المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



تفسير آية (141-144) من سورة الانعام  
  
4969   06:49 مساءً   التاريخ: 6-11-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأنعام /

قال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141) وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142) ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (143) وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [الأنعام : 141 - 144] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام : 141] .

لما حكى سبحانه عن المشركين ، أنهم جعلوا بعض الأشياء للأوثان ، عقب ذلك البيان ، بأنه الخالق لجميع الأشياء ، فلا يجوز إضافة شيء منها إلى الأوثان ، ولا تحليل ذلك ، ولا تحريمه ، إلا بإذنه ، فقال : {وهو الذي أنشأ} أي : خلق وابتدع لا على مثال {جنات} أي : بساتين فيها الأشجار المختلفة {معروشات} مرفوعات بالدعائم ، قيل : هو ما عرشه الناس من الكروم ونحوها ، عن ابن عباس ، والسدي . وقيل : عرشها أن يجعل لها حظائر كالحيطان ، عن أبي علي قال : وأصله الرفع ، ومنه قوله تعالى {خاوية على عروشها} يعني : على أعاليها ، وما ارتفع منها ما لم تندك فتسوى بالأرض . {وغير معروشات} يعني : ما خرج من قبل نفسه في البراري والجبال من أنواع الأشجار ، عن ابن عباس . وقيل : معناه غير مرفوعات ، بل قائمة على أصولها مستغنية عن التعريش ، عن أبي مسلم {والنخل والزرع} أي : وأنشأ النخل والزرع {مختلفا أكله} أي : طعمه . وقيل : ثمره ، وقيل : هذا وصف للنخل والزرع جميعا ، فخلق سبحانه بعضها مختلف اللون والطعم والرائحة والصورة . وبعضها مختلفا في الصورة ، متفقا في الطعم ، وبعضها مختلفا في الطعم ، متفقا في الصورة وكل ذلك يدل على توحيده وعلى أنه قادر على ما يشاء ، عالم بكل شيء .

{والزيتون والرمان} أي : وأنشأ الزيتون والرمان {متشابها} في الطعم واللون والصورة {وغير متشابه} فيها ، وإنما قرن الزيتون إلى الرمان ، لأنهما متشابهان باكتناز الأوراق في أغصانها {كلوا من ثمره إذا أثمر} المراد به الإباحة ، وإن كان بلفظ الأمر ، قال الجبائي ، وجماعة : هذا يدل على جواز الأكل من الثمر وإن كان فيه حق الفقراء .

{وآتوا حقه يوم حصاده} هذا أمر بإيتاء الحق يوم الحصاد ، على الجملة ، والحق الذي يجب اخراجه يوم الحصاد فيه قولان أحدهما : إنه الزكاة العشر ، أو نصف العشر ، عن ابن عباس ، ومحمد بن الحنفية ، وزيد بن أسلم ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة ، والضحاك ، وطاوس والثاني : إنه ما تيسر مما يعطى المساكين ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، وعطا ، ومجاهد ، وابن عمر . وسعيد بن جبير ، والربيع بن أنس . وروى أصحابنا أنه الضغث بعد الضغث ، والحفنة بعد الحفنة (2) ، وقال إبراهيم ، والسدي : الآية منسوخة بفرض العشر ، ونصف العشر ، لأن هذه الآية مكية ، وفرض الزكاة إنما أنزل بالمدينة ، ولما روي أن الزكاة نسخ كل صدقة ، قالوا : ولأن الزكاة لا تخرج يوم الحصاد ، قال علي بن عيسى : وهذا غلط لأن {يوم حصاده} ظرف لحقه ، وليس للإيتاء المأمور به .

{ولا تسرفوا} أي : لا تجاوزوا الحد وفيه أقوال أحدها : إنه خطاب لأرباب الأموال ، لا تسرفوا بأن تتصدقوا بالجميع ، ولا تبقوا للعيال شيئا ، كما فعل ثابت بن قيس بن شماس ، فإنه صرم خمسين نخلا ، وتصدق بالجميع ، ولم يدخل منه شيئا في داره لأهله ، عن أبي العالية ، وابن جريج . وثانيها : إن معناه ولا تقصروا بأن تمنعوا بعض الواجب ، والتقصير سرف ، عن سعيد بن المسيب وثالثها : إن المعنى : لا تسرفوا في الأكل قبل الحصاد ، كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء ، عن أبي مسلم ورابعها : إن معناه لا تنفقوه في المعصية ، ولا تضعوه في غير موضعه ، وفي جميع هذه الأقوال الخطاب لأرباب الأموال وخامسها : إن الخطاب للأئمة ، ومعناه : لا تأخذوا ما يجحف بأرباب الأموال ، ولا تأخذوا فوق الحق ، عن ابن زيد وسادسها :

إن الخطاب للجميع ، بأن لا يسرف رب المال في الإعطاء ، ولا الإمام في الأخذ ، وصرف ذلك إلى غير مصارفه ، وهذا أعم فائدة {إنه لا يحب المسرفين} ظاهر المعنى .

- {وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام : 142 - 144] .

ثم عطف سبحانه ، على ما عده فيما تقدم ، من عظيم الأنعام ببيان نعمته في إنشاء الأنعام ، فقال {ومن الأنعام} أي : وأنشأ من الأنعام {حمولة وفرشا} قد قيل فيه أقوال أحدها : إن الحمولة : كبار الإبل ، والفرش : صغارها ، عن ابن عباس ، وابن مسعود ، بخلاف ، والحسن ، بخلاف ، ومجاهد . وثانيها : إن الحمولة : ما يحمل عليه من الإبل ، والبقر ، والفرش : الغنم ، عن الحسن في رواية أخرى ، وقتادة ، والربيع ، والسدي ، والضحاك ، وابن زيد وثالثها : إن الحمولة : كل ما حمل من الإبل والبقر ، والخيل ، والبغال ، والحمير ، والفرش : الغنم ، عن ابن عباس في رواية أخرى ، فكأنه ذهب إلى أنه يدخل في الأنعام الحافر ، على وجه التبع . رابعها : إن معناه : ما ينتفعون به في الحمل ، وما يفترشونه في الذبح ، فمعنى الافتراش : الاضطجاع للذبح ، عن أبي مسلم ، قال : وهو كقوله : {فإذا وجبت جنوبها} . وروي عن الربيع بن أنس أيضا : إن الفرش : ما يفرش للذبح أيضا وخامسها : إن الفرش ما يفرش أصوافها وأوبارها ، ويرجع الصفتان إلى الأنعام ، أي : من الأنعام ما يحمل عليه ، ومنها ما يتخذ من أوبارها ، وأصوافها ما يفرش ، ويبسط ، عن أبي علي الجبائي .

{كلوا مما رزقكم الله} أي : استحلوا الأكل مما أعطاكم الله ، ولا تحرموا شيئا منها ، كما فعله أهل الجاهلية ، في الحرث والأنعام ، وعلى هذا يكون الأمر على ظاهره ، ويمكن أن يكون أراد نفس الأكل ، فيكون بمعنى الإباحة . {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} مضى تفسيره في سورة البقرة .

ثم فسر تعالى الحمولة ، والفرش ، فقال : {ثمانية أزواج} وتقديره : وأنشأ ثمانية أزواج أنشأ {من الضأن اثنين ومن المعز اثنين} و {من الإبل اثنين ومن البقر اثنين} وإنما أجمل ثم فضل المجمل ، لأنه أراد أن يقرر على شيء ، شيء منه ، ليكون أشد في التوبيخ ، من أن يذكر ذلك دفعة واحدة ، ومعناه : ثمانية أفراد ، لأن كل واحد من ذلك يسمى زوجا ، فالذكر زوج الأنثى ، والأنثى زوج الذكر ، كما قال تعالى {أمسك عليك زوجك} .

وقيل : معناه ثمانية أصناف : من الضأن ، اثنين ، يعني الذكر والأنثى ، ومن المعز اثنين ، الذكر والأنثى ، والضأن : ذوات الصوف من الغنم . والمعز : ذوات الشعر منه ، وواحد الضأن : ضائن ، كقولهم تاجر وتجر . والأنثى : ضائنة . وواحد المعز : ماعز .

وقيل : إن المراد بالاثنين الأهلي والوحشي من الضأن والمعز والبقر ، والمراد بالاثنين من الإبل العراب والبخاتي ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام ، وإنما خص هذه الثمانية ، لأنها جميع الأنعام التي كانوا يحرمون منها ما يحرمونه ، على ما تقدم ذكره .

{قل} يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يحرمون ما أحل الله تعالى : {آلذكرين} من الضأن والمعز {حرم} الله ، {أم الأنثيين} منهما {أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} أي : أم حرم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن . والأنثى من المعز .

وإنما ذكر الله سبحانه هذا على وجه الإحتجاج عليهم ، بين به فريتهم وكذبهم على الله تعالى ، فيما ادعوا من أن ما في بطون الأنعام حلال للذكور ، وحرام على الإناث ، وغير ذلك مما حرموه ، فإنهم لو قالوا : حرم الذكرين ، لزمهم أن يكون كل ذكر حراما ، ولو قالوا : حرم الأنثيين ، لزمهم أن يكون كل أنثى حراما ، ولو قالوا : حرم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضأن والمعز ، لزمهم تحريم الذكور والإناث ، فإن أرحام الإناث تشتمل على الذكور والإناث ، فيلزمهم بزعمهم تحريم هذا الجنس صغارا وكبارا ، وذكورا وإناثا ، ولم يكونوا يفعلون ذلك ، بل كان يخصون بالتحريم بعضا دون بعض ، فقد لزمتهم الحجة .

ثم قال {نبئوني بعلم إن كنتم صادقين} معناه : أخبروني بعلم عما ذكرتموه من تحريم ما حرمتموه ، وتحليل ما حللتموه ، إن كنتم صادقين في ذلك {ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين} هذا تفصيل لتمام الأزواج الثمانية {قل} يا محمد {آلذكرين حرم} الله منهما {أم الأنثيين أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين} قد تقدم معناه {أم كنتم شهداء} أي : حضورا {إذ وصاكم الله بهذا} أي : أمركم به ، وحرمه عليكم ، حتى تضيفوه إليه ، وإنما ذكر ذلك لأن طريق العلم : إما الدليل الذي يشترك العقلاء في إدراك الحق به ، أو المشاهدة التي يختص بها بعضهم دون بعض ، فإذا لم يكن واحد من الأمرين ، سقط المذهب ، والمراد بذلك أعلمتموه بالسمع ، والكتب المنزلة ، وأنتم لا تقرون بذلك ، أم شافهكم الله تعالى به فعلتموه؟ وإذا لم يكن واحد منهما ، فقد علم بطلان ما ذهبتم إليه .

{فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا} أي : من أظلم لنفسه ممن كذب على الله ، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرمه ، وتحليل ما لم يحلله {ليضل الناس بغير علم} أي : يعمل عمل القاصد إلى إضلالهم ، من أجل دعائه إياهم إلى ما لا يثق بصحته ، مما لا يأمن من أن يكون فيه هلاكهم ، وإن لم يقصد إضلالهم {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} إلى الثواب ، لأنهم مستحقون العقاب الدائم ، بكفرهم ، وضلالهم .

______________________________

1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 177-182 .

2 . الضغث : قبضة حشيش يختلط فيها الرطب باليابس . الحفنة بالمهملة : ملاء الكفين .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

بعد أن بيّن سبحانه في الآيات السابقة ان المشركين حرموا ما حرموا من الزرع والانعام افتراء على اللَّه - بيّن في هذه الآيات انه خلق الزرع والانعام ليتنعم الإنسان بها ، قال عز من قائل : { وهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ » مرفوعة فروعها على دعائم { وغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ } متروكة على الطبيعة { والنَّخْلَ والزَّرْعَ } عطف على جنات من باب عطف الخاص على العام { مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ } د على أصناف ، ولكل صنف طعم ، والثمار أشكال ألوان طعما ورائحة ، والبقول كذلك { والزَّيْتُونَ والرُّمَّانَ } أيضا عطف على جنات { مُتَشابِهاً وغَيْرَ مُتَشابِهٍ } فثمر الرمان يشبه بعضه بعضا ، ولكن منه الحلو ، ومنه الحامض ، وكذلك الليمون ، وثمر الزيتون منه الجيد ومنه الرديء { كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ } لأنه خلق من أجلكم { وآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ } قيل : المراد بحقه الزكاة .

وقيل : الصدقة المستحبة ، وكلا القولين خلاف الظاهر ، والمتبادر إلى الذهن أن يجمع ولا يترك عرضة للتلف والضياع { ولا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } الإسراف تجاوز الحد ، وقد نهى اللَّه عنه ، سواء أ كان في الإنفاق على النفس ، أم الإعطاء إلى الغير .

{ ومِنَ الأَنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشاً } أي وأنشأ من الانعام ما يحملكم ويحمل أثقالكم كالإبل والبقر ، وما تذبحونه وتنتفعون بلحمه وصوفه وشعره ووبره { كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ } كهذه الانعام وغيرها ، واشكروه على نعمه { ولا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ } بتحليل ما حرم اللَّه ، وتحريم ما أحله ، وبالإسراف والتبذير { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } يأمركم بالسوء والفحشاء وان تقولوا على اللَّه ما لا تعلمون .

{ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ } . كلمة الزوج تطلق على كل واحد له قرين ، كأحد الزوجين من الذكر والأنثى ، وأحد النعلين ، ويقال للاثنين معا : زوجان { مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ } الذكر والأنثى ، وكلمة الضأن تختص بالغنم ما نص أهل اللغة ، ولا تشمل المعز بدليل عطفه على الضأن { ومِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ } الذكر والأنثى :

والمعز جنس له واحد من لفظه ، وهو ماعز للذكر والأنثى ، ويقال للأنثى : ماعزة ومعزاة { قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ } الذكر من الضأن والذكر من المعز { أَمِ الأُنْثَيَيْنِ } الأنثى من الضأن والأنثى من المعز { أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ } أم حرم الأجنة في بطن الأنثى من الضأن ، وبطن الأنثى من المعز { نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ } لا بحدس وهوى وتقليد . لأن التحريم يحتاج إلى دليل قاطع ، فأين هو ؟ .

{ ومِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ } الذكر والأنثى ، الجمل والناقة ، والإبل اسم جمع كالقوم لا واحد له من لفظه . { ومِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ } الذكر والأنثى { قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ } من الإبل والبقر { أَمِ الأُنْثَيَيْنِ } منهما { أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الأُنْثَيَيْنِ } أم الأجنة في بطن الناقة ، وبطن البقرة . { أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهذا } زعموا ان اللَّه هو الذي حرّم ما حرموا من الأنعام والحرث ، فقال لهم : ان الشيء لا يثبت إلا بواحد من اثنين : اما بالعيان ، وإما بشهادة الشاهد الصادق ، وأنتم لم تأخذوا التحريم من اللَّه مباشرة ، ولا بواسطة أنبيائه ورسله ، فمن أين أتيتم بهذه الأحكام ؟ . { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً } إذا لم تعاينوا ، ولم يشهد لكم شاهد أمين فأنتم - إذن - مفترون ، والمفتري ظالم آثم ، بل أنتم أظلم من كل ظالم ، لأنكم على اللَّه ، لا على سواه تفترون . . { لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } يصدهم عن سبيل اللَّه ، وفي الوقت نفسه يزعم انه الهادي إلى دين اللَّه ، شأن أكثر المعممين في هذا العصر { إِنَّ اللَّهً لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } لأنهم قطعوا كل صلة بينهم وبين اللَّه ، بل حرموا حلاله ، وحللوا حرامه .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 273-274 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ـ إلى قوله ـ وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ} الشجرة المعروشة هي التي ترفع أغصانها بعضا على بعض بدعائم كالكرم وأصل العرش الرفع فالجنات المعروشات هي بساتين الكرم ونحوها ، والجنات غير المعروشات ما كانت أشجارها قائمة على أصولها من غير دعائم .

وقوله : {وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} أي ما يؤكل منه من الحبات كالحنطة والشعير والعدس والحمص .

وقوله : {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ} أي متشابه كل منها وغير متشابه على ما يفيده السياق ، والتشابه بين الثمرتين باتحادهما في الطعم أو الشكل أو اللون أو غير ذلك .

قوله تعالى : {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ} إلى آخر الآية ، الأمر للإباحة لوروده في رفع الحظر الذي يدل عليه إنشاء الجنات والنخل والزرع وغيرها ، والسياق يدل على أن تقدير الكلام : وهو الذي أنشأ جنات والنخل والزرع إلخ ، وأمركم بأكل ثمر ما ذكر وأمركم بإيتاء حقه يوم حصاده ، ونهاكم عن الإسراف . فأي دليل أدل من ذلك على إباحتها ؟

وقوله : {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} أي الحق الثابت فيه المتعلق به فالضمير راجع إلى الثمر وأضيف إليه الحق لتعلقه به كما يضاف الحق أيضا إلى الفقراء لارتباطه بهم وربما احتمل رجوع الضمير إلى الله كالضمير الذي بعده في قوله : {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} وإضافته إليه تعالى لانتسابه إليه بجعله .

وهذا إشارة إلى جعل حق ما للفقراء في الثمر من الحبوب والفواكه يؤدي إليهم يوم الحصاد يدل عليه العقل ويمضيه الشرع وليس هو الزكاة المشرعة في الإسلام إذ ليست في بعض ما ذكر في الآية زكاة . على أن الآية مكية وحكم الزكاة مدني .

نعم لا يبعد أن يكون أصلا لتشريعها فإن أصول الشرائع النازلة في السور المدنية نازلة على وجه الإجمال والإبهام في السور المكية كقوله تعالى بعد عدة آيات عند تعداد كليات المحرمات : {قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ إلى أن قال ـ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ} [الأنعام : 151] .

وقوله : {وَلا تُسْرِفُوا} إلخ ، أي لا تتجاوزوا الحد الذي يصلح به معاشكم بالتصرف فيه فلا يتصرف صاحب المال منكم بالإسراف في أكله أو التبذير في بذله أو وضعه في غير موضعه من معاصي الله وهكذا ، ولا يسرف الفقير الأخذ بتضييعه ونحو ذلك ، ففي الكلام إطلاق ، والخطاب فيه لجميع الناس .

وأما قول بعضهم : إن الخطاب في {لا تُسْرِفُوا} مختص بأرباب الأموال ، وقول بعض آخر : إنه متوجه إلى الإمام الآخذ للصدقة ، وكذا قول بعضهم : إن معناه لا تسرفوا بأكله قبل الحصاد كيلا يؤدي إلى بخس حق الفقراء ، وقول بعض آخر : إن المعنى : لا تقصروا بأن تمنعوا بعض الواجب ، وقول ثالث : إن المعنى لا تنفقوه في المعصية ، كل ذلك مدفوع بالإطلاق والسياق .

قوله تعالى : {وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} إلى آخر الآية ، الحمولة أكابر الأنعام لإطاقتها الحمل ، والفرش أصاغرها لأنها كأنها تفترش على الأرض أو لأنها توطأ كما يوطأ الفرش ، وقوله : {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} إباحة للأكل وإمضاء لما يدل عليه العقل نظير قوله في الآية السابقة : {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} ، وقوله : {لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} أي لا تسيروا في هذا الأمر المشروع إباحته باتباع الشيطان بوضع قدمكم موضع قدمه بأن تحرموا ما أحله ، وقد تقدم أن المراد باتباع خطوات الشيطان تحريم ما أحله الله بغير علم .

قوله تعالى : {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} إلى آخر الآية ، تفصيل للأنعام بعد الإجمال والمراد به تشديد اللوم والتوبيخ عليهم ببسطه على كل صورة من الصور والوجوه ، فقوله : {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} عطف بيان من {حَمُولَةً وَفَرْشاً} في الآية السابقة .

والأزواج جمع زوج ، ويطلق الزوج على الواحد الذي يكون معه آخر وعلى الاثنين ، وأنواع الأنعام المعدودة أربعة : الضأن والمعز والبقر والإبل ، وإذا لوحظت ذكرا وأنثى كانت ثمانية أزواج .

والمعنى : أنشأ ثمانية أزواج من الضأن زوجين اثنين هما الذكر والأنثى ومن المعز زوجين اثنين كالضأن قل آلذكرين من الضأن والمعز حرم الله أم الأنثيين منهما أم حرم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين من الضأن والمعز نبئوني ذلك بعلم إن كنتم صادقين .

قوله تعالى : {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ـ إلى قوله ـ الْأُنْثَيَيْنِ} معناه ظاهر مما مر ، وقيل : المراد بالاثنين في المواضع الأربعة من الآيتين الأهلي والوحشي .

قوله تعالى : {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا} إلى آخر الآية . هذا شق من ترديد حذف شقه الآخر على ما يدل عليه الكلام ، وتقديره : أعلمتم ذلك من طريق الفكر كعقل أو سمع أم شاهدتم تحريم الله ذلك وشافهتموه فادعيتم ذلك .

وقوله : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} إلخ ، تفريع على ما قبله باعتبار دلالته على انقطاعهم عن الجواب وعلى ذلك فمعناه : فمن أظلم منكم ، ويكون قوله :

{مِمَّنِ افْتَرى} إلخ ، كناية عن المشركين المخاطبين وضع موضع ضمير الخطاب الراجع إليهم ليدل به على سبب الحكم المفهوم من الاستفهام الإنكاري والتقدير : لا أظلم منكم لأنكم افتريتم على الله كذبا لتضلوا الناس بغير علم ، وإذ ظلمتم فإنكم لا تهتدون إن الله لا يهدي القوم الظالمين .

_________________________

1. تفسير الميزان ، ج7 ، 307-309 .

 

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام : 141] .

درس عظيم على درب التوحيد :

لقد جاءت الإشارة في هذه الآية إلى عدّة مواضيع ، كل واحد منها متفرع عن الآخر ، ونتيجة عنه .

فهو تعالى يقول أوّلا : إنّ الله تعالى هو الذي خلق أنواع البساتين والمزارع الحاوية على أنواع الأشجار والنباتات ، فمنها ما يعتمد في موقفه على الأعمدة والعروش حيث تحمل ما لذّ وطاب من الفواكه والثمار ، وتخلب بمنظرها الساحر العيون والألباب ، ومنها ما لا يحتاج إلى عريش ، بل هو قائم على سوقه يلقي بظلاله الوارفة على رؤوس الآدميّين ، ويسدّ بثماره المتنوعة حاجة الإنسان إلى الغذاء : {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ} .

لقد ذهب المفسّرون في تفسير كلمة «معروش» و «غير معروش» إلى ثلاثة احتمالات :

1ـ ما أشرنا إليه قبل قليل ، فالمعروش هو الأشجار والنباتات التي لا تقوم على سوقها بل تحتاج إلى عروش وسقف ، وغير المعروش هو الأشجار والنباتات التي تقوم على سوقها ولا تحتاج إلى عروش وسقف ، (لأنّ العرش يدلّ على ارتفاع في شيء ، ولهذا يقال لسقف البيت عرش ، ويقال للسرير المرتفع عرش) .

2ـ إنّ المراد من «المعروش» هو الأشجار المنزلية وما يزرعه الناس ويحفظ بواسطة الحيطان في البساتين ، ومن «غير المعروش» الأشجار البرّية والنباتات الصحراوية والجبلية وما ينبت في الغابات .

3ـ «المعروش» هو ما يقوم على ساقه من الأشجار أو يرتفع على الأرض ، و «غير المعروش» هو الأشجار التي تمتد على الأرض .

ولكن يبدو أنّ المعنى الأوّل أنسب ، هنا ، ولعلّ ذكر «المعروشات» في مطلع الحديث إنّما هو لأجل بنيان هذا النوع من الأشجار وتركيبها العجيب ، فإنّ نظرة عابرة إلى شجرة الكرم وقضبان العنب وسيقانها الملتوية العجيبة ، والمزوّدة بكلاليب ومقابض خاصّة ، وكيفية التفافها بكل شيء حتى تستطيع أن تنمو ، وتثمر ، خير شاهد على هذا الزعم .

ثمّ إنّ الآية تشير إلى نوعين من البساتين والمزارع إذ تقول : {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ} .

وذكر هذين النوعين بالخصوص إنّما هو لأهميتهما الخاصّة في حياة البشر ، ودورهما في نظامه الغذائي (ولا بدّ أن تعرف أن الجنّة كما تطلق على البستان ، كذلك تطلق على الأرض التي غطّاها الزرع) .

ثمّ إنّه تعالى يضيف قائلا : إنّ هذه الأشجار مختلفة ومتنوعة من حيث الثمر والطعم . فمع أنّ جميعها ينبت من أرض واحدة ويسقى بماء واحد فإن لكل واحدة منها رائحة خاصّة ، ونكهة معينة ، وخاصية تختص بها ، ولا توجد في غيرها : {مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ} (2) .

ثمّ يشير سبحانه إلى قسمين آخرين من الثمار عظيمي الفائدة ، جليلي النفع في مجال التغذية البشرية إذ يقول : {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ} .

إن إختيار هاتين بالذكر من بين أشجار كثيرة إنّما هو لأجل أن هاتين الشجرتين : (شجرة الزيتون وشجرة الرمان) رغم تشابههما من حيث الظاهر والمظهر تختلفان اختلافا شاسعا من حيث الثمرة ، ومن حيث الخاصية الغذائية ، ولهذا عقّب على قوله ذلك بهاتين الكلمتين : {مُتَشابِهاً ، وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ} (3) .

وبعد ذكر كلّ هذه النعم المتنوّعة يقول سبحانه : {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ ، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} .

ثمّ ينهى في نهاية المطاف عن الإسراف إذ يقول تعالى : {وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} .

«الإسراف» تجاوز حدّ الاعتدال في كل فعل يفعله الإنسان . وهذه الجملة يمكن أن تكون إشارة إلى عدم الإسراف في الأكل ، أو عدم الإسراف في الإنفاق والبذل ، لأنّ البعض قد يسرف في البذل والإنفاق إلى درجة أنّه يهب كل ما عنده إلى هذا وذاك ، فيقع هو وأبناؤه وأهله في عسر وفقر وحرمان !!

{وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام : 142-144] .

إنّ هذه الآيات ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ بصدد إبطال أحكام خرافيّة جاهليّة كان المشركون يدينون بها في مجال الزراعة والأنعام .

ففي الآية المتقدمة جرى الحديث حول أنواع المزروعات والثمار التي أنشأها الله ، وفي هذه الآيات يدور الحديث حول الحيوانات المحلّلة اللحم ، وما تؤديه من خدمات ، وما يأتي منها من منافع .

يقول أوّلا : إنّ الله هو الذي خلق لكم حيوانات كبيرة للحمل والنقل ، وأخرى صغيرة : {وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً} (4) .

و «حمولة» جمع وليس لها مفرد ـ كما قال علماء اللغة ـ وتعني الحيوانات الكبيرة التي تستخدم للحمل والنقل كالإبل والفرس ونظائرها .

و «فرش» هو بنفس المعنى المتعارف ، ولكن فسّر هنا بالغنم وما يشابهه من الحيوانات الصغيرة ، والظاهر أنّ العلة في ذلك هو أنّ هذا النوع من الأنعام لصغرها واقترابها من الأرض كالفراش في مقابل الأنعام والحيوانات الكبيرة الجثة ـ التي تقوم بعملية الحمل والنقل ، كالإبل ـ فعند ما نشاهد قطعيا من الأغنام وهي مشغولة بالرعي في الصحاري والمراعي بدت لنا وكأنّها فرش ممدودة على الأرض ، في حين أن قطيع الإبل لا يكون له مثل هذا المنظر .

ثمّ إنّ تقابل «الحمولة» «الفرش» أيضا يؤيد هذا المعنى .

وقد ذهب بعض المفسّرين إلى احتمال آخر أيضا ، وهو أن المراد من هذه الكلمة هي الفرش التي يتخذها الناس من هذه الأنعام والحيوانات ، يعني أن الكثير من هذه الحيوانات تستخدم للحمل والنقل ، كما يستفاد منها في صنع الفرش . ولكن الاحتمال الأوّل أقرب إلى معنى الآية .

ثمّ إنّ الآية الشريفة تخلص إلى القول بأنه لمّا كانت جميع هذه الانعام قد خلقها الله تعالى وحكمها بيده ، فإنّه يأمركم قائلا : {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} .

أمّا أنّه لماذا لا يقول : كلوا من هذه الأنعام والحيوانات ، بل يقول : {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ}؟ فلأن الحيوانات المحلّلة اللحم لا تنحصر في ما ذكر في هذه الآيات ، بل هناك حيوانات أخرى محلّلة اللحم أيضا ولكنّها لم تذكر في الآيات السابقة .

ولتأكيد هذا الكلام وإبطال أحكام المشركين الخرافية يقول : {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} فهو الذي أعلن الحرب على آدم منذ بداية الخلق .

وهذه العبارة إشارة إلى أن هذه الأحكام والمقررات العارية عن الدليل ، والتي تنبع فقط من الهوى والجهل ، ما هي إلّا وساوس شيطانية من شأنها أن تبعدكم عن الحق خطوة فخطوة ، وتؤدي بكم إلى متاهات الحيرة والضلالة .

هذا وقد مرّ توضيح أكثر لهذه العبارة عند تفسير الآية (168) من سورة البقرة .

الآية الثانية تبيّن قسما من الحيوانات المحلّلة اللحم ، وبعض الأنعام التي يستفاد منها في النقل ، كما يستفاد منها في تغذية البشر وطعامهم أيضا فيقول : إنّ الله خلق لكم ثمانية أزواج من الأنعام : زوجين من الغنم (ذكر وأنثى) ، وزوجين من المعز : {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ (5) مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ} .

وبعد ذكر هذه الأزواج الأربعة يأمر تعالى نبيّه فورا بأن يسألهم بصراحة : هل أن الله حرّم الذكور منها أم الإناث : {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ}؟! أم أنّه حرّم عليهم ما في بطون الإناث من الأغنام ، أم ما في بطون الإناث من المعز؟ : {أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ}؟!

ثمّ يضيف قائلا : إذا كنتم صادقين في أنّ الله حرّم شيئا ممّا تدعونه ، وكان لديكم ما يدلّ على تحريم أي واحد من هذه الأنعام فهاتوا دليلكم على ذلك :

{نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} .

ثمّ في الآية اللاحقة يبيّن الأزواج الأربعة الأخرى من الأنعام التي خلقها الله للبشر ، إذ يقول : وخلق من الإبل ذكرا وأنثى ، ومن البقر ذكرا وأنثى ، فأي واحد من هذه الأزواج حرّم الله عليكم : الذكور منها أم الإناث؟ أم ما في بطون الإناث من الإبل والبقر : {وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ، أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ} ؟!

وحيث أن الحكم بتحليل هذه الأنعام وتحريمها إنّما هو بيد الله خالقها وخالق البشر وخالق العالم كله ، من هنا يتوجّب على كلّ من يدّعي تحليل أو تحريم شيء منها ، إمّا أن يثبت ذلك عن طريق شهادة العقل ، وإمّا أن يكون قد أوحي له بذلك ، أو يكون حاضرا عند النّبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم عند صدور هذا الحكم منه .

ولقد صرّح في الآية السابقة بأنّه لم يكن لدى المشركين أي دليل علميّ أو عقليّ على تحريم هذه الأنعام ، وحيث أنّهم لو يدّعوا أيضا نزول الوحي عليهم ، أو النبوة ، فعلى هذا يبقى الاحتمال الثالث فقط ، وهو أن يدّعوا أنّهم حضروا عند أنبياء الله ورسله يوم أصدروا هذه الأحكام ، ولهذا يقوم الله لهم في مقام الإحتجاج عليهم : هل حضرتم عند الأنبياء وشهدتم أمر الله لهم بتحليل أو تحريم شيء من هذه الأنعام : {أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بها} ؟!

وحيث إنّ الجواب على هذا السؤال هو الآخر بالنفي والسلب ، يثبت أنّهم ما كانوا يمتلكون في هذا المجال إلّا الافتراء ، ولا يستندون إلّا إلى الكذب .

ولهذا يضيف في نهاية الآية قائلا : {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً ، لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (6) .

فيستفاد من هذه الآية أن الافتراء على الله من أكبر الذنوب والآثام ، إنّه ظلم لله تعالى ولمقامه الربويّ العظيم ، وظلم لعباد الله ، وظلم النفس ، وللتعبير بـ «أظلم» في مثل هذه الموارد كما قلنا سابقا ، جانب نسبيّ ، وعلى هذا فلا مانع من استعمال نفس هذا التعبير بالنسبة إلى بعض الذنوب الكبيرة الأخرى .

كما ويستفاد من هذه الآية أيضا أن الهداية والإضلال الإلهيين لا يكونان بالجبر ، بل إن لهما مقدمات وعللا تبدأ من الإنسان نفسه وتتحقق بفعله هو ، فعند ما يعمد أحد باختياره إلى ممارسة الظلم والجور يحرمه الله حينئذ من عنايته وحمايته ، ويتركه يضيع في متاهات الحيرة والضلالة .

__________________________

1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 234-241 .

2. الأكل : بضم الألف وضم أو سكون الكاف يعني ما يؤكل .

3. تقدم لنا توضيح في هذا المجال عند تفسير الآية (99) من نفس هذه السورة .

4. الواو في صدر الآية هي واو العاطفة وما بعدها عطف على الجنات في الآية السابقة .

5. أزواج جمع «زوج» تعني في اللغة ما يقابل الفرد ، ولكن يجب الانتباه إلى أنّه ربّما يراد منه مجموع الذكر والأنثى ، وربّما يطلق على كل واحد من الزوجين ، ولهذا يطلق على الذكر والأنثى معا : زوجين ، واستعمال لفظ الأزواج الثمانية في الآية إشارة إلى الذكور الأربعة من الأصناف الأربعة ، والإناث الأربع من تلك الأصناف .

ويحتمل أيضا أن يكون المراد من الأزواج الثمانية في الآية : الأليف من تلك الأصناف الأربعة وما يقابلها من الوحشي ، أي الذكر والأنثى من الغنم الأليف ، والذكر والأنثى من الغنم الوحشي ، وهكذا . . . فتكون الأزواج حينئذ الأزواج حينئذ ثمانية .

6. ثمّة احتمالات عديدة حول ما هو متعلق بالجار والمجرور في قوله : «بغير علم» ، ولكن لا يبعد أن يكون هذا الظرف متعلقا بفعل : «يضل» يعني أنّهم بسبب جهلهم يضلون الناس .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .