب، والله نِعْمَ الشيء الولد، إن عاش فدعاء حاضر، وإن مات فشفيع سابق"36.
وقوله عليه السلام (إن عاش فدعاء حاضر)، ترى مصداقه واضحا إذا تأملت في القران الكريم، فإن فيه آيتين ذكرتا دُعاء نبيين من اولي العزم يستغفران لوالديهما، فإبراهيم عليه السلام يستغفر لوالديه وهو في آواخر عمره الشريف، قال تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ}37، ويشبه دعاءهُ آخر ما دعا به نوح عليه السلام، قال تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا}38، ودعاء زكريا عليه السلام في طلب الذرية وهو الذي قد بلغ به الكبر عتياً، قال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)39، ولنتأمل في زبور آل محمد (عليهم السلام)، نجد أن الامام علي بن الحسين عليهما السلام يعلمنا في دعاء خاص كيفية طلب المغفرة من الله عزوجل عن اساءة وتقصير والدينا بحقنا، يقول عليه السلام: (اللَّهُمَّ وَ مَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ أَسْرَفَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ، أَوْ قَصَّرَا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِبٍ، فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَهُمَا، وَ جُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا وَ رَغِبْتُ إِلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا. فَإِنِّي لَا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي، وَلَا أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي، وَلَا أَكْرَهُ مَا تَوَلَّيَاهُ مِنْ أَمْرِي يَا رَبِّ. فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ، وَأَقْدَمُ إِحْسَاناً إِلَيَّ، وَأَعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أَنْ أُقَاصَّهُمَا بِعَدْلٍ، أَوْ أُجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْل)40.
3- احتياج الطفل إلى تعهّد نفسي وقلبي، دعا أهل البيت عليهم السلام إلى الاهتمام بالطفل في هذه المرحلة الحساسة من عمره، لان العلاقة بين الوالدين والابناء إذا كان قوامها الارتباط العاطفي وإدراك احتياجات الاطفال النفسية والعاطفية والاستجابة لها، سوف ينبئ ذلك بنموه العقلي والنفسي السليم، ففي وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام: "وجدتك بعضي، بل وجدتك كلّي، حتى كأنَّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنَّ الموت لو أتاك أتاني"41.
4- الصبر على الأطفال: وأمر الإسلام بالصبر على ما يلاقيه الوالدان من الطفل، لا سيَّما في السنين السبع الأولى التي يصدر فيها عن الطفل ما يرهق الوالدين، ويشغل بالهما، فكثيراً ما قد يبكي، وكثيراً ما قد يمرض، وكثيراً ما قد يشاغب في لعبه. وعلى قاعدة "الولد سيّدُ سبع" أمر الإسلام بالصبر على كلّ هذا مبيِّناً الأجر الذي يمنحه الله تعالى للوالدين، أو المصلحة للطفل حينما يكبر. ونعرض فيما يلي نماذج من الأحاديث الواردة في الصبر على الأطفال.
الصبر على بكاء الأطفال: فقد ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تضربوا أطفالكم على بكائهم، فإنّ بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلّا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه"42. وقد نقل لنا تاريخ الإسلام تعامل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الممتلئ رحمة مع بكاء الأطفال وصراخهم، وذلك حينما كان يصلِّي بالناس صلاة الظهر فخفّف في الركعتين الأخيرتين وأسرع فيهما، فلمّا انصرف، قال الناس: هل حدث في الصلاة شيء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "وما ذاك؟". قالوا: خفَّفت في الركعتين الأخيرتين!.
فقال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: "أو ما سمعتم صراخ الصبي؟43.
الصبر على مرض الأطفال: وكما أمر الإسلام بالصبر على بكائهم أمر بالصبر على مرضهم مبيّناً الأجر في ذلك، فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في المرض يصيب الصبيّ فقال عليه السلام: "كفّارة لوالديه"44.
5- اللعب مع الأطفال: وقد أكّد الإسلام على لزوم تفهّم الوالدين لمرحلة الطفولة في التعامل مع الأولاد، فلا بدَّ لكل من الأب والأمّ أن ينزل الى مستوى عمر الطفل فيلاعبه بكلّ عطف وحنان ورحمة، وهذا ما بيَّنه النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له"45.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من كان له ولد صبا"46.
وقد كانت تعامل النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم مع الأطفال بمرأى ومسمع من المسلمين، وذلك حينما رأوه -صلى الله عليه واله- يحبو والحسن والحسين عليهما السلام على ظهره الشريف، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ عَلَى أَرْبَعَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَلَى ظَهْرِهِ ، وَهُوَ يَحْبُو بِهِمَا فِي الْبَيْتِ وَهُوَ يَقُولُ : " نِعْمَ الْجَمَلُ جَمَلُكُمَا ، وَنِعْمَ الْعِدْلَانِ أَنْتُمَا "47.
حرره الاحقر السيد عبدالله مرتضى محمد تقي الحسيني 20 من رجب الاصب 1444ه.
المصادر:
31- سورة الإسراء، الآية 23.
32- سورة لقمان، الآية 14.
33- مختار الصحاح، ص438.
34- مجمع الامثال، أبو الفضل الميداني: ج1ص21ت54.
35- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج ٥٠ ص ٢٧٥.
36- الدعوات لقطب الدين الراوندي: صفحة ٢٨٥.
37- سورة إبراهيم، الآية 41.
38- سورة نوح، الآية 28.
39- سورة آل عمران، الآية 38.
40- في ظلال الصحيفة السجادية- محمد جواد مغنية(رض)، ص322.
41- بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج ٧٤ ص ٢١٧.
42- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي: ج ٢١ ص ٤٤٧.
43- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي : ج ٦ ص ٥٤٤.
44- ميزان الحكمة، محمد الريشهري: ج ٢ ص ٩٩٩.
45- نفس المصدر السابق: ج ٤ ص ٣٦٧٠.
46- نفس المصدر السابق.
47- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: ج ٣ ص١٥٨، الشريعة للآجري، كتاب فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما، باب ذكر حمل النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين رضي الله عنهما على ظهره في الصلاة وغير الصلاة حديث رقم 1602، وفي المصنف لابن أبي شيبة عن جابر عن أبي جعفر قال: {مر رسول الله صلى الله عليه[واله]وسلم بالحسن والحسين وهو حاملهما على مجلس من مجالس الأنصار فقالوا: يا رسول الله نعمت المطية قال: ونعم الراكبان} ص: 515،وعن عبد اللَّه بن جعفر أيضًا قال: كان رسول الله صلى الله عليه[واله] وسلم إذا قدم من سفر تُلُقِّيَ بصبيان أهل بيته، قال: وإنه جاء من سفر فسُبِق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة الحسن والحسين رضي اللَّه عنهم فأردفه خلفه، قال: فأُدخلنا المدينة ثلاثة على دابة. وحمل صلى الله عليه[واله] وسلم الحسن والحسين على عاتقيه (كتفيه)، وقال: "نِعم الراكبان هما، وأبوهما خير منهما".







وائل الوائلي
منذ 4 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN